المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وانتفاؤها غيرَ مقيدة دليلٌ على نفي الحقيقة، فتنتفي مع كلِّ - العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار - جـ ١

[ابن العطار]

فهرس الكتاب

- ‌المقدّمَة

- ‌ مصادر الكتاب:

- ‌ النسخ الخطية للكتاب:

- ‌ منهج التحقيق:

- ‌تَرْجَمَةُ المؤَلِّف

- ‌ اسمه ونسبه:

- ‌ ولادته ونشأته:

- ‌ تدريسُهُ وإفادتُهُ:

- ‌ شيوخه:

- ‌ آثاره العلمية:

- ‌ ثناء العلماء عليه:

- ‌ مرضه ووفاته:

- ‌ مصادر ترجمته:

- ‌كتاب الطَّهارة

- ‌الحديث الأوَّل

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثَّاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثَّامن

- ‌الحديثُ التَّاسعُ

- ‌الحديث العاشر

- ‌باب الاستطابة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثّاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرَّابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السَّادس

- ‌باب السِّواك

- ‌الحديث الأوَّل

- ‌الحديث الثَّاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب المسح على الخفين

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب في المَذْي وغيره

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثَّاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب الجنابة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني والثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌باب التيمم

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌باب الحَيْض

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌كتاب الصلاة

- ‌باب المواقيت

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌باب فضل الجماعة ووجوبها

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب الأذان

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب استقبال القبلة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌باب الصُّفوف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب الإمامة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس، والسادس

- ‌باب صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌باب وجوب الطُّمَأْنينة في الركوع والسجود

- ‌باب القراءة في الصَّلاة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب ترك الجهر بـ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

- ‌باب سجود السَّهو

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثَّاني

- ‌باب المرور بين يدَي المصلِّي

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثَّاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب جامع

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

الفصل: وانتفاؤها غيرَ مقيدة دليلٌ على نفي الحقيقة، فتنتفي مع كلِّ

وانتفاؤها غيرَ مقيدة دليلٌ على نفي الحقيقة، فتنتفي مع كلِّ قيد، وإذا انتفت مع كل القيد؛ لا يلزم نفيُها مع قيد آخر، والله أعلم.

وفي الحديث: دليل على: أن العالم إذا رأى أمرًا يخالف الشرع، أن يسأل عنه المخالفَ قصدًا؛ لتعليمه ما جهله.

وفيه دليل على: وجوب تبيين الحكم والصواب على الفور من غير تأخير.

وفيه دليل على: أن التيمم قائمٌ مقامَ الغسل عند عدم الماء، والله أعلم.

* * *

‌الحديث الثاني

عن عَمَّارِ بْنِ ياسِرٍ رضي الله عنهما قال: بَعَثَني النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم في حَاجَةٍ، فَأَجْنَبْتُ، فلمِ أجِدِ الماءَ؛ فَتَمَرَّغْتُ في الصَّعِيدِ كَما تَمَرَّغُ الدَّابَّةُ، ثُمَّ أَتَيْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فَذكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: "إنَّمَا يَكْفِيكَ أَنْ تَقُولَ بِيَدَيْكَ هَكَذَا، ثُمَّ ضَرَبَ بيَدَيْهِ الأَرْضَ ضَرْبَةً واحِدَةً، ثُمَّ مَسَحَ الشِّمَالَ عَلَى اليَمِين، وظَاهِرَ كَفَّيْهِ، وَوَجْهَهُ (1).

أما عمَّارُ بنُ ياسرٍ: فهو صحابيٌّ ابنُ صحابيِّ، وأمُّه سُمَيَّةُ أيضًا صحابيَّة، وكنيته: أبو اليقظانِ بنُ ياسرِ بنِ مالكِ بنِ الحصينِ بنِ قيسِ بنِ ثعلبةَ بنِ عَنْسِ بالنون [بنِ عوفِ بنِ يلمِ](2) بنِ زيدِ بن مالك بنِ أددِ بنِ زيدِ بنِ يشجبَ ابنِ عوف بنِ زيد بنِ كهلانَ بنِ سبأ بنِ يَشْجُبَ بنِ يعربَ بنِ قحطانَ.

وأمُّه سميةُ بنتُ خياط، كانت أمةً لأبي حذيفةَ بنِ المغيرةِ بنِ عبد الله بن عمرِو بنِ مخزوم، وكان ياسرٌ قدم [منَ اليمنِ](3) إلى مكة، فحالف أبا حذيفة بن المغيرة؛ فزوجه إياها، فولدت عمارًا، فأعتقه أبو حذيفة.

