المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ومنها: التطهير بذَوْب الثلج، والبَرَد؛ وهذا مجمع عليه. ومنها: شرعية سؤال - العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار - جـ ١

[ابن العطار]

فهرس الكتاب

- ‌المقدّمَة

- ‌ مصادر الكتاب:

- ‌ النسخ الخطية للكتاب:

- ‌ منهج التحقيق:

- ‌تَرْجَمَةُ المؤَلِّف

- ‌ اسمه ونسبه:

- ‌ ولادته ونشأته:

- ‌ تدريسُهُ وإفادتُهُ:

- ‌ شيوخه:

- ‌ آثاره العلمية:

- ‌ ثناء العلماء عليه:

- ‌ مرضه ووفاته:

- ‌ مصادر ترجمته:

- ‌كتاب الطَّهارة

- ‌الحديث الأوَّل

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثَّاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثَّامن

- ‌الحديثُ التَّاسعُ

- ‌الحديث العاشر

- ‌باب الاستطابة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثّاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرَّابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السَّادس

- ‌باب السِّواك

- ‌الحديث الأوَّل

- ‌الحديث الثَّاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب المسح على الخفين

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب في المَذْي وغيره

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثَّاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب الجنابة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني والثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌باب التيمم

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌باب الحَيْض

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌كتاب الصلاة

- ‌باب المواقيت

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌باب فضل الجماعة ووجوبها

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب الأذان

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب استقبال القبلة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌باب الصُّفوف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب الإمامة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس، والسادس

- ‌باب صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌باب وجوب الطُّمَأْنينة في الركوع والسجود

- ‌باب القراءة في الصَّلاة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب ترك الجهر بـ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

- ‌باب سجود السَّهو

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثَّاني

- ‌باب المرور بين يدَي المصلِّي

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثَّاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب جامع

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

الفصل: ومنها: التطهير بذَوْب الثلج، والبَرَد؛ وهذا مجمع عليه. ومنها: شرعية سؤال

ومنها: التطهير بذَوْب الثلج، والبَرَد؛ وهذا مجمع عليه.

ومنها: شرعية سؤال المباعدة من الذنوب، والتنقية منها، والغسل، وتأكد ذلك؛ فإن ذلك ليس من التحجر في الدعاء، بل هو من باب العلم، بسعة - رحمة الله تعالى -، وجوده، وكرمه، وأنه لا ملجأَ ولا منجى منه إلا إليه، وأنه لا يُرجى غيره، ولا يُطلب إلا منه، سبحانه وتعالى لا يحصى ثناء عليه، والله أعلم.

* * *

‌الحديث الثاني

عَنْ عَائشِةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَفْتِحُ الصَّلَاةَ بِالتَّكْبِيرِ، وَالقِرَاءَةَ بِـ: الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَكَانَ إِذَا رَكَعَ؛ لَمْ يُشْخِصْ رَأْسَهُ، وَلَمْ يُصَوِّبْهُ، وَلَكِنْ بَيْنَ ذَلِكَ، وَكَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ؛ لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَائِمًا، وَكَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسهُ مِنَ السَّجْدَةِ؛ لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَاعِدًا، وَكَانَ يَقُولُ في كُلِّ رَكْعَتَيْنِ: التَّحِيَّةَ، وكَانَ يَفْرُشُ رِجْلَهُ اليُسْرَى، ويَنْصِبُ رِجْلَهُ اليُمْنَى، وكَانَ يَنْهَى عَنْ عُقْبَةِ الشَّيْطَانِ، وَيَنْهَى أَنْ يَفْرُشَ الرَّجُلُ ذِرَاعَيْهِ افْتِرَاشَ السَّبُعِ، وَكَانَ يَخْتِمُ الصَّلَاةَ بالتَّسْلِيمِ (1).

تقدمت عائشة رضي الله عنها.

وأما ألفاظه ومعانيه:

فتقدم الكلام على: (كان)، وأنها تقتضي المداومة، أو الأكثرية، لكن لا يأتي فيها هنا إلا المداومةُ؛ لافتتاح الصلاة بالتكبير، والقراءة بـ: الحمدُ لله ربِّ العالمين؛ أي: سورة الحمد، ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم لا يُخل بالتكبير، والقراءة.

