الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله: "حَدَّثَني بِهِنَّ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ولو استزَدْتُهُ، لزادَني":
هو تأكيد لثبوت ما أخبر به من العلم؛ فإنه أخذه من في رسول الله صلى الله عليه وسلم سماعًا من لفظه دون واسطة، وهو أرفع درجات التحمل.
ثم أخبر أَنَّه كان بمرتبة الفهم، ووعى ما سمع، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان منشرحًا لذلك، لو طلبت منه زيادة على ما حدثني، لحدثني، لكني كرهت التطويل عليه؛ لئلا يسأم مني.
وفي الحديث:
السؤالُ عن العلم، ومراتبه في الأفضلية.
وفضلُ الصلاة في الوقت، وأن أوله أفضل، وأن الصلاة أفضلُ العمل.
وفيه: فضلُ بر الوالدين، وأنه أفضلُ من الجهاد بشروطه.
وفيه: فضلُ الجهاد.
وفيه: تقديمُ الأهم فالأهم من الأعمال.
وفيه: تنبيهُ الطالب على تحقيق العلم، وكيفية أخذه.
وفيه: التنبيه على مرتبته عند الشيوخ وأهلِ الفضل؛ ليؤخذ علمه بقبول، وانشراح، وضبط، والله أعلم.
* * *
الحديث الثاني
عن عائشةَ رضي الله عنها قالَتْ: لَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الفَجْرَ، فَيشهدُ مَعه النِّسَاءُ مِنَ المؤمناتِ، متَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ، ثُمَّ يَرْجِعْنَ إِلى بُيُهوتهِنَّ لا يَعْرِفُهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الغَلَسِ (1).
قولها: "فيشهدُ معه النساء؛ من المؤمنات":
(1) رواه البخاري (829)، كتاب: صفة الصلاة، باب: انتظار الناس قيام الإمام العالم، ومسلم (645)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: استحباب التبكير بالصبح في أول وقتها.
يحتمل قولها: من المؤمنات؛ أنه بيان لنوع النساء اللاتي تحضرن الصلاة؛ لتخرج الكافرات.
ويحتمل أنه بيان لوصفهن؛ لتخرج المنافقات، وهو الأقرب.
وقولها: "مُتَلَفِّعاتٍ" -هو بالعين المهملة بعد الفاء-، ووقع في رواية في "الموطأ" و"صحيح مسلم":"متلفِّفات"(1) -بالفاءين-، ومعناهما متقارب؛ أي: متغطيات، أو ملتحفات، أو متجلِّلات، إلَّا أَنَّ التلفُّعَ لا يكون إلا مع تغطية الرأس.
وقولها: "بمُرُوطهنَّ"؛ أي: بأكسيتهن، واحدُها: مِرْط -بكسر الميم-، والمرطُ: كساءٌ معلم؛ يكون من خَزٍّ، ومن صوف، ومن كتان، قاله الخليل.
وقال ابن الأعرابي: هو الإزار، وقال النضر: لا يكون المرطُ إلا درعًا، وهو من خَزٍّ أخضرَ، ولا يسمى المرط إلا الأخضر، ولا يلبسه إلا النساء.
وظاهر الحديث يصحِّح قول الخليل، وفي الحديث: مرط من شعرٍ أسود (2).
وقولها: "من الغَلَس"؛ بيان لسبب عدم معرفتهن، ومعناه: ما يُعرفن أنساءٌ هنَّ، أم رجال؟ وقيل: ما تُعرف أعيانُهنَّ، وهذا ضعيف؛ فإن المتلفعة في النهار -أيضًا- لا تُعرف عينُها، فلا يبقى في الكلام فائدة.
والغلس -ذكره المصنف-: اختلاطُ ضياء الصبح بظلمة الليل.
والغبش -بالباء والشين المعجمة- قيل: الغبس -بالسين المهملة- وبعد
(1) رواه الإمام مالك في "الموطا"(1/ 5)، ومسلم (645)(1/ 446)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: استحباب التبكير بالصبح في أول وقتها.
(2)
انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (1/ 377)، و "شرح صحيح مسلم" للنووي (14/ 57).
والعبارة هنا فيها سقط. والذي في "مشارق الأنوار" و "شرح مسلم"، وعنهما نقل المؤلف هذا النص:"وظاهر الحديث يصحح ما قال الخليل وغيره أنه كساء، وفي الحديث الصحيح: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرط مرحَّل من شعر أسود" ا. هـ.
الغلس -باللام-، وهي كلها: في آخر الليل، ويكون الغبس: في أول الليل.
وقولها: "يصلِّي الفجرَ"؛ يقال: صلَّى الفَجر، وصلَّى الصبحَ، وصلَّى الغَدَاةَ؛ أي: صلَّى صلاةَ كذا، على حذف المضاف، ولا كراهة في ذلك، فكله ثابت في الصحيح.
وكره بعضهم صلاةَ الغداةِ، وهو مرجوحٌ ضعيف.
لكن قال الشَّافعيُّ: سماها الله الفجرَ، وسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبحَ؛ فلا أحب أن تسمى بغيرهما (1).
وفي هذا الحديث:
دليل على: استحباب التبكير بصلاة الصبح، وهو مذهب مالك، والشافعي، وأحمد، والجمهور، وقال أبو حنيفة: الإسفار أفضل.
وجه الدلالة للجمهور: أَنَّ الغلسَ لا يكون إلا مع الظلمة، مع ما ثبت من طول قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصبح، حتى إنه كان يقرأ ما بين الستين إلى السبعين مع الترتيل والتدبر.
واستدل أبو حنيفة بحديث ضعيف: "أسفروا بالفجرِ؛ فإنَّه أعظمُ للأجرِ"(2).
وتأوله الجمهور -على تقدير ثبوته- على التبكير بالصلاة، لا على غلبة الضياء وظهوره؛ جمعًا بين فعله صلى الله عليه وسلم وقوله، والله أعلم.
وفيه دليل على: جواز حضور النساء الجماعة بالمسجد مع الرجال، وهو مقيد بما إذا أمنت المفاسد؛ من الافتتان، وغيره، إما عليهنَّ، أو بهنَّ.
وليس في الحديث ما يدل على كونهنَّ عجزًا، أو شَوابَّ، وقد كره بعضهم
(1) انظر: "الأم" للإمام الشافعي (1/ 74).
(2)
رواه أبو داود (424)، كتاب: الصلاة، باب: في وقت الصبح، والنسائي (548)، كتاب: المواقيت، باب: الإسفار، والترمذي (154)، كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في الإسفار بالفجر، وابن ماجه (672)، كتاب: الصلاة، باب: وقت صلاة الفجر، عن رافع بن خديج رضي الله عنه بلفظ:"أسفروا بالفجر" وبلفظ: "أَصْبِحوا بالصبح".