المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحديث الثالث عشر - العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار - جـ ١

[ابن العطار]

فهرس الكتاب

- ‌المقدّمَة

- ‌ مصادر الكتاب:

- ‌ النسخ الخطية للكتاب:

- ‌ منهج التحقيق:

- ‌تَرْجَمَةُ المؤَلِّف

- ‌ اسمه ونسبه:

- ‌ ولادته ونشأته:

- ‌ تدريسُهُ وإفادتُهُ:

- ‌ شيوخه:

- ‌ آثاره العلمية:

- ‌ ثناء العلماء عليه:

- ‌ مرضه ووفاته:

- ‌ مصادر ترجمته:

- ‌كتاب الطَّهارة

- ‌الحديث الأوَّل

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثَّاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثَّامن

- ‌الحديثُ التَّاسعُ

- ‌الحديث العاشر

- ‌باب الاستطابة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثّاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرَّابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السَّادس

- ‌باب السِّواك

- ‌الحديث الأوَّل

- ‌الحديث الثَّاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب المسح على الخفين

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب في المَذْي وغيره

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثَّاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب الجنابة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني والثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌باب التيمم

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌باب الحَيْض

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌كتاب الصلاة

- ‌باب المواقيت

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌باب فضل الجماعة ووجوبها

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب الأذان

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب استقبال القبلة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌باب الصُّفوف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب الإمامة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس، والسادس

- ‌باب صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌باب وجوب الطُّمَأْنينة في الركوع والسجود

- ‌باب القراءة في الصَّلاة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب ترك الجهر بـ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

- ‌باب سجود السَّهو

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثَّاني

- ‌باب المرور بين يدَي المصلِّي

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثَّاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب جامع

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

الفصل: ‌الحديث الثالث عشر

قد جاء في الحديث النظر إلى النعلين ودلكهما بالأرض، ودل ذلك على أن دلكهما طهور لهما، وليس ذلك من باب تعارض الأصل والغالب، وإنما هو من باب البيان؛ كما لو صلى فيها من غير دلك، مع أن الأصل عدم الدلك، لكن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أمر بشيء، لم يترك، والظن المستفاد من الدلك أرجحُ من عدمه، والله أعلم.

وفيه دليل على: السؤال عن العلم، وأنه يكفي في الجواب: نعم، فقط، والله أعلم.

* * *

‌الحديث الثالث عشر

عَنْ أَبي قَتادَةَ الأَنْصارِيِّ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كانَ يُصَلِّي وَهُوَ حامِلٌ أُمامَةَ بْنةَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لأبي العاصِ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ عَبْدِ شمسٍ، فَإذا سَجَدَ، وَضَعَها، وإذا قامَ، حَمَلَها (1).

* أما أبو قَتادةَ، فتقدم ذكره في باب الاستطابة.

* وأما أُمامةُ: فهي كما ذكر أنها ابنةُ بنتِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولدت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يحبها، ويحملها على عنقه في الصلاة، وأُهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم هدية فيها قلادة من جزع، فدعا صلى الله عليه وسلم أمامةَ بنت زينب فأعلقها في عنقها، وتزوجها علي بن أبي طالب بعد فاطمة رضي الله عنها، زوجها منه الزبير بن العوام، وصيُّ أبيها أبي العاص عليها، فلما قتل علي، وآمت منه أمامة، تزوجها المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، زوجها منه الحسن بن علي بعد أن خطبها معاوية فلم تجب إليه، وهلكت عند المغيرة،

(1) رواه البخاري (494)، كتاب: سترة المصلي، باب: إذا حمل جارية صغيرة على عنقه في الصلاة، ومسلم (543)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: جواز حمل الصبيان في الصلاة.

ص: 488

وليس لها عقب، وقيل: لم تلد لعلي ولا للمغيرة، وقيل: ولدت للمغيرة ولدًا اسمه يحيى، وبه يكنى (1).

* وأما أمها زينب: فهي ابنةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم -كما ذكر-، وهي أكبر بناته.

قال أبو عمر بن عبد البر: هذا لا خلاف فيما علمته في ذلك، إلا ما لا يصح، ولا يلتفت إليه، وإنما الاختلاف بينها وبين القاسم أيهما وُلد أولًا؟ فقالت طائفة من أهل العلم بالنسب: القاسم، ثم زينب، وقال الكلبي: زينب، ثمَّ القاسم.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم محبًا لها، وأسلمت، وهاجرت حين أبي زوجُها أبو العاص بن الربيع أن يسلم، وولدت منه غلامًا يقال له: علي، وجارية اسمها: أمامة.

