المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود - العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار - جـ ١

[ابن العطار]

فهرس الكتاب

- ‌المقدّمَة

- ‌ مصادر الكتاب:

- ‌ النسخ الخطية للكتاب:

- ‌ منهج التحقيق:

- ‌تَرْجَمَةُ المؤَلِّف

- ‌ اسمه ونسبه:

- ‌ ولادته ونشأته:

- ‌ تدريسُهُ وإفادتُهُ:

- ‌ شيوخه:

- ‌ آثاره العلمية:

- ‌ ثناء العلماء عليه:

- ‌ مرضه ووفاته:

- ‌ مصادر ترجمته:

- ‌كتاب الطَّهارة

- ‌الحديث الأوَّل

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثَّاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثَّامن

- ‌الحديثُ التَّاسعُ

- ‌الحديث العاشر

- ‌باب الاستطابة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثّاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرَّابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السَّادس

- ‌باب السِّواك

- ‌الحديث الأوَّل

- ‌الحديث الثَّاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب المسح على الخفين

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب في المَذْي وغيره

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثَّاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب الجنابة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني والثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌باب التيمم

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌باب الحَيْض

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌كتاب الصلاة

- ‌باب المواقيت

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌باب فضل الجماعة ووجوبها

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب الأذان

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب استقبال القبلة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌باب الصُّفوف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب الإمامة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس، والسادس

- ‌باب صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌باب وجوب الطُّمَأْنينة في الركوع والسجود

- ‌باب القراءة في الصَّلاة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب ترك الجهر بـ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

- ‌باب سجود السَّهو

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثَّاني

- ‌باب المرور بين يدَي المصلِّي

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثَّاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب جامع

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

الفصل: ‌باب وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود

‌باب وجوب الطُّمَأْنينة في الركوع والسجود

عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ المَسْجِدَ، فَدَخَلَ رَجلٌ، فَصَلَّى، ثُمَّ جاءَ فسلَّمَ عَلَى النبي صلى الله عليه وسلم، فَقالَ:"ارجِعْ فَصَلِّ، فإنكَ لَمْ تُصَلِّ"، فَرَجَعَ فَصَلَّى كَما صلَّى، ثُمَّ جاءَ فسلَّمَ عَلَى النبِي صلى الله عليه وسلم، فَقالَ:"ارجِعْ فَصَلِّ، فَإنَّكَ لَمْ تُصَلِّ" ثَلاثًا، فَقالَ: والذي بَعَثَكَ بِالحَقِّ! ما أحسِنُ غَيْرَهُ، فَعَلِّمْنِي، فَقالَ:"إذا قُمْتَ إلَى الصلاةِ، فَكَبّر، ثُمَّ اقْرَأْ ما تَيَسرَ مَعَكَ مِنَ القُرآنِ، ثُمَّ اركَعْ حَتى تَطْمَئِن راكِعًا، ثُمَّ ارفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قائِمًا، ثُمَّ اسْجُد حَتى تَطْمَئِنَّ ساجِدًا، ثُمَّ ارفَعْ حَتَّى تَطْمَئِن جالِسًا، وافْعَلْ ذَلِكَ في صَلاتكَ كُلها"(1).

تقدم ذكرُ أبي هريرة.

وأما الرجلُ المبهَم في هذا الحديث، فلم أعلم أن أحدًا سماه في المبهمات إلا الحافظَ أبا القاسم خلفَ بنَ بشكوال؛ فإنه قال: اسمُه خَلاد، لكنه ذكر الحديث من رواية رفاعة (2)، ويسمي الفقهاء هذا الحديث: حديثَ المسيء صلاته.

واعلم أن الواجبات في الصلاة على ضربين: متفق عليها، ومختلف فيها، وليس هذا الحديث موضوعًا لحصرها، بل لحصر ما أهمله هذا الرجل المصلي

(1) رواه البخاري (724)، كتاب: صفة الصلاة، باب: وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها، ومسلم (397)، كتاب: الصلاة، باب: وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة.

(2)

انظر: "غوامض الأسماء المبهمة" لابن بشكوال (2/ 583).