والفقهاء يستدلون بأفعاله صلى الله عليه وسلم، في كثير منها في الصلاة على الوجوب؛ لأنهم يرون أن قوله تعالى:{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [البقرة: 43] خطابٌ مجمَل مبيَّنٌ بالفعل،

(1) رواه مسلم (498)، كتاب: الصلاة، باب: ما يجمع صفة الصلاة، وما يفتتح به ويختم به

ص: 446

والفعلُ المبين للمجمل المأمور به يدخل تحت الأمر؛ فيدل بمجموع ذلك على الوجوب، لا لأن الفعل بمفرده يدل على الوجوب، وإذا كان المسلك ذلك، ووُجدت أفعالٌ غيرُ واجبة، وجب أن يُحال على دليلٍ آخر؛ دل على عدم وجوبها.

وفي ذلك بحث؛ وهو أن الخطاب المجمل تبيين بأول وقوع الأفعال، فلم يكن ما وقع بعده بيانًا له؛ لوقوع البيان بالأول، فتبقى أفعالًا مجردة لا تدل على الوجوب، إلا أن يدل دليل على أن الفعل المستدل به بيانًا؛ فيتوقف الاستدلال بهذه الطريقة على وجوده، بل قد يقوم الدليل على خلافه.

كمن رأى النبي صلى الله عليه وسلم يفعل فعلًا؛ وهو من أصاغر الصحابة الذين لهم تمييز، بعد إقامته صلى الله عليه وسلم مدة للصلاة، مثلًا؛ فهذا مقطوع بتأخره، وكذلك من أسلم بعد مدة، وأخبر برؤية الفعل؛ فإنه حينئذ يتحقق تأخير الفعل.

لكنه قد يجاب عنه بأمر جدلي، لا يقوم مقام تأخر الفعل؛ وهو أنه دل الدليل من الحديث المعين، على وقوع هذا الفعل، والأصل عدم غيره؛ فتعين أن يكون بيانًا؛ وهذا قوي، فيما إذا وجدنا فعلًا لم يقم الدليل على عدم وجوبه، فأما إذا وجد: فإن جعلناه مبينًا عدم وجوبه؛ لزم النسخ بذلك الوجوب الذي ثبت، ولا شك أن مخالفة الأصل أقرب من التزام النسخ.

قولها: "يستفتحُ الصلاةَ بالتكبيرِ"؛ يعني: بالتكبير الذي هو تحريمٌ للصلاة؛ كما ثبت: "تحريمُها التكبيرُ"(1)، ولا شك أن التحريم لا يحصل بالتكبير وحده، بل به وبالنية؛ وهما أمران: أحدهما: قائم بالقلب، والثاني: بالنطق؛ فيحتمل أنها عبرت بالأخص عن الأعم؛ للعلم به، ويحتمل أنها ذكرته؛ للتنبيه على تعين لفظ التكبير، دون غيره.

(1) رواه أبو داود (61)، كتاب: الطهارة، باب: فرض الوضوء، والترمذي (3)، كتاب: الطهارة، باب: ما جاء أن مفتاح الصلاة الطهور، وابن ماجه (275)، كتاب: الطهارة، باب: مفتاح الصلاة الطهور، عن علي رضي الله عنه.

ص: 447

وإن استفتاح الصلاة بالنية كان معلومًا عندهم؛ وهي قصد الطاعة بالصلاة؛ كما أن الإخلاص في الطاعة لله، لا بد منه في الاستفتاح، وغيره؛ وهو تصفية العمل من الشوائب، بألَّا يقصد العمل للنفس، ولا للهوى، ولا للدنيا، بل للتقرب إلى الله تعالى؛ فكذلك النية، وكلاهما كان عندهم معلومًا؛ فلهذا استغنت بذكر التكبير عنهما.

ونقل خلاف ذلك عن بعض المتقدمين، وتأوله بعضهم على مالك، والمعروف: خلافهُ، عنه، وعن غيره.

ثم التحريم بالتكبير خصوصًا؛ كما ذكرنا.

وأبو حنيفة يكتفي بمجرد التعظيم؛ كقوله: الله أجلُّ، أو أعظمُ.

وتعيين لفظِه؛ قال به مالك، والشافعي، وأحمد، وجمهور العلماء؛ مستدلين على وجوبه، تعينه: بهذا النقل، على الطريقة السابقة، من كونها بيانًا للمجمل؛ وفيه ما ذكرنا، لكن انضم إليه قوله صلى الله عليه وسلم:"صلُّوا كما رأيتموني أصلِّي"(1)؛ فصار البيان بفعله صلى الله عليه وسلم، وقوله؛ فهذا مجرد أنَّ الفعل يشعر بأنه خطاب للأمة بأن تكون صلاتهم كصلاته؛ في كل فعل، وقول، وحركة، وسكون.

