الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما إذا ارتفع ولم تدر ما رفعه فقد اختلف الفقهاء في عدتها على ثلاثة أقوال:
الأول: ذهب الحنابلة والمالكية والشافعية في قول (1) أن عدتها سنة منذ انقطع الحيض بعد الطلاق، وإن كان الانقطاع قبل الطلاق فتسعة أشهر لتعلم براءة رحمها؛ لأنها غالب مدة الحمل، وثلاثة أشهر عدة الإياس؛ لقضاء عمر بذلك ولم يعلم له نكير، ولأن الغرض بالاعتداد معرفة براءة رحم المرأة وتحصل بذلك فاكتفي به.
الثاني: ذهب الشافعية في قول إلى أنها تعتد أربع سنوات (2)؛ لأنه أكثر مدة الحمل، وهي المدة التي يتيقن بها براءة رحمها فوجب اعتبارها احتياطا، ثم تعتد ثلاثة شهور للإياس.
الثالث: وذهب الشافعية في الجديد من مذهبهم إلى أن عدتها تستمر أبدا حتى تحيض أو تبلغ سن اليأس فتعتد عدة الإياس ثلاثة أشهر (3)؛ لأن الاعتداد بالأشهر جعل بعد الإياس فلم يجز قبله.
6 - زوجة المفقود ظاهر الهلاك:
اختلف الفقهاء في زوجة المفقود ظاهر الهلاك على قولين:
الأول: ذهب الحنفية والشافعية في الجديد إلى أنها لا تعتد حتى يتبين موته أو فراقه فتعتد لذلك (4)، لحديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(1) التاج والإكليل (4/ 151)، المهذب (2/ 143)، مغني المحتاج (3/ 387) ،والمغني (9/ 97).
(2)
مغني المحتاج (3/ 387).
(3)
الأم (5/ 214)، مغني المحتاج (3/ 387).
(4)
المبسوط (11/ 35)، تبيين الحقائق (3/ 311)، الأم (7/ 250) ط. دار المعرفة، السنن الكبرى للبيهقي (6/ 158)، مغني المحتاج (3/ 397).
"امرأة المفقود امرأته حتى يأتيها البيان"(1). ولما روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "امرأة المفقود ابتليت فلتصبر ولا تنكح حتى يأتيها يقين موته"(2). قالوا إن هذا الأثر بيان لحديث المغيرة المتقدم. ولأن الأصل بقاء حياته فيستصحب ذلك إلى أن يتيقن خلافه.
الثاني: وذهب المالكية، والحنابلة في المذهب عندهم، والشافعية في القديم إلى أنها تعتد أربع سنين ثم تعتد للوفاة أربعة أشهر وعشرا (3).
واستدلوا بفعل عمر وإجماع الصحابة عليه فقد روى الأثرم والجوزجاني بإسنادهما عن عبيد ابن عمير قال: "فقد رجل في عهد عمر فجاءت امرأته إلى عمر فذكرت ذلك له فقال انطلقي فتربصي أربع سنين ففعلت ثم أتته فقال انطلقي فاعتدي أربعة أشهر وعشرا ففعلت ثم أتته فقال أين ولي هذا الرجل؟
(1) الدارقطني (3/ 312)، والبيهقيُّ (7/ 445)، قال الحافظ في الدراية (2/ 143):"وسئل أبو حاتم عنه فقال منكر، وفي إسناده سوار بن مصعب عن محمد بن شرحبيل وهما متروكان". وقال في التلخيص (3/ 232): "حديث المغيرة بن شعبة: "امرأة المفقود تصبر حتى يأتيها يقين موته أو طلاقه" الدارقطني من حديثه بلفظ حتى يأتيها الخبر، والبيهقيُّ بلفظ حتى يأتيها البيان، وإسناده ضعيف، وضعفه أبو حاتم، والبيهقيُّ، وعبد الحق، وابن القطان وغيرهم". وقال ابن الملقن في الخلاصة (2/ 24): "حديث المغيرة بن شعبة مرفوعًا: "امرأة المفقود امرأته حتى يأتيها البيان" رواه الدارقطني والبيهقيُّ بإسناد ضعيف بمرة قال أبو حاتم: حديث منكر، وقال البيهقي: لا يحتج به".
(2)
أخرجه عبد الرزاق (7/ 90)، والبيهقيُّ (6/ 158). قال الحافظ في التلخيص (3/ 237):"وأما أثر علي فرواه الشافعي من طريق المنهال بن عمرو عن عباد بن عبد الله عن علي أنه قال في امرأة المفقود: إنها لا تتزوج، وذكره في مكان آخر تعليقًا فقال: وقال علي في امرأة المفقود إنها لا تتزوج، وذكره في مكان آخر تعليقًا فقال: وقال علي في امرأة المفقود: امرأة ابتليت فلتصبر لا تنكح حتى يأتيها يقين موته، وقال البيهقي: هو عن علي مشهور، وروي عنه من وجه ضعيف ما يخالفه وهو منقطع".