ص: 497

وجهله في صلاته، وقد استدل به الكثير من الفقهاء على أن ما ذكره صلى الله عليه وسلم فيه فهو واجب، وما لم يذكره فيه ليس بواجب، وليس الحديث موضوعًا لبيان سنن الصلاة اتفاقًا، فالنية، والقعود في التشهد الأخير، وترتيب أركان الصلاة واجباتٌ مجمَع عليها، وليست مذكورة في الحديث، والتشهدُ الأخير، والصلاةُ على النبي صلى الله عليه وسلم فيه، والسلام من المختلفَ فيه، أوجب هذه الثلاثة: الشافعي، والجمهور، قالوا بوجوب السلام منها، وكثيرون قالوا بوجوب التشهد، والشعبي، وأحمد بن حنبل وأصحابه، وأصحاب الشافعي قالوا بوجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وأوجبَ جماعة من الشافعية نيةَ الخروج من الصلاة، وأوجب أحمد التشهد الأول، وكذا التسبيح، وتكبيرات الانتفال.

فالجواب: عما استدل له الكثير من الفقهاء من أن المذكور في الحديث واجب، وغيره ليس بواجب، مع ما ذكرنا من الواجبات المجمَع عليها والمختلف فيها: أن المجمَع عليه كان معلومًا عند السائل لم يحتج إلى بيانها، وكذا المختلف فيه عند من يوجبه يحمله على ذلك، وجه استدلالهم على الوجوب بذكره في الحديث، وعدمه بعدمه: أن الأمر تعلق بالوجوب، وأن عدمه ليس لمجرد أن الأصل عدم الوجوب، بل الأمر زائد، وهو أن ما ذكره صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث تعليم وبيان للجاهل، وتعريف لواجب الصلاة، وهو يقتضي انحصاره فيما ذكر، وقويت رتبة الحصر فيه بذكر ما تعلقت به الإساءة من المصلي من الواجب فيها، وما لم تتعلق به، وذلك دليل على عدم الاقتصار على المقصود مما وقعت فيه الإساءة فقط في كل ما وقع، واختلف الفقهاء في وجوبه، وكان مذكورًا في الحديث، ذلك أن تتمسك به في وجوبه، وكل موضع اختلفوا في تحريمه، فلك أن تستدل على عدم تحريمه؛ لأنه لو حرم، لوجب التلبس بضده؛ فإن النهي عن الشيء أمرٌ بأحد أضداده، ولو كان التلبس بالضد واجبًا؛ لذكر على ما قررناه، فإذا انتفى ذكره -أعني: ذكر الأمر بالتلبس بالضد- انتفى بلزومه، وهو النهي عن ذلك الشيء، وكل موضع اختلفوا في وجوبه، ولم يكن مذكورًا في الحديث، ذلك -أيضًا- أن تتمسك به في عدم وجوبه -أيضًا-

ص: 498

بكونه غير مذكور فيه؛ لما تقدم من كونه موضع تعليم وبيان، فظهرت القرينة مع ذلك على قصد ذكر الواجبات، فهذه الطرق الثلاثة يمكن الاستدلال بها على كثير من المسائل المتعلقة بالصلاة، إلا أن على طالب التحقيق في هذا ثلاث وظائف:

إحداها: جمع طرق الحديث وإحصاء الأمور المذكورة فيه، والأخذ بالزائد فالزائد منها؛ فإنه واجب.

الثانية: استمراره على طريقة واحدة فيها، فلا تستعمل في مكان ما يتركه في آخر، فيتقلب نظره، بل يستعمل القوانين المعتبرة في ذلك استعمالًا واحدًا؛ فإنه قد يقع هذا الاختلاف في كلام كثير من المناظرين.

الثالثة: إذا أقام دليلًا على أحد أمرين إما على عدم الوجوب، أو الوجوب؛ فالواجب العمل به، ما لم يعارضه ما هو أقوى منه، وهذا في باب النفي يجب التحرز فيه أكثر، فلينظر عند التعارض أقوى الدليلين يعمل به، وإذا استدل على عدم وجوب شيء بعدم ذكره في الحديث، وجاءت صيغة الأمر في حديث آخر، فهي مقدمة، وإن قيل: إن الحديث دل على عدم الوجوب، وتحمل صيغة الأمر على الندب، لكن عدم الوجوب أقوى؛ لأنه متوقف على مقدمة أخرى، وهي أن عدم الذكر في الرواية يدل على عدم الذكر في نفس الأمر، وهي غير المقدمة المتقدمة من أن عدم الذكر يدل على عدم الوجوب؛ لأنه المراد، ثم إن عدم الذكر في نفس الأمر غير عدم الذكر من الرسول صلى الله عليه وسلم يدل على عدم الوجوب؛ فإنه موضع البيان، وعدم الذكر في نفس الأمر غير عدم الذكر في الرواية، وعدم الذكر في الرواية إنما يدل على عدم الذكر في نفس الأمر بطريق أن يقال: لو كان، لذكر، أو بأن الأصل عدمه، وهذه المقدمة أضعف من دلالة الأمر على الوجوب -أيضًا-، فالحديث الذي فيه الأمر إثبات لزيادة، فيعمل بها.