ولا شك أنه بعض من حديث مالك بن الحارث، قال: أتينا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، ونحن شَبَبَةٌ متقاربون، فأقمنا عنده عشرين ليلةَ، وكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم رحيمًا رفيقًا؛ فظن أنا قد اشتقنا أهلَنا، فسأَلنا عمَّن تركْنا من أهلنا، فأخبرناه، فقال:"ارْجِعُوا إِلى أَهليكُم؛ فأَقيموا عندَهم، وعلِّموهم، ومُروهم، فإذا حضرتِ الصلاةُ؛ فليؤذِّنْ لكم أحدُكم، ثم ليؤمَّكُمْ أكبرُكم"(2)، زاد البخاري:"وصلُّوا كما رَأَيتموني أُصَلِّي"(3).

(1) تقدم تخريجه.

(2)

رواه البخاري (605)، كتاب: الأذان، باب: الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة، والإقامة، ومسلم (674)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: من أحق بالإمامة؟

(3)

تقدم تخريجه.

ص: 448

فهذا خطاب لمالك بن الحارث، وأصحابه، والأمة تشاركهم في هذا الخطاب، وأن يوقعوا الصلاة على الوجه الذي أمروا بإيقاعها عليه؛ كما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي.

فما ثبت استمراره صلى الله عليه وسلم دائمًا؛ دخل تحت الأمر، وكان واجبًا، وبعض ذلك مقطوع باستمرار فعله له؛ وما لم يدل دليل على وجوده، في تلك الصلوات التي تعلق الأمر بإيقاع الصلاة على صفتها؛ لا يجزم بتناول الأمر له؛ فهذا كله يقال، من الجدل أيضًا، والله أعلم.

وقولها: "والقراءةَ بِـ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمين"، فالقراءة: منصوب عطف على مفعول يستفتح؛ وهو: الصلاةَ، وبالحمدُ: مرفوع، على الحكاية.

وقد تمسك به مالك، وأصحابه؛ في ترك الذكر بين التكبير والقراءة؛ لأنه لو تخلل بينهما ذِكْر، لم يكن الاستفتاح بالقرآن؛ بـ: الحمدُ لله ربِّ العالمين.

واستدل به أصحاب مالك، وغيرهم؛ على ترك التسمية في ابتداء الفاتحة، وأنها ليست منها.

وتأوله الشافعي، والأكثرون القائلون بأنها من الفاتحة؛ على أن المراد: يستفتح القراءة بسورة الحمد، لا بسورة أخرى، وقد قامت أدلة؛ على أن البسملة منها:

الأول: ثبوتها في المصحف الكريم.

الثاني: ما رواه الشافعي، بإسناده إلى أم سلمة رضي الله عنها: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ بأمِّ القرآن، بدأ ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، يعدها آية، ثم قرأ: الحمدُ لله ربِّ العالمين، بعدَها ستُّ آيات (1).

وروى بإسناده، عن نعيم بن عبد الرحمن المجمر، قال: صليتُ خلفَ أبي

(1) ورواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 199)، وابن عبد البر في "الاستذكار"(1/ 457).

ص: 449

هريرة، فقرأ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، قبلَ أم القرآن، وقبلَ السورة، وكبر في الخفض، والرفع، وقال: أنا أشبهُكم صلاةً بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله عز وجل:{وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} [الحجر: 87]؛ وهي أمُّ القرآن، وأولُها: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1).

وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه كان يقرأ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، قبلَ: الحمدُ، وقبلَ السورة (2).

وروي عن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، قال: صليت خلفَ عمر ابن الخطاب رضي الله عنه، فكان يجهر بـ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. (3)

كل ذلك مذكور في "مختصر أبي يعقوب البويطي"، عن الشافعي - رحمهما الله تعالى -، وقد صنف جماعة كتبًا في التسمية في الفاتحة، والجهر بها؛ منهم: سليم الرازي، والخطيب البغدادي، وغيرهما.