ولدت زينب رضي الله عنها سنة ثلاثين من مولد النبي صلى الله عليه وسلم قبل النبوة بعشر سنين، وماتت سنة ثمان من الهجرة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وهي ابنة ثلاثين سنة (2).

* وأما أبو العاص بنُ الربيع: فهو صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجُ ابنته، واسم جده

أبي أبيه: عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي القرشي العبشمي، كان يقال له: جرو البطحاء، واختلف في اسمه، فأكثر المشهور: لقيط، وقيل: مهشم، وقيل: هشيم، وأمه: هالة أختُ خديجة رضي الله عنها بنتُ خويلد بن أسد؛ لأبيها وأمها.

(1) وانظر ترجمتها في: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (8/ 36)، و"الاستيعاب" لابن عبد البر (4/ 1788)، و"أسد الغابة" لابن الأثير (7/ 20)، و"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (2/ 599)، و"سير أعلام النبلاء" للذهبي (1/ 335)، "الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (7/ 501).

(2)

وانظر ترجمتها في: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (8/ 30)، و"الاستيعاب" لابن عبد البر (4/ 1853)، و"تاريخ دمشق" لابن عساكر (3/ 141)، و"أسد الغابة" لابن الأثير (7/ 131)، و"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (2/ 610)، و"سير أعلام النبلاء" للذهبي (2/ 246)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (7/ 665).

ص: 489

وكان أبو العاص هذا مؤاخيًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، مصافيًا، وشكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم مصاهرته، وأثنى عليه بذلك خيرًا.

وهاجرت زينب رضي الله عنها مسلمةً، وتركته على تركه، فلم يزل مقيمًا عليه حتى كان قبل الفتح، خرج في تجارة إلى الشام، أصيب في سرية لرسول الله صلى الله عليه وسلم أميرهم زيدُ بنُ حارثة، فأسروا ناسًا من العير التي هو فيها، وأفلت هاربًا إلى المدينة، وأجارته زينب، فأجاره رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستوهب له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان معه من المال من السرية في قصة طويلة، ورجع إلى مكة، وأدى إلى كل ذي مال من قريش ماله، وأسلم بمكة بحضرة قريش، وأخبرهم أنَّه لم يمنعني من الإسلام إلا تخوف أن تظنوا أني أحل أموالكم، فلما أداها الله إليكم، أسلمت، ثم خرج حتى قدم على رسول مسلمًا، وحسن إسلامه، ورد رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ابنته عليه بالنكاح الأول، ولم يحدث شيئًا بعد ست سنين، وروي أنه صلى الله عليه وسلم ردها بنكاح جديد، والأول أصح وأشهر، والله أعلم (1).

وأما قوله: "أبو العاص بن الربيع"، هكذا هو في "صحيحي البخاري ومسلم، وعند أكثر رواة "الموطأ": ابن ربيعة، وكذا رواه البخاري عن مالك: أبو العاص بن ربيعة، والصحيح المشهور هو الأول.

وقال القاضي عياض: وقال الأصيلي: هو ابن ربيع بن ربيعة، فنسبه مالك إلى جده، قال القاضي: وهذا الذي قاله غير معروف، ونسبه عند أهل الأخبار والأنساب باتفاقهم: أبو العاص بن الربيع، على ما ذكرنا أولًا، والله أعلم (2).

(1) وانظر ترجمته في: "الاستيعاب" لابن عبد البر (4/ 1701)، و"تاريخ دمشق" لابن عساكر (3/ 67)، و"أسد الغابة" لابن الأثير (6/ 182)، و"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (4/ 1701)، و"سير أعلام النبلاء" للذهبي (1/ 330)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (7/ 248).

(2)

انظر: "شرح مسلم" للنووي (5/ 33).

ص: 490

وأما قوله: ولأبي العاص بن الربيع، دون نسبة أمامة إليه، وإنما نسبها إلى أمها؛ تنبيهًا على أن الولد إنما ينسب إلى أشرف أبويه دينًا ونسبًا؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لما حملها، كان أبوها مشركًا، وهو قرشي عبشمي، وكانت أمها أسلمت، وهاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي قرشية هاشمية، فنسبها إليها دونه، وبين بعبارة لطيفة أنها لأبي العاص بن الربيع؛ تحريًا للأدب في نسبتها ونسبها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونسبه، والله أعلم.

ثم الكلام يتعلق بهذا الحديث بوجهين:

الأول: حمل الطفلة في الصلاة، وإباحته.

