الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد استدل بعض العلماء على كراهة النفض بحديث ضعيف عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تَنْفِضُوا أيديكم؛ فإنَّها مَراوِحُ الشَّيطانِ"(1)؛ فإنَّه لا يقاوم هذا الحديث الصحيح، والله أعلم.
وفي الحديث فوائد:
منها: إعداد ماء الغسل؛ كالوضوء.
ومنها: استحباب الصب باليمين على اليسار.
ومنها: استحباب التكرار في الغسل مرتين، وثلاثًا؛ وكذلك الوضوء.
ومنها: استحباب تقديم غسل الفرج، ثمَّ الوضوء بعده، ثمَّ إفاضة الماء على الرأس، ثمَّ على سائر الجسد.
ومنها: استحباب التنحي من المغتسل إن كان وسخًا؛ لغسل القدمين؛ سواء أكمل وضوءه قبل الغسل، أم لا.
ومنها: إباحة التنشيف، والنفض، والله أعلم.
* * *
الحديث الرابع
عن عبدِ الله بنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أنَّ عُمَرَ بنَ الخطَّاب رضي الله عنه: قال: يا رسولَ اللهِ! أَيَرْقُدُ أَحَدُنا وَهُوَ جُنُبٌ؟ قال: "نَعَمْ، إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَرْقُدْ"(2).
وقد تقدم الكلام على عبد الله بن عمر في الحديث الثالث من باب الاستطابة.
وعلى عمر في أول الكتاب.
(1) رواه ابن أبي حاتم في "علل الحديث"(1/ 36)، والديلمي في "مسند الفردوس"(1029)، عن أبي هريرة رضي الله عنه. وانظر:"تلخيص الحبير" لابن حجر (1/ 99).
(2)
رواه البخاري (283)، كتاب: الغسل، باب: نوم الجنب، ومسلم (306)، كتاب: الحيض، باب: جواز نوم الجنب واستحباب الوضوء له .. ، وهذا لفظ البخاري.
واعلم أنَّ مدلول حقيقة لفظ هذا الحديث؛ إباحةُ النوم وهو جنب، لكنها متوقفة على الوضوء، وهو مأمور به، واختلف العلماء في الأمر به، هل هو للاستحباب، أم للوجوب؟
فمذهب الشافعيِّ، وأبي يوسف، والجمهور: إلى أنَّه للاستحباب.
ونقل ابن العربي، عن الشافعيِّ: أنَّه لا يجوز للجنب أن ينامَ إلَّا على وضوء، وهو غريب ضعيف، لا يعرفه أصحاب الشَّافعي؛ بل قالوا كلهم بخلافه.
وعن مالك في وجوبه قولان:
أحدهما: وهو قوله في "المجموعة"، وبه قال ابن حبيب، وأهل الظاهر: الوجوب، فلو تركه، قال مالك: فليستغفر الله.
وقال بعض أشياخ المالكية: لا تسقط العدالةُ بتركه؛ لاختلاف العلماء فيه.
ثمَّ المراد بالوضوء: الوضوء المشروع، ولم نعلم أحدًا قال: بأنه الوضوء اللغوي؛ الذي هو مجرد النظافة، ويؤيد ذلك: ما رواه مسلم، في "صحيحه"، عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن ينام وهو جنب؛ يتوضأ وضوءه للصلاة (1).
واستدل من قال بوجوبه: بأنَّه ثبت في لفظ الحديث في "الصحيحين"، وغيرهما: أنَّ الوضوء ورد بصيغة الأمر، وهو قوله صلى الله عليه وسلم:"تَوَضَّأْ، واغْسِلْ ذَكَرَكَ؛ ثُمْ نَمْ"(2)، ومطلق الأمر للوجوب.
لكنَّه وقع الإجماع على أنَّه: لا يجب على الجنب الوضوء؛ وإنَّما يجب عليه الغسل.
(1) رواه مسلم (305)، كتاب: الحيض، باب: جواز نوم الجنب واستحباب الوضوء له، وكذلك البخاري (284)، كتاب: الغسل، باب: الجنب يتوضأ ثم ينام.
(2)
رواه البخاري (286)، كتاب: الغسل، باب: الجنب يتوضأ ثم ينام، ومسلم (306)، كتاب: الحيض، باب: جواز نوم الجنب واستحباب الوضوء له، من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما.
واختلف أصحاب الشَّافعي في وقت وجوبه؛ هل هو حصول الجنابة بالتقاء الختانين، أم بإنزال المني، أم بهما؟ أم لا يجب إلَّا عند القيام إلى الصلاة؟ على أوجه.
ومن قال: يجب الغسل بحصول الجنابة، قال: يجب وجوبًا موسعًا.
واستدل من لم يوجب الوضوء بحديث الأسود، عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينام وهو جنب، ولا يمس ماء، وهو حديث حسن رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (1).
وضعَّفه بعضهم، واختلفوا في تأويله على تقدير صحته على وجهين:
أحدهما: ما ذكره ابنُ سُريج، والبيهقي: أنَّ المراد أنَّه لا يمس ماءً للغسل.
والثاني: وهو الراجح عند جماعة: أنَّ المراد أنَّه كان في بعض الأوقات لا يمس ماءً أصلًا؛ لبيان الجواز، إذ لو واظب عليه؛ لتوهم وجوبه.
واختلف العلماء في علة شرعية الوضوء للجنب قبل أن ينام؟
فقال أصحاب الشافعي: لتخفيف الحدث؛ فإنَّه يرفعه عن أعضاء الوضوء.
وقال غيرهم: علته أن يثبت على إحدى الطهارتين؛ خشية الموت في منامه.
وقيل: بل لعلة أَنْ ينشطَ إلى الغسل؛ إذ نال الماء أعضاءه.
وبنوا على هاتين: وضوء الحائض إذا أرادت النوم:
فَمَنْ عَلَّلَ بالنوم على إحدى الطهارتين: استحبه لها.
ومن عَلَّلَ بحصول النشاط: لم يستحبه؛ لعدم حصول رفع الحيض، فلا يؤثر في حدثها.
وقد نصَّ الشَّافعي، وأصحابه: على أنَّه لا يستحب الوضوء للحائض،
(1) رواه أبو داود (228)، كتاب: الطهارة، باب: في الجنب يؤخر الغسل، والنسائي في "السنن الكبرى"(9052)، والترمذي (118)، كتاب: الطهارة، باب: ما جاء في الجنب ينام قبل أن يغتسل، وابن ماجه (581)، كتاب: الطهارة، باب: في الجنب ينام كهيئته لا يمس ماء.