الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الخامس
عن عَلِيٍّ رضي الله عنه: أَن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ يومَ الخَنْدَقِ: "مَلأ اللهُ قُبُورَهُمْ وبيوتَهُمُ نَارًا كَمَا شَغَلُونَا عَنِ الصلاةِ الوُسْطَى حَتى غَابَتِ الشمْسُ"(1).
وفي لفظ لمسلم: "شَغَلُونَا عنِ الصلاةِ الوُسْطَى؛ صَلَاةِ العَصْرِ"، ثُمَّ صَلاهَا بينَ المَغْرب والعِشَاء (2).
وله: عن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ، قَالَ: حَبَس المُشرِكُون رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن صَلَاةِ العَصْرِ؛ حتى احْمَرَّتِ الشمسُ، أوِ اصْفَرتْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"شَغلُوَنا عَنِ الصلَاةِ الوُسْطَى؛ صَلَاةِ العَصْرِ، مَلأ اللهُ أَجْوَافَهُمْ وقُبُورَهُم نَارًا، أو: حَشَا اللهُ أَجْوَافَهُم وقبورَهُم نَارًا"(3).
أما علي، وابنُ مسعود، فتقدم ذكرُهما.
وأمَّا يوم الخندق: فكان في شوال سنة خمس من الهجرة، وقيل: أربع، وهو يوم الأحزاب، وكان الذي أشار على النبي صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق سلمان، وهو أول غزوة غزاها سلمان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخندَقَ على المدينة فيها، بين المدام إلى ناحية رائح، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم سَلْعًا وراءَ ظهره، والخندقَ بينه وبين القوم، والله أعلم.
[أما قوله صلى الله عليه وسلم: "ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارًا"، في رواية علي]، (4)، وفي
= ومسلم (470)، كتاب: الصلاة، باب: أمر الأئمة بتخفيف الصلاة في تمام، عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
(1)
رواه البخاري (6033)، كتاب: الدعوات، باب: الدعاء على المشركين، ومسلم (627)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: التغليظ في تفويت صلاة العصر.
(2)
رواه مسلم (627)(1/ 437)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: التغليظ في تفويت صلاة العصر.
(3)
رواه مسلم (628)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: التغليظ في تفويت صلاة العصر.
(4)
ما بين معكوفين ساقط من "ش".
رواية ابن مسعود: "مَلأَ اللهُ أجوافَهم وقبورَهم نارًا، أو: حَشَا اللهُ أجوافَهم وقبورَهم نَارًا"، فقد يُستدلُّ بالحديثِ الثاني من رواية ابن مسعود: على منع الرواية بالمعنى؛ حيث تردد بين اللفظيين: ملأَ، وحشا، ولم يقتصر على أحدهما، مع تقاربهما في المعنى، لكن بينهما تفاوتًا، فإن قوله:"حَشَا الله"؛ يقتضي: التراكمَ، وكثرةَ أجزاء المحشو ما لا يقتضيه: ملأ.
وقد قيل: إن شرطَ الرواية بالمعنى: أن يكون اللفظان مترادفين، لا ينقص أحدُهما عن الآخر، لكن الأولى الروايةُ باللفظ، وإن جَوَّزْنا الرواية بالمعنى؛ فلعل ابنَ مسعود قصدَ الأفضلَ الأولى متحريًا له.
وقوله: "ثُمَّ صَلَّاهَا بينَ المَغْرِبِ والعِشَاء"؛ فيه كلامان:
أحدهما: أن تأخيره للعصر، وإخراجها عن وقتها، هل كان عمدًا أو سهوًا؟ فيه احتمالان:
فمن قال: عمدًا؛ جعل شغل العدو لهم عذرًا في تأخيرها عن وقتها، وقال: كان هذا قبل نزول صلاة الخوف، وأما بعد نزولها، وإلى الآن؛ فلا يجوز تأخيرها، بل تُصلى على حسب حالة شدة الخوف على ما هو معروف من أنواعها عند العلماء.
