الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والرِّجْلَينِ، وأمَّا الأُذُنَان والخَدَّان والكَفَّان والمَنْخِرَان والعَيْنَان وجَانِبَا الرأسِ، فقال العلماء: لا يُستحبُّ تقديمُ اليمين فيهما، بل يستحبُّ غسلُهما ومسحُهما دفعةً واحدة، فلو فعل وغسلَهما أو مسحَهما دفعةً، فإنْ كان له يدٌ واحدة، قَدَّمَ اليمينَ منهما في الأُذنَيْن والخدَّين وباقيها.
وفيه: متابعتُه صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور، وتحرِّي مصلحة فعلِه صلى الله عليه وسلم، واستحبابُ ركعتين خفيفتين بعد الوضوء، ودفعُ حديث النَّفس في الأمور الدُّنيوية، وما لا يعني، وما أعدَّه الله تعالى لهذه الأمَّة من الثواب على الطَّاعات، وغَفْرِ السَّيئاتِ، قال الله تعالى:{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود: 114]- والله أعلم -.
* * *
الحديث الثَّامن
عَن عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قالَ: شَهِدْتُ عَمْرَو بْنَ أَبِي حُبَيْشٍ، سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ، عَنْ وُضُوءِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَدَعَا بِتَوْرٍ مِنْ مَاءٍ، فَتَوَضَّأَ لَهُمْ وُضُوءَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَأَكْفَأَ عَلَى يَدِيْهِ مِنَ التَّوْرِ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي التَّوْرِ، فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ، ثَلَاثًا بِثَلَاثِ غَرَفَاتٍ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ، ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ إِلَى المِرْفَقَيْنِ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَمَسَحَ رَأْسَهُ، فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ مَرَّةً وَاحِدَةً، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ (1).
وفي رواية: بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ، حَتَّى ذَهَبَ بِهِمَا إلَى قَفَاهُ، ثُمَّ رَدَّهُمَا حَتَّى رَجَعَ إلَى المَكَانِ الَّذي بَدَأَ مِنْهُ (2).
وفي رواية: أَتانَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَخْرَجْنَا لَهُ مَاءً في تَوْرٍ مِنْ صُفْرٍ (3).
(1) رواه البخاري (184)، كتاب: الوضوء، باب: غسل الرجلين إلى الكعبين.
(2)
رواه البخاري (183)، كتاب: الوضوء، باب: مسح الرأس كله، ومسلم (235)، كتاب: الطهارة، باب: في وضوء النبي صلى الله عليه وسلم.
(3)
رواه البخاري (194)، كتاب: الوضوء، باب الغسل والوضوء في المخضب والقدح الخشب والحجارة.
قال رضي الله عنه (1): التَّوْرُ شِبْهُ الطَّسْتِ.
أمَّا رواتُه، فهم أنصاريُّون مازنيُّون مدنيُّون.
أمَّا عمرُو بنُ يحيى، فهو ثقةٌ رُوِيَ له في "الصَّحيحين"(2)، واسمُ جَدِّه، عُمارةُ بنُ أبي حسن، واسمُه تميمُ بنُ عبدِ عمرِو بنِ قيسِ بنِ محرث بنِ الحارثِ بنِ ثعلبةَ بنِ مازنِ، وقيل: اسمُه كنيتُه، وهو صحابيٌّ، يقال: شهدَ العقبةَ وبدرًا، وعُمارةُ لا يُعْرَفُ له روايةٌ (3).
وأمَّا أبوه يحيى، فهو تابعيٌّ سمعَ أبا سعيدٍ الخدريّ.
وعبدُ الله بن زيدِ بنِ عاصم ثقةٌ، رويَا له في "الصَّحيحين"(4).
ومعنى قوله: قال: شهدت عمرو بن أبي حسن كأنه قال: شهدت ابني عمرًا إلخ شهدتُ، يعني: عَمْرًا، ونسبه إلى جدِّه الصَّحابي؛ تشريفًا له، ولم ينسبه إلى نفسِه أدبًا.
وأمَّا قوله: المازنيّ -بالزاي والنُّون- فهو نسبة إلى مازن: قبائل وبطون، أحدها مازن الأنصار، منهم عبدُ الله بنُ زيدِ بنِ عاصم، وأخوه تميمُ بن زيدٍ، وابن أخيه عبَّاد بن تميم، وجماعةٌ من الصَّحابة والتابعين، وعَمْرٌو هذا وأبوه وجدُّه منهم، وتشتبه هذه النِّسبة بالمأربيِّ -بالهمزة والرَّاء والباء الموحدة- نسبة
(1) ليست في "ح".
(2)
انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" للبخاري (6/ 382)، و"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (6/ 269)، و"الثقات" لابن حبان (7/ 215)، و"تهذيب الكمال" للمزي (22/ 295)، و"تهذيب التهذيب" لابن حجر (8/ 104)، و"تقريب التهذيب" له أيضًا (تر: 5139).
