المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

على المذهب الصَّحيح المشهور، وفيه وجهٌ شاذٌّ أَنَّها ترتفع، وإن - العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار - جـ ١

[ابن العطار]

فهرس الكتاب

- ‌المقدّمَة

- ‌ مصادر الكتاب:

- ‌ النسخ الخطية للكتاب:

- ‌ منهج التحقيق:

- ‌تَرْجَمَةُ المؤَلِّف

- ‌ اسمه ونسبه:

- ‌ ولادته ونشأته:

- ‌ تدريسُهُ وإفادتُهُ:

- ‌ شيوخه:

- ‌ آثاره العلمية:

- ‌ ثناء العلماء عليه:

- ‌ مرضه ووفاته:

- ‌ مصادر ترجمته:

- ‌كتاب الطَّهارة

- ‌الحديث الأوَّل

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثَّاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثَّامن

- ‌الحديثُ التَّاسعُ

- ‌الحديث العاشر

- ‌باب الاستطابة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثّاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرَّابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السَّادس

- ‌باب السِّواك

- ‌الحديث الأوَّل

- ‌الحديث الثَّاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب المسح على الخفين

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب في المَذْي وغيره

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثَّاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب الجنابة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني والثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌باب التيمم

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌باب الحَيْض

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌كتاب الصلاة

- ‌باب المواقيت

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌باب فضل الجماعة ووجوبها

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب الأذان

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب استقبال القبلة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌باب الصُّفوف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب الإمامة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس، والسادس

- ‌باب صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌باب وجوب الطُّمَأْنينة في الركوع والسجود

- ‌باب القراءة في الصَّلاة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب ترك الجهر بـ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

- ‌باب سجود السَّهو

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثَّاني

- ‌باب المرور بين يدَي المصلِّي

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثَّاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب جامع

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

الفصل: على المذهب الصَّحيح المشهور، وفيه وجهٌ شاذٌّ أَنَّها ترتفع، وإن

على المذهب الصَّحيح المشهور، وفيه وجهٌ شاذٌّ أَنَّها ترتفع، وإن نزلا فيه إلى ركبتيهما، فنويا، ارتفعت جنابتهما عن ذلك القدر، وصار مستعملًا، فلا يرتفع عن باقيهما، إلَّا على الوجه الشَّاذ، هذا تفصيل مذهب الشَّافعي في ذلك - والله أعلم - (1).

* * *

‌الحديث السادس

عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إِذَا شَرِبَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ، فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا"(2)، ولمسلم:"أُولاهُنَّ بالترابِ"(3).

وله في حديث عبد اللَّه بن مُغَفَّلٍ رضي الله عنهما: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ في الإِنَاءِ، فَاغْسِلُوهُ سَبْعًا، وعَفِّرُوهُ الثامِنةَ بالتُّرابِ"(4).

أمَّا أبو هريرة، فتقدَّم في الحديث الثاني.

وأمَّا عبد الله بن مُغَفَّل، فكنيته أبو سعيد، وقيل: أبو عبد الرَّحمن، وقيل: أبو زياد، وأبوه مُغَفَّل صحابي -أيضًا-، ويقال: المُغَفَّل: بالألف واللام، ذكره مسلم في "صحيحه"، فيقال: رضي الله عنهما عند قراءتهما وكتابتهما، وهو بضم الميم وفتح الغين المعجمة وفتح الفاء المشدَّدة، ثم لام، ويشتبه بمُعْفِل -بضم الميم وسكون العين وكسر الفاء مخففة - والد هبيب الصَّحابي الغِفَاري، وبمَعْقِل -بفتح الميم وسكون العين المهملة وبالقاف المكسورة- جماعة من الصَّحابة رضي الله عنهم، وبمُعَقَّل -بضم الميم وفتح العين المهملة وبالقاف

(1) قلت: رحم الله الإمام الغزالي إذ يقول في "الإحياء": وددت لو أن مذهب إمامنا الشافعي رحمه الله كان كمذهب مالك.

