الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والنفساء، فيحتمل أنهم راعوا العلة الثانية من العلتين، ويحتمل أنهم لم يراعوها، ورأوا أنَّ أمر الجنب به تعبّد لا يقاس عليه غيره، أمَّا إذا انقطع دم الحائض والنفساء، صارتا كالجنب، والله أعلم.
* * *
الحديث الخامس
عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَتْ: جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ، امْرَأَةُ أَبي طَلْحَةَ إلى رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يا رَسُولَ اللهِ! إن اللهَ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الحَقِّ، هَلْ عَلَى المَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إذا هِيَ احْتَلَمَتْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"نَعَمْ إذا رَأَتِ الماءَ"(1).
أمَّا أم سلمة: فهي أُمُّ المؤمنين هند، وقيل: رَمْلَة، وليس بشيء، بنةُ أبي أُمَيَّةَ حُذَيْفَةَ، ويقال: سُهيل بن المغيرة بنِ عبدِ اللهِ بنِ عمرِو بنِ مخزومِ بنِ يقظة بنِ مُرَّةَ، المخزوميَّةُ.
كانت قبل النبي صلى الله عليه وسلم عند أبي سلمةَ عبدِ الله بنِ عبدِ الأسد.
أَمُّها: عاتكةُ بنتُ عامرِ بنِ ربيعة.
تزوَّجها رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة ثلاث بعد وقعة بدر.
هاجرت الهجرتين: هجرةَ الحبشة، والمدينة.
رَوي لها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثُ مئةٍ وثمانيةٌ وسبعون حديثًا؛ اتفقا على ثلاثة عشر حديثًا، ولمسلم مثلها.
رَوى عنها: ابنُها عمر، وابنتُها زينبُ، وجماعة من التابعين.
ورَوى لها -أيضًا-: أصحابُ السننِ والمسانِد.
وتوفيت سنةَ تسعٍ وخمسين، وقيل: سنة ستين؛ لثمانٍ بقين من رجب في
(1) رواه البخاري (278)، كتاب: الغسل، باب: إذا احتلمت المرأة، ومسلم (313)، كتاب: الحيض، باب: وجوب الغسل على المرأة بخروج المني منها، وهذا لفظ البخاري.
اليوم الذي مات فيه معاوية، ووُلِّي فيه ابنُه يزيد، وقال ابنُ حِبَّان: سنةَ إحدى وستين.
وصَلَّى عليها أبو هريرةَ، وقيل: سعيد بن زيد أحدُ العشرة، وهو بعيد جدًّا؛ لأنَّه توفي سنة إحدى وخمسين، وماتت هي سنة إحدى وستين، أو بعدها؛ كما تقدم، والله أعلم.
ودُفِنَتْ بالبقيع؛ بلا خلاف، ودخل قبرَها ابناها عمرُ وسلمةُ، وابن أخيها عبد الله بن أبي حذيفة (1).
وأمَّا أم سُلَيْم: فهي أُمُّ أنسِ بنِ مالكٍ، وتقدم ذكرها في أول باب الاستطابة في ترجمته، وأنَّ اسمها الغُمَيْصَاء، وقيل غيره، وكانت من فاضلات الصحابة، ومشهوراتهن، وهي أختُ أمِّ حَرَام بنِ مِلْحَان رضي الله عنها.
رُويَ لها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أربعة عشر حديثًا؛ اتفقا على حديث واحد، وللبخاري آخر، ولمسلم حديثان.
روى عنها: ابنُها أنس، وعبدُ الله بن عباس.
وروى لها: أبو داود، والترمذي، والنسائي.
وأمَّا زوجُها أبو طلحةَ، فاسمه: زيدُ بنُ سهلِ بنِ الأسودِ بنِ حَرامِ بنِ عمرِو بنِ زيدِ مناةَ بنِ عديِّ بنِ عمرِو بنِ مالكِ بنِ النجَّارِ.
شهد العقبةَ، وبدرًا، وأحدًا، والمشاهدَ كلَّها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو نقيب.
رُوي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: اثنان وتسعون حديثًا؛ اتفق البخاري، مسلم على ثلاثة، وانفرد البخاري بحديث، ومسلم بآخر.
رَوى عنه: عبدُ الله بن عباس، وأنسُ بن مالك، وزيدُ بن خالد، وابنُه:
(1) وانظر ترجمتها في: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (8/ 86)، و"الاستيعاب" لابن عبد البر (4/ 1920)، و"أسد الغابة" لابن الأثير (7/ 329)، و"تهذيب الكمال" للمزي (35/ 317)، و"سير أعلام النبلاء" للذهبي (2/ 201)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (8/ 150)، و"تهذيب التهذيب" له أيضًا (12/ 483).
