الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جعلنا الإبراد إلى حيث يبقى ظل يمكن المشي فيه إلى المسجد، أو إلى ما زاد على الذراع، فلا يبعد أن يبقى مع ذلك حر يحتاج معه إلى بسط الثوب، فلا يقع تعارض.
ومنها: جواز استعمال الثوب وغيره في الحيلولة بين المصلي وبين الأرض؛ لاتقاء الحر وبردها.
ومنها: أن الأولى في مباشرة المصلي الأرض بجبهته ويديه، فإنه علق بسط الثوب بعدم الاستطاعة، وذلك يفهم منه أن الأفضل والمعتاد عدم بسطه، والله أعلم (1).
* * *
الحديث السابع
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يُصَلِّي أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ"(2).
المراد بالثوب هنا الإزارُ فقط، وقد ألحق به في المعنى السراويل، وكل ما تُستر به العورة؛ بحيث يكون أعالي البدن مكشوفًا، فورد النهي على مخالفة ذلك بأن يجعل على عاتقه شيء يحصل الزينة المسنونة في الصلاة.
والعاتق: ما بين المنكب والعنق، وهو مذكر، ويؤنثُ أيضًا، وجمعه: عواتقُ، وعُتُق -بضمتين-، وعُتْق، -بضم ثم إسكان-.
ثم السنةُ في جعل بعض ثوب المصلي على العاتق إذا كان مكشوفًا، أما إذا كان مستورًا بقميص أو غيره، فلا يشرعُ جعلُ شيء منه ولا غيره على عاتقه، وقد ذكر أصحاب الشافعي - رحمهم الله تعالى - أن الإمام يومَ الجمعة يستحب له أن
(1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 62 - 63).
(2)
رواه البخاري (352)، كتاب: الصلاة، باب: إذا صلَّى في الثوب الواحد فليجعل على عاتقيه، ومسلم (516)، كتاب: الصلاة، باب: الصلاة في ثوب واحد وصفة لبسه، إلا أنه عندهما:"عاتقيه" بدل "عاتقه".
يزيد على سائر الناس في الزينة؛ كالرداء ونحوه، وليس من زينته الطيلسان؛ فإنه ليس من شعار الإسلام، بل هو من شعار اليهود؛ فإنه ثبت في "صحيح مسلم" وغيره أنه شعارُ يهودِ أصبهانَ السبعين ألفًا الذين يخرجون مع الدجال (1)، وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن التشبه باليهود والنصارى وسائر الكفار، ولعن من تشبه بهم، مع أنهم يمنعون من لبسه في بلاد المسلمين؛ لما فيه من الرفعة عليهم به، والله أعلم.
وقد اختلف العلماء في ستر العاتق في الصلاة، هل هو مستحب، أو واجب؟ فذهب مالك، وأبو حنيفة، والشافعي، والجمهور إلى استحبابه، وأن تركه مكروه كراهة تنزيه، تصح الصلاة مع كشفه.
وذهب أحمد رحمه الله في المشهور عنه، وبعض السلف إلى الوجوب، وعدم الصحة بتركه إذا قدر على ستره، أو وضع شيء عليه؛ لظاهر هذا الحديث.
وعن أحمد رواية أخرى: أن صلاته صحيحة، لكنه يأثم بتركه.
واستدل الجمهور بما رواه البخاري ومسلم في "صحيحيهما" من رواية جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له في ثوب له: "فإنْ كانَ واسعًا، فالتحِفْ به، وإن كانَ ضيقًا، فاتَّزِرْ به"(2)، ولم يأمره صلى الله عليه وسلم بوضع شيء على عاتقه مع ضيقه واتزاره به، فدل على عدم وجوبه والإثم بتركه، لكنه قد يجاب عنه بأن عدم أمره صلى الله عليه وسلم له بوضع شيء على عاتقه مع ضيق ثوبه؛ لعلمه بعجزه عن ستره، والعاجزُ معذور في ذلك، بخلاف القادر، والله أعلم.
وقد اعترض على ذلك بأن الَّذي يطرح على عاتقه شيئًا في الصلاة لا يخلو إما
(1) رواه مسلم (2944)، كتاب: الفتن وأشراط الساعة، باب: في بقية من أحاديث الدجال، عن أنس بن مالك مرفوعًا:"يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفًا عليهم الطيالسة".
(2)
رواه البخاري (354)، كتاب: الصلاة، باب: إذا كان الثوب ضيقًا، ومسلم (3010)، كتاب: الزهد والرقائق، باب: حديث جابر الطويل، وهذا لفظ البخاري.