الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حالة الجلوس في الصلاة المشروعة، للقادر على القيام، ولا يخالف الإمام فيها بالقيام؛ وكذلك إذا صلى قائمًا، فصلوا قيامًا؛ أي: في حالة قيامه، ولا تخالفوه بالقعود؛ وكذلك في الركوع والسجود، بقوله صلى الله عليه وسلم:"وإذا ركعَ فاركعوا، وإذا سجدَ فاسجدوا".
وهو بعيد؛ بورود الأحاديث المذكورة في سبب ذلك، والمراد منه، وإشارته إليهم بالجلوس، والتعليل بمخالفة الأعاجم؛ في القيام على ملوكهم، وسياق الحديث يمنع فهم هذا التأويل، وقد حصل الكلام؛ على حديث عائشة، وأبي هريرة بما فيه مقنع، والله أعلم.
* * *
الحديث الثالث
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ الخَطْمِيِّ الأَنْصَارِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي البَرَاءُ؛ وَهُوَ غَيْرُ كَذُوبٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَالَ: "سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ"، لَمْ يَحْنِ أَحَدٌ مِنَّا ظَهْرَهُ حَتَّى يَقَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَاجِدًا، ثُمَّ نَقَعُ سُجُودًا بَعْدَهُ (1).
أما عبدُ الله بنُ يزيدَ:
فكنيته: أبو موسى؛ وهو صحابي، شهدَ الحديبية؛ وهو ابن سبعَ عشرةَ سنة، وشهدَ مع عليٍّ صِفِّينَ، والجملَ، والنهروانَ؛ قاله ابن عبد البر.
وقال ابن حبان: كنيتُه: أبو أمية، شهدَ بيعة الرضوان، سكن الكوفة، ومات وهو أميرُها أيامَ ابن الزبير.
وقال ابن أبي حاتم: روى عنه: أبو بُرْدَةَ بنُ أبي موسى، وابن بِنْتهِ عديُّ بنُ ثابتٍ الأنصاريٌّ، وابنه موسى بنُ عبد الله بنِ يزيدَ.
وقال ابن عبد البر: وروى عنه: محمدُ بن كعب القُرَظيُّ، وعامرٌ الشعبيُّ.
(1) رواه البخاري (658)، كتاب: الجماعة والإمامة، باب: متى يسجد من خلف الإمام؟ ومسلم (474)، كتاب: الصلاة، باب: متابعة الإمام والعمل بعده.
وقال ابن حبان: وكان الشعبيُّ كاتبَه، ولم يرو له من أصحاب الكتب الستة، فيمن روى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ غيرُ أبي داود، والترمذيّ.
وذكره بقيُّ بن مخلد؛ فيمن روى عن النبي صلى الله عليه وسلم: أربعة أحاديث.
وقال عبد الغني المقدسي: رُوي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: سبعة وعشرون حديثًا؛ أخرج له البخاري حديثين، ولم يخرج له مسلم شيئًا، وقال غيره: خرج له مسلم أحد حديثي البخاري.
وأما الخَطْمِيُّ: فهو -بفتح الخاء المعجمة، وسكون الطاء المهملة، ثم الميم، وياء النسب- نسبة إلى بني خَطْمَة؛ هم من الأوس، وخطمةُ هو: ابن جميعِ بنِ مالكِ بنِ الأوسِ، وقيل: اسم خطمة: عبدُ الله بنُ جشمَ بنِ مالكِ بنِ أوسِ بنِ حارثة بنِ ثعلبةَ بنِ عمرِو بنِ عامرٍ (1).
وتقدم ذكر النسبة إلى الأنصار، وعبد الله بن يزيد -المذكور-؛ وهو: ابنُ يزيدَ بنِ حصينِ بنِ عمرِو بنُ الحارث بن خطمة، والله أعلم.
وقد روى هذا الحديث أبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي، وقد صحَّ سماعه من الخطمي، والبراء؛ فجعل بعضهم قول المصنف:"حدثني البراء؛ وهو غير كذوب" من كلام الخطمي في البراء، وجعله بعضهم من كلام أبي إسحق السبيعي فيه، فلو ذكر المصنف أبا إسحق، عن عبد الله بن يزيد، لكان أحسن؛ ليدخل احتمال الوجهين معًا في كلامه.
وأما على ما ذكره؛ فلا يحتمل إلا عبد الله بن يزيد، مع أنه قد روى شعبة، عن أبي إسحق، قال: عبد الله بن يزيد، يخطب يقول:"حدثنا البراء؛ وهو غير كذوب".
(1) وانظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (6/ 18)، و"التاريخ الكبير" للبخاري (5/ 12)، و"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (5/ 197)، و"الثقات" لابن حبان (3/ 255)، و"الاستيعاب" لابن عبد البر (3/ 1001)، و"أسد الغابة" لابن الأثير (3/ 413)، و"تهذيب الكمال" للمزي (16/ 301)، و"سير أعلام النبلاء" للذهبي (3/ 197)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (4/ 267)، و"تهذيب التهذيب" له أيضًا (6/ 71).
