الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومذهب مالك: جواز القراءة لها مطلقًا.
وفي الحديث:
تبليغ العلم، والابتداء به، والإخبار بأحواله صلى الله عليه وسلم؛ للتأسي به، والإخبار بما يُسَتْحَيا من ذكره عادة إذا ترتبت دونه مصلحة من تبيين حكم، وغيره، وقراءة القرآن في حجر الحائض، وبقرب موضع النجاسة، والله أعلم.
* * *
الحديث الخامس
عن مُعاذَةَ قالَتْ: سَأَلْتُ عَائشِةَ رضي الله عنها، فقلت: ما بَالُ الحَائِضِ تَقْضِي الصَّومَ، ولا تَقْضِي الصَّلَاةَ؟ فَقَالَتْ: أَحَرُورِيَّةٌ أنتِ؟! فَقُلْتُ: لَسْتُ بِحرورِيَّةٍ، ولَكِنِّي أَسْأَلُ، فَقَالَتْ: كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ، فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ، ولا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ (1).
أما معاذة:
فكنيتُها: أمُّ الصهباء بنة عبد الله، العدويةُ، البصريةُ، التابعيةُ، امرأة صلة بن أشيم، كانت من العابدات، اتفقوا على أنَّها ثِقَةٌ حُجَّةٌ.
رَوى عنها: جماعة من التابعين، وغيرهم.
روى لها: البخاريُّ، ومسلم، وأصحاب السنن (2).
أما الحَرورِيُّ: فمن يُنسب إلى حروراءَ: قرية بقرب الكوفة على ميلين منها -وهي بفتح الحاء المهملة، وضم الراء الأولى، وبالمد-، اجتمع فيها أوائلُ
(1) رواه البخاري (315)، كتاب: الحيض، باب: لا تقضي الحائض الصلاة، ومسلم (335)، كتاب: الحيض، باب: وجوب قضاء الصوم على الحائض دون الصلاة، وهذا لفظ مسلم.
(2)
وانظر ترجمتها في "الطبقات الكبرى" لابن سعد (8/ 483)، و"التاريخ الكبير" للبخاري (4/ 300)، و"صفة الصفوة" لابن الجوزي (4/ 22)، و"تهذيب الكمال" للمزي (35/ 308)، و "سير أعلام النبلاء" للذهبي (4/ 508)، و"الكاشف" له أيضًا (2/ 517)، و"تهذيب التهذيب" لابن حجر (12/ 479).
الخوارج، ثم كثر استعمالهُ في كلِّ خارجي، ومنه قول عائشة لمعاذة:"أحروريةٌ أنت؟! "؛ أي: خارجية.
وإنما قالت لها ذلك؛ لأن مذهب الخوارج: أَنَّ الحائضَ تقضي الصلاة، وهو خلافُ إجماع المسلمين.
ولأن مُعاذةَ أوردت السؤال على غير صفته المجردة، بل قد تُشْعِرُ صيغتها بتعجبٍ، وإنكار؛ حيث قالت: ما بالُ الحائض تقضي الصوم إلى آخره؟ فأجابتها معاذة بأن قالت: ولَكِنِّي أَسْأَلُ؛ أي: أسأل سؤالًا مجردًا عن الإنكار، أو التعجب، بطلب مجرد العلم بالحكم.
وأما إجابة عائشة بالنص دون المعنى؛ فلأنه أبلغ وأقوى في الردع عن مذهب الخوارج، وأقطعُ لمن يعارض بخلاف المعنى المناسب؛ فإنه عرضة للمعارضة.
والمعنى في وجوبِ قضاءِ الصَّومِ دونَ الصلاة عليها: عدمُ المشقة في الصوم، ووجودُها في الصلاة؛ فإنها متكررة، فيشق قضاؤها، والصوم غير متكرر، فإنه يجب في السنة مرة واحدة، وربما كان الحيض يومًا، أو يومين.
وقول عائشةَ رضي الله عنها: "كان يُصيبنا ذَلِكَ فَنُؤْمَرُ بقضاءِ الصَّومِ، ولا نؤمرُ بقضاءِ الصلاةِ".
هذا حكمه حكم المرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإنه قول صحابية، والأمر والنهي إذا بُني لما لم يُسَمَّ فاعلُه من الصحابي، لم يحمل على غير النبي صلى الله عليه وسلم؛ فيكون بمنزلة قوله: قال، أو: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحوهما من صيغ الرفع، والاتصال.
وقد أجمع المسلمون على: أَنَّ الحائضَ والنفساءَ، لا يجب عليهما الصلاة، ولا الصوم، وأجمعوا على: أنه لا يجب عليهما قضاء الصلاة، وعلى: أنه يجب عليهما قضاء الصوم.
قال الجمهور من العلماء: وليست الحائضُ مخاطَبة بالصيام في زمن الحيض، وإنما يجب عليها القضاء بأمرٍ جديد.
وذكر بعض أصحاب الشَّافعيِّ وجها: أنَّها مخاطبةٌ بالصيام في حال الحيض، وتؤمر بتأخيره كما يخاطب المحدِثُ بالصلاة، وإن كانت لا تصح منه في زمن الحدث.
وهذا الوجه ليس بشيء، فكيف يكون الصومُ واجبًا عليها بسببٍ لا قدرة لها على إزالته؟! بخلاف المحدِث؛ فإنه قادر على إزالة الحدث، والله أعلم.
وقد اكتفت عائشة رضي الله عنها في الاستدلال على إسقاط القضاء بكونها لم تؤمر به، فيحتمل وجهين:
أحدهما: أن تكون أخذت إسقاطَ القضاء من سقوط الأداء، ويكون مجرد سقوط الأداء دليلًا على سقوط القضاء، إلَّا أَنْ يُوجدَ معارض، وهو الأمر بالقضاء؛ كما في الصوم.
الثاني: وهو الأقرب: أن يكون السببُ في ذلك أن الحاجة داعية إلى بيان هذا الحكم؛ فإن الحيض يتكرر، فلو وجب قضاء الصلاة فيه، لوجب بيانه، وحيث لم يتبين، دل على ما يقوله أرباب الأصول من أن قول الصحابي: كنا نُؤمر، ونُنهى، في المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإلا لم تقم الحجة به، والله أعلم.
وفي الحديث دليل على: السؤال عن العلم، وأن المسؤول إذا فهم من لفظ السائل شيئًا، يذكره له، ويبين ذلك له، وإن كان مقصود السائل خلافه، فيجب.
وفيه: بيان السائل مراده من لفظه.
وفيه: أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم ونهيه حجة بمجرده، ولا يفتقر إلى معرفة سره، أو حكمته، أو علته.
وفيه دليل على: أن الحائض لا تصوم، ولا تصلي، وأنها تقضي الصوم دون الصلاة.
وتقدم نقلُ الإجماع على الأربعة الأحكام منها، والله أعلم، وله الحمد والنعمة، وبه التوفيق والعصمة.
* * *