عبد الله، وابنُ ابنه: إسحاق بنُ عبدِ الله، وغيرُهم.
روى له أصحاب السنن والمساند.
مات بالمدينة سنة اثنتين وثلاثين، وقيل: سنة أربع وثلاثين، وسنُّه: سبعون سنة، وصلَّى عليه عثمان بن عفان.
وقيل: مات بالشَّام، وعاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين سنة يسرد الصوم.
ورُوي أنَّه غزا البحر؛ فمات فيه.
قال أبو حاتم بن حِبَّان: وكان فارسَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وقتَلَ يومَ حنينٍ عشرين رجلًا بيده، وهو القائل:
أَنَا أَبُو طَلْحَةَ، واسْمِي زيدُ
…
وُكُلَّ يَوْمٍ في سِلَاحِي صَيْدُ (1)
وأمَّا لفظه:
فقولها: "إنَّ الله لا يَسْتَحْيِي مِنَ الحَقِّ"، يقال: استحيا -بياء قبل الألف- في الماضي، يستحيي -بياءين- في المضارع، ويقال فيه: يستحي بياء واحدة.
ومعناه: أن الله لا يمتنع من بيان الحق، وضربِ المثل بالبعوضة، وبيتِ العنكبوت؛ كما قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} [البقرة: 26]؛ فكذا أنا لا أمتنع من سؤالي عمَّا أنا محتاجةٌ إليه.
وقيل معناه: إنَّ الله لا يأمر بالحياء في الحق، ولا يبيحه؛ وإنَّما قالت ذلك بين يدي سؤالها عمَّا دعتها الحاجة إليه في الدِّين؛ ممَّا تستحيي النساء عن السؤال عنه عادةً، وذِكْرِه بحضرةِ الرِّجال؛ فالامتناعُ من ذلك ليس بحياء حقيقي؛ لأنَّ الحياء خيرٌ كله، ولا يأتي إلَّا بخير، وذلك ليس بخير، بل هو شر؛ فلا يكون
(1) وانظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (3/ 504)، و"التاريخ الكبير" للبخاري (3/ 381)، و"الثقات" لابن حبان (3/ 137)، و"الاستيعاب" لابن عبد البر (2/ 553)، و"تاريخ دمشق" لابن عساكر (19/ 391)، و"أسد الغابة" لابن الأثير (2/ 361)، و"تهذيب الكمال" للمزي (10/ 75)، و"سير أعلام النبلاء" للذهبي (2/ 27)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (2/ 607)، و"تهذيب التهذيب" له أيضًا (3/ 357).
حياءً حقيقيًّا؛ بل هو مجازي طبعي، يسمَّى خَوَرًا.
وقد قالت عائشة رضي الله عنها: نِعْمَ النسَاءُ نساءُ الأنصارِ؛ لم يمنعهُنَّ الحياءُ أَنْ يتفقهنَ في الدِّين (1).
وقد يقال: إنها تعتذر من المطلوب -عادة- بالحياء، في الإثباث؛ لا في النفي؛ كما ثبت:"إنَّ الله حَيِيٌّ كريمٌ"(2)، فأمَّا في النفي؛ فالمستحيلات تبقى، ولا يشترط فيه أن يكونَ ممكنًا.
وأُجيبَ بأنَّه: لم يردْ على النفي مطلقًا، بل على أحيا من الحق؛ فمن حيث المفهوم يقتضي: أنَّه يستحيي من غير الحق؛ فيعود من جنبه إلى جانب الإثبات.
والذي يحسنُ العذر: أن يأتيَ رافعًا للمعتذر عنه إذا كان متأخرًا، مستقبلًا للنفس، متأثرة بقبحه.
أمَّا أن يكون دافعًا له، فلا؛ بأن يكونَ متقدمًا على المعتذَر منه، مدركًا للنفس، صافيًا من العتب، والذي في الحديث من الثاني؛ لكنَّه بالنسبة إلى العادة، لا بالنسبة إلى مطلوب الحق، والله أعلم.
ثم في الكلام حذف؛ تقديره: إن الله لا يستحيي من ذكر الحق، وبيانه كما تقدم شرحه.
والحق -هنا-، خلافُ الباطل، والمقصود: الاقتداء بفعل الله تعالى في ذلك بذكر الحق الذي دعت الحاجة إليه من السؤال عن احتلام المرأة.
وقولها: "هلْ على المرأةِ من غُسْلٍ إذا هي احتلمَتْ؟ ".
لفظة هي؛ تأكيد وتحقيق، لو أُسقطت من الكلام، لتمَّ أصل المعنى.
والاحتلام -في الوضع-: افتعال من الحُلْم -بضم الحاء، وسكون اللام-،
(1) رواه مسلم (332)، كتاب: الحيض، باب: استحباب استعمال المغتسلة من الحيض فرصة من مسك في موضع الدم.