وقد أجاب بعض المخالفين عن تأويل الشافعي، وغيره: بأن لفظ الحديث، إن أجري مجرى الحكاية، اقتضى: البداءة به بعينه، ولا يكون غيره قبله؛ لأن الغير حينئذ يكون هو المفتتح، وإن جعل اسمًا؛ فالفاتحة لا تسمى سورتها، بمجموع الحمد لله رب العالمين، بل بسورة الحمد؛ فلو كان لفظ الرواية بها، لقوي تأويل الشافعي، وغيره؛ فإنه يدل حينئذ على الافتتاح بالسورة، التي البسملةُ بعضُها عندهم؛ وفي هذا الجواب عندَ التأمل نظر.

وقولها: "وكانَ إذا ركعَ، لم يُشْخِصْ رأسَهُ"؛ أي: لم يرفعه، ومادة الإشخاص: تدل على الارتفاع؛ ومنه: أشخصَ بصرَه: إذا رفعه إلى العلو،

(1) ورواه النسائي (905)، كتاب: الافتتاح، باب: قراءة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وابن خزيمة في "صحيحه"(499)، وابن حبان في "صحيحه"(1797)، والحاكم في "المستدرك"(849).

(2)

رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 200)، والطبراني في "المعجم الأوسط"(800).

(3)

رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 200)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 48).

ص: 450

ومنه: الشخص؛ لارتفاعه للأبصار، ومنه: شخصَ المسافرُ: إذا خرج من منزله إلى غيره (1).

وقولها: "ولم يُصَوِّبْهُ"، هو -بضم الياء، وفتح الصاد المهملة، وكسر الواو المشددة-؛ أي: لم ينكسه؛ ومنه: الصَّيِّب؛ المصبوب بصوب الماء، ومن أطلق الصيب على الغيم؛ فهو من المجاز؛ لأنه سبب الصب، الذي هو المطر (2).

وقولها: "ولكنْ بينَ ذلكَ"؛ هو إشارة إلى المسنون من الركوع، بأن يكون معتدلًا فيه؛ باستواء الظهر والعنق.

وقولها: "وكانَ إذا رفعَ رأسَه من الركوع، لم يسجدْ حتى يستويَ قائمًا"؛ دليل على الرفع من الركوع، والاعتدالِ فيه؛ بأن يستوي قائمًا، وقد اختلف الفقهاء فيه؛ على ثلاثة أقوال:

أحدها: يجب.

والثاني: يستحب.

والثالث: يجب ما هو إلى الاعتدال أقرب، ويستحب ما زاد عليه.

ولكن الرفع من الركوع من الأفعال التي ثبت استمرار النبي صلى الله عليه وسلم عليها.

وقولها: "وكانَ إذا رفعَ رأسَه من السجودِ، لم يسجدْ حتى يستوي قاعدًا"؛ دليل على الرفع من السجود، والاستواء في الجلوس بين السجدتين؛ أما الرفع، فلا بد منه؛ لعدم تصور عدد السجدتين بغيره، بخلاف الركوع؛ فإنه غير متعدد.

فلهذا أُجري الخلاف الذي في الرفع من الركوع، في الرفع من السجدة الأولى، وقال: الرفع منها، والاعتدال، والطمأنينة؛ كالرفع من الركوع؛ وهو سهو؛ لعدم تصوره في الرفع من السجود؛ لتعدده شرعًا، بخلاف الركوع؛ فإنه

(1) انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (2/ 245)، و"لسان العرب" لابن منظور (7/ 45)، (مادة: شخص).

(2)

انظر: "لسان العرب" لابن منظور (1/ 534)، (مادة: صوب).

ص: 451

غير متعدد، وهو متميز عن السجود، بخلاف السجدة الثانية؛ فإنها غير متميزة عن الأولى، فافتقرت إلى التمييز بالرفع الفاصل بينهما، والله أعلم.

وقولها: "وكانَ يقولُ في كلَّ رَكعتين: التَّحِيهَّ"؛ إطلاق لفظ التحية على التشهد كله؛ من باب إطلاق اسم الجزء على الكل، وهذا الموضع، مما فارق فيه الاسمُ المسمى.

فإن التحية: الملك، أو البقاء، أو غيرهما؛ وذلك لا يتصور قوله، بل يقال: اسمه الدال عليه، بخلاف قولنا: أكلت الخبز، وشربت الماء؛ فإن الاسم فيه أريد به المسمى.

أما لفظة الاسم، فقد قيل فيها: إن الاسم هو المسمى؛ وفيه نظر دقيق.