(2)

رواه البخاري (170)، كتاب: الوضوء، باب: الماء الذي يغسل به شعر الإنسان، ومسلم (279)، كتاب: الطهارة، باب: حكم ولوغ الكلب، وهذا لفظ البخاري.

(3)

رواه مسلم (279)، كتاب: الطهارة، باب: حكم ولوغ الكلب، بلفظ:"طهور إناء أحدكم ..... ".

(4)

رواه مسلم (280)، كتاب: الطهارة، باب: حكم ولوغ الكلب.

ص: 72

المفتوحة المشدَّدة -والد عبد الله بن المعقَّل مذكور في "نسب تنوخ" لمحسِّن بن علي التَّنوخي.

وولد لعبد الله بن مغفَّل: زيادٌ، ومغفلٌ، وحسَّانُ.

قال ابن عبد البرَّ: وكان له سبعة أولاد، وهو عبد الله بن مغفل بن عبد نُهْم -بضم النُّون -، ويقال: عبد عَنْم -بفتح العين وسكون النون-، ابن عفيف بن أسيحم بن ربيعة بن عديِّ بن عوف بن ذُوَيد -بضمِّ الذال المعجمة وفتح الواو وسكون الياء المثناة تحت ثُمَّ دال مهملة- بن سعد بن عداء بن عمرو بن عثمان المزني، من مزينة مضر، بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشَّجرة، وقال: إنِّي لَمَنْ رفع أغصانَ الشَّجرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب (1).

قال الحسن -وهو أروى النَّاس عنه-: كان عبد الله بن مغفل أحدَ العشرة الذين بعثهم عمر إلينا يفقَهون النَّاس، وكان من نقباء أصحابه، وكان سكن المدينة، ثم تحوَّل إلى البصرة، وابْتَنَى بها دارًا قرب المسجد الجامع.

وقال معاوية بن قرة: أول من دخل باب مدينة "تستر" عبد الله بن مغفل المزني، يعني: يوم فتحها.

روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة وأربعون حديثًا، اتفقا منها على أربعة، وانفرد البخاريُّ بحديثٍ، ومسلم بآخر، روى عنه جماعة من التابعين، وروى له البخاريُّ ومسلم وأبو داود، والتّرمذي والنَّسائي، وابن ماجه، ومات بالبصرة سنة ستّين، وقيل: إحدى وستِّين، وقيل: تسع وخمسين، في آخر خلافة معاوية، في ولاية عبيد الله بن زياد، وأمر ألا يصلي عليه ابن زياد، وأمر ابن زياد بأن يصلّي عليه أبو برزة الأسلمي، وصلَّى عليه، وقيل: صلَّى عليه عابد بن عمرو - والله أعلم - (2).

(1) رواه الترمذي (1489)، كتاب: الأحكام والفوائد، باب: ما جاء من أمسك كلبًا ما ينقص من أجره، وقال: حسن، والإمام أحمد في "المسند"(5/ 54)، والحارث بن أبي أسامة في "مسنده"(5460)، والروياني في "مسنده"(909)، وغيرهم.

(2)

وانظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" للبخاري (5/ 23)، و"الاستيعاب" لابن عبد البر=

ص: 73

أما لفظه:

فقوله: "إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ في الإِنَاءِ" وَلَغَ -بفتح اللام- يَلَغُ -بفتحها أيضًا-، وحكى ابنُ الأعرابي كسرها في الماضي، ومصدرهما وَلغْ، ووُلوغ، وأولغه صاحبُه، وهو أن يُدخل لسانَه في المائع فيحرِّكَه، ولا يقال: ولغ بشيء من جوارحه غيرِ اللِّسان، والولوغ للكلب وسائر السِّباع، ولا يكون لشيء من الطَّير إلا الذباب (1).

وقال الجوهريُّ: قال أبو زيد: وَلغَ الكلبُ بشرابِنا، وفي شرابنا، ومن شرابنا (2).

