الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الرابع
عن أَبي موسى الأشعريِّ رضي الله عنه قال: أَتَيْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ، يَسْتَاكُ بِسِوَاكٍ، قالَ: وَطَرَفُ السِّوَاكِ عَلَى لِسَانِهِ؛ يَقُولُ: "أُعْ أُعْ"، والسِّوَاكُ في فِيهِ؛ كأنَّه يَتَهَوَّعُ" (1).
أمَّا أبو موسى: فاسمه عبدُ الله بنُ قيسِ بنِ سليمِ بنِ حصَارِ بنِ حَرْبِ بنِ عامرِ بنِ غنمٍ.
ويقال في نسبه غير هذا.
وهو الأشعري: نسبة إلى الأشعر -رأسه نبت- بنُ أددِ بنِ زيدِ بنِ يشجبَ بنِ يعربَ بنِ قحطان.
وكان أبو موسى، وأبو عامر، وأبو بردة، وأبو رهم بنو قيس، إخوة أربعة، أسلموا كلهم في موضع واحد، صحابيون.
وكان أبو موسى حليفًا للنبي صلى الله عليه وسلم، واختلف فيمن حالف منهم:
فقال الواقديُّ: حالف بعد قدومه مكة مع إخوته في جماعة الأشعريين أبا أحيحةَ سعيدَ بنَ العاصي [من بني أمية](2)، وأمية، ثم أسلم بعد ذلك، وهاجر إلى أرض الحبشة.
وقال ابنُ إسحاق: هو حليفُ آل عتبةَ بنِ ربيعةَ؛ ذكره فيمن هاجر من حلفاء بني عبد شمس إلى الحبشة.
واختلف في هجرة أبي موسى وقومه إلى أرض الحبشة:
فقال جماعةٌ من أهلِ السِّير، والنَّسب: لمَّا قدم مكة، وحالف مَنْ حالف،
(1) رواه البخاري (241)، كتاب: الوضوء، باب: السواك، ومسلم (254)، كتاب: الطهارة، باب: السواك، وهذا لفظ البخاري.
(2)
ليست في "ح".
انصرف إلى بلاد قومه، ولم يهاجرْ إليها، ثمَّ قدمَ مع إخوته، فصادف قدومُه قدومَ السفينتين من الحبشة.
وقال أبو عُمَرَ بنُ عبدِ البرِّ: الصحيح أنَّه لم يهاجرْ إليها؛ وإنَّما رجع بعد الفتنة إلى بلاد قومه، فأقام بها حتى قدم مع الأشعريين، نحو خمسين رجلًا في سفينة؛ فألقتهم الريح إلى النجاشي بأرض الحبشة، وافَوا خروج جعفر وأصحابه منها، وأتوا معهم، وقدمت السفينتان معًا: سفينة الأشعريين، وسفينة جعفر وأصحابه على النبي صلى الله عليه وسلم في خيبر.
وقيل: إِنَّهم أقاموا بالحبشة بعد رمي الريح لهم إليها مدة، ثمَّ خرجوا منها بعد خروج جعفر، فذكروا فيمن هاجر إليها، والله أعلم.
وولَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا موسى على "زبيد"، و"عدن" و"ساحل اليمن"، واستعمله عمر على "الكوفة" و"البصرة"، وشهد وفاة أبي عبيدة (1) بـ "الأردن"، وخطبة عمر بالجابية، وقدم دمشق على معاوية.
رَوِيَ له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثُ مئةٍ وستون حديثًا، اتفق البخاري ومسلم على: خمسين حديثًا، وانفرد البخاري: بأربعة، ومسلم: بخمسة عشر، وروى له أصحاب السنن، والمساند، وروى عنه من الصحابة: أنس بن مالك، وخلق كثير من التابعين.
وقال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَقَدْ أُوتِيَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُد"(2)، وسُئل علي رضي الله عنه عن موضع أبي موسى من العلم؛ فقال: صبغ في العلم صبغة (3)، وكان عمر إذا رآه، قال: أذكرنا يا أبا موسى، فيقرأ عنده (4).
(1)"ح": "عبيد".
(2)
رواه البخاري (4761)، كتاب: فضائل القرآن، باب: حسن الصوت بالقراءة للقرآن، ومسلم (793)، كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: استحباب تحسين الصوت بالقرآن.
(3)
رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى"(4/ 346)، ويعقوب بن سفيان في "المعرفة والتاريخ"(2/ 314)، والبيهقي في "المدخل" (ص: 142)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(21/ 420).
(4)
رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى"(4/ 109)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(32/ 83).
