المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وأما تنفُّل راكب السفينة، فمذهب الشافعي: أنه لا يجوز، إلا - العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار - جـ ١

[ابن العطار]

فهرس الكتاب

- ‌المقدّمَة

- ‌ مصادر الكتاب:

- ‌ النسخ الخطية للكتاب:

- ‌ منهج التحقيق:

- ‌تَرْجَمَةُ المؤَلِّف

- ‌ اسمه ونسبه:

- ‌ ولادته ونشأته:

- ‌ تدريسُهُ وإفادتُهُ:

- ‌ شيوخه:

- ‌ آثاره العلمية:

- ‌ ثناء العلماء عليه:

- ‌ مرضه ووفاته:

- ‌ مصادر ترجمته:

- ‌كتاب الطَّهارة

- ‌الحديث الأوَّل

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثَّاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثَّامن

- ‌الحديثُ التَّاسعُ

- ‌الحديث العاشر

- ‌باب الاستطابة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثّاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرَّابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السَّادس

- ‌باب السِّواك

- ‌الحديث الأوَّل

- ‌الحديث الثَّاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب المسح على الخفين

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب في المَذْي وغيره

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثَّاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب الجنابة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني والثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌باب التيمم

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌باب الحَيْض

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌كتاب الصلاة

- ‌باب المواقيت

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌باب فضل الجماعة ووجوبها

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب الأذان

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب استقبال القبلة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌باب الصُّفوف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب الإمامة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس، والسادس

- ‌باب صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌باب وجوب الطُّمَأْنينة في الركوع والسجود

- ‌باب القراءة في الصَّلاة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب ترك الجهر بـ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

- ‌باب سجود السَّهو

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثَّاني

- ‌باب المرور بين يدَي المصلِّي

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثَّاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب جامع

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

الفصل: وأما تنفُّل راكب السفينة، فمذهب الشافعي: أنه لا يجوز، إلا

وأما تنفُّل راكب السفينة، فمذهب الشافعي: أنه لا يجوز، إلا إلى القبلة، إلا ملاحَ السفينة؛ فيجوز له التنفل إلى غير القبلة؛ لحاجته.

وعن مالك روايتان: إحداهما: كمذهب الشافعي، والثانية: جواز التنفل حيثما توجهت، لكل أحد.

ثم إنه يجوز التنفل في السفر على كل دابة؛ من بعير، وبغل، وفرس، وحمار؛ بلا خلاف، بشرط ألا يكون الراكب مماسًا لنجاسة، والله أعلم.

* * *

‌الحديث الثاني

عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: بَيْنَمَا النَّاسُ بِقُباءَ، في صَلَاةِ الصُّبْحِ إذ جَاءَهُمْ آتٍ، فَقَالَ: إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ القِبْلَةَ؛ فاسْتَقْبِلُوهَا، وكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إلَى الشَّامِ، فَاسْتدَارُوا إِلَى الكَعْبَةِ (1).

أما ألفاظه:

فقوله: "بينَما الناس"؛ معناه: بينَ أوقاتِ كذا، ويجوز: بينما، وبينا؛ بلا ميم.

وقُباء: بالمدِّ، ومصروفٌ، ومذكَّر، وقيل: مقصورٌ، وغيرُ مصروف، ومؤنَّثٌ؛ وهو موضع معروف بقُرب المدينة (2).

وقوله: "وقَدْ أُمِرَ أَنْ يستقبلَ القبلةَ؛ فاستقبِلوها":

سميت القبلة قبلة؛ لأن المصلي يقابلها، وتقابله.

قال الهروي: وروي: فاستقبلوها -بكسر الباء، وفتحها-، الكسر أصحُّ

(1) رواه البخاري (395)، كتاب: القبلة، باب: ما جاء في القبلة، ومسلم (526)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة.

(2)

انظر: "شرح صحيح مسلم" للنووي (5/ 10).

ص: 395

وأشهر؛ وهو الذي يقتضيه تمامُ الكلام بعده: على الأمر، والفتحُ: على الخبر (1).

وقوله: "في صلاةِ الصبحِ":

قال الشافعي رحمه الله: قد سماها الله تعالى الفجرَ، وسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبحَ؛ فلا أحبُّ أن تُسمَّى بغير هذين الاسمين (2).

