الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قراءتها، ويحتمل: أنها بسبب ما، شهد به كلامه؛ من محبته لذكر صفة الرب سبحانه، وصحة اعتقاده، ويحتمل: أنه بسبب قراءتها، وما شهد به؛ فإن قراءتها سبب عن المحبة لما ذكر، والله أعلم.
وفي هذا الحديث مسائل:
منها: استحباب البعوث والسرايا، والتأمير عليهم.
ومنها: أن أميرهم يؤمهم، فيصلى بهم.
ومنها: جواز قراءة سورتين مع الفاتحة، في ركعة.
ومنها: فضيلة سورة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، ولا يدل على أنها أفضل السور، بل أفضل السور سورة:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
ومنها: أنه يشرع لمن فعل فعلًا؛ عبادة، أو غيرها، أن يسأل بعد فعله العلماء به.
ومنها: أنه ينبغي للمسؤول العالم أن يسأل السائل عن قصده، وسبب فعله.
ومنها: أن محبة الله تعالى، ومحبة صفاته أفضلُ المطلوبات.
ومنها: أن ما كان من التلاوة متعلقًا بصفة الرب سبحانه وتعالى، كان أفضل التلاوات، والله أعلم.
* * *
الحديث السادس
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه: أَن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِمُعَاذٍ: "فَلَوْلَا صَلَّيْتَ بِسَبِّح اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى، والشَّمْسِ وَضُحَاهَا، واللَّيْلِ إذا يَغْشَى؛ فَإنَّهُ يُصَلِّي وَرَاءَكَ: الكبِيرُ، والصَّغِيرُ، وذو الحَاجَةِ"(1).
تقدم الكلام على جابر.
(1) رواه البُخاريّ (673)، كتاب: الجماعة والإمامة، باب: من شكا إمامه إذا طول، ومسلم (465)، كتاب: الصَّلاة، باب: القراءة في العشاء، وهذا لفظ البُخاريّ.
وأعلم: أنه لم يتعين في هذه الرواية؛ في أي صلاة كان القول لمعاذ رضي الله عنه، لكن قد عرف أن معاذًا كان يطوِّل في عشاء الآخرة بقومه؛ فيكون ذلك دليلًا على: استحباب قراءة هذه السورة، أو قدرها فيها، لكن هذه السور أفضلُ من غيرها؛ للتحضيض عليها.
وكذلك ينبغي المحافظة على كل ما ورد: صحيحًا، أو حسنًا عنه صلى الله عليه وسلم؛ من القراءة المختلفة في الصَّلاة: فعلًا، أو قولًا، أو تقريرًا، أو تحضيضًا، ولقد أحسن من قال من العلماء: اعمل بالحديث، ولو مرَّة؛ تكن من أهله (1).
وقوله صلى الله عليه وسلم: "فإنّه يُصَلِّي وراءك: الكبيرُ، والصغيرُ، وذو الحاجة"؛ فالمراد بالكبير: المسنُّ، ولا شك أن الصَّلاة تختلف إطالتها باختلاف أحوال المصلي؛ إمامًا، أو مأمومًا، أو منفردًا؛ فإذا كان المأمومون يؤثرون التطويل، ولا شغلَ للإمام، ولا لهم؛ طوَّلوا، وإذا لم يكن كذلك، خففوا، وقد تراد الإطالة، فيعرِضُ ما يقتضي التخفيف؛ كبكاء الطفل، ونحوه.
وعلى ذلك تتنزل الأحاديث؛ في تطويله صلى الله عليه وسلم، وتخفيفه، وإذا استقرئ فعله صلى الله عليه وسلم: وجد التطويل إمامًا أقل، والتخفيف أكثر؛ فتكون الإطالة لبيان الجواز، والتخفيف لكونه أفضل، وعليه دل قوله صلى الله عليه وسلم:"إن منكم مُنَفِّرِينَ؛ فأَيُّكُمْ صَلَّى بالنَّاس، فَلْيُخفَّفْ؛ فإن فيهم: السقيمَ، والضعيفَ، وذا الحاجةِ"(2).