وهذا بالنسبة إلينا، وأما بالنسبة إلى الله تعالى؛ فلا يقال: الاسم غير المسمى، ولا هو هو، بل يجب إطلاقه؛ كما أطلقه الله سبحانه وتعالى، من غير خوض فيه، والله أعلم.

وقولها: "وكانَ يفرُشُ رجلَه اليسرى، وينصِبُ رجلَه اليمنى"؛ يفرش: بضم الراء، أو كسرها، والضم أشهر.

واعلم أن جلسات الرباعية، والثلاثية أربع: الجلوس بين السجدتين، وجلسة الاستراحة؛ عقب كل ركعة يعقبها قيام، والجلسة للتشهد الأول، والجلسة للتشهد الأخير.

ومذهب الشافعي رحمه الله: أن السنة؛ أن يجلس الرجل جميعَها مفترِشًا، إلا الجلسةَ التي يعقبها سلام؛ فإنَّه يجلس فيه متورِّكًا.

واحتج بحديث أبي حُميد الساعديِّ رضي الله عنه، في "صحيح البخاري": أن النبي صلى الله عليه وسلم، جلسَ مفترِشًا، في التشهد الأوّل، ومتوركًا في الأخير (1)، وحمل حديثَ عائشةَ هذا، على غير الأخير؛ جمعًا بينه، وبين حديث أبي حميد، ورجح من حيث المعنى، بأمرين:

(1) رواه البخاري (794)، كتاب: صفة الصلاة، باب: سنة الجلوس في التشهد.

ص: 452

أحدهما: أن المخالفة في هيئة الجلوس، قد تكون سببًا للتذكر، عند الشك في كونه الأول، أو الأخير.

والثاني: أن الافتراش هيئة استيفاز؛ فناسبت الجلسات الأول، والتورك هيئة اطمئنان؛ فناسب الأخير، كيف، وهو مطابق للنقل، في حديث أبي حميد، في "صحيح البخاري"؟! فكان أولى.

وقال أبو حنيفة: الهيئة المروية في حديث عائشة هذا، أولى؛ تمسكًا بإطلاقه، لكنه في الرجال.

ومذهب الشافعي: جلوسُ المرأة؛ كجلوس الرجل.

وذهب بعض السلف: أن سنة المرأة التربُّع في الجلسات؛ سواء فيه الفريضة، والنافلة، وخصه بعضهم بالنافلة.

ومذهب الجمهور: أنه لا فرق بين الفريضة والنافلة، للرجل والمرأة، في جميع الجلسات؛ افتراشًا، وتوركًا.

ومذهب مالك: اختيارُ التورك في جميعها؛ وهو أن يفضي بوركه إلى الأرض، ويُخرج رجلَه اليسرى من تحته، وينصب اليمنى من رجليه، وقد وردت هيئة التورك في بعض الأحاديث، لكنها ليست لها قوة في الصحة؛ كأحاديث الافتراش، والتورك، والله أعلم.

واختلف قول الشافعي؛ في الأفضل في جلوس العاجز، عن القيام في الفريضة، وجلوس المتنفل الذي له أجر نصف القاعد؛ على أقوال:

أصحها: الافتراش؛ لأنه غالب جلسات الصلاة.

والثاني: التورك؛ لأنه أمكن من الافتراش، وهو أحد صفات جلسات الصلاة.

والثالث: التربع؛ لأنه أمكن في الجلوس من الافتراش والتورك؛ وليكون الجلوس، الذي هو بدل عن القيام، مخالفًا للجلوس المشروع في الصلاة.

ص: 453

والرابع: جلوس المتعلِّم؛ فيقيم ركبةً، ويضع على الأرض أخرى؛ لأنَّ التربع هيئته هيئةُ تكبر، وجلوسُ المتعلم هيئةُ تواضع؛ فهو أشبهُ أن يكون بدلًا عن القيام، والله أعلم.

وقولها: "وكانَ ينهى عن عُقْبةِ الشيطانِ"، ويروى:"عن عَقِبِ الشيطان"(1).

أما عُقْبة: بضم العين، وسكون القاف، وأما عَقِب: فبفتح العين، وكسر القاف؛ وكلاهما في "صحيح مسلم"، وروى بعضهم الثاني، بضم العين؛ وهو ضعيف.