وقد ثبت في "صحيح مسلم"، في هذا الحديث:"بينما الناسُ، في صلاة الغَداةِ"(3)؛ ففيه دليلٌ على: جواز تسميتها غداةً؛ ولا خلاف في جوازه، وإن كان الشافعي لم يحبَّ تسميتها بغير الفجر والصبح؛ لأن ذلك لم يدل على منع التسمية بغيرهما؛ كيف، وقد ثبت غيرهما، من قول الصحابة؟! والله أعلم.

واعلم: أنه ينبغي أن نعرف كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستقبل الكعبة في صلاته، وهو بمكة؟ فذهب نفر من العلماء: إلى أن صلاته صلى الله عليه وسلم، وهو بمكة، لم تكن إلى بيت المقدس؛ وإنما صلى إليه بعد مقدمه إلى المدينة.

والذي عليه جمهور العلماء: أنه كان يصلي إلى الشام.

قال شيخنا أبو اليمن بن عساكر الحافظ رحمه الله (4): وسبب الاختلاف في ذلك: أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى بمكة مستقبلًا بيت المقدس جعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس، يتحرى القبلتين معًا؛ فلم يظهر استقباله بيت المقدس، ولا توجهه إليه، حتى هاجر إلى المدينة، وخرج من مكة.

(1) المرجع السابق، الموضع نفسه.

(2)

تقدم عن الإمام الشافعي في كتابه: "الأم".

(3)

رواه مسلم (526)(1/ 375)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة.

(4)

هو الشيخ الإمام الزاهد أمين الدين أبو اليُمن عبد الصمد بن عبد الوهاب بن زين الأمناء الدمشقي، كان صالحًا خيرًا، قوي المشاركة في العلم، بديع النظم، لطيف الشمائل، صاحب توجه وصدق، مات سنة (686 هـ). انظر:"الوافي بالوفيات" للصفدي (18/ 271)، و"شذرات الذهب" لأبي العماد (5/ 395).

ص: 396

هكذا روي عن ابن عباس رضي الله عنهما من طريق صحيحة، وقد روى أبو حاتم بن حبان في "صحيحه" في هجرة البراء بن معرور، وكعب بن مالك إلى مكة، عام بيعة العقبة؛ ما يدل على ذلك؛ وهو: أن البراءَ بنَ معرور رضي الله عنه رأى ألا يجعل الكعبة وراء ظهره في صلاته، وأنه شاور في ذلك كعبًا؛ فلم يوافقه، وأنه بقي في نفسه من فعله حتى قدم على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو وعمُّه العباس جالسين بمكة، فسلم هو وكعب عليه صلى الله عليه وسلم، في قصة طويلة، قال البراء بن معرور: يا رسول الله! إني صنعت في سفري هذا شيئًا، أحببت أن تخبرني عنه؛ فإنه قد وقع في نفسي منه شيء؛ إني قد رأيت ألا أجعل هذه البنية مني بظَهْر، وصليت إليها، ومنعني أصحابي، وخالفوني؛ حتى وقع في نفسي من ذلك ما وقع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أَما إِنَّكَ قد كنتَ على قبلةٍ، لو صبرت عليها"، قال: ولم يزده على ذلك الحديث.

قال أبو حاتم: أما تركه صلى الله عليه وسلم أمرَ البراء بإعادة الصلاة التي صلاها إلى الكعبة، حيث كان الفرض عليهم استقبالَ بيتِ المقدس؛ لأن البراء أسلم لما شاهد النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يأمره بإعادة تلك الصلاة، من أجل ذلك (1).

قال شيخنا الحافظ أبو اليمن بن عساكر رحمه الله كلامًا، مقتضاه: أن البراء رضي الله عنه، كان مسلمًا قبل هجرته إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة، هو ومن معه من الأنصار، وكانوا يسمون الأنصار في ذلك الوقت: الخزرج، ويدعون أوسَها وخزرجَها به، والقضاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر؛ وهذه واقعة عين، ووقائع الأعيان تحتمل وجوهًا من التأويل.

