الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإن لم تزل العصابة عن موضعها، ولا ظهر الدم؛ ففيه وجهان لأصحابنا: أصحُّهما: يجب التجديد؛ كما يجب تجديد الوضوء، والله أعلم.
وتتعلق بالمستحاضة أحكام وفروع تحتمل كراريس، والله سبحانه وتعالى أعلم.
* * *
الحديث الثاني
عن عائشةَ رضي الله عنها: أَنَّ أُمَّ حبيبةَ رضي الله عنها استُحِيضَتْ سَبْعَ سِنينَ، فَسَأَلَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ لِكُلِّ صَلَاةٍ (1).
أما عائشة رضي الله عنها؛ فتقدمت.
وأما أمُّ حبيبة هذه؛ فيقال فيها: أُمُّ حبيب، بلا هاءٍ، قال الدارقطني: قال إبراهيم الحربي: هو الصحيح، قال الدارقطني: وقول الحربي هو الصحيح، وكان من أعلم الناس بهذا الشأن، واسمها: حبيبة.
قال الحميدي عن سفيان، وصححه أبو علي الغساني، وجعل ابن الأثير: أن أم حبيبة فيها أكثر، وأنها كانت مستحاضة، قال: وأهلُ السيرِ يقولون: المستحاضة أختها؛ حَمْنَةُ بنتُ جحش، قال ابن عبد البر: الصحيح؛ أنهما كانتا مُستحاضتين.
وهي: أم حبيبة بنت جحش بن رباب الأسدي (2).
(1) رواه البخاري (321)، كتاب: الحيض، باب: عرق الاستحاضة، ومسلم (334)، كتاب: الحيض، باب: المستحاضة وغسلها وصلاتها، وهذا لفظ البخاري.
(2)
وانظر ترجمتها في: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (8/ 242)، و"الاستيعاب" لابن عبد البر (4/ 1928)، و "أسد الغابة" لابن الأثير (7/ 302)، و "تهذيب الكمال" للمزي (35/ 157)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (7/ 586)، و"تهذيب التهذيب" له أيضًا (12/ 440).
قال الحافظ أبو محمد عبد العظيم المنذري رحمه الله: المستحاضات على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، خمس:
الأولى: حَمْنة بنتُ جحش، أختُ زينبَ بنتِ جحش زوجِ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الثانية: أختُها أم حبيبة، ويقال: أم حبيب، بغير هاءٍ.
الثالثة: فاطمةُ بنتُ أبي حُبيش، القرشيةُ، الأسديةُ.
الرابعة: سَهْلَةُ بنتُ سُهيل، القرشيةُ، العامريةُ.
الخامسة: سَودة بنت زمعة، زوجُ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد ذكر بعضهم: أن زينب بنت جحش استحيضت، والمشهور: خِلافُه؛ وإنما المستحاضة أختاها، والله أعلم (1).
وهذا الحديث وقع في نسخ هذا الكتاب: "فأمرَها أَنْ تغتسلَ لكلِّ صلاة"، وليس في "الصحيحين"، ولا أحدهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بذلك.
ولا شكَّ أَنَّه قد وردَ الأمرُ بالغسل لكل صلاة خارج الصحيح من رواية ابن إسحاق، وغيره، بروايات كثيرة، وليس فيها شيء ثابت، وقد ضعفها كلها البيهقي، ومن قوله: والذي صح في هذا: ما رواه البخاري، ومسلم في "صحيحيهما": أن أم حبيبة بنت جحش رضي الله عنها استحيضت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنما ذلك عرق، فاغتسلي"، فكانت تغتسل عند كل صلاة.
قال الشَّافعيُّ رحمه الله: إنما أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسلَ، وتصليَ، وليس فيه: أنه أمرها بالغُسل لكل صلاة، قال: ولا شك -إن شاء الله تعالى-: أَنَّ غُسلَها كان تطوعًا، غير ما أُمِرَت به؛ وذلك واسع لها؛ هذا كلام الشَّافعيِّ بلفظه (2)، وقاله قبله -بعبارة مقاربة لمعنى قوله- سفيانُ بنُ عيينةَ شيخُه، والليثُ بن سعد، والله أعلم.
وحمل بعضهم معنى حديث الكتاب؛ بالأمر بالغسل لكل صلاة: على
(1) انظر: "مختصر سنن أبي داود" للمنذري (1/ 190).
(2)
انظر: "الأم" للإمام الشافعي (1/ 62).
مستحاضة ناسيةِ التوقيت، والعدد؛ يجوز في مثلها: أَنْ ينقطعَ الدمُ عنها في وقت كل صلاة.
وقد اختلف العلماء من السلف، والخلف في وجوب الغسل على المستحاضة لكل صلاة، فقال الجمهور من السلف والخلف: لا يجب الغسلُ عليها لشيء من الصلوات، ولا في وقت من الأوقات، إلا مرةً واحدة في وقتِ انقطاعِ حيضها؛ وهو مرويٌّ عن عليٍّ، وابن مسعود، وابن عباس، وعائشة رضي الله عنهم؛ وهو قول عروةَ بنِ الزبير، وأبي سلمةَ بنِ عبد الرحمن، ومالكٍ، وأبي حنيفةَ، وأحمدَ.
ورُوي عن ابنِ عمرَ، وابن الزبير، وعطاءِ بنِ أبي رباحٍ: أنهم قالوا: يجب عليها أن تغتسل لكل صلاة.
ورُوي عن عائشةَ: أنها قالت: تغتسل كل يوم غسلًا واحدًا.
وعن المسيب، والحسن، قالا: تغتسل من صلاة الظهر إلى صلاة الظهر، دائمًا، والله أعلم.
ودليل الجمهور: أن الأصل عدم الوجوب؛ فلا يجب إلا ما ورد الشرع بإيجابه، ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمرها بالغسل إلا مرةً واحدةً عند انقطاع حيضها؛ وهو قوله صلى الله عليه وسلم:"إذا أقبلتِ الحيضةُ؛ فدعي الصلاةَ، وإذا أدبرت؛ فاغتسلي"(1)، وليس في هذا ما يقتضي تكرارَ الغسل، والله أعلم.
وفي حديث عائشة: ردُّ على من قال: يُجمع بين كل صلاتين بغسل واحد.
وفيه: ما كانت الصحابة رضي الله عنهم في الرجوع؛ فيما يحدث لهم من أمورهم كلها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والسؤال عن الأحكام، والجواب عنها، والله أعلم.
وفيه دليل على: إثبات الاستحاضة، وأن حكم دمها غير دم الحيض.
(1) رواه البخاري (314)، كتاب: الحيض، باب: إقبال المحيض وإدباره، عن عائشة رضي الله عنها.