وهذا البحث كله بناءً على إعمال صيغة الأمر في الوجوب الذي هو ظاهر فيها، والمخالف يخرجها عن حقيقتها؛ بدليل عدم الذكر، فيحتاج الناظر

ص: 499

المحقق إلى الموازنة بين الظن المستفاد من عدم الذكر في المخالفة، وبين الظن المستفاد من كون الصيغة للوجوب.

قال شيخنا أبو الفتح القاضي رحمه الله: والثاني عندنا أرجح، والله أعلم (1).

ثم إذا تقرر أن عدم الذكر في الحديث يدل على عدم الوجوب، فقد استدلوا بهذا الحديث على مسائل، من حيث إنها غير مذكورة فيه:

منها: أن الإقامة غير واجبة، وقال بعض العلماء بوجوبها؛ لما ورد في بعض طرق الحديث الأمر بها، فمن استدل بعدم الذكر في الحديث على عدم الوجوب يحتاجُ إلى عدم رجحان الدليل الدال على وجوبها عند الخصم، فإن صحَّ الأمرُ بالوجوب، فقد عدم أحد الشرطين، وإن لم يصح، فقد تمَّ الدليل على عدم الوجوب، وإلا فيتعارض عدمُ الذكر والأمرُ بها لو صح، فينتفي الوجوب، ويبقى الندب.

ومنها: أن دعاء الاستفتاح غير واجب؛ لأنه لم يذكر في الحديث، ومن نقل من بعض المتأخرين من غير المنسوبين إلى مذهب الشافعي: أن الشافعي قال بوجوبه، فقد غلط ووهم.

ومنها: التعوذ ورفعُ اليدين في تكبيرة الإحرام، ووضعُ اليد اليمنى على اليسرى، وتكبيراتُ الانتقالات، وتسبيحاتُ الركوع والسجود، وهيئات الجلوس، ووضعُ اليد اليمنى على الفخذ، وغير ذلك مما لم يذكر في الحديث، ليس بواجب إلا ما ذكرناه من المجمَع عليه، والمختلف فيه.

ومنها: استدلال لبعض المالكية على عدم وجوب التشهد مما ذكرنا من عدم الذكر، وقد استدل به الحنفية على عدم وجوب السلام، لكن الدليل على وجوبه أقوى، وكذلك دليل إيجاب التشهد؛ للأمر به، هو راجح، وقد تقع المناظرة بين الرجحانين، بأن دلالة اللفظ على الشيء لا تنفي معارضة المانع الراجح؛ لكونها

(1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 5).

ص: 500

أمرًا يرجع إلى اللفظ، أو إلى أمر لوجود النظر إليه، وذلك يمهد عذر أحد الرجحانين، ويثبت الحكم، ولا ينفي وجود المعارض.

أما لو استدل بلفظ يحتمل أمرين على السواء، لكانت الدلالة منتفية، وقد يطلق الدليل على الدليل التام الذي يجب العمل به، وذلك يقتضي عدم وجود المعارض الراجح، لكن الأولى أن يستعمل في دلالة ألفاظ الكتاب، والسنة الطريق الأول، ومن لمدعى المعارض، فعليه البيان.

وفي الحديث مسائل:

منها: وجوب التكبير بعينه؛ لنصه عليه بقوله: "فكبروا"، وأبو حنيفة يخالف فيه، ويقول: المراد منه التعظيم، وبأي لفظ أتى به حصل، وغيرُه قصر التعظيم بلفظ التكبير، ولم يعده إلى غيره؛ نظرًا إلى التعبد به، والاحتياطُ فيه الاتباع؛ لخصوص التعظيم به، وهو: الله أكبر.