وقيل: إن تطويله، وتخفيفه؛ لبيان أن القراءة فيما زاد على الفاتحة؛ لا تقدير فيها، بل يجوز قليلها، وكثيرها؛ بل الواجب الفاتحة فقط؛ لاتفاق الروايات عليها، واختلافها فيما زاد.
وبالجملة: السُّنة التخفيفُ؛ للعلَّة التي بينها، وتطويله صلى الله عليه وسلم في بعض
(1) رواه الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد"(12/ 165)، عن عمرو بن قيس الملائي قال: إذا بلغك شيء من الخير، فاعمل به ولو مرَّة، تكن من أهله.
(2)
رواه البُخاريّ (372)، كتاب: الجماعة والإمامة، باب: من شكا إمامه إذا طول، ومسلم (466)، كتاب: الصَّلاة، باب: أمر الأئمة بتخفيف الصَّلاة في تمام، عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه.
الأوقات؛ لتحققه انتفاءَ العلَّة، مع قصده إرادة التطويل؛ كقوله صلى الله عليه وسلم:"إنِّي لأَدخلُ في الصلاةِ، أريدُ إطالتها، فأسمعُ بكاءَ الصبيِّ، فأتجوَّزُ في صلاتي؛ مخافَة أن تُفْتَتَنَ أُمُّهُ"(1)؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم لمعاذ: "أَفَتَّانٌ أنتَ؟! " مرتين، أو ثلاثًا (2).
وإن كان منفردًا، ووجد نفسه مقبلة على التطويل: طؤَل، وإلا: خفَّف؛ ليكون مقبلًا على صلاته، في جميع حالاته؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم:"إذا نعسَ أحدُكم في صلاتِه، فَلْيرقدْ"(3)؛ أي: بعد فراغِه منها، وتخفيفها؛ خوفًا من السآمة، وعدم التدبر، والله أعلم.
وفي هذا الحديث مسائل:
منها: الحثُّ على قراءة هذه السور، ونحوها في الصَّلاة؛ إذا كان إمامًا، وفي حكمه المنفردُ، والمأمومُ الذي لا يسمع قراءة الإمام.
ومنها: تعليلُ الأحكام للناس؛ لكونه أدعى إلى القبول، والعمل بالعلم، وأثبت في القلوب.
ومنها: الرفق بالضعفاء، والشفقة عليهم؛ في الأمور الأخروية، فما ظنك بغيرها من أمور الدُّنيا؟
ومنها: تحسين العبارة في التعلم بالتحضيض الدال على الأمر من غير تعاطي لفظه؛ مراعاة لنفرة النفوس عنه، والله أعلم.
(1) رواه البُخاريّ (677)، كتاب: الجماعة والإمامة، باب: من أخف الصَّلاة عند بكاء الصَّبي، ومسلم (470)، كتاب: الصَّلاة، باب: أمر الأئمة بتخفيف الصَّلاة في تمام، لكن بلفظ:" .. فأتجوز في صلاتي، ممَّا أعلم من شدة وجد أمه من بكائه". وقد روى البُخاريّ قبله بحديث (676)، عن أنس بن مالك: "
…
وإن كان ليسمع بكاء الصَّبي فيخفف، مخافة أن تفتن أمه"، فلعل المؤلف رحمه الله قد انتقل نظره في شطر الحديث الأخير إلى هذا، فكتبه، والله أعلم.
(2)
تقدم تخريجه في حديث الباب؛ إذ هو جزء منه.
(3)
رواه البُخاريّ (209)، كتاب: الوضوء، باب: الوضوء من النوم، ومسلم (786)، كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: أمر من نعس في صلاته أو استعجم عليه القرآن أو الذكر بأن يرقد، عن عائشة رضي الله عنها.