الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب المرور بين يدَي المصلِّي
الحديث الأول
عَنْ أَبِي جُهَيْمِ بْنِ الحَارِثِ بْنِ الصِّمَّةِ الأَنْصَاري رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لوْ يَعْلَمُ المَارُّ بينَ يَدَيِ المُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ مِنَ الإِثْم، لَكَانَ أَنْ يقفَ أَرْبَعِينَ خَيرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ"، قَالَ أَبُو النَّضَرِ: لَا أَدْرِي قَالَ: أَرْبَعِينَ يَوْمًا، أَوْ شَهْرًا، أَوْ سَنَةُ (1).
أما أبو جُهيم:
فاسمه: عبدُ الله بنُ جُهيمٍ الأنصاريُّ، كذا قاله الحافظ أبو عمرَ بنُ عبد البر في كتابه "الكنى" من معرفة الصحابة (2)، ونقله عن مالك بن أنس، عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله، عن بشرِ بنِ سعدٍ، عن أبي جُهيم، قال. وذكره وكيعٌ عن سفيانَ الثوريّ، عن سالم أبي النضر، عن بُسْرِ بن سعيد، عن عبد الله بن جُهيم، قال، فلم يذكر كنيته، وهو أشهر بكنيته على ما قاله مالك.
وروى عنه بسر بن سعيد مولى الحضرميين، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في المار بين يدي المصلي: أنه لو علم ما عليه في المرور بين يديه من الإثم، الحديث، قال:
(1) رواه البُخاريّ (488)، كتاب: سترة المصلي، باب: إثم المار بين يدي المصلي، ومسلم (507)، كتاب: الصَّلاة، باب: منع المار بين يدي المصلي.
(2)
وهو المسمى بـ "الاستغناء في معرفة المشهور من حملة العلم بالكنى" وقد طبع في دار العاصمة بالرياض في ثلاثة مجلدات.
يقال: أبو جهم هذا هو ابنُ أخت أُبي بن كعب، ولست أقف على نسبه في الأنصار، هذا آخرُ كلام أبي عمر -رحمه الله تعالى-، فعلى هذا يكون ما ذكره المصنف من نسبه غلطًا، كيف وقد ذكر الحافظ أبو عمر بعده: أبو الجهيم، قال: ويقال: أبو الجهم بن الحارث بنِ الصمة الأنصاري، أبوه من كبار الصحابة، روى عن أبي جهم هذا عُمير مولى ابن عباس في التَّيمم في الحضر على الجدار، هذا آخر كلام ابن عبد البر.
وحديث التَّيمم المذكور رواه البُخاريّ والنَّسائيُّ وأبو داود، وأخرجه مسلم في "صحيحه" منقطعًا، وهو أحد الأحاديث المنقطعة فيه، ولفظ أبي داود وروايته له من رواية عمير مولى ابن عباس: أنه سمعه يقول: أقبلت أنا وعبد الله بن سيّار مولى ميمونةَ زوجِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم حتَّى دخلنا على أبي الجهيم بنِ الحارث بن الصمة الأنصاري، فقال أبو الجهيم: أقبلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من نحو بئرِ جملٍ، فلقيه رجل مسلم فسلَّم عليه، فلم يَرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم السلام، حتَّى أتى على جدار، فمسح وجهه ويديه، ثم رد عليه السلام.
فمقتضى كلام ابن عبد البر: أن أبا جُهيم راويَ حديث التَّيمم غيرُ راوي حديث المرور بين يدي المصلي، لكن ذكرَ الحفاظِ له روايته يدل على أنه راويهما، وقد صرح بذلك القاضي عياض، فقال: هو المذكور في التَّيمم، قال: وهو غير أبي جَهْم -بفتح الجيم مكبر- الذي قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "اذهبوا بهذه الخَميصَةِ إلى أبي جَهْم"(1)؛ فإن اسمه عامرُ بنُ حذيفة العدوي، وهذا البيان من القاضي عياض إنَّما يجيء على قول من قال في كنية ابن الحارث بن الصمة: أبو الجهم، أما من قال فيه: أبو الجهيم -مصغر بالياء-، فلا يتجه بيانه إلَّا لخوف الاشتباه بالتصحيف، وقد ذكره الحافظ أبو محمد المصنف في "كماله"(2) في
(1) رواه مسلم (556)، كتاب: المساجد ومواضع الصَّلاة، باب: كراهة الصَّلاة في ثوب له أعلام، عن عائشة رضي الله عنها.
(2)
وهو كتاب: "الكمال في أسماء الرجال" للحافظ الكبير أبي محمد عبد الغني بن عبد الواحد =
547
أسماء رجال الكتب الستة، في الصحابة منه، فقال: أبو جهيم ابنُ الحارث بنِ الصمة بنِ عمرو بن عتيكِ بنِ عمرِو بن مبذول، وهو عامرُ بنُ مالكِ بنِ النجارِ، ويقال: هو أبو جُهيم بنُ الحارثِ بنِ الصمةِ بنِ حارثةَ بنِ الحارثِ بنِ زيدِ مناةَ بنِ حبيبِ بنِ عبدِ حارثةَ بنِ مالكِ بنِ عضبِ بنِ جشم بنِ الخزرجِ الأنصاري، قيل: اسمه عبد الله.