(3)
شرح الخرشي على خليل (4/ 149 - 150)، الإنصاف (9/ 288)، كشاف القناع (5/ 421).
فقال طلقها ففعل فقال لها عمر: انطلقي فتزوجي من شئت فتزوجت ثم جاء زوجها الأول فقال عمر: أين كنت؟ قال يا أمير المؤمنين استهوتني الشياطين فوالله ما أدري في أي أرض الله كنت عند قوم يستعبدونني حتى غزاهم قوم مسلمون فكنت فيما غنموه فقالوا لي أنت رجل من الإنس وهؤلاء من الجن فمالك وما لهم؟ فأخبرتهم خبري فقالوا: بأي أرض الله تحب أن تصبح؟ قلت: المدينة هي أرضي فأصبحت وأنا انظر إلى الحرة فخيره عمر إن شاء امرأته وإن شاء الصداق فاختار الصداق وقال: قد حبلت لا حاجة لي فيها" (1).
قال الإمام أحمد: يروى عن عمر من ثلاثة وجوه ولم يعرف في الصحابة له مخالف (2).
وروى الإمام مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "أيما امرأة فقدت زوجها فلم تدر أين هو فإنها تنتظر أربع سنين ثم تنتظر أربعة أشهر وعشرا"(3).
وروى الجوزجاني وغيره عن علي في امرأة المفقود: "تعتد أربع سنين ثم يطلقها ولي زوجها وتعتد بعد ذلك أربعة أشهر وعشرا، فإن جاء زوجها المفقود بعد ذلك خير بين الصداق وبين امرأته"(4).
(1) أخرجه سعيد [1/ 449 - 450 (1754، 1755)]، وذكره ابن قدامة في المغني (9/ 134). قال الحافظ في الفتح (9/ 431):"وقد أخرجه عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة بأسانيد صحيحة عن عمر".
(2)
المغني (9/ 134).
(3)
الموطأ [2/ 575 (1195)]، وسنن سعيد بن منصور [1/ 449 (1752)]، والبيهقيُّ (7/ 445).
(4)
أخرجه البيهقيُّ من رواية خلاس بن عمرو وأبو المليح عن علي رضي الله عنه وقال (7/ 445): "ورواية خلاس عن علي ضعيفة، ورواية أبي المليح عن علي مرسلة، والمشهور عن علي رضي الله عنه خلاف هذا".
وعن الزهري عن سعيد بن المسيب أن عمر وعثمان رضي الله عنه قالا: "امرأة المفقود تتربص أربع سنين ثم تعتد أربعة أشهر وعشرا ثم تنكح"(1).
وعن جابر بن زيد قال: "تذاكر ابن عباس وابن عمر المفقود فقالا جميعًا تتربص امرأته أربع سنين ثم يطلقها ولي زوجها ثم تتربص أربعة أشهر وعشرا"(2).
قالوا في هذه الآثار جميعًا: إنها قضايا انتشرت في الصحابة فلم تنكر فكانت إجماعًا (3).
ولأن هذه المدة أكثر مدة الحمل.
الراجح: هو القول الثاني لما استندوا إليه ولأنه أكثر موافقة للقياس وهو ما اختاره شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم (4). أما قولهم قد صح رجوع عمر إلى قول علي رضي الله عنه (5) فهي دعوى تحتاج إلى إثبات وقد قال عنه الحافظ ابن حجر: "وأما رجوع عمر فلم أره"(6).
(1) رواه عبد الرزاق [7/ 85 (12317)]، وابن أبي شيبة (3/ 521)، والبيهقيُّ (7/ 445). قال الحافظ في الفتح (9/ 431): "
…
وقد أخرجه عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة بأسانيد صحيحة عن عمر، منها لعبد الرزاق من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب أن عمر وعثمان قضيا بذلك،
…
وثبت أيضا عن عثمان وابن مسعود في رواية وعن جمع من التابعين كالنخعي وعطاء والزهري ومكحول والشعبي".
(2)
سعيد بن منصور [1/ 451 (1756)]، وابن أبي شيبة (4/ 143). قال الحافظ في الفتح (9/ 431):"وأخرج سعيد بن منصور بسند صحيح عن ابن عمر وابن عباس قالا: تنتظر امرأة المفقود أربع سنين".
(3)
المغني (9/ 134).
(4)
مجموع الفتاوى (20/ 576)، والفتاوى الكبرى (4/ 587 - 588)، ط. دار المعرفة 1386 هـ ، إعلام الموقعين (2/ 53)، ط. دار الجيل 1973 م.
(5)
تبيين الحقائق (3/ 311).
(6)
الدراية (2/ 143).