الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني زكاة الصناديق الاستثمارية
لا تخلو تلك الصناديق من إحدى حالين:
الحال الأولى: أن تكون استثماراتها في نشاط معين مثل النشاط الصناعي أو الزراعي، فلها حكم زكاة هذا النشاط كما تقدم بيانه وتفصيله في زكاة الأسهم (1).
الحال الثانية: أن تكون استثماراتها في النشاط التجاري بتقليب المال بيعًا وشراء، وهو الغالب، فلا يخلو ذلك من أحد حالين:
الحال الأولى: أن تكون حقيقة العلاقة بين الطرفين المتعاقدين هي المضاربة التجارية، فيتبين حكم زكاة تلك الصناديق ببيان حكم زكاة مال المضاربة، وهي كما يلي:
تحرير محل النزاع:
اتفقوا على وجوب زكاة مالك المال لماله في المضاربة أصلًا وربحًا (2)، واختلفوا في زكاة ربح العامل في مال المضاربة على أقوال:
(1) وإن كنت لا أعلم صندوقًا استثماريا بهذه الصفة، إلا أنِّي ذكرت ذلك من باب التأصيل.
(2)
ينظر: رد المحتار على الدر المختار 2/ 268، الفتاوى الهندية 4/ 337، شرح مختصر خليل للخرشي 6/ 209، بلغة السالك 1/ 643، المجموع 6/ 31، المغني 4/ 260، مطالب أولي النهى 2/ 19.
القول الأول: وجوب زكاته على العامل، وذلك عند المقاسمة، وهو قول الحنفية والمالكية والمذهب عند الشافعية (1).
القول الثاني: وجوب زكاة ربح العامل على رب المال، وذلك عند ظهور الربح، وهو قول عند الشافعية (2).
القول الثالث: عدم وجوب زكاته، وهو قول عند الشافعية، ومذهب الحنابلة (3).
أدلة الأقوال:
استدل أصحاب القول الأول: أن المضارب شريك لمالك المال في الربح، فكما يملك صاحب المال نصيبه من الربح، فكذلك المضارب؛ لأن مطلق الشّركة يقتضي المساواة، ويدل على كونه شريكا أنه يملك المطالبة بالقسمة، ويتميز به نصيبه، ولا حكم للشركة إلا هذا، فوجبت في حصته الزكاة (4).
ويناقش: بأنه لم يثبت محل الشّركة وهو الربح إلا بعد القسمة، وتميز مال المضارب عن رب المال؛ لاحتمال جبران الخسارة بالربح قبل القسمة، وعندئذ لا بد من استئناف حول لإيجاب الزكاة.
(1) ينظر: المبسوط 2/ 204، المدونة 3/ 638، بلغة السالك 1/ 645، المجموع 6/ 31، المغني 4/ 260.
(2)
ينظر: الحاوي 3/ 307، المجموع 6/ 31.
(3)
ينظر: المجموع 6/ 31، وقال النووي في ابتداء حول العامل في نصيبه، "الثالث: حكاه أبو حامد أيضا والأصحاب من حين المقاسمة؛ لأنه لا يستقر ملكه إلا من حينئذ، وهذا غلط وإن كان مشهورا؛ لأن حاصله أن العامل لا زكاة في نصيبه؛ لأنه بعد المقاسمة ليس بعامل، بل مالك ملكا مستقرا كامل التصرف فيه، والتفريع على أنه يملك بالظهور، فالقول بأنّه لا يكون حوله إلا من المقاسمة رجوع إلى أنه لا زكاة عليه قبل القسمة". المغني 4/ 260.
(4)
ينظر: المبسوط 2/ 204، المجموع 6/ 31.
استدل أصحاب القول الثاني: بأن الأصل لرب المال، والربح نماء ماله، فوجبت الزكاة عليه (1).
ونوقش: بأن حصة المضارب له، وليست ملكًا لرب المال، بدليل أن للمضارب المطالبة بها، ولو أراد رب المال دفع حصته إليه من غير هذا المال، لم يلزمه قبوله (2).
استدل أصحاب القول الثالث: بأن ملك المضارب غير تام لاحتمال نقصان قيمة الأصل أو خسرانه فيه، والربح وقاية للأصل، ولهذا منع من الاختصاص به، والتصرف فيه لحق نفسه كمال المكاتب، فثبت أن ملكه إنما يكون بعد قسمة المال وحولان حول عليه (3).
الترجيح:
يترجح مما تقدم القول الثالث، وهو عدم إيجاب الزكاة على العامل إلا بعد استحقاقه لنصيبه، ويكون ذلك بعد القسمة (4)، وحولان حول عليه إن كان نصابًا،
(1) المجموع 6/ 31.