وأعلم أن رتب الأذكار مختلفة، فلا يتأدى بذكر ما يتأدى بآخر، ولا يعارض أن يكون ذلك المعنى مفهومًا، فقد يكون التعبدُ واقعًا في التفصيل كما نفهم من الركوع التعظيم بالخضوع، ولو أقام مقامه خضوعا آخر لم يكتف به، فكذلك لفظ التكبير، ويتأيد باستمرار عمل الأمة على الدخول في الصَّلاة به، وهو: الله أكبر، وبما اشتهر في الأصول بأن كل علة مستنبطة تعود على النص بالإبطال أو التخصيص، فهي باطلة، وعلي هذا يخرج حكم هذه المسألة؛ فإنّه إذا لمستنبط من النص أن مطلق التعظيم هو المقصود، بطل خصوص التكبير، فيخرج عن الفائدة.

ومنها: وجوبُ القراءة في الصَّلاة في الركعات كلِّها، وهو مذهب الشافعي، وجمهورِ العلماء، لكن ظاهر هذا الحديث أن الفاتحة غيرُ متعينة، والفقهاء الأربعة عينوها للوجوب، إلَّا أن أبا حنيفة منهم جعلها واجبة، وليست بفرض، على أصله في الفرق بين الواجب والفرض.

وحكى القاضي عياض عن عليّ بن أبي طالب، وربيعة، ومحمد بن

ص: 501

أبي صفرة، وأصحابِ مالك: أنه لا تجب قراءة أصلًا، وهي رواية شاذة عن مالك، وفي مذهب مالك في قراءة الفاتحة في كل ركعة ثلاثة أقوال:

أحدها: كمذهب الجمهور، وتجب في كل ركعة.

والثاني: في الأُوليين.

والثالث: تجب في ركعة واحدة.

وقال الثوري والأوزاعي وأبو حنيفة: لا تجب القراءة في الركعتين الأخيرتين، بل هو بالخيار، إن شاء قرأ، وإن شاء سَبَّح، وإن شاء سكت، والصحيح الذي عليه جمهور العلماء من السلف والخلف: وجوبُ الفاتحة في كل ركعة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي: "ثم افعلْ ذلكَ في صلاتِك كلِّها"، مع قوله صلى الله عليه وسلم:"لا تجزئ صلاةٌ لا يُقْرَأُ فيها بفاتحةِ الكتابِ" رواه أبو بكر بن خزيمة، وأبو حاتم بن حبان في "صحيحيهما" من رواية أبي هريرة (1)، وهو مبين أن المراد من قوله صلى الله عليه وسلم:"لا صلاةَ إلَّا بفاتحةِ الكتابِ"(2) عدمُ الإجزاء، لا نفيُ الكمال.

والجواب عن هذا الحديث: أن المراد منه: "اقرأ ما تيسر": ما زاد على الفاتحة بعدها؛ جمعًا بينهم وبين دلائل إيجابها، ويؤيده الأحاديث الحسنة التي رواها أبو داود في "سننه" مرفوعة:"ثم اقرأْ بفاتحةِ الكتاب، وما تيسر من القرآن"(3)، وفي رواية:"وما شاءَ الله"(4)، وروى أبو حاتم بنُ حبان في "صحيحه" عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: أمرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن نقرأ بفاتحة الكتاب، وما تيسَّر، في الصَّلاة (5) وقد قال بوجوب الزائد على الفاتحة

(1) رواه ابن خزيمة في "صحيحه"(490)، وابن حبان في "صحيحه"(1789).

(2)

رواه البُخاريّ (723)، كتاب: صفة الصَّلاة، باب: وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها، ومسلم (394)، كتاب: الصَّلاة، باب: وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه.

(3)

انظر تخريجه في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه الآتي.

(4)

رواه الإمام أحمد في "المسند"(6/ 236)، لكن من حديث عائشة رضي الله عنها.

(5)

رواه ابن حبان في "صحيحه"(1790)، وأبو داود (818)، كتاب: الصَّلاة، باب: من ترك =

ص: 502

جماعةٌ من التابعين وغيرهم، وقاله شيخنا أبو الفتح بنُ دقيق العيد عن الأكثرين عملًا بهذه الأحاديث، أو أن الحديث محمولٌ على من عجز عن الفاتحة، وعن حديث أبي هريرة رضي الله عنه: اقرأ بها في نفسك: أن المراد: اقرأها سرًّا، بحيث تُسمع نفسك لا تدبر ذلك، وتكره كما حمله بعض المالكية؛ لأنَّ القراءة لا تطلق إلَّا على حركة اللسان بحيث تُسمع نفسه، ولهذا اتفق العلماء على أن الجنب لو تدبر القرآن بقلبه، من غير حركة لسانه، لا يكون قارئًا مرتكبًا لقراءة الجنب المحرمة، وكذلك لو أَمرَّهُ الجنب على قلبه من غير لفظ، جاز، مع أنه يقال: قرأت بقلبي، فدل على أن مراد أبي هريرة ما ذكرنا، يؤيده فعل النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في قراءته وأصحابه، والله أعلم.