وفسره أبو عبيد: بالإقعاء المنهيِّ عنه؛ وهو أن يلصق إليتَه بالأرض، وينصب ساقيه، ويضع يديه على الأرض؛ وهو ضعيف.

والمشهور في تفسيره: بأن يفرش قدميه، ويجلس بإليته على عقبيه، وسمي ذلك بالإقعاء -أيضًا - (2).

وأما الإقعاء الذي هو سنة، الثابتُ في "صحيح مسلم"، من رواية ابن عباس؛ فهو: أن ينصب أصابعَ قدميه، ويجلس بوركيه على عقبيه؛ فليس من هذين التفسيرين بشيء، والله أعلم.

وقولها: "وينهى أن يفترشَ الرجلُ ذراعيه افتراشَ السبع"؛ وهو أن يضع ذراعيه على الأرض في السجود، والسنة: أن يرفعهما، ويكون الموضوع على الأرض كَفَّيه فقط.

وقولها: "وكانَ يختمُ الصلاةَ بالتسليمِ"؛ معناه: يتحلَّلُ منها بالتسليم؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: "تحليلُها التسليمُ"(3)، ولا شك أنه كما أن تحريمها التكبير، أو ما في

(1) رواه مسلم (498)(1/ 357)، كتاب: الصلاة، باب: ما يجمع صفة الصلاة وما يفتتح به ويختم به.

(2)

انظر: "غريب الحديث" لأبي عبيد (1/ 210)، و"مشارق الأنوار" للقاضي عياض (2/ 99)، و"شرح صحيح مسلم" للنووي (4/ 214)، وعن الأخير أخذ المؤلف مادته هذه.

(3)

تقدم تخريجه.

ص: 454

معناه من التعظيم، على قول أبي حنيفة؛ وكذلك تحليلُها، فيقتضي الوجوب فيه، مع قوله صلى الله عليه وسلم:"صلُّوا كما رأيتموني أُصَلّي"(1).

وبوجوبه قال مالك، والشافعيُّ، وأحمد، وجمهور العلماء من السلف، والخلف؛ قالوا: لا تصحُّ الصلاة إلا به.

وقال أبو حنيفة، والثوري، والأوزاعي: هو سنة، ولو تركه صحَّتْ صلاته.

قال أبو حنيفة: لو فعل منافيًا للصلاة؛ من حدث، أو غيره، في آخرها؛ صحت صلاته، واحتج: بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلِّمه للأعرابي حين علَّمه واجباتِ الصلاة.

فاحتج الجمهور: بفعل النبي صلى الله عليه وسلم، وبما ذكرناه، والله أعلم.

واعلم: أن المشروع تسليمتان؛ وهو مذهب الشافعي، وأبي حنيفة، وأحمد، والجمهور.

وذهب مالك، في طائفة: إلى أن المشروع تسليمة؛ وهو قول ضعيف عن الشافعي.

ثم التسليمة الثانية سنة بالاتفاق، وشذ بعض الظاهرية، والمالكية؛ فأوجبها؛ وهو شاذ مخالف لإجماع من قبله، والله أعلم.

وفي هذا الحديث فوائد وأحكام؛ غير ما ذكرنا في ألفاظه ومعانيه:

منها: نقل أقواله وأفعاله وأحواله إلى الأمة؛ كما فعلت عائشة، وتلقته الأمة عنها بالقبول، خصوصًا في أحكام الصلاة.

ومنها: افتتاح الصلاة بالتكبير، ووجوبه، وتعينه.

ومنها: وجوب القراءة في الصلاة، وأنه الفاتحة، وقد ثبت في "صحيح ابن خزيمة""وابن حبَّان"، أحكام الصلاة، مرفوعًا: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تُجزئ صلاة لا يُقرأ فيها بفاتحةِ الكتابِ"(2).

(1) تقدم تخريجه.

(2)

رواه ابن خريمة في "صحيحه"(490)، وابن حبان في "صحيحه"(1789)، عن أبي هريرة =

ص: 455

ومنها: تسميةُ السورة ببعضها، وكل سور القرآن في التسمية، كالفاتحة، ثم التسمية بالبعض؛ قد يكون لعظم لفظه، ومعناه، وقد يكون لشهرة قصته، وقد يكون لعظم المنة به، وقد يكون لتفخيم ذكر المنعوتِ في السورة، وقد يكون لغير ذلك، على ما اقتضته التسمية.

ومنها: تسوية الظهر في الركوع؛ بحيث يستوي رأسه، ومؤخره.