(1) رواه البخاري (340)، كتاب: التيمم، باب: التيمم ضربة، ومسلم (368)، كتاب: الحيض، باب: التيمم، وهذا لفظ مسلم.

(2)

ما بين معكوفين ساقط من "ح".

(3)

ما بين معكوفين ساقط من "ش".

ص: 241

أسلم ياسرٌ وسميةُ، وكان إسلامُهما ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم في دار الأرقم؛ هو وصُهيبُ بنُ سنانَ في وقتٍ واحد بعدَ بضعةٍ وثلاثين رجلًا.

قال مجاهد: أولُ مَنْ أظهر إسلامه: أبو بكر، وبلال، وخَبَّاب، وصُهيب، وعمارٌ، وأمُّه سميةُ.

وكان ممن يعذَّب في الله؛ هو، وأبوه، وأمه، فمرَّ بهم النبي صلى الله عليه وسلم وهم يعذبون، فقال:"صَبْرًا آلَ ياسِرٍ؛ فَإِنَّ مَوْعِدَكُمُ الجَنَّةُ"(1).

وقتل أبو جهلٍ سميةَ؛ وكانت أولَ شهيدةٍ في الإسلام، ولمَّا أعطى عمار المشركين بلسانه ما أرادوا، واطمأنَّ بالإيمان قلبه؛ أنزل الله فيه:{إلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [النحل: 106]، أجمع على ذلك أهل التفسير.

وهاجر إلى أرض الحبشة، ثم إلى المدينة، وصلَّى القبلتين، وهو من المهاجرين الأولين، ثم شهد بدرًا، والمشاهدَ كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبلى ببدر بلاءً حسنًا.

وكان عمارٌ أولَ من بنى مسجدًا في الإسلام؛ وهو مسجدُ قُباء، ذكره ابن الأثير.

وقال ابن عباس، في قول الله تعالى:{أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ} [الأنعام: 122]، قال: عمار بن ياسر، {كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام: 122]، قال: أبو جهل بن هشام (2).

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ عَمَّارًا مُلِئَ إِيمانًا إِلَى مُشَاشِهِ"؛ ويُرْوَى: "إِلَى أَخْمَصِ قَدَمَيْه"(3).

(1) رواه الحاكم في "المستدرك"(5646)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(1631)، عن ابن إسحاق: أن رجالًا من آل عمار أخبروه. ورواه الطبراني في "المعجم الكبير"(769)، والخطيب في "تاريخ بغداد"(11/ 343)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(43/ 368)، عن عثمان رضي الله عنه.

(2)

رواه أبو الشيخ الأصبهاني، وابن مردويه في "تفسيريهما"، كما في "الدر المنثور" للسيوطي (3/ 352).

(3)

رواه النسائي (5007)، كتاب: الإيمان، باب: تفاضل أهل الإيمان، من حديث رجل من =

ص: 242

وقال خالدُ بنُ الوليد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"مَنْ أَبْغَضَ عَمَّارًا، أَبْغَضَهُ الله"؛ قال خالد: فما زلتُ أحبُّه من يومِئِذٍ (1).

وروى أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: "اِشْتَاقَتِ الجَنَّةُ إِلَى: عَليٍّ، وعَمَّارٍ، وسَلْمانَ، وبِلالٍ"(2).

واسْتَأْذَنَ عمَّارٌ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم يومًا، فعرفَ صوتَه، فقال:"مَرْحَبًا بِالطّيِّبِ المُطَيَّبِ؛ ائْذَنُوا لَهُ"(3).

وعن عليٍّ رضي الله عنه قالَ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّه لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ، إلَّا أُعْطِيَ سَبْعَةَ نُجَباءَ، ووُزَراءَ، ورُفَقاءَ؛ وَإِنِّي أُعْطِيتُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ: حمزةَ، وجعفرًا، وأبا بكر، وعُمَرَ، وعليًّا، والحسنَ، والحسينَ، وعبدَ الله بنَ مسعود، وسَلْمَانَ، وعَمَّارًا، وأبا ذرٍّ، وحذيفةَ، والمقدادَ، وبلالًا"(4).

وتواترت الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: "تَقْتُلُ عَمَّارًا الفِئَةُ الباغِيَةُ"(5)؛ وهذا

= أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. ورواه ابن ماجه (147) في المقدمة، وابن حبان في "صحيحه"(7076)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء"(1/ 139)، عن علي رضي الله عنه.