ثم مذهب الشافعي ومن وافقه أنها واجبة على الإمام والمأموم والمنفرد؛ عملًا بحديث أبي هريرة: "اقرأ بها في نَفْسِك"(1)، ثم إنه لا يصح أن يكون المراد بقوله:"اقرأ ما تيسر معك" الإجمال الذي يريده الأصوليون؛ فإن المجمل ما لم يتضح المراد منه، وهذا متضح المراد؛ إذ يتبع امتثاله بفعل كل ما تيسر، حتَّى لو لم ترد أحاديث تعيين الفاتحة، لاكتفينا في الامتثال بكل ما تيسر، وإن أريد بالمجمل الذي لا يتعين فرد من أفراده، فهذا لا يمنع الاكتفاء بكل فرد ينطلق عليه الاسم كما في سائر المطلقات، ثم المطلق يجوز تقييده، والعام يجوز تخصيصه، فقوله صلى الله عليه وسلم:"لا صلاةَ إلَّا بفاتحةِ الكتاب"(2) مطلَق، وهو مقيد بقيد المتيسر الذي يقتضي التخيير في قراءة كل فرد من أفراد المتيسرات، فليس المطلق مطلقًا هنا من كل وجه، والقيد المخصوص يقابل التعيين، ونظير المطلق الذي لا ينافي التعيين أن يقول: اقرأ قرآنًا، ثم يقول: اقرأ الفاتحة؛ فإنّه يحمل

= القراءة في صلاته بفاتحة الكتاب، والإمام أحمد في "المسند"(3/ 3)، وأبو يعلى في "مسنده"(1210).

(1)

تقدم تخريجه، في حديث أبي هريرة "لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب"؛ إذ هو جزء منه.

(2)

تقدم تخريجه.

ص: 503

المطلق على المقيد حينئذٍ، ويوضح ذلك بمثال، وهو أنه لو قال لعبده: اشتر أيَّ لحم، ولا تشتر لحم الضأن، لم يتعارض، ولو قال: اشتر لي لحم شاة، ولا تشتر لحم الضأن، في وقت واحدٍ، لتعارض.

وأما التخصيص، فأبعد؛ لأنَّ سياق الكلام يقتضي تفسير الأمر عليه، وإنَّما يقرب هذا إذا جعلت (ما) بمعنى الذي، وأريد بها شيء معين، وهو الفاتحة؛ لكثرة حفظ المصلين لها، فهي المتيسرة.

ومنها: أن الركوع واجب، وكذلك الطمأنينة فيه، وقد تخيل من لا يعتقد وجوبها؛ بأن الغاية هل تدخل في المغيّا أم لا؟

فيه مذاهب: فمن فرق بين أن يكون من جنس المغيّا، وصف الركوع بوصف، ووصف الطمأنينة معه بوصف، حتَّى لو فرضنا أنه لو ركع ولم يطمئن، ارتفع مسمى الركوع، ولم يصدق عليه أنه جعل مطلق الركوع مغيًّا للطمأنينة، وادعى بعض المتأخرين أن الطمأنينة لا تجب من حيث إن الأعرابي صَلَّى غير مطئمن ثلاث مرات، والعبادة بدونها فاسدة، ولو كانت فاسدةَ، لكان فعل الأعرابي فاسدًا، ولو كان كذلك، لم يغيره النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في حال فعله، وإذا تقرر بهده الدعوى عدم الوجوب، حمل الأمر في الطمأنينة على الندب، وفي قوله:"فإنك لم تصل" على عدم الكمال، وهذا التخيل والدعوى فاسدان مخالفان لمدلول اللفظ، ومفهوم الشريعة.

