الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم المراد بخروج المني: أن يخرج إلى الظاهر، أمَّا ما لم يخرج؛ فلا يجب الغسل؛ وذلك بأن يرى النائم، أنَّه يجامع وأنه قد أنزل، ثم يستيقظ، فلا يرى شيئًا، فلا غسل عليه بإجماع المسلمين.
وكذلك لو اضطرب بدنه لمبادئ خروج المني، فلم يخرج؛ وكذا لو نزل المني إلى أصل الذكر، ثم لم يخرج؛ فلا غسل، وكذا لو صار المني في وسط الذكر، وهو في صلاة، فأمسك بيده على ذكره، فوقَ حائل، فلم يخرج المني حتى سلَّم من صلاته، صحت صلاتُه، فإنه ما زال متطهرًا حتى خرج.
والمرأة كالرجل في هذا؛ إلَّا إذا كانت ثيبًا، فنزل المني إلى فرجها، فإنه يجب الغسل، كما تقدم ذكره، وإن كانت بكرًا؛ لم يلزمها، ما لم يخرج من فرجها، لأنَّ داخل فرجها كداخل إحليل الرجل، والله أعلم.
وفيه: جواز استفتاء المرأة بنفسها.
وفيه: قبول خبرها؛ وهو مجمع عليه.
وفيه: استحباب حكاية الحال في الوقائع الشرعية مع الحكم، والله أعلم.
وفيه: رد على من يزعم أنَّ ماء المرأة لا يبرز، وإنما يعرف إنزالها بشهوتها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"نعمْ؛ إذا رأتِ الماءَ".
* * *
الحديث السادس
عن عائشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كُنْتُ أَغْسِلُ الجَنَابَةَ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَيَخْرُجُ إلَى الصَّلَاةِ، وَإِنَّ بُقَعَ الماءِ في ثَوْبهِ (1).
وفي لفظِ مسلمٍ: لَقَدْ كُنْتُ أَفْرُكُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَرْكًا؛ فَيُصَلِّي فِيهِ (2).
(1) رواه البخاري (227)، كتاب: الوضوء، باب: غسل المني وفركه، وغسل ما يصيب من المرأة.
(2)
رواه مسلم (288)، كتاب: الطهارة، باب: حكم المني.
اعلم أن تسمية الجنابة باسم المني: من باب تسمية الشيء باسم سببه؛ فإنَّ خروج المني، ووجودَه: سبب لاجتناب الصلاة، وما في معناها، وبعده عنها.
ثمَّ إنَّ غَسْلَ عائشة رضي الله عنها للمني، من ثوب النبيِّ صلى الله عليه وسلم لم يكن لاعتقاد نجاسته، ووجوب غسله؛ وإنما كان لمجرد التنظيف؛ لقولها في الرواية الثانية:"كنتُ أفرُكه من ثوبهِ صلى الله عليه وسلم فركًا فيصلِّي فيه".
فلو كان نجسًا، لم يتركْه النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكتفِ بفركه، أو حكه.
وقد اختلف العلماء؛ في طهارة مني الآدمي، ونجاسته:
فقال الشافعي، وأحمد في أصح روايتيه، وأصحابُ الحديث: بطهارته، وهو مروي عن علي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، وابن عمر، وعائشة، وبه قال داود -أيضًا-.
واستدلوا بما تقدم من فركه، وحمل حديث غسله على الاستحباب، والتنزه، واختيار النظافة.
وقال مالك، وأبو حنيفة، والليث، والحسن بن صالح: بنجاسته؛ حتى قال مالك: لا بدَّ من غسله، رطبًا ويابسًا.
وقال أبو حنيفة: يكفي في تطهيره فركُه إذا كان يابسًا، ويجب غسله إذا كان رطبًا؛ عملًا بالحديث في فركه، وبالقياس في غسل الرطب.
ولم يرَ الاكتفاءَ بالفرك دليلًا على الطهارة، وشبهه بعض أصحابه: بما جاء في الحديث من دلك النعل من الأذى؛ في قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا وَطِئَ أحدُكم الأذى بنعلِه، أو خُفِّه، فطهورُهما الترابُ" رواه الطحاوي، من حديث أبي هريرة (1)؛ فإنَّ الاكتفاء فيه بالدلك لا يدل على طهارة الأذى.