(2)
رواه أبو داود (1488)، كتاب: الصلاة، باب: الدعاء، والترمذي (3556)، كتاب: الدعوات، باب:(105)، وابن حبان في "صحيحه"(876)، عن سلمان رضي الله عنه.
وهو ما يراه النائم في نومه، يقال منه: حلَم بفتح اللام، واحتلَم، واحتَلَمْتُ به، واحتَلَمْتُه (1).
وقد خص هذا الموضع اللغوي ببعض ما يراه النائم، وهو ما يصحبه إنزالُ الماء، فلو رأى غير ذلك؛ لصحَّ أن يقال له: احتلم وضعًا، ولم يصح عرفًا.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "نَعَم؛ إذَا رَأَتِ الماءَ".
لما كان الاحتلام مستعملًا في رؤية المنام من غير إنزال، وتارة يستعمل مع الإنزال؛ حسن السؤال مستعملًا عن حكمه الشرعي؛ ليتبين من أصل وضعه الذي هو في أصل اللغة.
وحسُن الجوابُ مقيدًا بالإنزال؛ وهو قوله: "إذا رأتِ الماءَ"، ووصف الإنزالِ بالرؤية يحتمل النزولَ من الصلبِ، أو الترائبِ إلى باطن الفرج من غير خروج إلى ظاهره.
لكنه يعكر على البِكْر في عدم وجوب الغسل عليها بذلك.
ولا يعكر على الثيِّبِ؛ فإنه يجب عليها بخروجه إلى باطن فرجها؛ وهو الموضع الذي يجب عليها غسلُه في الجنابة، والاستنجاء، الذي يظهر حالَ قعودها لقضاء الحاجة، وإن لم يبرز إلى ظاهره.
فعلى هذا تكون الرؤية بمعنى: العِلْم؛ كأنَّه يقول: إذا علمتِ خروجَ الماء، فيجب عليكِ الغسل، والله أعلم.
ثم اعلم أنَّه: يجب الغسل على المرأة بالإنزال؛ وكذلك الرجل، والدليل على ذلك؛ قوله صلى الله عليه وسلم:"إِنَّما الماءُ منَ الماءِ"(2).
فيُحتَمَل أنَّ أمَّ سُلَيم رضي الله عنها لم تسمع ذلك، فسألت عن ذلك؛
(1) انظر: "لسان العرب" لابن منظور (2/ 145)، و"مختار الصحاح" للرازي (ص: 64)، (مادة: حلم).
(2)
رواه مسلم (343)، كتاب: الحيض، باب: إنما الماء من الماء، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
لمسيس حاجتها إليه، ويُحتمل أَنْ تكونَ سمعته، ولكنها سألت عن حال المرأة؛ لقيام مانع فيها يخرجها عن العموم؛ وهو ندرة بروز الماء منها.
أمَّا أحكام الحديث:
ففيه: السؤال عن العلم؛ إذا جهله، أو علمه، أو احتاج إلى زيادة إيضاح.
وفيه: تقديمُ الاعتذار قبل المعتذَر منه، وإن كان واجب الفعل؛ لأجل العادة.
وفيه: الاحتياط لعدم سوء الظن بالشخص بعدم الأدب العادي، وإن لم يكن سوء أدب شرعًا.
وفيه: أن بيان المطلوب؛ إنما هو فيما وافق الشرع، لا العادة.
وفيه: السؤال في الاستفتاء: بهل؛ تنبيهًا على عدم معرفة السائل؛ فلا يقول هكذا قلت أنا، ولا كنت أعلم ذلك من غيرك، أو قال فلان: بخلاف قولك.
وفيه: أنَّ لفظة (على) مقتضاها: الوجوب.
وفيه: جواب المفتي: بنعم، مع قيد في الحكم؛ إذا كان.
وفيه: أنَّ المرأة يجب عليها الغسل بخروج المني سواء النوم، واليقظة؛ كما يجب على الرجل بخروجه؛ وهو مجمع عليه.
وكذلك أجمعوا على أنه: يجب بإيلاج الحشفة في الفرج.
وكذلك أجمعوا على إيجابه بالحيض، والنفاس.
واختلفوا في إيجابه على من ولدت ولدًا، ولم تر ماءً أصلًا، أو ألقت مضغة أو علقة، والأصح عند أصحاب الشَّافعي: وجوب الغسل، ومن لا يوجبه أوجب الوضوء.
ومذهب الشَّافعي رحمه الله: أنَّه يجب الغسل بخروج المني، سواء كان بشهوة، أو دفق، أم بنظر في النوم، أو في اليقظة؛ وسواء أحسَّ بخروجه، أم لا، وسواء خرج من العاقل، أو من المجنون.