ثم الذي وقع في "الصحيحين": أَن المؤخرَ صلاةُ العصرِ، وظاهرُه أنَّه لم يفتْ غيرُها.
وفي "الموطأ": أنها صلاةُ الظهرِ، والعصرِ (1).
وفي غيره: أَنَّه أَخَّرَ أَربعَ صلواتٍ: الظهرَ، والعصرَ، والمغربَ، والعشاء، حتى ذهب هُوِيٌّ من الليل.
وطريق الجمع بين هذه الروايات: أن وقعة الخندق بقيت أيامًا، فكان هذا في بعض الأيام، وهذا في بعضها، والله أعلم.
(1) رواه الإمام مالك في "الموطأ"(1/ 185).
الكلام الثاني: هل صلاتُه صلى الله عليه وسلم لها بين وقت المغرب والعشاء، أم بين فعلِهما؟
فإن قلنا: بينَ وقتهما؛ لزمَه منهُ الترتيبُ في الفوائت، وفيه مذاهب للعلماء، أوجبه بعضهم، مع اتفاقهم على استحبابه.
وإن قلنا: بينَ فعلِهما؛ لزم منه أن تكون العصر الفائتة بعدَ صلاة المغرب الحاضرة، وذلك لا يراه من يوجب الترتيبَ، وفي ذلك احتمالان، لكن يحتاج أحدهما إلى مرجح، إما لوجوب الترتيب في الفوائت، أو لاستحبابه.
وقد ورد في "صحيح مسلم": أَن النبي صلى الله عليه وسلم بدأَ بالعصرِ، ثُم صَلَّى المغربَ (1)، فتَرَجَّحَ أنه صَلى العصرَ بين وقتِهما، لا بينَ فعلِهما: إما وجوبًا، وإما استحبابًا.
أما تحتُّمُ الوجوب، فلا، وحديثُ:"لا صَلَاةَ لِمَنْ عليهِ صلاةٌ"(2) ضعيفٌ، ولو صحَّ، لحمل على: نفي الكمال، لا الصحة، ولا نقول: إنَّ الأصلَ أَنْ يحكيَ القضاءُ الأداءَ، وفعله صلى الله عليه وسلم يعين الوجوب فيه؛ لمعارضة أن الأصل عدمُ الوجوب فيه، والله أعلم.
وقولُه في حديثِ ابنِ مسعودٍ: "حَبَسَ المشركونَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَلاةِ العَصْرِ، حَتى احْمَرَّتِ الشمْس، أَوِ اصْفَرَّتْ": اعلم أَن اصْفِرَارَ الشمس، واحمرارَها: وقتُ كراهةِ الصلاةِ، ومعلومٌ أَن وقتَ الفضيلةِ، والاختيار، والجواز بلا كراهة: قبلَه.
فيكون فعلُها عندَ اصفرارها في وقت الكراهة، لكنَّه كان قبلَ نزول قوله تعالى:{فإن خِفْتُم فرجالًا أَو رُكبَانًا} [البقرة: 239]؛ لأنه لو كانت نزلت، لأُقيمت في حال الخوف.
(1) تقدم تخريجه قريبًا.
(2)
ذكره ابن الجوزي في "العلل المتناهية"(1/ 439) بسنده إلى إبراهيم الحربي قال: قيل لأحمد: ما معنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة لمن عليه صلاة"؛ فقال: لا أعرف هذه البتة. قال إبراهيم: ولا سمعت أنا بهذا عن النبي صلى الله عليه وسلم قَطُّ.
وظاهره يوهم مخالفةَ الحديث قبلَه، وفعلها بين المغرب والعشاء، وليس كذلك، بل حبسُ المشركين إياه انتهى إلى اصفرار الشمس، ولم يقع فعلُها إلا بعد المغرب؛ لاشتغاله صلى الله عليه وسلم ناسيًا لها، أو غيرِها؛ مما اقتضى جوازَ تأخيرها إذ ذاك، والله أعلم.
وأما أحكام الحديث:
ففيه دليل على: جوازِ الدعاءِ على الكفار بمثل هذا الدعاء، وعلى الإخبار بسبب الدعاء؛ لإقامة العذر.