(1) رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 51)، وأبو داود (386)، كتاب: الطهارة، باب: في الأذى يصيب النعل، وابن خزيمة في "صحيحه"(292)، وابن حبان في "صحيحه"(1404).
وأمَّا مالك: فعملَ بالقياس في نجاسته رطبًا، ويابسًا، وإزالته، ووجه القياس فيه من وجوه:
أحدها: أنَّ الفضلات المستحيلة إلى الاستقذار في محل يجتمع نَجِسةٌ، والمني منها، فليكن نجسًا.
وثانيها: أنَّ الأحداث الموجبة للطهارة نجسة، والمني من الأحداث الموجبة للطهارة.
وثالثها: أنه يجري على مجرى البول، فيتنجس.
وهذا غير مقبول؛ فإنَّ مجرى المني غير مجرى البول.
ولهذا قال أصحاب الشَّافعي: يجب غسل المني إذا استجمر بالحجر؛ لأنه يجتمع هو والبول في رأس الذكر، وهو نجس معفو عنه بالنسبة إلى الصلاة، غير معفو عنه بالنسبة إلى ما يلاقيه من الرطوبات، فلو كان يجري في مجرى البول، لما كان لقولهم فائدة، ولقالوا: بوجوب غسله؛ لتنجسه.
وأمَّا في إزالته بالماء؛ فكسائر النجاسات، إلَّا ما عفي عنه، والفرد يلحق بالأعم الأغلب.
وأمَّا الليث فقال: نجسٌ تعاد الصلاة منه.
وأمَّا الحسن بن صالح فقال: لا تعاد الصلاة من المني في الثوب وإن كان كثيرًا، وتعاد منه في الجسد وإن كان قليلًا.
وأمَّا الشَّافعي رحمه الله: فاتبع الحديث في فركه؛ كما تقدم، ورآه دليلًا على طهارته، فلو كان نجسًا، لما اكتفى فيه إلَّا بالغسل؛ قياسًا على سائر النجاسات.
فلو اكتفى بالفرك مع كونه نجسًا؛ لزم خلاف القياس، والأصل عدم ذلك.
وهذا الحديث يخالف ظاهره لما ذهب إليه مالك، وقد اعتذر عنه بأشياء فيها بعد نقلًا وتأويلًا، والله أعلم.
وهذا الكلام كله في مني الآدمي.
وللشافعي قول شاذ ضعيف: أنَّ مني المرأة نجس، دون مني الرجل.
وقول أشذ منه: أنَّ مني المرأةِ والرجلِ نجسٌ.
لكنَّ الصوابَ: أنهما طاهران؛ فعلى القول الصواب بطهارته، هل يحل أكله؟ وجهان: أظهرهما: لا؛ لاستقذاره، فهو داخل في جملة الخبائث المحرمة علينا.
وأمَّا مني باقي الحيوانات:
فإن كان كلبًا، أو خنزيرًا، أو متولدًا من أحدهما؛ فمنيها: نجس بلا خلاف.
وإن كان غيرهما؛ ففيه ثلاثة أوجه:
أصحها: أنَّها كلَّها طاهرة.
والثاني: أنَّها كلها نجسة.
والثالث: مني مأكول اللحم: طاهر، وغيره: نجس، والله أعلم.
وقد استدل جماعة من العلماء بهذا الحديث: على طهارة رطوبة فرج المرأة.
وفيها خلاف مشهور لأصحاب الشافعي، وغيرهم، والأظهر: طهارتها.
ووجه الاستدلال بأن قالوا: الاحتلام مستحيل في حق النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه من تلاعب الشيطان بالنائم، فلا يكون المني الذي على ثوبه صلى الله عليه وسلم إلَّا من الجماع.
ويلزم منه مرور المني على موضع أصاب رطوبة فرج المرأة، فلو كانت نجسة، لتنجس بها المني، ولما تركه في ثوبه، ولما اكتفى فيه بالفرك.
وأجاب من قال: بنجاسة رطوبة فرجها بجوابين:
أحدهما: منع استحالة الاحتلام منه صلى الله عليه وسلم الذي هو فيض من غير تلاعب الشيطان، بخلاف الاحتلام الذي هو تلاعبه؛ فإنه ممنوع عنه صلى الله عليه وسلم.
والثاني: جواز أَنْ يكونَ ذلك المني من مقدمات الجماع؛ فيسقط منه شيء