وقوله صلى الله عليه وسلم: "وَعَفِّرُوهُ الثامِنةَ بِالتراب"، التعفير: التمريغ، ومعناه: مرِّغوه بالتُّراب (3)، وقال صاحب "المطالع" (4): عفِّروه: اغسلوه بالتراب؛ أي: مع الماء (5)، ويقال منه: عَفَره -مخفف الفاء - يعفِرُه عَفْرًا، وعَفَّرَهُ تعفيرًا؛ أي: مرَّغه، والتراب معروف؛ وهو اسمُ جنس لا يثنى ولا يجمع، وقال المبرد: هو جمع واحدته ترابة، وله خمسة عشر اسمًا ذكرها ابن النَّحاس لا حاجة إلى ذكرها هنا (6).

= (3/ 996)، و"صفة الصفوة" لابن الجوزي (1/ 680)، و"أسد الغابة" لابن الأثير (3/ 395)، و"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (1/ 271)، و"سير أعلام النبلاء" للذهبي (2/ 483)، و"تهذيب الكمال" للمزي (16/ 173)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (4/ 242)، و"تهذيب التهذيب" له أيضًا (6/ 38)، و"التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة" للسخاوي (2/ 95).

(1)

انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (5/ 225)، و"لسان العرب" لابن منظور (8/ 460)، (مادة: ولغ).

(2)

انظر: "الصحاح" للجوهري (4/ 1329)، (مادة: ولغ).

(3)

انظر: "المُغْرب" للمطرزي (2/ 69)، و"النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (3/ 261)، و"لسان العرب" لابن منظور (4/ 583)، (مادة: عفر).

(4)

لابن قرقول.

(5)

انظر: "مشارف الأنوار" للقاضي عياض (2/ 97).

(6)

انظر: "تحرير ألفاظ التنبيه" للنووي (ص: 42)، و"لسان العرب" لابن منظور (1/ 227)، (مادة: ترب).

ص: 74

أما أحكامه:

ففيه الأمر بغسل ما شرب منه الكلب أو ولغ، وهو ظاهر في تنجيس الإناء المولوغ فيه، سواء كان طعامًا مائعًا، أو غيره من المائعات.

وأقوى من هذا الحديث في الدَّلالة رواية مسلم في "صحيحه": أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "طَهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فيهِ الْكَلْبُ أَنْ يُغْسَلَ سَبْعًا"(1)؛ لأن لفظة "طهور" معناها: مطهر، والمطهر إمَّا أَنْ يطهِّر الحدث، أو النَّجس، ولا حدث في الإناء وما فيه، ضرورةً، فتعين النَّجس، وهو مذهب الشَّافعي وجمهور العلماء.

وقال بعضهم: المراد: الطهارة اللُّغوية، وهي التنزه عما يُستقذر عادةً لا حكما، ورُدَّ عليه بأَنَّ حملَ اللَّفظ على الحقيقة الشَّرعية مقدَّم على اللُّغويَّة والعرفيَّة، كيف ولا تعارض يقتضيهما؟

وحمل مالك رحمه الله هذا الأمر على التَّعبُّد؛ لاعتقاده طهارة الماء والإناء، وربما رجَّحه أصحابه بذكر هذا العدد المخصوص، وهو السَّبع؛ لأَنَّه لو كان للنَّجاسة، لاكتفى بما دون الشَّبع؛ فإنَّه لا يكون أغلظ من نجاسة العذرة، وقد اكتفي فيها بما دون السبع، والحمل على التَّنجيس أولى؛ لأنه متى دار الحكم بين التَّعبد وبين كونه معقولَ المعنى، كان حكمه على معقول المعنى أولى؛ لندرة التَّعبد في الأحكام المعقولة المعنى، وكونُه ليسَ بأغلظ من نجاسة العذرة ممنوعٌ عند القائل بنجاسته، وليس بأقذر منها، والتغليظ لا يتوقف على زيادة الاستقذار، لكن إذا كان أصل المعنى معقولًا، تعين القول به، وإذا وقع في التَّفاصيل ما لا يعقل، اتُّبع في التَّفصيل، ولا ينقض له التأصيل، ولو لم تظهرْ زيادةُ التغليظ في نجاسته، لاقتصر على التَّعبد بالعدد، ورجع في أصل المعنى على معقوليته، وإذا ثبت أن الأمرَ بغسله سبعًا للنجاسة، استدل به على نجاسة عين الكلب، إمَّا لنجاسة لعابه المتصل بفمه؛ لكونه جزءًا منه، وفمُه أشرف

(1) تقدم تخريجه.