ومنها: وجوب الرفع من الركوع والاعتدال فيه، خلافًا لمن نفى وجوب الرفع من الركوع والاعتدال فيه، ومذهب الشافعي وجوبهما، وفي مذهب مالك خلاف في الاعتدال، استدل من قال بعدم الوجوب أن المقصود من الرفع الفصل، وهو يحصل بدون الاعتدال، وهو ضعيف؛ فإن الفصل مقصود، وليس هو كل المقصود، بل هو بصفة الاعتدال مقصودان، والأمر دل عليهما، فلا يجوز تركهما، قريبٌ من هذا الاستدلال في الضعف من قال في عدم وجوب الطمأنينة، بأن الله تعالى قال:{ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] فلم يأمر

ص: 504

سبحانه بما زاد على ما يسمى ركوعًا وسجودًا، وهو واهٍ جدًّا لا شك أنّ المكلف لا يخرج عن عهدة الأمر الآخر ممَّا يسمى ركوعًا أو سجودًا، وهو الطمأنينة، إلَّا بفعلها، وبه يحصل امتثاله، كما يحصل امتثال الأمر في الركوع والسجود بفعل مسماهما.

ومنها: وجوب السجود، والطمأنينة فيه، والكلام فيه كالكلام في الركوع والرفع منه؛ كما مر.

ومنها: وجوب الجلوس بين السجدتين، والطمأنينة فيه؛ كما مر.

ومنها: وجوب ذلك كله في كل ركعة؛ كما ذكرناه.

ومنها: الرفق بالمتعلم والجاهل في التعليم، وملاطفته، وإيضاح المسألة له، وتلخيص المقاصد، والاقتصار على المهم دون المكملات التي لا تحتمل حالة حفظه والقيام بها.

ومنها: استدراجُه بفعل ما جهله مرات؛ لعله أن يكون فعله ناسيًا أو غافلًا، فيتذكره، فيفعله من غير تعليم وأمر، وليس ذلك من باب التقرير على الخطأ، بل من باب تحقق الخطأ وفعله عن جهل، لا عن غفلة ونسيان.

ومنها: استحبابُ السلام وتكرارُه على قرب من المتلاقيين، ووجوب الرد عليه في كل مرَّة.

ومنها: أن صيغة الرد: وعليكم السلام، أو: وعليك السلام، بالواو، وهذا وجوب الرد مكررًا، وإن لم يكن له ذكر في هذا الحديث، لكنه مذكور فيه في بعض طرقه في الصحيح.

ومنها: أن من أخل ببعض واجبات الصَّلاة لا تصح صلاته، ولا يسمى مصليًا، بل يقال: لم يصل، فإن قيل: كيفَ تركه صلى الله عليه وسلم يصلِّي مرارًا صلاة فاسدة؟ فالجواب: أنه صلى الله عليه وسلم يعلم من حاله: أنه لم يأت بها في المرة الثَّانية والثالثة فاسدة، بل كان محتملًا عنده صلى الله عليه وسلم: أنه يأتي بها صحيحة، وفعل الرجل الداخل في المرة الأولى إياها؛ على وجه الغفلة والنسيان، ويضمن: أمره له صلى الله عليه وسلم -

ص: 505

بالرجوع والصلاة، وبيان أنه لم يصل محتملًا، من غير تفصيل.

فائدة زائدة: وهي إقامة عذره بالغفلة، والنسيان؛ تجويزًا لذلك، إعلامًا أنه فعله جهلًا، وعنادًا، مع أن ذلك أبلغ في: التعليم، والتعريف، والأدب، وأخذ ما يجهل بقبول له، ولغيره؛ كما أمرهم صلى الله عليه وسلم بالإحرام بالحج، ثم بفسخه إلى العمرة؛ ليكون أبلغَ في تقرير ذلك عندهم، والله أعلم.

ومنها: أنه ينبغي للجاهل أن يسأل التعليم من العلماء، والاعتراف بعد العلم، وأن يقرَّ به، ويقسم عليه.

ومنها: وجوبُ النظر إلى صلاة الجاهل، وأعماله فيها، وتعريفه الصواب، وما جهله، وأن ذلك ليس من باب التجسس، ولا الدخول فيما لا يعني.

ومنها: جواز صلاة الفرض منفردًا؛ إذا أتى بفرائضها، وشروطها.

ومنها: وجوبُ القيام في الصَّلاة، وقبل الدخول فيها على القادر؛ بقوله صلى الله عليه وسلم:"إذا قُمْتَ إلى الصلاةِ، فَكَبِّرْ"(1)، والله أعلم.

* * *

(1) رواه البُخاريّ (724)، كتاب: صفة الصَّلاة، باب: وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها، ومسلم (397)، كتاب: الصَّلاة، باب: وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، عن أبي هريرة رضي الله عنه في حديث المسيء صلاته.

ص: 506