الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذه الصورة؛ إلَّا يكون الوضع في باقي الأعضاء واجبًا، عند التمكن من السجود عليها، ويكون سقط الوجوب فيها؛ لعذر الازدحام، وعدم إبطال العبادة، والله أعلم.
* * *
الحديث الخامس
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا قامَ إلى الصلاةِ، يُكَبِّرُ حِينَ يقُومُ، ثُمَّ يُكَبِّر حِينَ يَرفَعُ، ثُمَّ يقُولُ: سَمعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ حِينَ يَرفَعُ صُلْبَهُ مِنَ الركْعَةِ، ثُمَّ يقُولُ، وَهُو قائِمٌ: رَبنا وَلَكَ الحَمْدُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَهْوِي، ثُمَّ يُكَبِّر حِينَ يَرفَعُ رَأسَهُ، ثُمَّ يُكَبر حِينَ يسجُدُ، ثُمَّ يكَبِّرُ حِينَ يَرفَعُ رَأسَهُ، ثُمَّ يفْعَلُ ذَلِكَ في صَلَاتِهِ كُلِّها حَتى يقْضِيَها، ويكَبِّر حِينَ يقُومُ مِنَ الثِّنْتَيْنِ بَعْدَ الجُلُوسِ (1).
اعلم: أن حديث أبي هريرة هذا مجمَع على العمل به اليوم؛ في أن المصلي يكبر في كل خفض، ورفع، إلا من رفعه من الركوع؛ فإنَّه يقول: سمع الله لمن حمده.
وكان في التكبير خلافٌ زمنَ أبي هريرة؛ فكان بعضهم لا يرى التكبيرَ إلا للإحرام، وبعضُهم يزيد على بعض ما في حديثه؛ وكأنهم لم يبلغهم فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا كان أبو هريرة يقول في بعض الروايات: إني لأَشْبَهكُمْ صلاةً برسولِ الله (2)، واستقر العمل عليه بعده إلى الآن.
ثمَّ هذا الحديث يصرح؛ أن في [كُلَّ] ركعةٍ خمسَ تكبيرات؛ فالثنائية: إحدى عشرة تكبيرة، بتكبيرة الإحرام، والثلاثية: سبع عشرة تكبيرة، بتكبيرة
(1) رواه البخاري (756)، كتاب: صفة الصلاة، باب: التكبير إذا قام من السجود، ومسلم (392)، كتاب: الصلاة، باب: إثبات التكبير في كل خفض ورفع في الصلاة إلا رفعه من الركوع.
(2)
رواه البخاري (752)، كتاب: صفة الصلاة، باب: إتمام التكبير في الركوع، ومسلم (392)، كتاب: الصلاة، باب: إثبات التكبير في كل خفض ورفع في الصلاة إلا رفعه من الركوع.
الإحرام، وتكبيرة القيام من التشهد الأول، والرباعية: ثنتان وعشرون تكبيرة بها، وخمس في كل ركعة؛ ففي الصلوات الخمس أربع وتسعون تكبيرة، والله أعلم.
وقد تقدم قريبًا؛ أن جميع التكبيرات سنة؛ عند العلماء كافة، إلا أحمد بن حنبل، في إحدى الروايتين عنه؛ فإنه أوجبها، وأجمعوا على وجوب تكبيرة الإحرام.
وقوله: "يُكَبِّرُ حينَ يقومُ"؛ يقتضي: إيقاعَ التكبير في حال القيام، ولا شك أنه واجب للتكبير، وقراءة الفاتحة؛ عندَ من يوجبها، مع القدرة؛ وكلُّ انحناء يمنع اسمَ القيام عند التكبير يُبطل التحريم، ويقتضي عدم انعقاد الصلاة.
وقوله: "ثمَّ يكبرُ حينَ يركعُ"؛ يقتضي مقارنَة التكبير لابتداء الركوع، إلى حين انتهائه إلى حدِّه، ويمدُّه على ذلك، ثمَّ يشرع في تسبيح الركوع المشروع فيه.