ص: 75

ما فيه، وهو نجس، فكله نجس، أو لكون اللُّعاب نجسًا، وهو عَرَقُ الفم، فعرقه كله نجس، وهو متحلب من البدن، فجميعه نجس.

فتبين من الحديث الدَّلالة على نجاسته فيما يتعلق بالفم، وفي باقي البدن بالاستنباط، وفيه بحث، وهو أن يقال: إنما دلَّ الدَّليل على نجاسة الإناء بسبب الولوغ، وذلك قدر مشترك بين نجاسة عين اللُّعاب والفم، أو تنجسهما باستعمال النَّجاسة غالبًا، والدَّال على المشترك لا يدل على أحد الخاصين، فلا يدل على نجاسة عين الفم أو اللُّعاب، فلا تتم الدَّلالة على نجاسة عين الكلب.

واعترض على ذلك بأَنَّه لو [كانت] العلَّة تنْجيسَ أحدهما، لزمَ أحدُ أمرين: إِمَّا تخصيص العموم، أو ثبوت الحكم بدون علَّته؛ لأنَّه لو فرض تطهير فمه بماءٍ كثيرٍ، أو بأيِّ وجه، فولغ في الإناء، فإمَّا أَنْ يجبَ غسلُه أولًا، أو لا، فَإِنْ لم يجبْ، لزم تخصيصُ العموم، أو ثبوتُ الحكم بدون علَّته، وكلاهما خلاف الأصل. وأجيب عنه بأن الحكم منوطٌ بالغالب، والمذكور من الصُّور نادر، فلا يلتفت إليه، وهذا كلُّه يقوَّي أَنَّ الغسل وتغليظه لأجل قذارته، وهي النجاسة.

وقد استدل على نجاسة الكلب -أيضًا- بأن المولوغ فيه قد أمرنا بإراقته؛ ففي "صحيح مسلم" مرفوعًا: "أَنَّهُ إِذَا وَلَغَهُ، فَلْيُرِقْهُ، وَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا"(1)، ولو كان طاهرًا، لم يأمر بإراقته، فدلّ على نجاسته؛ لنجاسة الكلب، مع نهيه صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال.

وإذا ثبت نجاسة الكلب، فهو عام في كل كلب؛ لعموم اللَّفظ، وهو مذهب جمهور العلماء، سواء كان مما يجوز اقتناؤه، وسواء كلب البدوي والحضري.

وفي مذهب مالك أقوال:

أحدها: كمذهب الجمهور في نجاسته.

(1) رواه مسلم (279)، كتاب: الطهارة، باب: حكم ولوغ الكلب.

ص: 76

والثَّاني: طهارته، وإليه ذهب بعض أهل الطاهر، وقالوا: غسله تعبد. وتقدم فساده.

والثالث: طهارة المأذون في اتِّخاذه دون غيره.

وهذه الأقوال الثَّلاثة عن مالك.

وحكى الخطابي عنه قولًا رابعًا: أنَّه إذا لم يجدْ ماءً غيره، توضأ به، وبه قال الثوري، لكن قال: ثُمَّ يتيمَّم بعده.

وقال عبد الملك بن الماجشون المالكي: كلبُ البدوي غيرُ نجس، وكلب الحضري نجس.

