الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الحَيْض
الحديث الأول
عن عائشةَ رضي الله عنها: أَن فاطمةَ بِنْتَ أَبي حُبَيْشٍ سَأَلَتْ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: إنِّي أُسْتَحَاضُ، فلا أَطْهُرُ، أفَأَدعُ الصَّلَّاةَ؟ قالَ:"لا" إِنَّ ذَلِكَ عِرْقٌ؛ وَلَكِنْ دَعِي الصَّلَّاةَ قَدْرَ الأَيَّامِ الَّتي كُنْتِ تَحِيضِينَ فيها، ثُمَّ اغْتَسِلِي، وصَلِّي (1).
وفي رواية: "وَلَيْسَ بالحَيْضَة، فَإذَا أَقْبَلَتِ الحَيْضَةُ؛ فَاتْرُكِي الصَّلاةَ، فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُها؛ فَاغْسِلي عَنْكِ الدَّمَ، وصَلِّي"(2).
أما عائشة: فتقدم ذكرها.
وأما فاطمة بنت أبي حبيش:
فاسمُ أبيها: قيسُ بنُ المطلب بنِ أسدِ بنِ عبدِ العزَّى بنِ قُصَيٍّ، القرشيةُ، الأسديةُ، وهي غير فاطمةَ بنتِ قيسٍ؛ التي روت قصةَ طلاقها، ولا نعرف لهذه المذكورة في هذا الحديث رواية غيرَ حديث الاستحاضة هذا.
وحُبَيش: بضم الحاء المهملة، وفتح الباء الموحدة، ثم الياء المثناة تحت، ثم الشين المعجمة، وله في الأسماء مشابهُ خمسة، ذكرها ابن ماكولا (3).
(1) رواه البخاري (319)، كتاب: الحيض، باب: إذا حاضت في شهر ثلاث حيض، ومسلم (333)، كتاب: الحيض، باب: المستحاضة وغسلها وصلاتها، وهذا لفظ البخاري.
(2)
رواه البخاري (300)، كتاب: الحيض، باب: الاستحاضة.
(3)
انظر: "الإكمال" لابن ماكولا (2/ 330).
ووقع في "صحيح مسلم"، في أكثر النسخ: فاطمة بنت أبي حُبيش بن عبد المطلب؛ وهو وهم، والصواب: ما ذكرناه، بحذف لفظة عبد (1).
وأمَّا لفظه:
فالحَيْضُ، والاسْتِحَاضَةُ؛ أصله: السيلان؛ فالحائض تسمى حائضًا عند سيلان الدم منها، والاستحاضة عند سيلانه مستمرًا.
يقال: حَاضَتِ المرأةُ، تَحِيضُ، حَيْضًا، ومَحِيضًا ومحاضًا؛ فهي حَائِضٌ: إذا سال الدم منها، في نُوَبٍ معلومة معتادة، وإذا سال في غير نوبه؛ قيل: استُحيضت، وهي مُستحاضة، والاسم الاستحاضة.
وللحيض ستةُ أسماءٍ: الحيضُ، والطمْثُ، والضحك، والعراك، والإكبارُ، والإعصارُ.
وهو دمٌ يُرخيه رحم المرأة بعد بلوغها في أوقات معتادة، يخرج من قعر الرحم، والاستحاضة في غير أوقاته، ويسيل من عرق فمه في أدنى الرحم، ويسمى: العاذل -بالذال المعجمة مكسورة-، وجعل ابن عرفة المحيض والحيض من ذوات الواو، قال: هو اجتماع الدم إلى ذلك المكان، ومنه تسمى الحوض؛ لاجتماع الماء فيه، وهو خطأ لفظًا ومعنى، أما لفظه، فجعله إياه من ذات الواو؛ وهو من ذوات الياء (2).