(1)

رواه الإمام أحمد في "المسند"(4/ 89)، والنسائي في "السنن الكبرى"(8269)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(32252)، والطبراني في "المعجم الأوسط"(4796)، والحاكم في "المستدرك"(5674)، عن خالد بن الوليد رضي الله عنه.

(2)

رواه الحاكم في "المستدرك"(4666)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء"(1/ 190)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(10/ 451)، عن أنس رضي الله عنه.

(3)

رواه الترمذي (3798)، كتاب: المناقب، باب: مناقب عمار بن ياسر رضي الله عنه، وقال: حسن صحيح، وابن ماجه (146)، في المقدمة، باب: فضل عمار بن ياسر، والإمام أحمد في "المسند"(1/ 99)، وابن حبان في "صحيحه"(7075)، والحاكم في "المستدرك"(5662)، عن علي رضي الله عنه.

(4)

رواه الترمذي (3785)، كتاب: المناقب، باب: مناقب الحسن والحسين رضي الله عنهما، وقال: حسن غريب، والإمام أحمد في "المسند"(1/ 142)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(244)، والطبراني في "المعجم الكبير"(6047)، عن علي رضي الله عنه.

(5)

رواه البخاري (436)، كتاب: المساجد، باب: بنيان المسجد، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. ورواه مسلم (2916)، كتاب: الفتن وأشراط الساعة، باب: لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيتمنى أن يكون مكان الميت؛ من البلاء، عن أم سلمة رضي الله عنها.

ص: 243

من إخباره بالغيب، وأعلام نبوته صلى الله عليه وسلم.

وعن عَمْرِو بنِ سلمةَ قال: لَكَأَنِّي أنظرُ إلى عمَّارٍ يومَ صِفِّينَ، واستسقى، فأُتي بشربةٍ من لبن، فشرب، فقال: اليومَ أَلْقى الأحبة، إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عَهِدَ إليَّ أَنَّ آخِرَ شربةٍ أشربها من الدنيا، شربةُ لبنٍ"، ثم قاتل حتى قتل رضي الله عنه (1).

رُويَ له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: اثنان وستون حديثًا؛ اتفقا منها على حديثين، وانفرد البخاري بثلاثة، ومسلم بحديث واحد.

وروى عنه: عليُّ بنُ أبي طالب، وعبدُ الله بنُ عباس، وأبو موسى الأشعريُّ، وأبو أمامةَ الباهليُّ، وجابرُ بنُ عبدِ الله، وعبدُ الله بنُ جعفرِ بنِ أبي طالب، وأبو الطفيل عامرُ بنُ واثلةَ، وأبو لاسٍ الخزاعيُّ -وهؤلاء صحابة-، وغيرُهم من التابعين.

وروى له: أصحاب السنن والمساند.

وقُتل بصفينَ سنة سبع وثلاثين، ودفنه عليٌّ في ثيابه؛ ولم يغسلْه، وهو ابنُ ثلاثٍ وتسعين سنة، وقيل: إحدى وتسعين، والله أعلم (2).

وأمَّا ما يتعلق بالحديث من الألفاظ، والمعاني، والأحكام:

فقوله: "فَتَمَرَّغْتُ في الصَّعيد؛ كما تَمَرَّغُ الدَّابةُ":

وهو استعمال لقياس تقدم العلم بمشروعية التيمم عليه.

(1) رواه أبو يعلى الموصلي في "مسنده"(1626)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء"(1/ 141)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(43/ 468)، عن ميسرة وأبي البختري.

(2)

وانظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى"(3/ 246)، و"التاريخ الكبير" للبخاري (7/ 25)، و"الثقات" لابن حبان (3/ 301)، و"حلية الأولياء" لأبي نعيم (1/ 139)، و"الاستيعاب" لابن عبد البر (3/ 1135)، و"تاريخ بغداد" للخطيب (1/ 150)، و"تاريخ دمشق" لابن عساكر (43/ 359)، و"أسد الغابة" لابن الأثير (4/ 122)، و"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (2/ 352)، و"تهذيب الكمال" للمزي (21/ 217)، و"سير أعلام النبلاء" للذهبي (1/ 406)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (4/ 575)، و"تهذيب التهذيب" له أيضًا (7/ 357).