وقوله: "ثمّ يقولُ: سمعَ الله لمنْ حَمِدَهُ، حينَ يرفعُ صلبه منَ الركعة"؛ يقتضي: ابتداءَ قولِ التسميع حالَ ابتداء الرفع من الركوع، إلى حينِ ينتصب قائمًا، ويمده عليه، ويدل على أنه ذكر هذه الحالة، ولا شك أن الفعل يطلق على ابتداء الشيء وجملته حالةَ مباشرته، فحمله عليها لكونه مستصحبًا للذكر في جميع مباشرته له أولى؛ لئلا يخلو جزء من الفعل عن ذكر.
ومعنى حين يرفع صلبه من الركعة؛ أي: حين يبتدئ الرفع.
وقوله: "ثم يقولُ: ربنا ولك الحمدُ؛ وهو قائم"؛ دليل على: أن التحميد ذكرُ الاعتدال من الركوع، وأن ابتداءه حالَ ابتداء الاعتدال حين ينتصب قائمًا.
وعلى: أن كلًّا من التسميع، والتحميد في محلهما؛ يُشرعان لكل مصلٍّ؛ جمعًا بينه وبين قوله صلى الله عليه وسلم:"صلُوا كما رأيتموني أُصلِّي"(1)، وتخصيص جمعهما بالإمام؛ خلاف الأصل، وتخصيص من غير مخصص.
(1) تقدم تخريجه.
وقوله: "ثم يكبر حين يَهوي"؛ يقال: هَوَيْتُ إلى الأرض -بفتح الواو-؛ بمعنى: سقط؛ وكذلك يقال بمعنى: هلك، ومات؛ ومنه قوله تعالى {وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى} [طه: 81]، ومن الأول: قوله صلى الله عليه وسلم: "فهو يَهْوي في النارِ"(1)؛ أي: ينزل ساقطًا، يقال من السقوط: هوى يهوي.
وزعم بعضهم أن صوابه: أهوى إلى الأرض، وليس ذلك بشيء.
وقيل: أهوى؛ من قريب، وهوى؛ من بعيد.
ومعناه: ثمَّ يكبر حين يهوي ساجدًا" (2)؛ وهو ثابت في "صحيح مسلم"، والكلام في ابتدائه وانتهائه؛ كالكلام فيما قبله، وكذلك الكلام فيما بعده.
وكذلك، يشرع في التكبير للقيام من التشهد الأول؛ حين يشرع في الانتقال، ويمده حتى ينتصب قائمًا؛ هذا مذهبنا، ومذهب كافة العلماء، إلا مالكًا؛ فإنه قال: لا يكبر للقيام من التشهد الأول حتى يستوي قائمًا؛ وهو مروي عن عمر بن عبد العزيز.
وظاهر هذا الحديث يخالف ذلك؛ لأنَّ محلّ قوله: "حين يقوم من الثنتين، بعد الجلوس" قبل الاستواء للقيام، ويرجح -أيضًا- من جهة المعنى؛ بشغل زمن الفعل بالذكر، والله أعلم.
وتقدم في الأحاديث قبله، وفي الكلام عليه؛ ما يتعلق بأحكامه، والله أعلم.
* * *
(1) قلت: المؤلف رحمه الله كثير النقل عن "مشارق الأنوار" للقاضي عياض، بل إن جَل مادته اللغوية مأخوذة منه، على أنه يختصر أحيانًا في عباراته، ومنها هذه، فقد قال القاضي رحمه الله (2/ 273)، وهو يشرح مادة (هوى): يقال من السقوط: هوى، ومنه:"فهو يهوي في النار"؛ أي: ينزل ساقطًا، كما جاء في الرواية الأخرى:"فهو ينزل بها في النار"
…
إلى آخر كلامه. فلم يذكر أن قوله: "فهو يهوي في النار" من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، والذي دفع إلى هذا هو أني لم أر لفظ "فهو يهري في النار" في شيء من المصادر الحديثية التي بين يدي، والله أعلم بالصواب.
(2)
انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (2/ 273).