الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجواز، وهو الاطلاع مع عدم المانع، أما عدم الإنكار، فمن رأى هذا الفعل، فهو متيقن، فترك المشكوك فيه، وهو الاستدلال بعدم إنكار النبي صلى الله عليه وسلم، وأخذ المتيقن، وهو الاستدلال بعدم إنكار الرائين للواقعة، وإن كان يحتمل قوله: ولم ينكر ذلك علي أحد، النبي صلى الله عليه وسلم وغيره؛ لعموم لفظ أحد، إلا أن فيه ضعفًا؛ لأنه لا معنى للاستدلال بعدم إنكار غير النبي صلى الله عليه وسلم مع حضرته، وعدم إنكاره إلا على بعد (1).
وفي الحديث دليل على: جواز ركوب الصبي المميز الحمار وما في معناه، وأن الولي لا يمنعه من ذلك، وأن صلاته صحيحة، وأن الإمام سترة لما وراءه، وجواز إرسال الدابة من غير حافظ، أو مع حافظ غير مكلف، وعلى احتمال بعض المفاسد لمصلحة أرجحَ منها؛ فإن المرور أمام المصلين مفسدة، والدخول في الصلاة وفي الصف مصلحة راجحة، فاغتفرت المفسدة للمصلحة الراجحة من غير إنكار.
* * *
الحديث الرابع
عَنْ عَائشِةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كُنْتُ أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَرِجْلَايَ في قِبْلَتِهِ، فَإذَا سَجَدَ، غَمَزنِي، فَقَبَضْتُ رِجْلَيَّ، وَإِذَا قَامَ، بَسَطْتُهُمَا، وَالبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ (2).
تقدم الكلام على عائشة.
وأما قولها: "فإذا سجد غمزني"، قال صاحب "المطالع": أي: طعن بإصبعه فيَّ لأقبضَ رجليَّ من قبلته (3).
(1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 44 - 45).
(2)
رواه البخاري (375)، كتاب: الصلاة، باب: الصلاة على الفراش، ومسلم (512)، كتاب: الصلاة، باب: الاعتراض بين يدي المصلي.
(3)
انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (2/ 135).
وقد استدل بعض الفقهاء على أن لمس المرأة لا ينقض الوضوء بناء على أن لمسه صلى الله عليه وسلم كان دون حائل، ولا يصح هذا لاحتمال ظاهر أن لمسه صلى الله عليه وسلم كان فوق حائل، فلا يكون فيه دليل على المسألة؛ للاتفاق على أن اللمس فوق حائل غير ناقض، أما اللمس دون حائل، فقد اختلف فيه، فقال بعضهم: إن كان دون لذة، لا ينقض، وإن كان بلذة، نقض، وقال بعضهم: ينقض وإن كان دون لذة؛ لعموم دليل اللمس، وهو قوله تعالى:{أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [المائدة: 6]؛ حملًا له على مجرد اللمس، وبالجملة: الظاهرُ من حال النائم أن يكون لمسُ المصلي إياه فوقَ حائل، والله أعلم.
وقولها: "والبيوتُ يومئذٍ ليس فيها مصابيحُ"، أرادت به الاعتذار عن عدم قبضها رجليها عندَ سجوده صلى الله عليه وسلم وعلمها به بالظلمة؛ حيث لا ضوء في البيت كيلا تحوجه صلى الله عليه وسلم إلى طعن رجليها بإصبعه -لو كان فيها مصابيح- عند سجوده، ويحتمل أنها ذكرت ذلك لتأكيد الاستدلال على حكم من الأحكام الشرعية، إما لاغتفار صلاة المصلي إلى النائم، أو إلى المرأة، أو لفعل مع الغمز في الصلاة للحاجة، والله أعلم.
وفي الحديث مسائل:
منها: جواز الصلاة إلى النائم، وإن كان امرأة، بلا كراهة، وقد كرهه بعضهم؛ لحديث ورد فيه، وحمل بعض العلماء هذا الحديث على جواز ذلك، وخصوصيه بالنبي صلى الله عليه وسلم دون غيره؛ لتنزهه عما يعرض لغيره في الصلاة من الفتنة بالمرأة، واشتغال القلب بها، والنظر إليها وتذكرها، مع أن الحالة كانت بالليل، والبيوت ليس فيها مصابيح.
ومنها: أن المرأة لا تقطع صلاة، وقد مر الكلام في هذه المسألة في الحديث قبله، وقد يفرق في المعنى بين مرورها ونومها، فإن المرور قد يهوش القلب عن الصلاة أكثر من النوم في الظلمة وعدم الرؤية.
ومنها: أن العمل اليسير لا يفسد الصلاة.
ومنها: عدم كراهية أن تكون المرأة سترة للمصلي، وكرهه مالك، وكره بعض العلماء الصلاةَ إلى الحيوان، آدميًّا كان أو غيره، مع تجويز الصلاة إلى المضطجِع، وكأنه محمول أو مقيد بما إذا كان مستقبلًا للمصلي بوجهه أو بعض بدنه، أما إذا كان مستدبرًا له، فلا كراهة.
ومنها: اللطف بالأهل وعدم التهويش عليهم في نومهم ومضجعهم، وإن كان على الزوج كلفة في ذلك وهو في عبادة، والله أعلم.
* * *