(3)
وانظر ترجمته في: "الاستيعاب" لابن عبد البر (3/ 1141)، و"أسد الغابة في معرفة الصحابة" لابن الأثير (4/ 130)، و"تهذيب الكمال" للمزي (21/ 237)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (4/ 580)، و"تهذيب التهذيب" له أيضًا (7/ 362)، و"تقريب التهذيب" له أيضًا (تر: 4842).
(4)
وانظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" للبخاري (8/ 295)، و"تهذيب الكمال" للمزي (31/ 474)، و"الكاشف" للذهبي (تر: 6218)، و"تهذيب التهذيب" لابن حجر (11/ 227)، و"تقريب التهذيب" له أيضًا (تر: 7612).
إلى "مأرب": ناحية بـ "اليمن"، وهي التي استقطع أبيض بن حمال النبيّ صلى الله عليه وسلم ملحها، وقد يقال في النِّسبة إليها: المآربي -بالمدِّ على الجمع- والله أعلم -.
وأمَّا عبدُ الله بن زيد، فهو ابنُ زيدِ بنِ عاصمِ بنِ كعب بن عمرو بن عوف بنِ مبذولِ بنِ عَمْرِو بنِ غُنَيْمِ بنِ مازنِ بن النَّجَّارِ الأنصاريُّ المازنيُّ المدنيُّ، أمُّه أمُّ عُمارة نَسِيبة -بفتح النُّون وكسر السِّين- بنتُ كعبِ بنِ عَمْرِو بنِ عوفٍ، شهدَ أُحُدًا مع النبي صلى الله عليه وسلم -هو وأمُّه أُمُّ عُمارة، فرُويَ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال يومئذٍ:"رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ"(1)، وليس هو راوي حديثِ الأذانِ، وإن كان قاله: سفيانُ بنُ عُيينة، فإنّه وَهم، بل راوي حديث الأذانِ عبدُ اللهِ بنُ زيدِ بنِ عبدِ ربِّه بنِ ثعلبةَ بنِ زيدِ بنِ الحارثِ بنِ الخزرجِ، أبو محمَّدٍ الأنصاريُّ الخزرجيُّ، شهد العقبةَ وبدرًا، وكانت رؤياه الأذانَ في السَّنة الأولى من الهجرة بعدَ بناءِ رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجدَه، وقال صلى الله عليه وسلم:"هَذ رُؤْيا حَقٍّ"(2)، وأمر فنُودي به على ما رأى، وتوفي بالمدينة سنةَ اثنتين وثلاثين وهو ابنُ أربع وستِّين سنةً، وصلَّى عليه عثمانُ بن عفَّان، قال التِّرمذيُّ: سمعت البخاريَّ يقول: لا يُعرف لعبدِ الله بنِ زيدِ بنِ عبدِ ربِّه إلا حديثُ الأذان (3).
وأمَّا راوي حديث الوضوء، فروَى له أصحابُ الكتب الستَّة، وروى له البخاريُّ ومسلمٌ ثمانيةَ أحاديثَ، وقُتل يومَ الحرَّة في أواخر ذي الحجَّة سنةَ ثلاثٍ وستين وهو ابنُ سبعينَ سنةً (4)، قال أبو حاتم بن حِبَّانَ: سُمِّيت هذه الوقعةُ بيوم
(1) رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى"(8/ 415)، بلفظ:"بارك الله عليكم من أهل البيت، رحمكم الله أهل البيت".
(2)
رواه أبو داود (499)، كتاب: الصلاة، باب: كيف الأذان، والترمذي (189)، كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في بدء الأذان، وقال: حسن صحيح، والإمام أحمد في "المسند"(4/ 42)، وابن خزيمة في "صحيحه"(370)، وابن حبان في "صحيحه"(1679)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 390).
(3)
انظر: "سنن الترمذي"(1/ 361). قال الحافظ ابن حجر في "تلخيص الحبير"(1/ 198): وفيه نظر؛ فإن له عند النسائي وغيره حديثًا غير هذا في الصدقة، وعند أحمد آخر في قسمة النبي صلى الله عليه وسلم شعره وأظفاره وإعطائه لمن لم تحصل له أضحية.
(4)
وانظر ترجمته في: "الثقات" لابن حبان (3/ 223)، و"الاستيعاب" لابن عبد البر (3/ 913)،=
الحرَّة؛ لأنَّ يزيدَ بنَ معاوية بعثَ جيشَه يريدُ المدينة، وعليهم صخرُ بنُ أبي الجَهْم، فتُوفِّيَ صخرٌ قبلَ مسيرِ الجيش إليها، فاستعمل يزيدُ عليهم بعده مسلم بن عقبة المزني، فسار بهم حتَّى نزل المدينة، فقاتلهم حتَّى هزمَهم، وأباح المدينةَ ثلاثَةَ أيَّام، فسمِّيت هذه الوقعةُ وقعةَ الحرَّة (1)، فهما متفقان في الاسم واسم الأب والقبيلة، ومفترقان في اسم الجدِّ والبطن من القبيلة.
فالأول: مأربي، والثاني: حارثي، وكلاهما أنصاريان خزرجيان، فيدخلان في نوعِ المتفق المفترق من علوم الحديث - والله أعلم -.