وفي ظاهره دليل على: إِنْ فاتَتْهُ الفريضة تُقضَى في جماعة؛ وبه قال العلماء كافة.
إلا ما حُكي عن الليث بن سعد: أنه منعَ ذلك، فإن صحَّ؛ فهو مردود بظاهر هذا الحديث، وبصريح أن النبي صلى الله عليه وسلم صَلَّى الصبحَ بأصحابه جماعة حين ناموا عنها بعد طلوعِ الشمس؛ كما ثبت في "صحيح مسلم"(1).
وفيه دليل على: أن من فاتته صلاة، وصلاها في وقت آخر؛ أنه يبدأ بالفائتة، ثم يصلِّي الحاضرة، وهو مجمَع عليه، لكنَّه عندَ الشَّافعي، وطائفة: على الاستحباب، فلو صلى الحاضرة، ثم الفائتة، جاز.
وعند مالك، وأبي حنيفة، وآخرين: على الإيجاب، فلو قدم الحاضرة، لم يصح، وتقدم دليلهما مبينًا.
وقد يحتج بفعله صلى الله عليه وسلم العصرَ مقدمة على المغرب بعدَ غروب الشمس؛ مَنْ يقول: إن وقت المغرب متسعٌ إلى غروب الشَّفَق؛ لأنه لو كان ضيقًا، لبدأ بالمغرب؛ لئلا يفوت وقتُها، فدلَّ على أنه متسع.
لكن لا يمشي ذلك عند من يقول: إنه ضيق، فيحتاج إلى الجواب عن هذا؛ لأن المختار اتساعه؛ كما بيناه فيما تقدم، والله أعلم.
(1) رواه مسلم (680)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: قضاء الصلاة الفائتة، واستحباب تعجيل قضائها، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وفيه دليل على: أنَّ الصلاةَ الوسطى؛ هي العصرُ، وقد اختلف العلماء من الصحابة، فمَنْ بعدَهم فيها في المراد بها في القرآن العزيز.
لكنَّ صريحَ هذه الأحاديث يعين أنها العصر، وبه قال: عليُّ بنُ أبي طالب، وابنُ مسعود، وأبو أيُوب، وابنُ عمر، وابنُ عباس، وأبو سعيد الخدري، وأبو هريرة، وعَبيدة السلماني، والحسنُ البصري، والنَّخَعِي، وقتادة، والضحاك، والكلبي، ومقاتل، وأبو حنيفة، وأحمد، وداود بن المنذر، وغيرهم، قال الترمذي: هو قول أكثر العلماء من الصحابة، فمَنْ بعدَهم (1).
وقاله الماوردي عن مذهب الشافعي؛ لصحة الأحاديث فيه، قال: وإنما نصَّ على أنها الصبح؛ لأنه لم تَبلغْه الأحاديث الصحيحة في العصر، ومذهبه اتباع الحديث، وهذا هو المذهب الصحيح في المسألة.
وقالت طائفة: هي الصبح؛ وهو منقولٌ عن عمرَ، وابنِه، وابنِ عباس، ومعاذٍ، وجابرٍ، وعطاءٍ، ومجاهدٍ، وعكرمةَ، والربيعِ بنِ أنسٍ، ومالكِ بنِ أنسٍ، والشَّافعيِّ، وجمهورِ أصحابِه، وغيرِهم، وأجاب هؤلاء عن الحديث على طريق المعارضة له، وللفظه، ومعناه.
أما المعارضة له: فعُورِضَ بحديث رواه مالك، من حديث أبي يونس، مولى عائشة: أنه قال: أمرتني عائشةُ أن أكتبَ لها مُصحفًا، ثم قالت: إذا بلغْتَ هذه الآية، فآذِنِّي:{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238]، فلما بلغْتُها، آذَنتُها، فأمْلَتْ عليَّ: حافظوا على الصلوات، والصلاة الوسطى، وصلاة العصر، وقوموا لله قانتين، ثم قالت: سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم (2).