الثاني: طهارة ثوبها.

والكلام في الأول في بحثين:

الأول: أن حملها كان بغير تعمد منه صلى الله عليه وسلم في الصلاة، بل كانت تتعلق به صلى الله عليه وسلم، فلم يدفعها، فإذا قام بقيت معه، قاله الخطابي، قال: ولا يتوهم أنه حملها ووضعها مرة بعد أخرى عمدًا؛ لأنه عمل كثير يشغل، وإذا كان عمل الخميصة شغله، فكيف لا يشغله هذا (1)؟!

والجواب عن ذلك: أنه دعوى مجردة يردُّها ما ثبت في الصحيح في هذه الرواية وغيرها: أنه كانَ إذا سجدَ وضعَها، وإذا قام حملها، وفي غيره: خرج

(1) انظر: "معالم السنن" للخطابي (1/ 431).

قلت: قال الخطابي رحمه الله: ولا يكاد يتوهم عليه أنه كان يتعمد لحملها ووضعها وإمساكها في الصلاة تارة بعد أخرى؛ لأن العمل في ذلك قد يكثر فيتكرر، والمصلي يشتغل بذلك عن صلاته، ثم ليس في شيء من ذلك أكثر من قضائها وطرًا من لعب لا طائل له ولا فائدة فيه، وإذا كان عَلمُ الخميصة يشغله عن صلاته حتى يستبدل بها الأنبجانية، فكيف لا يشغل عنها بما هذا صفته من الأمر؟!

فهذا سياق كلام الخطابي رحمه الله، وما ذكره المؤلف رحمه الله هو من اختصار شيخه النووي رحمه الله لكلام الخطابي في "شرح مسلم"(5/ 32)، وكذلك ما سيذكره في الجواب عن كلام الخطابي، وهذا يدل ويؤكد ما قلناه مرارًا من اعتماد المؤلف على كتب شيخه النووي في جُلِّ مادة كتابه هذا، والله أعلم.

ص: 491

علينا حاملًا أُمامةَ، فصلَّى وهي على عاتِقِه (1)، وكل هذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم تعمَّدَ حملَها بيانًا لجواز مثل هذا.

وأما الخميصة: فإنها تشغل القلبَ بلا فائدة، بل هي مجرد زينة مُلهية، بخلاف حمل الصبية، فإنه لا يلزم من حملها في الصلاة شغلُ القلب، وإن شغل، فإنه يترتب عليه فوائد، وبيان قواعد أكثر من شغل القلب بالصبية، بخلاف الخميصة.

الثاني: لم يقل أحد بتخصيص جواز حمل الصبية دون غيرها من الصبيان والرجال وسائر الحيوان في الصلاة إذا حكمنا بطهارة ذلك كله.

واستدل الشافعي، ومن قال بقوله بهذا الحديث على جوازه في الفريضة والنافلة؛ فإنه ثبت في بعض طرقه في "صحيح مسلم": أنه حملها في صلاة كان يؤم الناسَ فيها في المسجد (2)، وهو ظاهر في الفريضة، وإذا جاز في الفريضة، كان في النافلة أولى؛ فإنه يحمل في النافلة ما لا يحمل في الفريضة، وحكم المأموم في ذلك والمنفرد حكمُ الإمام.

وحمل بعض المالكية الحديثَ في جواز الحمل على النافلة دون الفريضة، وادعى بعضهم أنه منسوخ في الفريضة، وبعضهم: أنه خاصٌّ بالنبي صلى الله عليه وسلم، وبعضهم أنه كان لضرورة، وكلها أقوال مروية عن مالك، غير القول بأنه خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، وكلها دعاوى لا دليل على صحتها، ولا ضرورة إليها، بل الحديث الصحيح الصريح يقتضي جوازه في الفريضة، وأنه كان ذلك في صلاة ظهر أو عصر، وأنه صلى الله عليه وسلم خرج عليهم حاملًا أُمامةَ، وأنهم كانوا ينتظرونه لها، والأصل عدم النسخ والتخصيص، والضرورة؛ إذ كل واحد منها لا يصار إليه إلا بدليل، ولا دليل، فإن أريد بالنسخ تحريم العمل في الصلاة، والكلام فيها، قلنا: ليس

(1) رواه البخاري (5650)، كتاب: الأدب، باب: رحمة الولد وتقبيله ومعانقته.

(2)

رواه مسلم (543)، (1/ 358)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: جواز حمل الصبيان في الصلاة.

