الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفيه: جواز الوضوء من آنية النحاس وما أشبهه.
وفيه: تعليم المتعلِّمين بالفعل إذا كان الفعل أبلغَ في الفهم من القول.
وفيه: إلقاء الماء على اليد قبل إدخالها في الإناء في ابتداء الطهارة.
وفيه: جواز إدخالها الإناءَ بعد ذلك.
وفيه: أنَّ نيَّة الاغتراف لا تجب؛ لأنّه لو وجبت، لنُقل.
وفيه: أن الفقهَ اللازم عن الذِّهن من غير أصلٍ شرعيٍّ لا يُعمل به، بل يكونُ العملُ به بدعةً، ويكونُ ذكرُه لتشحيذ الذِّهن، لا لحكم شرعيٍّ.
وفيه: جواز التَّثليث في بعض أعضاء الوضوء دون بعض.
وفيه: الفرقُ بين الاستنشاق والاستنثار.
وفيه: غسل الرِّجْلَين.
وفيه: استقبال الرَّأس واستدباره في مسحه إذا كان له شعر، فلو كان محلوقًا قد نبت يسيرًا، فلا بأس به، ولو كان فاسد المنبت، لم يُستحب، ويكون الحديثُ خرج مخرجَ الغالب.
وفيه: إتيان الكبير إلى أتباعه، وابتداؤهم إيّاه بإحضار ماء الوضوء إذا علموا أنَّ به حاجةً إليه.
* * *
الحديثُ التَّاسعُ
عن عائشةَ رضي الله عنها قالَت: كانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُعْجِبُه التَّيمُّنُ في تَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَطَهُورِهِ، وَفي شَأنِهِ كُلِّهِ (1).
أمَّا عائشةُ رضي الله عنها، فهي الصِّدِّيقَةُ بنتُ الصِّدِّيقِ، أُمُّ المؤمنين، أُمُّ عبد الله، كُنِّيتْ بابنِ أختِها أسماءَ بِإذنِ النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: بسقطٍ، ولا يصحُّ،
(1) رواه البخاري (166)، كتاب: الوضوء، باب: التيمن في الوضوء والغسل، ومسلم (268)، كتاب: الطهارة، باب: التيمن في الطهور وغيره، وهذا لفظ البخاري.
واسمُ أبيها أبي بكرٍ: عبدُ الله بنُ أبي قُحافَةَ عثمانَ بنِ عامرِ بنِ عَمْرِو بنِ كعبِ بنِ سعدِ بنِ تَيْمِ بنِ مُرَّة بنِ كعبٍ، يلتقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مُرَّةَ بنِ كعبٍ.
قال أبو عمرَ بنُ عبدِ البرِّ: لم يختلفوا في اسم أبيها وجدِّها، وأن لقبَ أبي بكر عتيقٌ، وأمَّها أمُّ رومان -بضم الرَّاء-، وحكى ابن عبد البرِّ أنَّهُ يُقال بفتحها أيضًا، واسمُ أمِّ رومان زينبُ بنتُ عامرٍ، وقيل: بنتُ دهمان من بني مالكِ بنِ كِنانةَ.
وعائشةُ وأبوها وأمُّها وجدُّها صحابةٌ، وشاركها في ذلك جماعة من الصَّحابة، لكنَّه قليلٌ، ولا يوجد أربعة من الصَّحابة متوالدون إلا في آل أبي بكر الصِّدِّيق: عبدُ الله بنُ أسماءَ بنتِ أبي بكرِ بن أبي قحافة، ومحمَّدُ بنُ عبد الرَّحمنِ بنِ أبي بكرِ بنِ أبي قحافةَ.