ونحوه روي -أيضًا- عن زيد بن أسلم، عن عمر بن رافع، قال: كنت أكتب مصحفًا لحفصةَ أُم المؤمنين، فذكر عنها مثلَ ما ذكر عن عائشة (3).
(1) انظر: "سنن الترمذي"(1/ 342).
(2)
رواه الإمام مالك في "الموطأ"(1/ 138)، ومسلم (629)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: الدليل لمن قال: الصلاة الوسطى هي صلاة العصر.
(3)
رواه الإمام مالك في "الموطأ"(1/ 139)، وابن عبد البر في "التمهيد"(4/ 280)، =
والمعطوف يغاير المعطوف عليه، وهذا ينبني على خبر الآحاد، هل يثبت به قرآنٌ؟ وإذا لم يثبت به، هل تنزل منزلة خبرِ الآحاد في العمل به؟ اختلف الأصوليون فيه:
فالمنقول عن أبي حنيفة: تنزيله منزلته، ولهذا أوجب التتابع في صوم الكفارة للقراءة الشاذة:(فصيامُ ثلاثةِ أيامٍ متتابعاتٍ)(1).
والمختار عندهم: أنه لا يجوز إثبات القرآن بالآحاد؛ لأنه لم يُروَ على أنه خبرٌ.
لكنَّه قد يعطف الشيء على نفسه، أو يكون من باب عطف الصفات بعضها على بعض مع اتحاد الشخص، ومنه قول الشاعر (2):
إِلَى (3) المَلكِ القَرْمِ وابْنِ الهُمَامِ
…
وَلَيْثِ الكَتَيبةِ في المُزْدَحَمْ
ومنهم من تمسك في إثبات أنها الصبح؛ بقرينة قوله تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238)} [البقرة: 238]؛ لأن القنوت في الصبح، وهو ضعيف لوجهين:
أحدهما: أَنَّ القنوتَ مشتركٌ بين القيام، والسكوت، والدعاء، وكثرة العبادة، فلا يتعين حملُه على قنوت صلاة الصبح.
الثاني: أَنَّ الحكمَ قد يُعطَفُ على مثله، وإن لم يكونا مجتمعين في موضعٍ واحدٍ مختصين به، فتضعف القرينة.
ومنهم من تمسك بأنها الصبح بالتأكيد فيها في الأحاديث الصحيحة؛
= والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 462).
(1)
قراءة: (فصيام ثلاثة أيام متتابعات) رواها الحاكم في "المستدرك"(3091)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(10/ 60)، عن أبي بن كعب رضي الله عنه.
(2)
هو ابن الزيات، كما في "خزانة الأدب" للبغدادي (1/ 451) و (5/ 107)، وانظر:"تفسير الطبري"(2/ 100). وابن الهمام وليث الكتيبة وصفان للملك، وقد عطفا على الصفة الأولى، وهي القرم؛ أي: السيد، وهو من شواهد جواز عطف الخبرين على الآخر، كما يجوز عطف بعض الأوصاف على بعضها.
(3)
في "المخطوط": "أنا"، والصواب ما أُثبت.
كقوله صلى الله عليه وسلم: "لو يَعْلَمُونَ مَا في الصُّبْحِ والعَتْمَةِ؛ لأتوْهُما ولَوْ حَبْوًا"(1)؛ لكنه إنما سِيْقَ في مَعْرِضِ ذم المنافقين بتأخرهم عنها.
مع أنه معارضٌ بالتأكيداتِ في صلاة العصر؛ كقوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى البَرْدَيْنِ دَخَلَ الجَنَّةَ"(2)، وقوله صلى الله عليه وسلم:"فإِنِ اسْتَطَعْتُمُ ألا تُغْلَبُوا على صَلاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وقَبْلَ غُرُوبِها"(3)، وحمل المفسرون قوله تعالى:{وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39)} [ق: 39] على صلاة الصبح، وصلاة العصر.
مع ما ثبت من التشديد في ترك صلاة العصر، ما لا يعلم ثبوته في ترك الصبح؛ كقوله صلى الله عليه وسلم:"مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ العَصْرِ، حَبِطَ عَمَلُهُ"(4)، وَ"مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ العَصْرِ فكأَنَّما وُتِرَ أَهْلَهُ، ومَالَهُ"(5).