اتفقا له على حديثين، روى عنه بسرُ بن سعيد، وعمير مولى ابن عباس.
روي له الجماعة، وهذا يدل على أنه راويهما عنده.
وذكر الحافظ أبو الوليد محمد بن عبد الله بن خيرة في كتابه "المعجم المختصر والمدخل إلى معرفة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم"، فقال: أبو جهم ابنُ الحارث بن الصمةِ بنِ عمرو بنِ عتيك بن مبذول الأنصاري، له صحبه ورواية، وأخوه سعيد بن الحارث شهدَ صفينَ مع عليّ، فقتل بها، روى عنه عمير مولى ابن عباس، قال: أقبل النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم من نحو بئر جمل، فلقيه رجل مسلم، فسلم عليه، فأقبل النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم على الجدار، فمسح وجهه ويديه، ورد عليه، وليس يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم التيمم في الحضر إلَّا من هذا الوجه، وأمَّا أبو جهم بن حذيفة صاحبُ الأنبجانية، فقال: اسمه عبيد، وليست له رواية عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، هذا آخر كلامه، والله أعلم بالصواب، لكن الظاهر فيه قول الجماعة من أنه راوي الحديثين، وقول ابن عبد البر مخالف لهم، والله أعلم (1).
وأمَّا أبو النضر:
المذكور فيه، فهو راوي الحديث عن بسر بن سعيد، عن أبي جُهيم، واسمه
= المقدسي الجماعيلي الحنبلي المتوفى سنة (600 هـ)، انظر:"مقدمة تهذيب الكمال" للمزي (1/ 38) وما بعدها.
(1)
وانظر ترجمته في: "الكنى والأسماء" لمسلم (1/ 195)، و "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (9/ 355)، و"الاستيعاب" لابن عبد البر (4/ 1624)، و"صفة الصفوة" لابن الجوزي (1/ 707)، و "أسد الغابة" لابن الأثير (6/ 58 - 59)، و "تهذيب الكمال" للمزي (33/ 209)، و "الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (7/ 73)، و"تهذيب التهذيب" له أيضًا (12/ 64).
سالم بن أبي أميَّة، مدني، قرشي، تيمي، مولى عمرَ بن عبيد الله التَّيميُّ، وكاتبه، وهو تابعي، سمع أربعة من الصحابة: أنسًا، وابن أبي أوفى، وعوف بن مالك، والسائب بن يزيد، اتفقوا على توثيقه وصلاحه وحسن حديثه، قال ابن سعد: ثقة، كثير الحديث، وقال ابن سعد: صالح، ثقة، كثير الحديث، وقال أبو حاتم: صالح، ثقة، حسن الحديث، مات سنة تسع وعشرين ومئة، روي له البُخاريّ ومسلم وأصحاب السنن (1).
وأمَّا ألفاظه:
فقوله: "لكانَ أنْ يقفَ أربعين خيرًا له" إلى آخره: رُوي (خيرًا) منصوبًا ومرفوعًا على أنه اسم كان أو خبرها، وهو ظاهر، ومعناه: لاختار وقوف هذه المدة على ما عليه من الإثم، وذكر ابن أبي شيبة فيه:"لكان أن يقف مئةَ عام خيرًا له"(2)، وكل هذا تغليظ وتشديد، ووقع الإبهام في تمييز العدد ليكون أردعَ عن المرور بين يدي المصلي، وهذا إذا لم يكن المصلي متعديًا بوقوفه في الصَّلاة بأن يصلِّي في طريق النَّاس أو في غيرها إلى غير سترة ونحوها.
ثم للمار والمصلِّي أربع صور:
الأولى: أن يكون للمار مندوحةٌ عن المرور بين يدي المصلي، ولم يتعرض المصلي لذلك، فالإثم خاص بالمار إن مرَّ.
الصورة الثَّانية: أن يتعرض المصلي لمرور المار عليه، وليس للمار مندوحة عن المرور، فالإثم خاص بالمصلي دون المار.
الصورة الثالثة: أن يتعرض المصلي للمرور عليه، وللمارِّ مندوحةٌ عن
(1) وانظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى- القسم المتمم" لابن سعد (ص: 312)، و "الثقات" لابن حبان (6/ 407)، و"التاريخ الكبير"(4/ 111)، و"تاريخ دمشق" لابن عساكر (20/ 29)، و "تهذيب الكمال" للمزي (10/ 127)، و "تهذيب التهذيب" لابن حجر (3/ 372).
(2)
ورواه ابن ماجه (946)، كتاب: إقامة الصَّلاة، باب: المرور بين يدي المصلي، وابن حبان في "صحيحه"(2365).