والأظهر العموم؛ لأنَّ الألف واللام إذا لم يقمْ دليل على صرفها إلى المعهود المعين، فهي للعموم، ومَنْ يرى الخصوصَ يَصْرِفهُ عنه بقرينة أنهم نُهوا عن اتخاذ الكلاب إلا لوجوه مخصوصة، والأمر بالغسل مع المخالطة عقوبة يناسبها الاختصاص بمن ارتكب النَّهي في اتخاذ ما منع من اتخاذه، فإيجاب الغسل مع المخالطة عسر وحرج، ولا يناسبه الإذن والإباحة في الاتخاذ، وهذا يتوقف على وجود القرينة عند الأمر بالغسل.

وفيه دليل على عموم الإناء، والأمر بغسله للنَّجاسة، وذلك بتنجيس ما فيه، فيقتضي المنع من استعماله.

وفي مذهب مالك قول أَن ذلك يختصُّ بالماء دون الطعام، وقد ورد الأمر بالإراقة مطلقا في الرِّوايات الصَّحيحة، وظاهره للوجوب.

وفي مذهب مالك قول للنَّدب، وكأنَّه لما اعتقد طهارة الكلب بالدَّليل الَّذي دلَّه عليه، جعله صارفًا له من الوجوب إلى النَّدب، والأمر قد يصرف عن ظاهره بدليل.

واتفق أصحابُ الشَّافعي على الأمر بالإراقة، لكن اختلفوا، هل هي واجبة لعينها فتجب على الفور، أم لا تجب الإراقةُ إلا إذا أراد استعمال الإناء؟.

ص: 77

حكى الأول الماوردي في "الحاوي"(1)، ويحتجُّ له بمطلق الأول، وهو يقتضي الوجوب على المختار، وهو قول أكثر الفقهاء.

وبالثاني قال أكثر أصحاب الشَّافعي، لكنهم قالوا: الإراقة مستحبة، لكن إذا أراد استعمال الإناء، أراقه، واحتجُّوا بالقياس على سائر النَّجاسات؛ فإنه لا تجب إراقتها، بلا خلاف، ويمكن أَنْ يُجَابَ عن ذلك بأَنَ المرادَ في الولوغ الرجرُ والتغليظُ والمبالغةُ في التَّنفير عن الكلاب.

وفي الحديث دليل نصًّا (2) على اعتبار السَّبع في عدد الغسلات، وهو مذهب الشَّافعي، ومالك، وأحمد، والجماهير (3)، وفيه ردٌّ على أبي حنيفة رحمه الله في قوله: تغسل ثلاثًا، وكأنَّه لم يبلغْه هذا الحديث.

ونقل بعض العلماء عن أبي حنيفة وأصحابه: أنه يغسل حتى يغلب على الظن طهارتُه، والعدد لا يعتبر.

وفيه دليل على وجوب التَّعفير بالتراب، وبه قال الشَّافعي وأصحاب الحديث.

وليست في رواية مالك هذه الزيادةُ من ذكر التراب، فلم يقل بها، لكنَّ الزيادة من الثِّقة مقبولة، وهي رواية الشَّافعي والجمهور من المحدّثين، وقالوا بها، ومعلوم أن التراب إنَّما ضُمَّ إلى الماء استظهارًا في التطهير، وتوكيدًا له؛ لغلظ نجاسة الكلب؛ فقد عُقل أن الأُشنان وما أشبهه من الأشياء التي فيها قوَّة الجِلاء والتطهير بمنزلة التراب في الجواز، وذكر أصحاب الشَّافعي رحمهم الله في الجصِّ والصَّابون والأُشنان بدلَ التراب ثلاثةَ أقوال:

أظهرها: لا يقوم مقامه؛ لظاهر الخبر، ولأنها طهارة متعلقة بالتراب، فلا يقوم غيره مقامه؛ كالتيمم.

(1) انظر: "الحاوي" للماوردي (1/ 304 - 305).

(2)

"نصًّا" ساقطة من "ش".

(3)

"الجماهير" ساقطة من "ش".

ص: 78

والثَّاني: يقوم مقامه؛ كالدِّباغ يقوم غَيْرُ الشَّبِّ والقُرظِ مقامَهما، وكالاستنجاء يقوم فيه غيرُ الحجارة مقامَها.