وأما معنى: فلكونه جعله من الاجتماع؛ وهو اجتماع الدم في فرجها، لا من
(1) قال مسلم في "صحيحه"(1/ 262) عقب حديث (333): وفي حديث قتيبة عن جرير: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش بن عبد المطلب بن أسد، وهي امرأة منا. ا. هـ. وانظر ترجمة فاطمة رضي الله عنها في:"الطبقات الكبرى" لابن سعد (8/ 245)، و"الاسيعاب" لابن عبد البر (4/ 1892)، و"أسد الغابة" لابن الأثير (7/ 214)، و"تهذيب الكمال" للمزي (35/ 254)، و"الإصابة في تمييز الصحابة"(8/ 61)، و"تهذيب التهذيب" كلاهما لابن حجر (12/ 469).
(2)
انظر: "تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (3/ 72)، و"شرح مسلم" له أيضًا (3/ 204)، و"النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (1/ 468)، و"لسان العرب" لابن منظور (7/ 142)، (مادة: حيض).
السيلان؛ إما دائمًا، أو في أوقات؛ كما ذكرنا، لكنه يمكن أن يطلق عليهما من حيث المعنى لفظ الاجتماع في بعض الأحوال.
وقولها: "أُسْتَحَاضُ"؛ وهو مبني للمفعول، ولم يبن للفاعل؛ كما في قولهم: نُفِسَت المرأة، نُتِجَت الناقة، والكلمة من الحيض كما تقدم لفظها، ومعناها، والزوائد التي لحقتها للمبالغة؛ كما يقال: أعشبَ المكانُ، ثم يبالغ، فيقال: اعشَوْشَبَ، وكثيرًا ما تجيء الزوائد لهذا المعنى.
وقولها: "فلا أَطْهُرُ"؛ يحتمل أن مرادها: نفي الطهارة اللغوية؛ وهي النظافة، وكَنَّتْ بذلك على عدم النظافة من الدم؛ لأنها لم تكن عالمةً بالحكم الشرعي، ولا هي مستعملة للمطهِّر في ذلك الوقت، بل جاءت سائلة عنه؛ فتعين حملُه على الوضع اللغوي.
ثم حقيقته: استمرار الدم؛ وعليه حمله بعضُهم، ويمكن حملُه على: المبالغة، ومجاز العرب، وكثرة تواليه، وقرب بعضه من بعض.
ولا شكَّ أن الطهارةَ تطلق بإزاء النظافة؛ كما ذكرنا.
وتطلق بإزاء استعمال المطهِّر، فيقال: الوضوء طهارة صغرى، والغسل طهارة كبرى.
وتطلق على الأمر المرتب على استعمال المطهِّر شرعًا؛ فيقال لمن ارتفع مانع الحدث عنه: هو على طهارة، ولمن لم يرتفع عنه المانع: هو على غير طهارة.
وقولها: "أَفَأَدعُ الصَّلاةَ؟ "؛ هو سؤالٌ عن استمرار حكم الحيض حالةَ دوامِ الدم، أو عدمه، ممن تقرر عنده أَنَّ الحائضَ ممنوعةٌ من الصلاة.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا، إِنَّ ذلكَ عِرْقٌ"؛ عرق -بكسر العين، وسكون الراء- وهو المسمى: بالعاذِل؛ كما تقدم.
وظاهره: انبثاق الدم من العِرْق، وقد جاء في الحديث:"عِرْقٌ انفجرَ"(1).
(1) رواه العقيلي في "الضعفاء"(3/ 258)، عن أسماء بنت عُميس رضي الله عنها، وضعفه.
ويحتمل أَنْ يكونَ: من مجاز التشبيه؛ إِنْ كانَت سببُ الاستحاضة كثرةٌ مادة الدم، وخروجه من مجاري الحيض المعتادة.
قوله صلى الله عليه وسلم: "دَعِي الصَّلاة قَدْرَ الأَيَّامِ الَّتي كنتِ تَحيضِينَ فيها":
دل بلفظه على أن هذه المرأة كانت معتادة؛ وهذا يقتضي: أنها كانت لها أيام تحيض فيها.
وليس في لفظ الحديث ما يدل أنها كانت مميزة، أو غير مميزة، فقد يستدل به من يرى الرد إلى أيام العادة؛ سواء كانت مميزة، أو غير مميزة؛ وهو اختيار أبي حنيفة، وأحدُ قولي الشَّافعي.