(2)
المغني 4/ 260.
(3)
المغني 4/ 260، وكشاف القناع 3/ 520.
(4)
والقول بأن ملك العامل لنصيبه من الربح يكون بالقسمة هو مشهور مذهب المالكية، والأظهر عند الشافعية ورواية عند الحنابلة، وقد استدلوا على ذلك بأدلة منها:
أ - أنه لو ملكه لاختص بربحه، ولوجب أن يكون شريكًا لرب المال كشريكي العنان.
ب - أن من يستحق العمل بالعوض لا يملكه إلا بعد الفراغ من العمل والتسليم، يدل على ذلك أنه لو قال: إذا خطت هذا الثوب فلك دينار، فإنا قد أجمعنا أنه لا يستحق الدينار إلا بعد الفراغ والتسليم.
ج - أن القراض عقد جائز ولا ضابط للعمل فيه، فلا يملك العوض إلا بتمام العمل كالجعالة.
د - أن تأخير تملك الربح لأجل أن يكون وقاية لرأس المال قبل القسمة.=
وذلك لعدم استقرار ملكه قبل القسمة، ولم تجب الزكاة عند القسمة؛ لعدم حولان الحول من حين استقرار الملك، فتعين ابتداء حول من حين قسمة نصيبه من الربح سواء قبضه أو لم يقبضه.
وبناء عليه تجب الزكاة في الصناديق الاستثمارية بالنسبة لرب المال بعد حولان حول زكاته على نصابه، فيحتسب ماله وأرباحه، وتخرج زكاته، وأما زكاة الجهة الاستثمارية المديرة للصندوق فيكون باحتساب حول على استحقاقها للربح.
الحال الثانية: أن تكون حقيقة العلاقة بينهما هي الوكالة بأجر، فتكون زكاة الصندوق الاستثماري، بالنسبة لرب المال هي زكاة مال التجارة، فيحتسب رأس ماله وربحه، ويزكيه بإخراج ربع عشره، إن بلغ ما له نصابًا، وحال حول زكاته.
وأما زكاة أجرة العامل في هذه الصورة، فحكمها كحكم زكاة المال المستفاد، إذا كان من جنس نصاب عنده، وليس من نمائه، وقد تقدم ترجيح القول فيه باشتراط حولان الحول عليه بعد استفادته إن كان نصابًا لإيجاب الزكاة فيه.
فيحسب العامل -وهو إدارة الصندوق الاستثماري- ماله فإن كان نصابًا ابتدأ حوله من حين استحقاقه للمال.
فإن كانت الأجرة معجلة فقد اختلف الفقهاء في ابتداء حول زكاتها على قولين:
القول الأول: وجوب زكاتها على المؤجر من حولان حول على قبضها، وهو قول عند الحنفية (1)، والأظهر عند المالكية (2)، ومذهب الشافعية (3).
= ينظر: حاشية العدوي 2/ 208، أسنى المطالب 2/ 387، تحفة المحتاج 6/ 98، المغني 7/ 165. الفروع 4/ 389. شركات الأشخاص بين الشريعة والقانون (ص 221).
(1)
ينظر: المبسوط 3/ 44، فتح القدير 2/ 165.
(2)
ينظر: حاشية الدسوقي 1/ 327.
(3)
ينظر: تحفة المحتاج 3/ 340.
القول الثاني: وجوب زكاة الأجرة المعجلة من حولان حول على العقد، وهو المذهب عند الحنفية (1) وقول عند المالكية (2) والشافعية، (3) والمذهب عند الحنابلة (4).
أدلة القولين:
دليل القول الأول: أن ملك المؤجر للأجرة لم يتحقق إلا بانقضاء مدّة الإجارة؛ لأنها كانت بمثابة الوديعة عنده (5).
دليل القول الثاني: أن المؤجر ملك الأجرة من حين العقد، بدليل جواز تصرفه فيها، فابتدأ الحول من حين العقد (6).
ويناقش: بأن ملكه حصل بالعقد؛ لاستحقاق العوض به، فابتدأ الحول منه، ويتأكد ذلك باشتراط تعجيل العوض (7).
الترجيح:
الراجح ابتداء الحول من حين العقد لاستحقاق العوض به، وتحقق الملك للمال بذلك، ولو لم يقبض، كالدين إن كان على مليء، فإن كان معسرًا أو مماطلًا فحَولُه من قبضه، كما تقدم تقريره في زكاة الدين، فإن كان استحقاق الأجرة مؤجلا بتمام العمل، فالحول من حين حلول وقت الاستحقاق.
(1) ينظر: المبسوط 3/ 44، فتح القدير 2/ 165.