واحتمال تأويل هذا الإمام رحمه الله مُتَّجه، لولا أن سياق القصة يدل على خلافه؛ بل يصرح بخلاف تأويله، واستدل على قوله بأحاديث، واستشهد عليه بشواهد، يطول الكلام بذكرها؛ منها قولهم له في محاجته، في تركه التوجه

(1) رواه ابن حبان في "صحيحه"(7011)، والإمام أحمد في "المسند"(3/ 460)، وابن خزيمة في "صحيحه"(429)، والطبراني في "المعجم الكبير"(19/ 87).

ص: 397

إلى الشام: وما بلغنا أن نبينا يصلي إلا إلى الشام، وما كنا نصلي إلى غير قبلة.

فحيئذ، يكون تركه صلى الله عليه وسلم أمرَ البراء بالإعادة؛ لتأول البراء فيه، وعلم ذلك عند الله سبحانه وتعالى، وتأويله في توجهه إلى الكعبة له أصل صحيح، ومنزع حسن؛ فإنهم كانوا قد تقرر في أذهانهم وعلمهم: أن هذا النبي المبعوث في عصرهم؛ هو على ملة إبراهيم صلى الله عليه وسلم.

ودين إبراهيم الحنيفية، وقبلته الكعبة؛ كما أخبرهم أحبار اليهود؛ الذين ذمهم الله في كتابه المجيد، على كتم ما علموا، أو كفر ما عرفوا، ولعنَهم على إصرارهم على ذلك؛ فقال سبحانه:{وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة: 89].

فصلى البراءُ إلى الكعبة؛ اتباعًا لما علمه من علماء اليهود، مستصحبًا لأصل الحكم في ذلك، ورجحه على ما وجد فيه التردد عنده، في ثبوته، والاختلاف في صحته، ووجوده؛ وهو وجه من وجوه التراجيح؛ فهذا ملخص كلامه رحمه الله في ذلك، والله أعلم.

ثم في حديث الكتاب فوائدُ أصولية وفروعية:

أما الأصولية، فمنها: قبولُ خبر الواحد؛ وهو معمول به، معتدٌّ به عند الصحابة رضي الله عنهم، وهَلُمَّ جَرًّا، وليس المقصود من ذلك إثباتَ الشيء بنفسه؛ بل ذكره مثال من جهة الأمثلة التي لا تحصى؛ فيثبت بالمجموع القطع، بقبولهم خبر الواحد.

ومنها: نسخُ الكتاب والسنة المتواترة، هل يجوز بخبر الواحد، أم لا؟

والأكثرون: على المنع؛ لأن المقطوعَ لا يُزال بالمظنون.

ونقل عن الظاهرية: الجواز، واستدل له بهذا الحديث؛ ووجهه: أنهم عملوا بخبر الواحد، من غير إنكار من النبي صلى الله عليه وسلم عليهم، وفيه نظر؛ من حيث فرض المسألة، وأنها مفروضة، في نسخ الكتاب والسنة المتواترة، بخبر الواحد.

ص: 398

ويبعد عادةً أن أهل قباء؛ مع قربهم من النبي صلى الله عليه وسلم، وإتيانهم إليه، ومراجعتهم له؛ أن يكون مستندهم في استقبال بيت المقدس بالصلاة؛ الخبر عنه صلى الله عليه وسلم، من غير مشاهدة لفعله، أو مشافهة من قوله، مع طول المدة؛ وهي ستة عشر شهرًا.

ولو سلم الامتناع في العادة، لم يسلم عدمُ إمكان ذلك، والمحتمِلُ لأمرين لا يتعين حملُه على أحدهما؛ فلا يتعين استقبالهم بيتَ المقدس على خبر الواحد عنه صلى الله عليه وسلم؛ بل يجوز أن يكون عن مشاهدة، وإذا جاز انتفاء أصل الخبر؛ جاز انتفاء خبر التواتر؛ لأن انتفاء المطلق يلزم منه انتفاءُ قيوده، وإذا جاز انتفاء خبر التواتر؛ لم يلزم أن يكون الدليل منصوصًا في المسألة المفروضة.

واعترض على ما ذكر بوجهين:

أحدهما: أن المدعى امتناعُ كون مستندِ أهل قباءَ مجرد الخبر، من غير مشاهدة، إن صح، إنما يصح في جميعهم؛ فأما في بعضهم، فلا يمتنع في العادة، كون مستنده الخبرَ لا التواتر.