ص: 244

وكأن عمارًا لما رأى الوضوء خاصًّا ببعض الأعضاء، وبدله؛ وهو التيمم خاصًّا -أيضًا-؛ وَجَبَ أَنْ يكونَ بدلُ الغسلِ الذي يعمُّ جميعَ البدن عامًّا لجميعه.

وقد استدل أبو محمدِ بنُ حزمٍ الظَّاهريُّ بهذا الحديث على إبطال القياس؛ لأن عمارًا قَدَّرَ: أن المسكوتَ عنه؛ من التيمم للجنابة، حكمُه حكمُ الغسل من الجنابة؛ إذ هو بدل منه، فأبطل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ذلك، وأعلمه أَن لكلِّ شيءٍ حكمَ المنصوص عليه فقط.

قال شيخنا أبو الفتح القاضي رحمه الله: والجواب عن استدلاله بهذا الحديث على بطلان هذا القياس الخاص:

أنه لا يلزمُ من بطلانِ الخاصِّ، بطلانُ العامِّ، والقائسون لا يعتقدون صحةَ كلِّ قياسٍ.

ثم في هذا القياس شيء آخر؛ وهو أن الأصل -الذي هو الوضوء- قد نفي فيه مساواة البدل؛ فإن التيمم لا يعم جميع أعضاء الوضوء؛ فصار مساواة البدل للأصل ملغًى في محلِّ النص؛ وذلك لا يقتضي المساواةَ في الفرع.

بل لقائل أن يقول: قد يكون الحديث دليلًا على صحة أصل القياس، وأَنَّ قولَه صلى الله عليه وسلم:"إنَّما كانَ يكفيكَ كَذا وكَذا"؛ يدل أنه: لو كان فعله، لكفاه.

وذلك دليلٌ على صحة قولنا: لو كان فَعَلَهُ؛ لكان مصيبًا، ولو كان فَعَلَهُ؛ لكان قائسًا التيممَ للجنابة، على التيمم للوضوء؛ على تقدير أَنْ يكونَ اللمسُ -المذكورُ في الآية- ليسَ هو الجماعَ.

لأنه لو كان عند عمار هو الجماع، لكان حكمُ التيممِ مبينًا في الآية؛ فلم يكن يحتاج إلى أَنْ يتمرغَ؛ فإن فِعْلَه ذلك لا يتضمن اعتقاد كونِه ليس عاملًا بالنص، بل بالقياس.

وحكمُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بأَنَّه كان يكفيه التيمم على الصورة المذكورة، مع ما بيَّن من

ص: 245

كونه لو فعل ذلك لفعله بالقياس عنده لا بالنص (1).

قوله: "ثم ضربَ بيديهِ الأرضَ ضربةً واحدةً":

استدلَّ به مَنْ قال: الواجبُ في التيمم ضربةٌ واحدةٌ للوجه والكفين؛ وهو مذهب عطاءٍ، ومكحولٍ، والأوزاعيِّ، وأحمدَ، وإِسحاق، وابن المنذر، وعامة أصحاب الحديث، وهو قول قديم للشافعي، ورواية عن مالك.

وحكى أصحاب الشَّافعي عن الزهري: أنه يجب مسح اليدين إلى الإبطين.

وقال الخطابي: لم يختلف أحد في أنه لا يلزم مسح ما وراء المرفقين.

ومذهبُ مالك ترجع حقيقته إلى الاكتفاء بضربة واحدة للوجه واليدين، فإنه إذا فعل ذلك، يعيد في الوقت؛ والإعادة تتضمن إجزاءه ظاهرًا.

ومذهب الشافعي والأكثرين: أَنَّه لا بُدَّ من ضربتين: ضربة للوجه، وضربة لليدين، وقد ورد في حديث لا يقاوم هذا الحديثَ في الصحة، ولا يعارض بمثله.

وبمثل قول الشَّافعي، قال علي بن أبي طالب، وعبد الله بن عمر، والحسن البصري، والشَّعْبِي، وسالم بن عبد الله بن عمر، وسفيان الثوري، ومالك، وأبو حنيفة، وأصحاب الرأي، وآخرون.

وحكى أصحاب الشافعي -أيضًا-، عن ابن سيرين: أنه قال: لا يجزئه أقلُّ من ثلاث ضربات؛ ثانية لكفيه، وثالثة لذراعيه.

لكنَّ الأولَ قويٌّ جدًّا؛ وقَوَّاهُ بعضُ المشايخ المحققين الذين أدركناهم، وأُفْتِيَ به، والله أعلم.