ومنها: وجوب الاعتدال، إذا رفع رأسه من الركوع؛ بحيث يستوي قائمًا.

ومنها: وجوب الجلوس بين السجدتين.

ومنها: وجوب التشهد الأول، والأخير؛ وهو مذهب أحمد، وأصحاب الحديث.

وقال الشافعي: الأول سنة، والثاني واجب.

وقال مالك، وأبو حنيفة، والأكثرون: هما سنتان، ليستا واجبتين.

دليل أحمد، والمحدثين: هذا الحديث، مع قوله صلى الله عليه وسلم:"صلُّوا كما رأيتموني أُصلِّي"(1)، وبقول ابن مسعود رضي الله عنه:"كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يعلِّمنا التشهدَ؛ كما يعلمنا السورةَ من القرآن"(2)، وبقوله صلى الله عليه وسلم:"إذا صلَّى أحدُكم، فليقل: التحياتُ"(3)، والأمر للوجوب.

لكن قال أحمد رحمه الله: يجبر التشهد الأول بسجود السهو؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم تركه، وجبره بسجود السهو؛ فحينئذ يبقى الخلاف بينه وبين الشافعي؛ في تسميته واجبًا، أو سنة، لكن اعتضد أحمد في تسميته واجبًا بالقياس على

= رضي الله عنه. وفي الباب: عن غير واحد من الصحابة رضي الله عنهم.

(1)

تقدم تخريجه.

(2)

رواه مسلم (403)، كتاب: الصلاة، باب: التشهد في الصلاة، لكن عن ابن عباس رضي الله عنهما.

(3)

رواه البخاري (797)، كتاب: صفة الصلاة، باب: التشهد في الآخرة، ومسلم (402)، كتاب: الصلاة، باب: التشهد في الصلاة، عن ابن مسعود رضي الله عنه.

ص: 456

واجب الحج؛ فإنَّه إذا تُرك، جُبر بدم؛ وكذلك التشهد الأول واجب، يُجبر بسجود السهو.

أجاب الشافعي عن ذلك: بأن الأصل في الواجب: أنه يتعين الإتيان به، ولا يجوز تركه، ولا جبره، جُوِّز في الحج؛ لمشقة العبادة، ولمواساة الفقراء من أهل الحرم، ولدخول النيابة فيه؛ للتخفيف، بخلاف الصلاة؛ فإنها عبادة بدنية، لا مشقة فيها، ولا يدخلها النيابة، ولا تكفر بالمال؛ بل لا بد من الإتيان بها على كل حال، ما دام العقل ثابتًا، حتى في مقابلة العدو، وغيره؛ فافترقا، والله أعلم.

واحتج الأكثرون حيث قالوا: هما سنتان: بأن النبي صلى الله عليه وسلم ترك التشهد الأول، وجبره بسجود السهو، ولو وجبَ، لم يصحَّ جبره؛ كالركوع، وغيره من الأركان، قالوا: وإذا ثبت هذا في الأول؛ فالأخير بمعناه؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلمه للأعرابي المسيء صلاته، حين علمه فروض الصلاة.

وأجاب الشافعي: بأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا غيره؛ تركُه عمدًا، ولا سهوًا، ولا جبره بسجود سهو؛ فاقتضى الوجوبَ؛ كالركوع، والسجود، بخلاف التشهد الأول، والله أعلم.

ومنها: شرعية الافتراش في جلسات الصلاة، وتقدم الكلام عليه مستوفى، ثم هو وغيره من هيئات الجلسات في الصلاة مسنونة؛ فلو جلس في الجميع مفترشًا، أو متوركًا، أو متربعًا، أو مقعيًا، أو مادًّا رجليه؛ صحت صلاته، وإن كان مخالفًا.

ومنها: شرعية مخالفة الشيطان في الجلوس في الصلاة، وغيرها، ولا شك أن كل حالة؛ من قول، أو فعل، أو حركة، أو سكون، أو خطرة، أو نظرة، أو فكرة مخالفة للشرع؛ فهي شيطانية، لكن بعضها دخل في المجاوزة، التي امتن الله تعالى بها، وبعضها لم يدخل، والله أعلم.

ومنها: مخالفة الحيوان؛ كالكلب، وغيره، في حالة افتراش ذراعيه، وغيرها، خصوصًا في الصلاة، ولا شك أن الله تعالى جبل الحيوانات على

ص: 457