وقال الشَّعبي: كان القضاةُ أربعةً: عمرُ بنُ الخطابِ، وعليُّ بنُ أبي طالبٍ، وزيدُ بنُ ثابتٍ، وأبو موسى رضي الله عنهم (1).
ورُوِيَ أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم استغفر له؛ فقال: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسٍ ذَنْبَهُ، وَأَدْخِلْهُ مُدْخَلًا كَرِيمًا"(2).
مات بمكة، ودفن بها، وقيل: بالكوفة، ودفن بالثوية، على ميلين منها، واختلف في تاريخ وفاته، فقيل: سنة اثنتين وأربعين، وقيل: أربع وأربعين، وقيل: سنة خمسين، وقيل: إحدى وخمسين، وقيل: اثنين وخمسين، وهو ابنُ ثلاثٍ وستين سنةً رحمه الله، ورضي عنه- (3).
وأمَّا ألفاظه:
فقولُه: "يقولُ: أُعْ أُعْ".
هو بضم الهمزة، وسكون العين المهملة، ورواه النسائي:"عا عا"(4).
ومعناه: يَتَهَوَّعُ؛ أي: يتقيأُ؛ فكأنَّه يتهوع، أيْ: له تصويت كتصويت المتهوِّع الَّذي يتقيأ؛ لا أنَّه يتقيأ، والله أعلم.
وفي الحديث:
الاستياكُ على اللسان، وإن كان لفظ الحديث لا يعطي ذلك؛ وقد ورد
(1) رواه الحاكم في "المستدرك"(5960)، عن الشعبي، عن مسروق. ورواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(19/ 182)، عن الشعبي.
(2)
رواه البخاري (4068)، كتاب: المغازي، باب: غزوة أوطاس، ومسلم (2498)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: من فضائل أبي موسى وأبي عامر الأشعريين رضي الله عنهما.
(3)
وانظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (4/ 105)، و"التاريخ الكبير" للبخاري (5/ 22)، و"الثقات" لابن حبان (3/ 221)، و"الاستيعاب" لابن عبد البر (3/ 979)، و"تاريخ دمشق" لابن عساكر (32/ 24)، و"أسد الغابة" لابن الأثير (3/ 364)، و"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (2/ 545)، و"تهذيب الكمال" للمزي (15/ 446)، و "سير أعلام النبلاء" الذهبي (2/ 380)، و"تذكرة الحفاظ" له أيضًا (1/ 23)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (4/ 211)، و"تهذيب التهذيب" له أيضًا (5/ 317).
(4)
رواه النسائي (3)، كتاب: الطهارة، باب: كيف يستاك؟ وابن خزيمة في "صحيحه"(141)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 35).
مصرَّحًا به في بعض الروايات، والعلَّة التي تقتضي الاستياك على الأسنان موجودة في اللسان، بل هي أبلغ وأقوى؛ لِما يترقى إليه من أبخرة المعدة، لكن الفقهاء ذكروا الاستياك في الأسنان عرضًا، وورد في بعض الروايات: الاستياكُ على اللسان طولًا، والله أعلم.
وقد ترجم على هذا الحديث: باب استياكِ الإمامِ بحضرة رعيته (1)؛ فإن الاستياك من أفعال البذلة والمهنة، ويلازمه -أيضًا- من إخراج البصاق، وغيره؛ ما لعلَّ بعض الناس يتوهم أنَّ ذلك يقتضي إخفاءَه وتركَه بحضرة الرعية.
وقد اعتبر الفقهاء ذلك في مواضع كثيرة؛ كالأكل والشرب في المواضع التي لم تجر العادة بالأكل والشرب فيها؛ كالطرق والأسواق؛ وهو الَّذي يسمونه بحفظ المروءة.
فأورد هذا الحديث لبيان أن الاستياك ليس من قبيل ما يُطلب إخفاؤه، ويتركه الإمام بحضرة الرعية؛ إدخالًا له في باب العبادات والقربات، والله أعلم.
والمترجمون في التصانيف على الأحاديث:
تارة تكون للتنبيه على الرد على مخالف في المسألة لم تشتهر مقالته.
وتارة تكون لفائدة ظاهرة في الدلالة على المعنى المراد.
وتارة تكون لفائدة ظاهرة فائدتها قديمة لا تكاد تستحسن.
وتارة تكون لمعنى يخص الواقعة، لا يظهر لكثير من الناس، كترجمة هذا الباب، والله أعلم.
* * *
(1) وهو النسائي رحمه الله في "سننه"(1/ 9)، كتاب: الطهارة، باب: هل يستاك الإمام بحضرة رعيته؟