(2)
ينظر: حاشية الدسوقي 1/ 327.
(3)
ينظر: تحفة المحتاج 3/ 340.
(4)
ينظر: الشرح الكبير 6/ 327، الفروع 2/ 327.
(5)
ينظر: الشرح الكبير 6/ 327.
(6)
ينظر: حاشية الدسوقي 1/ 327.
(7)
ينظر: كشاف القناع 4/ 40.
سبب الخلاف:
اختلافهم في وقت استحقاق أجرة الإجارة، أيكون بالعقد أم بانقضاء مدّة الإجارة واستيفاء المنفعة؟ فمن قال باستحقاقها باستيفاء المنفعة وتمام العمل المتعاقد عليه، قال بابتداء الحول من حين استيفاء المنفعة وانقضاء مدّة الإجارة (1)، ومن قال باستحقاقها بالعقد، فَحَوْلُ زكاته من حين التعاقد قبض أم لم يقبض (2).
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الخلاف المذكور إنما هو في حال إطلاق العقد وعدم تقييد الأجرة بوقت معجل أو مؤجل، فأما عند التقييد -كما هو الحال في صناديق الاستثمار- فهم متفقون على أن الاستحقاق معلق بالشرط، (3) وهو الذي تشهد له قواعد الشريعة وأدلتها من مثل قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} (4).
وقوله صلى الله عليه وسلم: "المسلمون على شروطهم"(5).
(1) ينظر: تبيين الحقائق 5/ 107، فتح القدير 9/ 65، المدونة 3/ 525، الفواكه الدواني 2/ 119.
(2)
ينظر: أسنى المطالب 2/ 404، الفروع 4/ 426، كشاف القناع 4/ 40.
(3)
ينظر: المراجع السابقة في المسألة.
(4)
سورة المائدة (1).
(5)
رواه أبو داوود في كتاب الأقضية، باب الصلح، برقم:(3120)، والترمذي في كتاب الأحكام، باب ما ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصلح، برقم:(1272). وقال: هذا حديث حسن صحيح. رواه الحاكم في مستدركه كتاب البيوع، برقم:(2309، 2310)، (2/ 56، 57)، والدارقطني: كتاب البيوع، برقم:(96) وما بعدها (3/ 27). وعلقه البخاري في صحيحه، كتاب الإجارة، باب السمسرة. وابن أبي شيبة في كتاب البيوع، باب من يقول المسلمون على شروطهم، برقم:(22022) وما بعدها (4/ 450) وقال ابن حجر في التلخيص الحبير 3/ 55: حديث: "المؤمنون عند شروطهم" رواه أبو داود، والحاكم من حديث الوليد ابن رباح، عن أبي هريرة، وضعفه ابن حزم، وعبد الحق، وحسنه الترمذي، ورواه الترمذي، والحاكم من طريق كثير بن عبد الله بن عمرو، عن أبيه، عن جده، وزاد: =
وقول الخليفة الراشد عمر رضي الله عنه: (مقاطع الحقوق عند الشروط)(1)، وقد تحقق التراضي بين المتعاقدين في التأجيل أو التعجيل، وانبنى البيع على ذلك، فكان العدل تحقيق ذلك.
وبناء عليه فإن حول زكاة أجرة المدير للصندوق الاستثماري في هذه الحالة يبدأ من حين استحقاقه للأجرة، وذلك من العقد في واقع الاستثمارات المصرفية، فإن تخلف ذلك فمن حين الاستحقاق كما تقدم (2).
* * *
= "إلا شرطًا حرم حلالًا، أو أحل حرامًا". وهو ضعيف، والدارقطني، والحاكم من حديث أنس، ولفظه في الزيادة:"ما وافق الحق من ذلك". وإسناده واهٍ، والدارقطني والحاكم من حديث عائشة وهو واه أيضًا، وقال ابن أبي شيبة: نا يحيى بن أبي زائدة، عن عبد الملك هو ابن أبي سليمان، عن عطاء، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا. (تنبيه): الذي وقع في جميع الروايات: (المسلمون) بدل: (المؤمنون). وقد علقه البخاري جازما في كتاب الإجارة باب أجر السمسرة، وصححه السخاوي في المقاصد الحسنة (1/ 657) من حديث عمرو بن عوف المزني.
(1)
رواه البخاري معلقا في صحيحه مجزومًا به في كتاب الشروط، باب الشروط عند عقدة النكاح، ورواه البيهقي في سننه في باب الشرط في المهر، برقم:(14216). ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه 3/ 327، في باب الرجل يتزوج المرأة ويشترط لها دارها.
(2)
ينظر: الخدمات الاستثمارية في المصارف وأحكامها في الفقه الإسلامي 1/ 292.