لكن لا يلزم من قول عبد الله بن يزيد ذلك في خطبته، ألا يكون أبو إسحق قاله في روايته للحديث؛ إما اقتداء بعبد الله، وإما ابتداء؛ تنبيهًا على تقوية الحديث، وقبوله، وتفخيمه في النفس؛ للعمل به، وتبليغه.
كيف، وقد أضاف ابنُ معين قوله:"حدثني البراء؛ وهو غير كذوب" إلى ابن إسحق، وابنُ معين من الحفاظ الكبار؟! وتخطئته في ذلك؛ لكونه في تزكية البراء، يؤدي إلى الشك في روايته، بتزكيته؛ وهو تابعي، والبراء صحابي؛ والعادة أن الأكبر يزكي من دونه، لا أن الصغير يزكي من فوقه؛ غير لازم، إلا أن يأتي نقل صريح، في هذا الإسناد؛ أنه من كلام عبد الله بن يزيد، لا من كلام أبي إسحق؛ فيجب الرجوع إليه.
وقد بينا أن المتكلم، أو الراوي يفخم؛ لقصد تفخيم كلامه، وأخذه بالقبول، وقد فعل ذلك الصحابة، والتابعون، وهلم جرًّا:
فقد فعله ابن مسعود رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وهو الصادق المصدوق (1)؛ وكذلك أبو هريرة رضي الله عنه؛ ومعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير محتاج إلى تزكيتهما، أو ثنائهما.
وكذلك فعله أبو مسلم الخولاني التابعي الجليل رحمه الله، قال: حدثني الحبيب الأمين عوفُ بنُ مالكٍ الأشجعيُّ، مع نظائر كثيرة لذلك.
فحينئذ يكون معنى الكلام: حدثني البراء؛ وهو غير كذوب؛ أي: غير مُتَّهم؛ كما علمتم، فثقوا بما أخبركم عن عبد الله، عنه.
ويكون ابن معين أخطأ في تعليله؛ أن البراء صحابي؛ وهو منزه عن هذا الكلام؛ فإنه لا وجه له؛ سواء كان القائل عبدَ الله بن يزيد، أو أبا إسحق، وأن المراد به: عبد الله بن يزيد فقط، كيف وعبدُ الله بن يزيد صحابي -أيضًا-؛ كما ذكرنا؟ لا في إضافة القول إلى أبي إسحق السبيعي؛ فإنه ثبت سماعه من كل
(1) رواه البخاري (3036)، كتاب: بدء الخلق، باب: ذكر الملائكة، ومسلم (2643)، كتاب: القدر، باب: كيفية خلق الآدمي في بطن أمه.
واحد؛ من عبد الله، والبراء، وإن كان لم يصرح الحفاظ بسماعه لهذا الحديث من البراء، والله أعلم.
وأما البراء:
فكنيته: أبو عمارة، ويقال: أبو عمرو، ويقال: أبو الطفيل بنُ عازب بنِ الحارث بن عديِّ بن مجدعة -بفتح الميم، والدال المهملة، وسكون الجيم بينهما، وبعد الدال عين المهملة، ثم الهاء- بن حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس، الحارثي الأوسي المدني.
وأبوه عازبٌ له صحبةٌ، ذكرها غيرُ واحد؛ منهم: ابن حبان.
استُصغر هو، وابنُ عمر، يوم بدر؛ وكانا لِدَةً، وجماعةٌ غيرهما، وأول غزاة شهدها هو، وابنُ عمر، وأبو سعيد، وزيدُ بن أرقم: الخندقُ، وافتتح الري سنة أربع وعشرين؛ صلحًا، أو عنوة، وقيل: افتتحها غيره قبل ذلك، وشهد البراء مع علي صفينَ، والجملَ، والنهروان، ثم نزل الكوفة.
روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاث مئة حديث، وخمسة أحاديث؛ اتفق الشيخان: على اثنين وعشرين حديثًا، وانفرد البخاري: بخمسة عشر، ومسلم: بستة.
روى عنه؛ من الصحابة: عبدُ الله بن يزيد الخطميُّ الأنصاريُّ، وأبو جُحيفة، ووهب السُّوائي؛ ومن التابعين: أبو إسحق السَّبيعي، وعامر الشعبيُّ، وعبد الرحمن بنُ أبي ليلى، وغيرُهم، وروى له: أصحابُ السنن والمساند.
ومات بالكوفة في ولاية مصعب على العراق، سنة ثنتين وسبعين (1).
(1) وانظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (4/ 364)، و"التاريخ الكبير" للبخاري (2/ 117)، و"الثقات" لابن حبان (3/ 26)، و"الاستيعاب" لابن عبد البر (1/ 155)، و"تاريخ بغداد" للخطيب (1/ 177)، و"أسد الغابة" لابن الأثير (1/ 362)، و"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (1/ 140)، و"تهذيب الكمال" للمزي (4/ 34)، و"سير أعلام النبلاء" للذهبي (3/ 194)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (1/ 278)، و"تهذيب التهذيب" له أيضًا (1/ 372).