تزوَّجها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قبلَ الهجرةِ بسنتين، وقيل: بثلاث سنين، وقيل غيرُ ذلك، وهي بنتُ ستِّ سنينَ، وبنى بها بعد الهجرة مُنْصَرَفَهُ من بدرٍ في شوالٍ السَّنة الثَّانية من الهجرة، وتوفِّيَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وهي ابنةُ ثماني عشرةَ سنة، رُوي لها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألفُ حديثٍ ومئتا حديثٍ وعشرة أحاديث، اتفق البخاريُّ ومسلم على مئةٍ وأربعةٍ وتسعين حديثًا، وانفردَ البخاريُّ بأربعةٍ وخمسين حديثًا، ومسلمٌ بثمانيةٍ وستين حديثًا، روى عنها من الصَّحابة: عبدُ الله بنُ عبَّاس، وعبدُ الله بنُ الزبير، وعبدُ الله بنُ قيسٍ الأشعريُّ، وعبدُ الله بنُ عامرِ بن ربيعةَ، وأبو هريرة، ونيّفٌ وستُّون رجلًا وامرأةً من التابعين في الصَّحيح، توفيت سنةَ سبع، وقيل: ثمان وخمسين، لسبعَ عشرةَ ليلةً خَلَتْ من شهر رمضان، وأَمرتْ أنْ تُدفنَ بالبقيع، وصلَّى عليها أبو هريرة، ونزل قبرها خمسةٌ: عبدُ الله وعروةُ ابنا الزُّبير، والقاسم بن محمَّد، وعبد الله بن عبد الرَّحمن بن أبي بكر (1) رضي الله عنهم.
ومناقبهُا كثيرة جدًّا؛ سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إلَيْكَ؟ قالَ:
(1) في "ح": "وعبد الله بن محمد بن أبي بكر".
"عَائِشَةُ لا، قِيْلَ: مِنَ الرِّجَالَ؟ قالَ:. "أَبُوهَا" رواه مسلمٌ (1).
وعن مسروقٍ قال: رأيتُ مشيخةَ (2) أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الأكابرَ يسألون عائشةَ عن الفرائض (3).
وعن عطاءِ بن أبي رباح قال: كانت عائشةُ أفقهَ الناس، وأعلمَ الناس، وأحسنَ الناس رأيًا في العامَّة (4).
وعن عروة قال: ما رأيتُ أحدًا أعلمَ بفقهٍ ولا بطبٍّ ولا بشعرٍ من عائشة رضي الله عنها (5).
وعن القاسمِ بنِ محمَّدٍ قال: كانت عائشةُ قد استقلَّتْ بالفتوى في خلافة أبي بكر، وعمر، وعثمان، وهلمَّ جرًّا، إلى أن ماتت (6).
واعلمْ أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم مات عن تسع من أزواجه، وعائشةُ أفضلهنَّ بلا خلاف.
وهل هي أفضلُ من خديجةَ بنتِ خويلد؟ وجهان حكاهما صاحب "التتمة"(7)، وادعى الثعلبي الإجماع على أن خديجةَ أولُ الناس إسلامًا، وهذا يقتضي ترجيحَ تفضيلِها على عائشة رضي الله عنهن.
(1) رواه البخاري (4100)، كتاب: المغازي، باب: غزوة ذات السلاسل، ومسلم (2384)، كتاب: فضائل الصحابة رضي الله عنهم، باب: من فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه، من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه.
(2)
في "ح""بمشيخة".
(3)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(31037)، وابن سعد في "الطبقات الكبرى"(2/ 375)، والطبراني في "المعجم الكبير"(23/ 181)، والحاكم في "المستدرك"(4/ 12).
(4)
رواه الحاكم في "المستدرك"(6748)، واللالكائي في "اعتقاد أهل السنة"(2762).
(5)
رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(23/ 182)، واللالكائي في "اعتقاد أهل السنة"(2759).
(6)
رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى"(2/ 375)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(49/ 165).
(7)
وهو للإمام أبي سعد عبد الرحمن مأمون المتولّي النيسابوري الشافعي، المتوفى سنة (478 هـ)، أتمّ فيه كتاب "الإبانة" للإمام الفوارني، وقد كتبها إلى كتاب "الحدود"، وشرحها، وفرع عليها، وجمع فيها نوادر المسائل وغرائبها لا تكاد توجد في غيرها. انظر:"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (2/ 555)، "وكشف الظنون"(1/ 1).