والثالث: إِنْ وجدَ الترابَ، لم يَعْدِلْ إلى غيره، وإِنْ لم يجدْه، جازَ العدول إلى غيره للضرورة، وإن كان يقوم مقامه.

ومن أصحاب الشَّافعي مَنْ قالَ: يجوز إقامة غير التُّراب مقام التراب فيما يفسد باستعماله؛ كالثِّياب، فلا يجوز فيما لا يفسد؛ كالأواني.

وهذه المسألة مبنيَّة على أصل، وهو أَن التعفير لماذا رُوعي؟ اختلف أصحاب الشَّافعي فيه على أوجه:

أحدها: للتعبد يتبع فيه النقل، وقيل: للاستطهار بغير الماء، وقيل: للجمع بين نوعي الطهور: الماء والتُّراب، فعلى الأوَّل والثالث: لا يكفي استعمال غير التُّراب، ولا الغسلة الثامنة، ولا التُّراب النَّجس، ولا المزج بسائر النجاسات المائعات، وعلى الثاني: يجوز؛ لأَنَّه قد استطهر، وهذا كله معانٍ مستنبطة ليس فيها سوى مجرد مناسبة ليست بأمرٍ قويٍّ، فإذا دخلها الاحتمال، رجع إلى النصِّ، وأيضًا -فالمعنى المستنبط إذا عاد على النَّص بإبطالٍ أو تخصيصٍ، مردودٌ عند جميع الأصوليين - والله أعلم -.

وفيه دليل على أَن غسلة التتريب تحصل بالأولى، وهي أولى عند الشَّافعي، قال أصحابه: يُستحب أَنْ يكونَ التُّراب في غير الأخيرة لنأتي عليه بما ينظفه (1)، والأفضل أَنْ يكونَ في الأولى، ويحصل -أيضًا- بكلِّ مرَّة من المرَّات؛ لأن الرِّوايات ثبتت بذلك، ففي بعضها:"أولاهن"؛ كما ذكره "المصنف"، وفي بعضها "أُخراهنَّ" وفي بعضها:"إحداهن"(2)، ويرجح جعله في الأولى؛ بأنه إذا

(1) في "ح": "يقطعه".

(2)

رواه الترمذي (91)، كتاب: الطهارة، باب: ما جاء في سؤر الكلب، وقال: حسن صحيح، والإمام الشافعي في "مسنده" (ص: 8)، وأبو عوانة في "مسنده"(542)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء"(9/ 158)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 241).

ص: 79

لَحِقَ بعضَ المواضع الطَّاهرة رشاشُ بعض الغسلات، لا يحتاج إلى تتريبهِ، وإذا أخرت، فلحق رشاشُ ما قبلها بعضَ المواضع، احتيج إلى تتريبه، فكانت الأولى أولى وأرفق بالمكلَّف.

وفي حديثِ ابنِ مغفل دليلٌ على زيادةِ مرَّةٍ ثامنة ظاهرًا، وبه قالَ الحسنُ البصريُّ، وهو رواية عن مالك، وأحمد بن حنبل، وذكر أصحاب الشَّافعي أنَّه هل يقوم غسله ثامنةً بالماء مكانَ التراب؛ فيه وجهان، والحديثُ قويٌّ في المرَّة الثامنة، ومن تأول الحديث تأوَّلَهُ بتأويلٍ بعيدٍ.

[قال صاحب "الشَّامل" (1): ويحمل الحديث على أَنَّه عَدَّ التراب ثامنة، وإن كان يوجد مع السَّبع؛ لأنه جنس آخر؛ جمعًا بين الخبرين](2).

وذكر صاحب "الحاوي"(3) في قدر التُّراب وجهين:

أحدهما: ما يقع عليه الاسم.

والثَّاني: ما يستوعب محلَّ الولوغ.

وذكر بعض أصحاب الشَّافعي عنه: أنَّه لو جعل مكان التراب غيره من جصٍّ أو أُشنان، قولان، وأن محلَّهما مع عدم التُّراب، فأمَّا مع وجوده، فلا يجوز، قولًا واحدًا.