الثاني: أن ما ابتدئ، من جواز استنادهم إلى المشاهدة يقتضي أنهم أزالوا القاطع بالمظنون؛ فإن المشاهدة قطع، وإذا جاز إزالة المقطوع به بالمشاهدة بخبر الواحد، فمثله زوال المقطوع بالمظنون، وأجيب عن الأول بأنه إذا سلم امتناعه على جميعهم، لزم استنادهم إلى التواتر؛ فلا يتعين حمل الحديث عليهم.

فإن قيل: وما يقتضي الجميع؛ فيقتضي استناد بعض من استدار إلى التواتر؛ فيصح الاحتجاج؟

أجيب: بأنه لا شك بإمكان استنادهم كلهم إلى المشاهدة، ومع هذا، فلا ينبغي حمل الحديث عليه، إلا أن يتبين استناد الكل، أو البعض إلى الخبر بالتواتر، ولا سبيل إلى ذلك.

وعن الثاني بوجهين:

أحدهما: أنه ليس المراد إثباتَ المسألة المعينة بطريق القياس على

ص: 399

المنصوص؛ بل المراد التنبيه والمناقشة على الاستدلال بالحديث عليها؛ وقد تم الغرض منه.

الثاني: أن يكون إثبات جواز نسخ خبر الواحد مقيسًا على جواز نسخ خبر الواحد المقطوع به مشاهدة؛ بجامع اشتراكهما في زوال المقطوع بالمظنون، لكنهم نصبوا الخلاف مع الظاهرية، وفي كلام بعضهم ما يدل على أن: من عداهم لم يقل به، والظاهرية لا يقولون بالقياس؛ فلا يصح استدلالهم بهذا الخبر على المدعى؛ لكون هذا الوجه يختص بالظاهرية.

ومنها: جواز نسخ السنة بالكتاب، ووجه تعلق ذلك بالحديث؛ أن الآتي المخبرَ لهم، ذكر أنه أُنزل الليلة قرآن، وأحال النسخَ على الكتاب، وليس التوجه إلى بيت المقدس بالكتاب؛ إذ لا نص فيه عليه؛ فالتوجه إليه بالسنة، ويلزم من مجموع ذلك: نسخ السنة بالكتاب.

والمنقول عن الشافعي، وطائفة: خلافه، واعترض عليه بوجوه مقيدة:

أحدها: أنه يمكن أن استقبال بيت المقدس، كان ثابتًا بكتاب نسخ لفظه.

والثاني: أن النسخ كان بالسنة، ونزل الكتاب على وفقها.

الثالث: يجعل المجمَل، في قوله تعالى:{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [البقرة: 43]؛ كالملفوظ به، وفسر بأمور؛ منها: التوجه إلى بيت المقدس؛ فيكون كالمأمور به لفظًا، في الكتاب.

وأجيب عن الأول والثاني: بأن هذا المساق في التجويز يفضي إلى: ألا يعلم ناسخ من منسوخ بعينه أصلًا؛ فإن هذين الاحتمالين مطردان في كل واحد من ناسخ ومنسوخ.

والحق أن هذا التجويز يقتضي القطع اليقيني بالنظر إليه، إلا أن تحتف القرائنُ بنفيه؛ كما في كون الحكمِ بالتحويل إلى القبلة مسندًا إلى الكتاب العزيز.

وعن الثالث بعد التسليم بأن المبين كالملفوظ به في كل أحكامه، ومنها: هل يثبت في حق المكلف قبلَ بلوغ الخطاب له؟! وقد اختلف في ذلك، ووجه

ص: 400

التعلق لذلك من الحديث: أنه لو ثبت الحكم في أهل قباء قبل بلوغ الخبر إليهم؛ لبطل ما فعلوه؛ من التوجه إلى بيت المقدس، فلم ينعقد، ويجب الإعادة في بعضها، فتبطل.

ومنها: جواز مطلق النسخ؛ لأن كل ما دل على جواز الأَخَصِّ دل على جواز الأَعَمِّ.

ومنها: قد يؤخذ منه جواز الاجتهاد في زمنه صلى الله عليه وسلم، أو بالقرب منه؛ لأنه كان يمكن قطع الصلاة، وأن يثبتوا على ما فعلوا، فرجحوا البناء؛ وهو محل اجتهاد.

