الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الرابع
عن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه قال: جَاءَ أعرابيٌّ، فَبَالَ في طائفةِ المسجدِ، فَزَجَرَهُ النَّاسُ، فَنَهَاهُمُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فَلمَّا قَضَى بَوْلَهُ، أَمَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بذَنُوبٍ مِنَ الماءِ؛ فأُهْرِيقَ عَلَيْهِ (1).
تقدم الكلام على أنس رضي الله عنه، في أول باب الاستطابة.
وأمَّا الأعرابي: فهو: منسوب إلى الأعراب؛ وهم سكان البوادي، ووقعت النسبة إلى الجمع دون الواحد؛ لأنَّه جرى مجرى القبيلة؛ كأنمار.
ولو نسب إلى المفرد؛ وهو عرب، لقيل: عربي، فيقع فيه الاشتباه بالعربي، وهو كل مولود من ولد إسماعيل صلى الله عليه وسلم؛ سواء كان من أهل البادية، والقرى، وهو غير المعنى الأول.
وطائفة المسجد: ناحيته.
والمسجِد -بكسر الجيم- كالمجِلس: لموضع السجود، ويجوز بفتحها، وقيل: الفتح لموضع الجبهة فقط، ويقال له في لغة: مَسْيد، بالياء بدل الجيم (2).
[وقال الزهريُّ: المسجدُ -بالكسر-: اسم جامع حيث يسجد عليه، ومنه رحب لا يسجد بعد أن يكون اتخذ لذلك، فأما المسجَد -بالفتح- من الأرض لموضع السجود نفسِه ونحوِ ذلك](3).
والذَّنُوب -بفتح الذال، وضم النون-، وهي: الدلو المملوءة ماءً.
(1) رواه البخاري (219)، كتاب: الوضوء، باب: يهريق الماء على البول، ومسلم (284)، كتاب: الطهارة، باب: وجوب غسل البول وغيره من النجاسات، وهذا لفظ البخاري.
(2)
انظر: "تحرير ألفاظ التنبيه" للنووي (ص: 40)، و"المصباح المنير" للفيومي (1/ 266).
(3)
ما بين معكوفين ساقط من "ش".
وإنَّما زَجَرَ النَّاسُ الأعرابيَّ؛ لكونهم اعتقدوه منكرًا، فبادروا إلى منعه لما فيه من تنزيه المسجد عن الأنجاس، لكنَّه فاتهم النظر إلى أنَّ منعه، وقطعه عليه يؤدي إلى الضرر به، وزيادة التنجيس لمكان آخر من المسجد؛ فلهذا نَهاهم صلى الله عليه وسلم عن زجره، بخلاف ما إذا تركه حتى يفرغ؛ فإنَّ الرشاش لا ينتشر.
وفي هذا الحديث: نجاسةُ بول الآدمي، وهو مجمَعٌ عليه، ولا فرق فيه بين الصغير والكبير؛ لكنَّ بولَ الصغير فيه النضحُ، وتقدم بيانه.
وفيه: احترامُ المسجد، وتنزيهُه عن الأقذار.
وفيه: أَنَّ الأرضَ تطهُرُ بصبِّ الماء عليها؛ ولا يشترط حفرُها، ونقلُ التراب، وهذا مذهب الشافعي، والجمهور.
وقال أبو حنيفة رحمه الله: لا تطهر إلا بحفرها.
وفيه: مكاثرةُ الأرضِ النجسةِ بالماء، وأنَّه لا يتحدَّد بشيء، قيل: إنَّه يكون سبعة أمثال البول.
وفيه: أنَّ الماء إذا كان واردًا على النجاسة؛ طهرها، وأنَّه لا يشترط العصر؛ بل يكفي نضوبُ الماء.
وفيه: الرفق بالجاهل في التعليم؛ وأنَّه لا يُؤْذَى، ولا يُعَنَّفُ إذا لم يأت بالمخالفة استخفافًا وعنادًا.
وفيه: دفعُ أعظمِ الضررين باحتمال أخفِّهما؛ لأنَّ البول في المسجد مفسدة، وزجره؛ لقطعه عليه، وضرره، وتعديد مواضع التنجيس في بدنه، وموضعه؛ مفسدةٌ أكثر من الأولى، فاحتمل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك؛ ترجيحًا لأخف المفسدتين على أعظمهما، والله أعلم.
* * *