ومنهم مَنْ قال: القولان في جميع الأحوال، وأنه إذا قلنا: غير التُّراب لا يقوم مقامه في الإناء، ففي الثوب وجهان.

وفيه دليل على أنَّ ذرَّ التُّرابِ على المحل لا يكفي، بل لا بدَّ من خلطه بالماء، ثم إيصاله إلى المحل من إناءٍ أَو ثوبٍ، ووجهه أنَّه جعلَ مرَّة التَّتريب داخلة في

(1) كتاب: "الشامل في فروع الشافعية" لأبي نصر عبد السيد بن محمد المعروف بابن الصباغ الشافعي المتوفى سنة (477 هـ)، وهو من أجود كتب الشافعية وأصحها نقلًا، وله شروح وتعليقات كثيرة. انظر:"كشف الظنون"(2/ 1025).

(2)

ما بين معكوفين ساقط من "ح".

(3)

انظر: "الحاوي" للماوردي (1/ 309).

ص: 80

مسمى الغسلات، وذرُّ التُّراب لا يسمى غسلًا، وفيه احتمال من حيث إنَّ ذرَّ التُّراب على المحل، وإتْبَاعَه الماء يصحُّ أَنْ يقالَ: غسل بالتُّراب، ولا بدَّ من مثل هذا في أمره صلى الله عليه وسلم في غسل الميت بماءٍ وسدرٍ عند من يرى أَنَّ المتغَير بالطَّاهر غيرُ طهورٍ، وإن جرى على ظاهر الحديث في الاكتفاء بغسلةٍ واحدةٍ؛ إذ بها يحصل مسمى الغسل، إلا أنَّ قوله:"وَعَفِّرُوه" قد يشعر بالاكتفاء بالتَّتريب بطريق ذرِّ التُّراب على المحلِّ، وإِنْ كانَ بخلطه بالماء لا يُنافي كونَه تعفيرًا لغةً، فلا ينافي ما قالوه؛ لإطلاقِ ذرِّ التُّراب على المحل، وعلى إيصاله بالماء إليه، والحديث إِنْ دلَّ على اعتبارِ مسمى الغسلة، دلَّ على خلطه بالماء، وإيصاله إلى المحل، وذلك أمرٌ زائدٌ على مطلق التعفير على تقدير شموله للصُّورتين: ذرِّ التُّراب، وإيصاله بالماء.

وفيه دليل على أنَّ الماءَ القليلَ إذا حلَّت به نجاسةٌ، فَسَد.

وفيه دليل على تحريم بيع الكلب إذا كان نجس الذات، فصار كسائر النَّجاسات.

واعلم أَنَّه لا فرقَ في مذهب الشَّافعي بين ولوغِ الكلبِ وغيرِه من أجزائه؛ كدمه وبوله وروثه وعرقه وشعره ولعابه، أو عضو من أعضائه إذا كان رطبًا، أو أصاب شيئًا رطبًا في حال رطوبتِه ويُبوسةِ أجزائهِ، فإِنَّه يجبُ غسلُه سبعَ مراتٍ إحداهنَّ بالتُّراب.

ولو ولغَ كلبٌ مراتٍ، أو كلبان (1) في إناءٍ، ففيه أوجه، الصَّحيح: أنَّه يكفيه للجميع سبعُ مراتٍ، وقيل: يلزمه لكلِّ وَلْغَةٍ سبعٌ، وقيل: يكفيه لو لغاتِ الكلبِ الواحدِ سبعٌ، ولكلِّ كلبٍ سبعٌ، ولو وقع في الإناء المولوغ فيه نجاسة أخرى، كفى سبع، ولو كانت نجاسة الكلب دمه أو روثه، فلم يزلْ إلَّا بستِّ غسلاتٍ مثلًا، فهل يحسب ذلك غسلة أم ستًّا، أم لا يحسب شيئًا؟ أوجه، أصحها: غسلةً.

(1) في "ح": "كلاب".

ص: 81