وأما المعنى: فهو أَنَّ تخصيصَ الصلاةِ الوسطى بالمحافظة؛ لأجل المشقة، والمشقة في الصبح أكثر؛ لكونها تكون في حال طيب النوم، ولذته؛ حتى قيل: إِنَّ ألذَّ النومِ، إغفاءَةُ الصبح؛ فناسب ذلك أن تكون هي المخصوصة بالمحافظة عليها.
لكنَّه معارضٌ بما في صلاة العصر من مشقة تركِ مَعَاشِ الناس وتكسبهم، مع أنه لو لم يعارض بذلك، لكان ساقطَ الاعتبار بالنص على أنها العصر، مع أن للفضائل والمصالح مراتبَ لا يحيط بها البشر، فالواجبُ: اتباعُ النصوصِ فيها.
(1) تقدم تخريجه.
(2)
رواه البخاري (548)، كتاب: مواقيت الصلاة، باب: فضل صلاة الفجر، ومسلم (635)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: فضل صلاتي الصبح والعصر والمحافظة عليهما، من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
(3)
تقدم تخريجه.
(4)
رواه البخاري (528)، كتاب: مواقيت الصلاة، باب: إثم من ترك العصر، عن بريدة رضي الله عنه.
(5)
رواه البخاري (527)، كتاب: مواقيت الصلاة، باب: إثم من فاتته العصر، ومسلم (626)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: التغليظ في تفويت صلاة العصر، عن ابن عمر رضي الله عنهما.
ثم قد سَلَكَ المخالِفُ للنص في أنها العصر مسلكَ النظر في كونها وُسْطى من حيث العدد؛ فلا بُدَّ من تعيين ابتدائها فيه بحيث يقع به معرفة الوسط، وبه يقع التعارض.
فمن قال: إنَّها الصبحُ، يقول: سبقَها المغرب، والعشاء ليلًا، وأخر عنها الظهر، والعصر نهارًا، فكانت وسطًا.
ومن قال: إنها المغربُ، يقول: سبقها الظهر والعصر -كيفَ وقد سُمِّيت الظهرُ أولى-، وتأخر عنها العشاء والصبح، فكانت هي الوسطى؛ وهو قول قَبِيصَةَ بنِ ذؤيب.
ومن قال: هي العشاء، يقول: سبقها صلاة نهار، وصلاة ليل، وتأخر عنها صلاة بينهما، وصلاة نهار، مع أن الصبح قد اختُلِفَ فيها؛ هل هي نهارية، أو ليلية، أو لا يوصف بهما؟ على ثلاثة مذاهب للسلف.
ومن قال: الظهر هي عكس القول في العشاء في التقديم، والتأخير.
وهذا لا يتعين، بل ينبغي أن يكون مسلك النظر من حيث الفضل؛ كما يشير إليه قوله تعالى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143]؛ أي: عدلًا.
ومع ذلك كله، فأقوى دليل لمن قال: إنها الصبح، ومنع أنها العصر، قضية العطف الذي قدمناه، وهي قاصرةٌ عن النص: في أنها العصر، وقد أقسم الله تعالى بها؛ تعظيمًا لها في قوله:{وَالْعَصْرِ (1)} [العصر: 1] قال مقاتل: أقسم بصلاة العصر؛ وهي الصلاة الوسطى.
والاعتقاد منه أقوى من الاعتقاد المستفاد من العطف، والواجب على الناظر المحقق: أَنْ يزيلَ الضعيف، ويعمل بالأرجح منها، والله أعلم.
ثم حكى القاضي عياض رحمه الله في الصلاة الوسطى قولين آخرين، غير ما ذكرنا، أحدهما": أنها مبهمةٌ في الخمس، والثاني: أنها الجمعةُ، وقيل: إن الوسطى جميعُ الخمسِ.
وكلُّها أقوال ضعيفة جدًّا، خصوصًا في الجمعة؛ لأن المفهوم بالإيصاء