الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إعمال اليدين في الصلاة، وإخراج هيئتهما إلى صفة الاجتهاد عن صفة التكاسل والاستهانة، ولفظ الحديث في الكتاب ليس مقيدًا بالسجود، فدخل فيه الركوع -أيضًا-؛ لأنَّ قوله:"كان إذا صلى، فرج"، فيشمل الركوع والسجود، والحكم فيهما كذلك عند الفقهاء، وقد يلزم من ذلك الحمل على الجبهة في السجود، كما ذكره بعض الفقهاء، وقد خصص الفقهاء المجافاة والتحوية بالرجال، وقالوا: المرأة تضم بعضها إلى بعض؛ لأنَّ المقصود منها التصون والتجمع والتستر، وتلك الحالة أقرب إلى هذا المقصود.
ففي الحديث دليل على: شرعية المجافاة عن الجنبين، وعدم بسطهما على الأرض؛ فإنه لا يرى بياض الإبطين مع بسطهما.
وفيه: الاقتداء بفعله كما يُقتدى بقوله.
وفيه: التحامل على الجبهة في السجود، والله أعلم.
* * *
الحديث الثاني عشر
عَنْ أَبِي مَسلَمَةَ سَعِيدِ بن يَزِيدَ، قَالَ: سألتُ أَنس بن مالِكٍ: أَكَانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي في نَعلَيه؟ قَالَ: نَعَمْ (1).
* أما أبو مسلمةَ:
فهو ثقة، محتج به في الصحيحين، وغيرهما، وهو أزدي بصري تابعي صغير، ويقال له: الطاحي القصير، والطاحي -بالطاء والحاء المهملتين- نسبة إلى طاحية: بطن من الأزد، واسم جده مسلمة، فهو أبو مسلمة سعيدُ بن يزيد بن مسلمة.
وقال أبو حاتم بن حبَّان في التابعين من "ثقاته": كنيته أبو مسلمة الطحان،
(1) رواه البخاري (379)، كتاب: الصلاة، باب: الصلاة في النعال، ومسلم (555)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: جواز الصلاة في النعلين، وهذا لفظ البخاري.
وما أظن قوله: الطحان إلا تصحيفًا، وصحفه غيره بالطائي، والله أعلم (1).
* وأما أنس، فتقدم ذكره.
النعل: معروف، والصلاة فيه جائزة، لكن لا توصف بالاستحباب؛ لكونه خارجًا عن المعنى المطلوب في الصلاة، وهوَ عدمُ الزينة الشاغلة عن أشكال هيئة الجلوس والسجود ونحوهما، فإن قيل: إن لبسهما من باب التزين للصلاة، والتجمل لها؛ كالأردية والثياب الحسنة، فيكون مستحبًا.
فالجواب: إن التزين والتجمل إنما يستحب إذا لم يكن مانع من إلهاءٍ؛ كالخميصة، أو تلبُّسٍ بقذرٍ أو وسخِ غالبًا؛ كالنعال، فتنحط رتبة الصلاة فيها عن الاستحباب، وينتفي الجواز، مع أنَّه لم يرد نص خاص في التزين والتجمل في الصلاة، وإنما هما داخلان في عموم قوله صلى الله عليه وسلم:"اللهُ أَحَقُّ من تزينَ لَهُ"(2)، "إن اللهَ جميلٌ يحبُّ الجمال"(3)، ومراعاة مصالح الصلاة من أمر النجاسة والقذر أولى من مراعاة التزين والتحسين، فإن الأول من باب الضرورة، والثاني من رتبة الحاجة، فرعاية الأول أولى، فيكون أرجح، فيعمل بالحديث في الجواز ما لم يمنع منه مانع، وفي عدم الاستحباب، والله أعلم.
وقد يستدل بالحديث على جواز العمل بالأصل في حكم الطهارة والنجاسة، وقد اختلف الفقهاء في تعارض الأصل والظاهر أيهما يقدم؟ والتحقيق فيه: إن كان الغالب الظاهر، اتبع، ما لم يعارضه غيره، وإلا عمل بالأصل، ولا شك أنه
(1) وانظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" للبخاري (3/ 520)، و"لجرح والتعديل" للرازي (4/ 73)، و"الثقات" لابن حبان (4/ 280)، و"تهذيب الكمال" للمزي (11/ 114)، و"تهذيب التهذيب" لابن حجر (4/ 88).
(2)
رواه ابن خزيمة في "صحيحه"(766)، والطبراني في "المعجم الأوسط"(9368)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 377)، والبيهقيُّ في "السنن الكبرى"(2/ 236)، والضياء المقدسي في "الأحاديث المختارة"(1/ 309)، لكن من قول عمر بن الخطّاب رضي الله عنه.
(3)
رواه مسلم (91)، كتاب: الإيمان، باب: تحريم الكبر وبيانه، عن ابن مسعود رضي الله عنه.