ص: 492

هذا من ذاك، فإن قوله صلى الله عليه وسلم:"إن في الصلاةِ لَشُغْلًا"(1) كان قبل قدوم زينب وابنتها إلى المدينة، فإنه كان عند قدوم عبد الله بن مسعود من الحبشة قبل بدر، وقدومُ زينب وابنتِها إلى المدينة بعدَ ذلك، ولو ثبت أنه بعده، لكان فيه إثبات النسخ بالاحتمال، وهو لا يجوز، مع أن الأصل استواءُ الفريضة والنافلة في الشرائط والأركان، ولم يقل أحد بالفرق بينهما في ذلك، إلا في جواز النافلة جالسًا، أو على الدابة في السفر، وليس حملُ الصبية من ذلك، وإلا لبينوه كما بينوا غيره، ونقلوه، والقياسُ لا يصح في ذلك، وهو ممنوع هنا، وقد بينا عدمَ الضرورة.

وقد فرق بعض أتباع مالك بين أن تكون الحاجة إلى حمل الصبية شديدة؛ بحيث لا يجد من يكفيه ذلك، أو يخشى على الصبي، فيجوز حمله في الفريضة والنافلة، وبين أن يكون حمله على معنى الكفاية لأمه لشغلها بغير ذلك، فيجوز في النافلة دون الفريضة.

والجواب عن ذلك: أن الأصل استواءُ الفريضة والنافلة في الشرائط والأركان، إلا ما خصه الدليل.

الوجه الثاني: طهارةُ بدنها وثوبها، ولا شك أن الناس يعتادون تنظيف ثياب الصبيان وأبدانهم في مثل هذا الحال، خصوصًا صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، ولو كان الأصل فيهم الطهارة، والغالب النجاسة، لكان الغالب في مثل هذا الحال العادة، وهي التنظيف، فيعادل الغالب بالعادة، ونفي الأصل، وهو الطهارة، فرجحت، مع أن قصة حمل أمامة وطهارة ثوبها وبدنها قضية حال، فلا تعم، فيكون الحال التي صلى بها محمولةً وقع فيها التنظيف؛ إما لتخصيصه صلى الله عليه وسلم لجواز علمه بعصمة الصبية من البول حال حملها، أو لتعمد تنظيفها في تلك الحال على العادة، وكلاهما يوجب صحة انصلاة مع حملها، وليس فيه ما يخالف قواعد الشرع، فإن الآدمي طاهر، وطهارة ظاهره ممكن، وما في جوفه من النجاسة معفوٌّ عنه؛

(1) تقدم تخريجه.

ص: 493

لكونه في باطنه ومعدته، كيف وثياب الأطفال وأجسادهم على الطهارة، ودلائل الشرع متظاهره على هذا.

ثمَّ بعد ذلك بحث من حيث إن كثرة الأفعال في أصل الصلاة يبطلها، لكن إذا كانت الأفعال كثيرة متوالية، أما إذا كانت قليلة أو كثيرة متفرقة، فإنها لا تبطلها، وفِعْلُ النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث من الثاني، فإنها أفعال متعددة متفرقة، فهو دليل على جواز ذلك، والله أعلم.

وفي الحديث مسائل:

منها: جواز الصلاة، وهو حامل غيره من الآدميين وغيرِهم، كما بيناه.

ومنها: أن ذلك شرع مستمر للمسلمين إلى يوم الدين.

ومنها: أن ثياب الصبيان وأجسادهم محمولة على الطهارة حتى تتحقق النجاسة.

ومنها: أن الفعل القليل لا يبطل الصلاة، وأن الأفعال إذا تعددت ولم تتوال، بل تفرقت، لا تبطل الصلاة.

ومنها: التواضع مع الصبيان وسائر الضعفة ورحمتهم وملاطفتهم.

ومنها: جواز حملهم في صلاة الفريضة والنافلة، كما بيناه.

ومنها: أن شغل القلب [في] مثل ذلك في الصلاة معفو عنه.

ومنها: إكرامُ أولاد المحارم -كالبنات والأخوات ونحوهم-: بالحمل، ومؤانستهم؛ جبرًا لهم ولآبائهم وأمهاتهم.

وقد يستدل به على أن مسهم لا ينقض الوضوء، لو سُلِّم أنه مسه بلا حائل، وأنه ممن يشتهى.

أما المسُّ بحائل، وإن كان لا يمنع الروية كالشعرية، أو لمن لا يشتهى، أو كان في سن من تشتهى، وهو محرم، فلا ينتقض على الصحيح، والله أعلم.

* * *

ص: 494