ولا شكَّ أَنَّ المستحاضة تكون مبتدأةً، أو معتادةً، وكلُّ واحدةٍ منهما تكون مميزة، وغير مميزة؛ فتصير أربعة.
والتمسك بهذا الحديث على ردِّها إلى العادة؛ سواءٌ كانت مميزة، أو غير مميزة، ينبني على قاعدة أصولية؛ وهي منقولةٌ عن الشَّافعي رحمه الله: تركُ الاستفصال في حكاية الحال ينزلُ منزلةَ العموم في المقال؛ كقوله صلى الله عليه وسلم لفيروز، وقد أسلم على أختين:"اِخْتَرْ أَيَّهمَا شِئْتَ"(1)، ولم يستفصله، هل وقع العقد عليهما مرتبًا، أو متفاوتًا؟
وكذا نقول هاهنا، لما سألت هذه المرأة عن حكمها في الاستحاضة، ولم يستفصلها صلى الله عليه وسلم عن كونها مميزة، أو غير مميزة؛ كان دليلًا على أَنَّ الحكمَ عامٌّ في المميزة، وغيرها؛ كما قالوا في قصة فيروز، والذي يقال عليه؛ من أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم يجوز أَنْ يكونَ عَلِمَ حالَ الواقعة كيف وقعت، وأجاب على ما علم؛ يقال هاهنا: يجوز أن يكون علم حال الواقعة في التمييز، وعدمه.
وقوله في رواية: "لَيْسَ بالحِيضَةِ"؛ هي بكسر الحاء؛ أي: الحالة؛ وهو مذهب الخطابي.
(1) رواه الترمذي (1129)، كتاب: النكاح، باب: ما جاء في الرجل يسلم وعنده أختان، وقال: حسن، والبيهقي في "السنن الكبرى"(7/ 184).
والأظهر فتحُها؛ أي: المرَّةُ من الحيض، ونقله الخطابي عن أكثر المحدِّثين، أو كلِّهم؛ وهو في هذا الحديث متعيِّنُ، أو قريب منه؛ لاقتضاء المعنى إياه؛ فإنه صلى الله عليه وسلم أراد نفي الحيض، وإثبات الاستحاضة.
وأما ما يقع في كثير من كتب الفقه: "إِئما ذَلِكَ عِرْقٌ انقطع، أو انفجرَ، وليسَ بالحيضةِ"؛ فهي زيادة لا تُعرف في الحديث، وإن كان لها معنى.
وقوله: "فَإذا أَقْبَلَتِ الحيضةُ، فَدَعي الصَّلاةَ":
في الحيضة -هنا- الوجهان؛ في فتح الحاء، وكسرها جوازًا حسنًا.
وهو تعليق الحكم بالإقبال، والإدبار؛ فلا بد أَنْ يكونَ معلومًا للحيضة، بعلامة تعرفها:
فإن كانت مميزة، ورُدَّتْ إلى التمييز؛ فإقبالها: بدوُّ الدم الأسود، وإدبارُها: إدبارُ ما هو بصفة الحيض، وإن كانت معتادة، ورُدَّتْ إلى العادة؛ فإقبالها: وجودُ الدم في أولِ أيامِ العادة، وإدبارُها: انقضاءُ أيام العادة.
وقد ورد في حديث فاطمةَ بنتِ أبي حُبيش ما يقتضي الردَّ إلى التمييز، وقالوا: إنَّ حديثَها هذا في المميزة، وحُمل قولُه:"فإذا أقبلتِ الحيضةُ" على الحيضة المألوفة التي هي بصفة الدم المعتاد.
وأقوى الروايات في الرد إلى التمييز، الروايةُ التي فيها:"دمُ الحيضِ أسودُ يُعْرفُ؛ فإذا كانَ ذلكَ، فَأَمْسِكي عن الصلاة"(1).
