الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتحسن الإشارة ابتداءً إلى أن العاملين على الزكاة الذين يتقاضون راتبًا مكافئًا لعملهم من بيت المال لا يحق لهم الجمع في الأخذ بين بيت المال وسهم العاملين عليها، ولم أقف على خلافٍ في ذلك بين الفقهاء، فقد قرروا أن الحاكم والقاضي لا يحق لهم الأخذ من مصرف العاملين عليها لأخذهم من بيت المال، وكذا غيرهم (1).
وبتطبيق ذلك على الواقع نجد أن الموظفين في المؤسسات المختصة بجباية الزكاة وتوزيعها على نوعين:
النوع الأول
منهم: ممن يتقاضى مرتبا دوريًّا من بيت مال الدولة لأجل هذا العمل، كما هو الحال في أقسام جباية الزكاة الحكومية التي تديرها الدولة، فهؤلاء كما تقدم لا يستحقون الأخذ من هذا المصرف.
النوع الثاني:
العاملون في المؤسسات والجهات الأهلية التي تديرها مجالس خيرية، وإنما تشرف عليها الدولة إشرافًا عامًّا، وإلا فهي مستقلة عن الدوائر الحكومية في إدارتها المباشرة، وبالتالي فإنها تُمَوَّل من المحسنين، وهذا النوع من الموظفين هم ممن ينطبق عليهم وصف العاملين في الزكاة، وذلك لما يلي:
1 -
أن النص القرآني ذَكَرَ وصف العاملين عليها في أصناف الزكاة بلا تقييد، وهذا يشمل كل مَنْ عمل عملًا في سبيل تحقيق مهمة جمع الزكاة أو توزيعها، سواء باشر ذلك أو لم يباشر، كالحافظ لها والكاتب والقاسم والحاشر (2) والكيَّال والوَّزان
(1) ينظر: بدائع الصنائع 2/ 43، التاج والإكليل 3/ 230، روضة الطالبين 2/ 313، قال ابن قدامة:"وإن رأى الإمام أعطاه أجرا من بيت المال، أو يجعل له رزقًا في بيت المال، ولا يعطيه منها شيئًا فعل، وإن تولى الإمام أو الوالي من قبله، أخذ الصدقة وقسمتها، لم يستحق منها شيئًا، لأنه يأخذ رزقه من بيت المال" المغني 6/ 327.
(2)
الحاشر: هو الذي يجمع أرباب الأموال لأخذ ما عليهم. شرح مختصر خليل 9/ 350.
والعدَّاد والساعي والراعي والسائق والحمَّال والجمَّال وغيرهم ممن نص الفقهاء عليهم (1). ولا شك أن هؤلاء الموظفين سواء منهم من باشر جمع الزكاة وتوزيعها أو لم يباشر، كالإداري والمحاسب والباحث والفني والمراقب وغيرهم، ممن يساهمون بفاعلية في إيصال الزكاة لمستحقيها على الوجه المطلوب.
2 -
كما أن ذكر وصف العاملين عليها دال على أنه هو سبب الإعطاء من الزكاة، فمتى تحقق وصف العمل استحق العامل الأخذَ من الزكاة مقابل عمله، وذلك بقياس غير المنصوص من الأعمال الوظيفية المذكورة على المنصوص عليه لدى الفقهاء مما تقدم ذكره، وذلك أنَّ ذِكْر الحكم - وهو الإعطاء من الزكاة - مقرونًا بوصف مناسب، وهو العاملين عليها، دالٌّ على أن هذا الوصف هو علة الحكم، كما هو مقرر عند الأصوليين في إثبات علة القياس من النص غير الصريح بطريق التنبيه والإيماء (2).
فيتبين مما تقدم استحقاق الموظفين في المؤسسات الزكوية الأخذ من مصرف العاملين عليها، وفق الضوابط التالية:
1 -
أن يكون العمل الذي يقوم به الموظف مما يحتاج إليه في جمع الزكاة وتوزيعها، سواء كان من الأعمال المباشرة للجمع والتوزيع، أو من الأعمال
(1) وقد تقدم بيان ذلك في المطلب الأول من هذا المبحث.
(2)
فإثبات الحكم بطريق قياس العلة الثابتة بالتنبيه والإيماء بالوصف المناسب هو من الطرق المعتبرة عند الأصوليين، وقد عرَّف الآمدي الوصف المناسب بأنه:"وصف ظاهر منضبط يلزم من ترتيب الحكم على وَفْقِه حصولُ ما يصلح أن يكون مقصودا من شرع الحكم". الإحكام 3/ 294، وقال الزركشي في البحر المحيط 7/ 251:"الثالث الإيماء والتنبيه، وهو يدل على العِلِّيَّة بالالتزام؛ لأنه يفهمها من جهة المعنى لا اللفظ، وإلا لكان صريحًا، ووجه دلالته أن ذكره مع الحكم يمنع أن يكون لا لفائدة؛ لأنه عبث، فتعين أن يكون لفائدة". وانظر شرح الكوكب المنير (ص 515).
المساعدة في ذلك، كا لذي يقوم به المحاسبون والباحثون الشرعيون، والإداريون، ونحوهم ممن يُحتاج إليهم للقيام بمهمة العاملين في الزكاة، ولو كثروا (1).
فأما إن كان الموظف يعمل في قسم لا علاقة له بالزكاة كأقسام الصدقات والأوقاف والاستثمار ونحوها، فإنه لا يتحقق فيه وصف العاملين عليها فلا يستحق عندئذ من مصرف العاملين عليها (2). ومثل ذلك إن كان الموظف ممن لا يحتاج إليه في العمل المناط به، فيمكن الاستغناء عنه بلا ضرر أو مشقة، فإنه لا يستحق من مصرف العاملين؛ لما في ذلك من تضييع لمال الزكاة، وصرف لها في غير موطن الحاجة مع وجود كثير من المستحقين في سائر المصارف، ولذا فقد استثنى الفقهاء بعض العاملين في الزكاة لعدم الحاجة إليهم (3).
2 -
أن يُرَاعى في ذلك إعطاء العامل بقدر عمله، وهو موجب العدل معه، فلا ينقص من حقه، وموجب العدل مع غيره، فلا يزاد في نصيب العامل، فيترتب على ذلك النقص على باقي المستحقين (4).
(1) قال في روضة الطالبين 2/ 313: "وإذا لم تقع الكفاية بعامل واحد من ساع وكاتبٍ وغيرهما زِيد قدر الحاجة".
(2)
وقد تقدم بيان المراد بالعاملين عليها في المطلب السابق.
(3)
كالحارس والخازن والكاتب والكيال والوزان والعاد، وقد بيَّنّا ذلك كما في المطلب السابق.
(4)
ويعطى العامل بقدر عمله عند جماهير أهل العلم، جاء في الهداية 1/ 110:"والعامل يدفع الإمام إليه إن عمل بقدر عمله فيعطيه ما يسعه وأعوانه غير مقدر بالثُّمن خلافًا للشافعي رحمه الله. . . " بل قال ابن رشد في بداية المجتهد 1/ 203: "أما العامل عليها فلا خلاف عند الفقهاء أنه دائما يأخذ بقدر عمله". وقال الجصاص في أحكام القرآن 3/ 181: "ولا نعلم خلافًا بين الفقهاء أن العاملين على الزكاة لا يعطون الثّمن، وأنهم يستحقون منها بقدر عملهم". إلا أن القول بإعطائهم الثُّمن مروي عن مجاهد والشافعي وابن حزم وغيرهم، ويظهر أن مراد الشافعي أنه يستحق نصيبه من الثمن في حال وجود باقي الأصناف، فلا=