الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب المسح على الخفين
الحديث الأول
عن المُغِيرَةَ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه قالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في سَفَرٍ، فَأَهْوَيْتُ لأَنْزعَ خُفَّيْهِ، فقالَ:"دَعْهُمَا فَإنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ، فَمَسَحَ عَلَيْهمَا"(1).
أمَّا المُغِيرَةُ: فهو بضم الميم، أو كسرها، الضمُّ أشهر، ابنُ شعبةَ بنِ أبي عامرِ بنِ مسعودِ بنِ مُعَتِّبِ -بالعين المهملة، والتاء المثناة فوق المشددة، ثم الباء الموحدة- بنِ مالكِ بنِ كعبِ بنِ عمرِو بنِ سعدِ بنِ عوفِ بن قسيِّ بنِ منبهٍ، وهو ثقيف الثقفي، يكنى: أبا عيسى، ومنعها عمرُ بنُ الخطاب عنه، وكنَّاه: أبا عبدِ الله، وقيل: كنيته: أبو محمد.
أسلم عامَ الخندق، وأحصن ثلاثَ مئة امرأةٍ في الإسلام، وقيل: ألف امرأة، وكان موصوفًا بالدهاء، وقصَّ له رسول الله صلى الله عليه وسلم شاربه على سواك، وهذه منقبة لا نعرفها لغيره من الصحابة.
رُوِيَ له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: مئةٌ وستةٌ وثلاثون حديثًا؛ اتفقا على سبعة، وانفرد البخاري بحديث، ومسلم بحديثين؛ فجميع روايته فيهما: اثنا عشر
(1) رواه البخاري (203)، كتاب: الوضوء، باب: إذا أدخل رجليه وهما طاهرتان، ومسلم (274)، كتاب: الطهارة، باب: المسح على الخفين.
حديثًا، وروى عنه من الصحابة: المِسْوَرُ بنُ مخرمةَ، وخلقٌ كثير من التابعين، وروى له أصحاب السنن، والمساند.
ومات بالكوفة أميرًا عليها في الطاعون سنة خمسين، وقيل: سنة إحدى وخمسين؛ وهو ابن سبعين سنة (1).
وقال الشعبِيُّ: دُهاةُ العرب أربعة: معاويةُ بن أبي سفيان، وعَمْرُو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، وزياد، فأمَّا معاوية؛ فللأناة والحلم، وأمَّا عمرو؛ فللمعضلات، وأما المغيرةُ؛ فللمبادهة، وأما زياد؛ فللصغير والكبير (2).
وأمَّا ألفاظه:
فالسفر الَّذي كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه: غزوة تبوك، قبل الفجر؛ كذا ثبت في "الصحيحين"(3).
ففيه دليل على: جواز المسح على الخفين: وهو جائز بالإجماع في السفر والحضر.
لكن هل الأفضل غسلُ الرجلين، إِذْ هو الأصل والغالب، أم المسح أفضل ردًّا على الخوارج، أم يتساويان؛ لتقابلهما؟ مذاهب:
والجمهور: على أنَّ غسلهما أفضل، والمسح على الخف جائز؛ وبه قال أصحاب الشافعي، وعن الإمام أحمد: روايتان، أصحهما: المسح أفضل، والثانية: هما سواء، واختاره: ابن المنذر.
(1) وانظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (4/ 285)، و"التاريخ الكبير" للبخاري (7/ 216)، و"الثقات" لابن حبان (3/ 372)، و "الاستيعاب" لابن عبد البر (4/ 1445)، و"تاريخ بغداد"(1/ 191)، و "تاريخ دمشق" لابن عساكر (60/ 13)، و"المنتظم" لابن الجوزي (5/ 237)، و"أسد الغابة" لابن الأثير (5/ 238)، و"تهذيب الكمال" للمزي (28/ 369)، و"سير أعلام النبلاء الذهبي"(3/ 21)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (6/ 197)، و"تهذيب التهذيب" له أيضًا (10/ 234).
(2)
رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(19/ 182).
(3)
رواه البخاري (4159)، كتاب: المغازي، باب: نزول النبي صلى الله عليه وسلم الحجر، ومسلم (274)، كتاب: الصلاة، باب: تقديم الجماعة من يصلي بهم إذا تأخر الإمام.
واختلفت الروايات فيه:
ومن أشهرها: رواية المغيرة بن شعبة.
ومن أصحها: رواية جرير بن عبد الله البَجَلي -بفتح الباء والجيم-، وقال: روينا في "سنن البيهقي" عن إبراهيم بن أدهم رضي الله عنه قال: ما سمعت في المسح على الخفين أحسنَ من حديث جرير رضي الله عنه (1).
واعلم: أنَّ غزوة تبوك، كانت في رجب، سنة تسع؛ وقتها كانت قصة المغيرة في المسح على الخفين، ورواية جرير فيه كان بعد نزول المائدة، قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بشهرين، أو نحوهما.
ولهذا كان يعجبُ أصحابَ عبد الله بن مسعود الأخذُ بحديث جرير؛ لتأخرِه، ورده على من ظنَّ أنَّه منسوخ، أو شكَّ في جوازه، وإزالته الإشكال فيه، واللبس على من التبس؛ ولهذا قال جرير رضي الله عنه: وهل أسلمْتُ إلَّا بعدَ نزول المائدة؟ (2)
حتى اشتهر جواز المسح على الخف عند علماء الشريعة، وعُدَّ شعارًا لأهل السنة، حتَّى جعله بعضُهم أفضل من الغسل على ما حكينا؛ لكون تركه صار شعارًا لأهل البدع؛ فحديث جرير مبين للمراد من الآية في غير صاحب الخف؛ فتكون السنة مخصصة للآية، والله أعلم.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "دَعْهُما؛ فَإنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ، فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا": يعني: الطهارة الشرعية بكمالها؛ لأنَّه لا يسمَّى شرعًا متطهر، لمن يتطهر في جميع الأعضاء، إلَّا لمعة؛ فكيف من يترك عضوًا كاملًا؟
ولهذا قال أصحاب الشَّافعي رحمهم الله: لو غسل إحدى رجليه،
(1) رواه البيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 273).
(2)
رواه أبو داود (154)، كتاب: الطهارة، باب: المسح على الخفين، والترمذي (94)، كتاب: الطهارة، باب: في المسح على الخفين، والحاكم في "المستدرك"(604)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 270).