وأمَّا ألفاظه، فقوله:"دعا بتَوْرٍ مِنْ صُفْرِ"، التَّوْرُ: مثلُ الإِجَّانَةِ تشبهُ القِدْرَ، ويكون من حجارةٍ ومن نُحاس (2).
وقال شيخنا أبو الفتح القاضي: هو الطَّسْتُ (3).
والصُّفْر -بضم الصاد وكسرها، والضَّمُّ أفصحُ وأشهرُ -هو النُّحاس، وسمِّي النُّحاسُ شَبَهًا -بفتح الشِّين والباء، وبكسر الشِّين وإسكان الباء -سُمِّي به لكونه يشبه لون الذَّهب.
وقوله في الرِّواية الأولى: "فَدَعا بِتَوْرٍ مِنْ ماءٍ"؛ أي: من إناء من ماء، على حذف المضاف، وهو نوع من المجاز، واستعمل الحقيقة في الرِّواية، الرواية الثَّانية في قوله: في تورٍ من صُفْر.
وتقدَّم الكلام على المضمضة والاستنشاق والاستنثار.
قوله: "ثم أَدْخَلَ يَدَهُ"؛ يعني: "في التَّوْرِ"، فأقبل بهما وأدبرَ مرَّة واحدة،
=و" أسد الغابة" لابن الأثير (3/ 250)، و"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (1/ 252)، و"تهذيب الكمال" للمزي (14/ 538)، و"سير أعلام النبلاء" للذهبي (2/ 377)، و"الوافي بالوفيات" للصفدي (17/ 97)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (4/ 98)، و"تهذيب التذهيب" له أيضًا (5/ 196).
(1)
انظر: "الثقات" لابن حبان (2/ 313 - 314).
(2)
انظر: "لسان العرب" لابن منظور (4/ 96)، (مادة: تور).
(3)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق العيد (1/ 40).
اختلفَ الفقهاءُ في كيفية الإقبال والإدبار، هل هو بالنِّسبة إلى الرَّأس، أو بالنِّسبةِ إلى الشَّعر، أو بالنِّسبة إلى النَّاصية إلى الوجه، ثُمَّ إلى مؤخر الرَّأس، ثُمَّ إلى ما بدأ منه؟ على ثلاثة مذاهب.
وهذا الحديث مطلقٌ في الإقبال والإدبار من غير تحديد ابتداء غايةٍ وانتهائِها في الرَّأس، لكنَّه ذكره في الرِّواية الثانية في قوله: بدأ بمقدَّمِ رأسِه حتَّى ذهب بهما إلى قفاه، ثمَّ ردَّهما حتَّى رجع إلى المكان الَّذي بدأ منه، فهذه الرِّواية ظاهرةٌ في الأول، وهو مذهبُ الشّافعي ومالكٍ - رحمهما الله -، وهو أنَّهما قالا: يبدأ بمقدَّم الرَّأس الَّذي يلي الوجهَ، ويذهبُ إلى القفا، ثُمَّ يردُّهما إلى المكان الَّذي بدأ منه، وهو مبتدأ الشَّعر من حدِّ الوجه، ولو لم تردْ روايةُ التَّحديد بالابتداء والانتهاء، لكانَ للإطلاق في الرواية الأولى جوابا من حيث إنّهم قالوا: الإقبال لا يكون ابتداؤه إلا من مؤخَّر الرَّأس، والإدبار لا يكون ابتداؤه إلا من مقدَّم الرَّأس لو سلم، مع أنَّهم استدلُّوا عليه بروايةٍ وردت في حديث الرُّبَيِّعِ بنْتِ مُعَوِّذٍ رضي الله عنها حسنةٍ، رواها عنها أبو داود والتِّرمذيّ وابن ماجَهْ، وحسَّنها الترمذيُّ وقال: حديثُ عبدِ الله بنِ زيدٍ أصحُّ من هذا وأجودُ إسنادًا (1)، وهي أنَّه بدأ بمؤخَّر رأسه، ثُمَّ بمقدَّمه، وهي محمولة على الجواز، لا على الأفضل، أو على حالة أو وقت، فلا يعارض ذلك الرِّواية المفسَّرة عن عبد الله بن زيد، والجوابُ عن رواية الإطلاق في الإقبال والإدبار أن الواو لا تدلُّ على التَّرتيب، ويؤيد عدمه ثبوت التَّقييد بالغاية ابتداءً وانتهاءً في الرِّواية الثانية، ويصحُّ -أيضًا- جعلُ الإقبال من جهة الشَّعر من منابته من جهة القفا، والإدبار إليه على معنى الفرق بين الذَّهاب إليه والوصول، وهو بعيد؛ للبدأة بالرَّأس لا بالشَّعر في رواية الكتاب - والله أعلم -.
وفي هذا الحديث دليلٌ على: جواز الاستعانة بإحضار الماء للطهارة بلا كراهة.
(1) رواه أبو داود (126)، كتاب: الطهارة، باب: صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، والترمذي (33)، كتاب: الطهارة، باب: ما جاء أنه يبدأ بمؤخر الرأس، وابن ماجه (390)، كتاب: الطهارة، باب: الرجل يستعين على وضوئه فيصب عليه.