واختصَّت عائشةُ بفضائل لم يشركْها أحدٌ من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فيها:
الأولى: أنه صلى الله عليه وسلم تزوجها بِكْرًا دون غيرها.
الثانية: أنها خُيِّرَتْ فاختارتِ اللهَ ورسولَه على الفور، وكُنَّ تبعًا لها في ذلك.
الثالثةُ: نزول آية التَّيَمُّم بسبب عِقْدِها حين حبسَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم النَّاس، وقال أُسَيْدُ بنُ حُضَيْرِ: ما هيَ بأولِ بركتِكم [يا] آلَ أبي بكر (1).
الرَّابعةُ: نزولُ براءتها من السَّماء.
الخامسة: جَعْلُها قرآنًا يُتلى إلى يوم القيامة.
السادسةُ: تَتَبُّعُ الناس بهداياهم يومَها؛ لما علموا من حبِّه صلى الله عليه وسلم لها.
السابعة: اختيارُه صلى الله عليه وسلم أن يُمَرَّضَ في بيتها.
الثامنةُ: وفاته صلى الله عليه وسلم بين سَحْرِها ونحرِها.
التاسعة: وفاته في يومها.
العاشرةُ: وفاته صلى الله عليه وسلم في بيتها.
الحاديةَ عشرةَ: دفنُه صلى الله عليه وسلم في بيتِها.
الثانية عشرة: [بيتها] بقعة هي أفضلُ بقاع الأرض مطلقًا، وهي مدفنه صلى الله عليه وسلم، وادعى القاضي عياض الإجماع عليه.
الثالثةَ عشرةَ: أنها رأتْ جبريلَ صلى الله عليه وسلم في صورة دحيةَ الكلبيِّ، وسلَّم عليها.
الرَّابعةَ عشرةَ: كانت أحبَّ نساء النبي صلى الله عليه وسلم إليه.
الخامسةَ عشر: اجتماعُ ريقِ رسول الله صلى الله عليه وسلم وريقِها في آخر أنفاسه.
السَّادسةَ عشرةَ: كانت أكثرَهن علمًا.
السَّابعةَ عشرةَ: كانت أفصحَهن لسانًا.
(1) رواه البخاري (327)، وفي أول كتاب: التيمم، ومسلم (367)، كتاب: الحيض، باب: التيمم.
الثامنةَ عشرةَ: لم ينزلِ الوحيُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم في لِحاف امرأةِ غيرها.
التَّاسعةَ عشرةَ: أن جبريلَ جاء إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم بصورتها قبل أن يتزوَّجها.
العشرون: لم ينكح النبي صلى الله عليه وسلم امرأة أبواها مُهاجران بلا خلاف سواها.
الحاديةُ والعشرون: كان أبوها أحبَّ الرجال إليه، وأعزهم عليه صلى الله عليه وسلم.
الثَّانيةُ والعشرونَ: كان لها يومان وليلتان في القَسْم دونهن لمَّا وهبتْها سَوْدَةُ بنتُ زمعةَ يومَها وليلتَها.
الثالثةُ والعشرون: أنَّها كانت تغضب، فيترضَّاها صلى الله عليه وسلم، ولم يثبت ذلك لغيرها.
الرَّابعةُ والعشرون: لم ينزلْ بها أمر إلا جعل الله لها منه مخرجا، وللمسلمين بركة.
الخامسةُ والعشرون: لم يَرْوِ عن النبي صلى الله عليه وسلم امرأةٌ حديثًا أكثرَ منها.
السَّادسةُ والعشرون: أنّه صلى الله عليه وسلم كان يتتبع رضاها في المباحات؛ كضرب الجواري إليها، وجعل ذقنها على عاتقه، ووقوفه لتنظر إلى الحَبَشَةِ يلعبون (1).