وقد يشير إلى الردِّ إلى العادة في هذا الحديث: قوله صلى الله عليه وسلم: "فَإذا ذهبَ قَدْرُها"؛ يعني: قدرُ أيامِها، وصَحَّفَ بعض الطلبة هذه اللفظةَ، فقال: "فإذا ذَهب قَذَرُها؛ -بالذال المعجمة المفتوحة-، وإنما هو: قَدْرُها -بالدال المهملة الساكنة-؛ أي: قَدْرُ وقتِها.
(1) رواه أبو داود (286)، كتاب: الطهارة، باب: من قال: إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة، والنسائي (215)، كتاب: الطهارة، باب: الفرق بين دم الحيض والاستحاضة، وابن حبان في "صحيحه"(1348)، وغيرهم من حديث فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "فاغْسِلي عنكِ الدمَ، وصلِّي": هذا الحديث مشكل في ظاهره؛ حيثُ لم يذكر الغسلَ، ولا بدَّ بعد انقضاء الحيض من الغسل.
وحمل بعضهم هذا الإشكال على أن جعل الإدبار: انقضاء أيام الحيض؛ فالاغتسال .... ، وجعل قوله:"فاغسلي عنكِ الدمَ" محمولًا على دم يأتي بعد الغسل.
والجواب الصحيح: أَنَّ الغُسلَ إِنْ لم يُذكرْ في هذه الرواية، فقد ذُكِرَ في رواية أخرى صحيحة قال فيها:"واغتسلي".
وأما أحكامه:
ففيه دليل على: أن المستحاضة لا تصلي إلا في الزمن المحكوم بأنه حيض؛ وهو مجمع عليه، ولم يخالف فيه الخوارج.
وفيه: استفتاء من وقعت له مسألة، وجواز استفتاء المرأة بنفسها، ومشافهتها الرجال فيما يتعلق بالطهارة، وأحداث النساء، وجواز استماع صوتها عند الحاجة.
وفيه: النهيُ لها عن الصلاة في زمن الحيض؛ وهو نهي تحريم، ويقتضي فساد الصلاة بإجماع المسلمين، وسواء في هذه الصلاة المفروضة، والنافلة؛ لظاهر الحديث؛ وكذلك يحرم عليها: الطواف، وصلاة الجنازة، وسجود التلاوة، وسجود الشكر، وكل هذا متفق عليه.
وقد أجمع العلماء على: أنها ليست مكلفة بالصلاة، وعلى أَنَّه لا قضاءَ عليها، نعم، استحب بعضُ السلف، وبعض أصحاب الشَّافعي للحائض إذا دخل وقت الصلاة: أَنْ تتوضَّأ، وتستقبلَ القبلة، وتذكرَ الله تعالى، وأنكر ذلك بعضهم.
وفيه دليل على: نجاسةِ دم الحيض، والأمر بإزالته، وأنَّ الصلاة تجب بمجرد انقطاع دم الحيض.
واعلم: أن المستحاضة لها حكم الطاهرات في معظم الأحكام؛ فيجوز
لزوجها وطؤها في حال جريان الدم عند الشَّافعي، وجمهورِ العلماء، وبه قال ابن المنذر، وحكاه في "الإشراف"(1)؛ عن ابن عباس، وابن المسيب، والحسن البصري، وعطاء، وسعيد بن جبير، وقتادة، وحماد بن أبي سليمان، وبكر بن عبد الله المزني، والأوزاعي، والثوري، ومالك، وإسحاق، وأبي ثور.
ورُوِيَ عن عائشة أنها قالت: لا يأتيها زوجها (2)؛ وبه قال النخعي، والحَكَم، وكرهه ابن سيرين، وقال أحمد: لا يأتيها، إلا أن يطول ذلك بها، وفي رواية عنه: أنه لا يجوز وطؤها، إلا أن يخاف العَنَتَ، والمختار: قولُ الجمهور.
روى عكرمة عن حمنة بنتِ جَحْش رضي الله عنها: أنها كانت مستحاضةً، وكان زوجُها يجامعها، رويناه في سنن أبي داود، والبيهقي، وغيرهما بهذا اللفظ بإسناد حسن (3).