قوله: "ثم مسحَ الشِّمالَ على اليمينِ، وظاهرَ كفيه، ووَجْهَهُ":

قدَّمَ في لفظ الحديث مسحَ اليدين على مسح الوجه، لكن بحرف الواو؛ وهو

(1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 111 - 112).

ص: 246

لا يقتضي الترتيب، وفي غير هذا الحديث: ثم مسح وجهه، بلفظ (ثم)، وهي تقتضي الترتيب.

فاستدل به على أن: ترتيب اليدين على الوجه ليس بواجب؛ لأنه إذا ثبت ذلك في التيمم، ثبت في الوضوء، ولا قائل بالفرق.

قوله: "وظاهرَ كَفَّيْهِ":

يقتضي الاكتفاء بمسح الكف في التيمم؛ وهو مذهب أحمد.

وحكى الحسن بن زياد، عن أبي حنيفة: أنه إذا مسح أكثرَ وجهه، وأكثرَ يديه أجزأَه، ومذهبُ الشافعي وأبي حنيفة -في المشهور عنه-: أَنَّ التيمُّمَ إلى المرفقين، واستدل على ذلك:

بتقييده اليد، بالغاية إلى المرفقين في الوضوء؛ لقوله تعالى:{فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6].

وأطلقت في التيمم؛ بقوله تعالى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6]، فلو كانت الغاية في التيمم مغايرةً للوضوء، لبينها؛ فدلَّ على أن الغاية في التيمم كالغاية في الوضوء.

وبحديث أبي الجهم عبدِ الله بن الحارث بن الصَّمة الأنصاري النجَّاري: أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم تَيَّمَّمَ عَلَى الجِدَارِ؛ فَمَسَحَ وَجْهَهُ ويَدَيْهِ" (1).

ولا شك أَنَّ اليدَ تطلق لفظًا: على رؤوس الأصابع إلى الإبط، وتطلق شرعًا، ولفظًا: على الكفِّ، وتطلق كذلك: على الكف والذراع.

وهذه الإطلاقات الثلاثة مذاهبُ للعلماء، تقدَّم نقلُها، لكن أقواها: أن المراد باليدين: الكفَّان؛ لظاهر حديث عمار؛ ولآية السرقة: {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38]، والمراد: كفّاهما إجماعًا.

وقد ورد في بعض روايات حديث أبي الجهم: أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم مَسَحَ وَجْهَهُ،

(1) رواه البخاري (330)، كتاب: التيمم، باب: التيمم في الحضر إذا لم يجد الماء وخاف فوت الصلاة، ومسلم (369)، كتاب: الحيض، باب: التيمم.

ص: 247

وذِرَاعَيْهِ"، والذي في "الصحيح": "ويَدَيْهِ".

وفي هذا الحديث فوائد:

منها: جواز الاجتهاد في زمن صلى الله عليه وسلم، وقد اختلف العلماء في ذلك على مذاهب:

أصحها: الجواز؛ فإن عمارًا اجتهد في صفة التيمم رضي الله عنه،

والقائلون بذلك يجوزونه بحضرته -أيضًا-.

والثاني: لا يجوز بحال.

والثالث: يجوز في غير حضرته، ولا يجوز فيها، والله أعلم.

ومنه: مراجعة العلماء في العلم والاجتهاد؛ فإن عمارًا رضي الله عنه راجع النبي صلى الله عليه وسلم فيما اجتهد فيه.

ومنها: ذكرُ العلماء لمن راجعهم وجهَ الصواب، وتبيينه.

ومنها: البيانُ بالفعل، وأَنَّه أبلغُ في التفهيم من القول.

ومنها: أَنَّ التيممَ ضربةٌ واحدةٌ؛ وأنه في الوجه، والكفين، وتقدم بيانه.

ومنها: جوازُ إطلاقِ القولِ على الفعل؛ بقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما يكفيك أن تقول بيديك".

ومنها: أَنَّ الجُنُبَ، إذا لم يجدِ الماءَ، تيمم، وفي حكمه الحائض والنفساء إذا طهرتا وعدمتا الماء.

وذهب عمر وابن مسعود: إلى أَنَّ الجنب لا يصلي بالتيمم، بل يؤخر الصلاة إلى أن يجد الماء، فيغتسل، وحَمَلَ قولَهُ تعالى:{أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: 43]؛ على اللمس باليد، دون الجماع.

وحديث عمار هذا حجة؛ وكان عمر نسي قصة عمار، وُرويَ أَنَّ ابنَ مسعودِ رجع عن قوله، وجوزه للجنب.

* * *

ص: 248