وأمَّا ألفاظُه:
فالتَّنَعُّلُ: لُبْسُ النَّعْل، والتَّرَجُّلُ: تسريح الشَّعر، يقال: شعر مرجَّلٌ؛ أي: مسرَّح، وشعرٌ رَجِلٌ ورَجْلٌ، ورجلَه صاحبُه: إذا سرَّحه ودهنه (2).
(1) وانظر ترجمتها في: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (8/ 58)، و"الاستيعاب" لابن عبد البر (4/ 1881)، و"طبقات الفقهاء" للشيرازي (ص: 29)، و"صفة الصفوة" لابن الجوزي (2/ 15)، و"المنتظم" له أيضًا (5/ 302)، و"أسد الغابة" لابن الأثير (7/ 186)، و"تهذيب الكمال" للمزي (35/ 227)، و"سير أعلام النبلاء" للذهبي (2/ 135)، و"الوافي بالوفيات" للصفدي (16/ 341)، و"وفيات الأعيان" لابن خلكان (3/ 16)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (8/ 16)، و"تهذيب التهذيب" له أيضًا (12/ 461)، و"شذرات الذهب" لابن العماد (1/ 61).
(2)
انظر: "غريب الحديث" لابن قتيبة (2/ 241)، و"المُغرب" للمطرزي (1/ 323)، و"النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (2/ 203).
والتَّيَمُّنُ في التنعل: البدأةُ باليمنى، وفي التَّرَجُّل: البدأَة بالشق الأيمن من الرَّأس في تسريحه ودهنه، وفي الطهور، البدأَة بالشقّ الأيمن في الغسل، وباليد اليمنى والرِّجْل اليمنى في الوضوء، وأما الخدَّان والعينان والأذنان والمنخران والكفان، فلا يشْرعُ التَّيمُّن فيهما كما تقدَّم إلَّا أنْ يكونَ أقطعَ ونحوَه، فتقدم اليمين (1).
وقولها: "وفي شَأنِهِ كُلِّهِ": عامٌّ في كل شيء، خُصَّ منه دخولُ الخلاء، والخروجُ من المسجد، والامتخاطُ، والاستنجاءُ وما شابه ذلك.
والطُّهورُ في هذا الحديث -بضم الطّاء-، والمراد به فعل الطَّهارة، وبفتح الطَّاء: الماء الَّذي يُتطهَّر به، وقال سيبويه: الطَّهور -بالفتح- يقع على الماء والمصدر معًا (2).
والضَّابط في معنى هذا الحديث: أن ما كان من باب التَّكريم والرُّتبة (3) كان لليمين، وما كان بخلافه، فلليسار.
وحكم البدأة باليمنى الاستحبابُ عند مالك والشّافعيِّ، وإن كان الشَّافعيُّ يقول بوجوب التَّرتيب في أعضاء الوضوء؛ فإنَّ اليدين والرّجلين كالعضو الواحد؛ حيثُ جُمعا في لفظ القرآن العزيز؛ حيث قال:{أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} [الأعراف: 124]، وهو مجمع عليه، ويدخل في عموم قولها: وفي شأنه كُلِّه: حالة اللِّباس، والأكل، والشرب، والأخذ، والعطاء، والاكتحال والسِّواك، وتقليم الأظفار، وقصّ الشَّاربِ، ونتف الإبطِ، وحلق الرأس، والمصافحة، واستلام الحَجَرِ، وما أشبهَ ذلك.
فلو تعارض الانتعالُ والخروجُ من المسجد، خرجَ منه بيسارِه، ووضعَها على
(1) في "ح": "اليسر".
(2)
انظر: "لسان العرب" لابن منظور (4/ 504)، و"مختار الصحاح" (ص: 167)، و"القاموس المحيط" اللفيروز أبادي (ص: 554)، (مادة: طهر).
(3)
في "ح": "التكرم والزنية".