وقد حكى الماوردي من الشافعية في "الحاوي"(1) وجهين لأصحاب الشافعي؛ في أن استقبال بيت المقدس كان ثابتًا بالقرآن، أم باجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم؟

وقال القاضي عياض: الذي ذهب إليه أكثر العلماء؛ أنه كان بسنة، لا بقرآن (2).

فعلى هذا: فيه دليل لمن يقول: إن القرآن ينسخ بالسنة؛ وهو قول أكثر الأصوليين المتأخرين؛ وهو أحد قولي الشافعي.

والقول الثاني له، وبه قال طائفة: لا يجوز؛ لأن السنة مبيَّنة، فكيف تنسخها؟ وهؤلاء يقولون: لم يكن استقبال بيت المقدس بسنة؛ بل بوحي من الله تعالى، قال الله تعالى {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا} الآية [البقرة: 143].

واختلفوا -أيضًا- في عكسه؛ وهو نسخ السنة بالقرآن؛ فجوزه الأكثرون، ومنعه الشافعي وطائفة، وتقدم ذلك وأدلته.

وأما الأحكام الفروعية: فمنها: أن قولهم: الليلة؛ يطلق على الماضية، ولا يراد بها المستقبلة إلا بقرينة، أو دليل.

ومنها: جواز الصلاة الواحدة إلى جهتين؛ وهذا هو الصحيح عند الشافعية؛

(1) انظر: "الحاوي" للماوردي (2/ 67).

(2)

انظر: "شرح صحيح مسلم" للنووي (5/ 9).

ص: 401

فمن صلى إلى جهة بالاجتهاد، ثم تغير اجتهاده في إثباتها، فيستدير إلى الجهة الأخرى، حتى لو تغير اجتهاده أربع مرات في الصلاة الواحدة؛ فيصلِّي كل ركعة منها إلى جهة، صحَّت صلاته، على الأصح؛ لأن أهل هذا المسجد المذكور في الحديث استداروا في صلاتهم، واستقبلوا بيت المقدس، ولم يستأنفوها.

ومنها: أن الوكيل، إذا عزل، فتصرَّفَ قبلَ بلوغ الخبر؛ هل يصح تصرفه؟

الصحيح: نفوذُ تصرفه؛ بناءً على مسألة النسخ، وجه مأخذ المنازع في البناء على النسخ: أنه خطاب تكليفي؛ إما بالفعل، أو بالاعتقاد، ولا تكليف إلا مع الإمكان، ولا إمكان مع الجهل بورود الناسخ.

ومعنى ثبوت حكم العزل في الوكيل: أنه باطل، ولا استحالة في علم الوكيل بعد البلوغ ببطلانه قبلَ بلوغ الخبر؛ وهل يثبت حكمه قبل بلوغ الخبر؟ فيه خلاف: فهذا إما يتعلق بالبناء على ذلك، وعلى تقدير صحته؛ فالحكم هناك يكون مأخوذًا بالقياس، لا بالنص.

ومنها: أن الأَمَةَ لو صلَّت مكشوفة الرأس، ثم علمت بالعتق في أثناء الصلاة؛ هل تقطع الصلاة، أم تبني؟

إن أثبتنا الحكم قبلَ بلوغ العلم إليها؛ فسدتِ الصلاة، ولزمَها قطعُها.

وإن لم نثبتْه؛ لم يلزمْها قطعُها، إلا أن تتراخى بسترِها لرأسها؛ وهذا الحكم -أيضًا- مثلُ الأول، وإنه بالقياس.

ومنها: تنبيه من لم يصل المصلي على أمر يتعلق بالصلاة؛ واجبٌ، أو ممنوع، وقد فعل الصحابة ذلك في المندوب، والمكروه -أيضًا-.

ومنها: مراعاة سَمْت القبلة بالاجتهاد؛ لميلهم إلى جهة الكعبة عندَ بلوغهم الخبر بتحويل القبلة قبلَ قطعهم بالصلاة إلى عينها.

ومنها: أن من صلَّى إلى غير القبلة بالاجتهاد، ثم تبين له الخطأ؛ لم يلزمه الإعادةُ؛ لأنه فعلَ ما وجبَ عليه في ظنه، مع مخالفة الحكم في نفس الأمر؛ فإن

ص: 402