وقال البخاري في "صحيحه": قال ابن عباس: المستحاضة يأتيها زوجها إذا صلت، الصلاةُ أعظم (4)، ولأن المستحاضة؛ كالطاهرة في الصلاة، والصوم؛ وكذا في الجماع؛ ولأن التحريم إنما يثبت بالشرع، ولم يرد بتحريمه.
وأما الصلاة، والصيام، والاعتكاف، وقراءة القرآن، ومس المصحف، وحمله، وسجود التلاوة، وسجود الشكر، ووجوب العبادات عليها؛ فهي [في] كل ذلك كالطاهر؛ وهذا مجمع عليه.
وإذا أرادت المستحاضة الصلاة؛ فإنها تؤمر بالاحتياط في طهارة الحدث
(1) كتاب: "الإشراف على مذاهب الأشراف" لأبي بكر محمد بن إبراهيم المعروف بابن المنذر النيسابوري الشافعي المتوفى سنة. (318 هـ) انظر: "كشف الظنون"(1/ 103).
(2)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(16960)، والدارمي في "سننه"(830).
(3)
رواه أبو داود (310)، كتاب: الطهارة، باب المستحاضة يغشاها زوجها، ومن طريقه: البيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 329).
(4)
رواه البخاري في "صحيحه"(1/ 125) معلقًا بصيغة الجزم. وانظر: "تغليق التعليق" لابن حجر (2/ 182).
والنجس؛ فتغسل فرجها قبل الوضوء، أو التيمم إن كانت تتيمم، وتحشو فرجَها بقطنة أو خرقة؛ دفعًا للنجاسة، أو تقليلًا لها.
فإن كان دمها قليلًا، يندفع بذلك وحده؛ فلا شيء عليها غيره، وإن لم يندفع بذلك؛ سدت مع ذلك على فرجها، وتَلَجَّمَتْ؛ وهو أن تشدَّ على وسطها خِرْقة أخرى مشقوقةَ الطرفين، فتدخِلُها بين فَخِذيها، وإِليتيها، وتشدُّ الطرفين بالخرقة التي في وسطها، إحداهما: قدامها عند سُرَّتها، والأخرى: خلفَها، وتُحكِمُ ذلك، وتُلصق هذه الخرقةَ بين الفخذين بالقطنة التي على الفرج إلصاقًا جيدًا؛ وهذا الفعل يسمى: تلجُّمًا، واستثفارًا، وتعصيبًا.
قال أصحابنا: وهذا الشد، والتلجُّم واجب، إلا في موضعين:
أحدهما: أن تتأذى بالشدِّ، ويحرقَها اجتماعُ الدم؛ فلا يلزمُها؛ لما فيه من الضرر.
والثاني: أن تكون صائمةً؛ فتترك الحشوَ بالنهار، وتقتصرُ على الشدِّ.
قالوا: ويجب تقديم الشدِّ والتلجُّم على الوضوء، وتتوضأ عقب الشد من غير إمهال، فإن شدت، وتلجمت، وأخرت الوضوء، وتطاول الزمان؛ ففي صحة وضوئها وجهان: الأصح: أنه لا يصح.
وإذا استوثقت بالشد على الصفة التي ذكرناها، ثم خرج منه دم من غير تفريط: لم تبطلْ طهارتُها، ولا صلاتُها، ولها أَنْ تصليَ بعد فرضها ما تشاء من النوافل؛ لعدم تفريطها، ولتعذر الاحتراز عن ذلك.
أما إذا خرج الدم؛ لتقصيرها في الشد، وزالت العصابة عن موضعها؛ لضعف الشد، فزاد خروجُ الدم بسببه؛ فإنه يبطل طهرُها، فإن كان ذلك في أثناءِ صلاةٍ، بطلت، وإن كان بعد فريضة، لم تستبح النافلة؛ لتقصيرها.
وأما تجديد غسل الفرج، وحشوه، وشده لكل فريضة: فتنظر؛ إن زالت العصابة عن موضعها زوالًا له تأثيرٌ، وظهر الدم على جوانب العصابة، وجب التجديد.