الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أرسلت به وهو يرضع إلى أختها أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق فقالت: "أرضعيه عشر رضعات حتى يدخل علي قال سالم: فأرضعتني أم كلثوم ثلاث رضعات ثم مرضت فلم أكن أدخل على عائشة من أجل أن أم كلثوم لم تتم لي عشر رضعات"(1).
حد الرضعة الواحدة:
والمرجع في معرفة الرضعة إلى العرف لأن الشرع ورد بها مطلقا ولم يحدها بزمن ولا مقدار فدل ذلك على أنه ردهم إلى العرف فإذا ارتضع الصبي وقطع قطعًا بينًا باختياره كان ذلك رضعة ولو انقطع للتنفس أو الملل أو اللهو أو النومة الخفيفة أو ازدراد ما جمعه في فمه وعاد للرضاع في الحال فلا تَعدُّد بل الكل رضعة واحدة (2).
4 - أن تكون الرضعات في الحولين:
وقد اختلف الفقهاء في هذا الشرط على أقوال كثيرة نذكر أهمها فيما يلي:
القول الأول: يشترط في الرضاع المحرم أن يكون في الحولين، وهو مذهب الشافعية، والحنابلة، وقول أبي يوسف ومحمَّد من الحنفية، ورواية عن مالك (3).
والاعتبار عندهم بالحولين لا بالفطام فلو فطم قبل الحولين ثم ارتضع فيهما حصل التحريم ولو لم يفطم حتى تجاوز الحولين ثم ارتضع بعدهما قبل الفطام لم يثبت التحريم.
(1) الموطأ [2/ 603 (1260)].
(2)
انظر مغني المحتاج (3/ 417)، المغني (9/ 194).
(3)
المبسوط للسرخسي (5/ 136)، بدائع الصنائع (4/ 6)، حاشية الدسوقي (2/ 503)، مغني المحتاج (3/ 416)، المغني (9/ 201)، الإنصاف (9/ 333).
واستدلوا بقوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} (1)، حيث جعل سبحانه تمام الرضاع في الحولين فدل ذلك على أن ما بعد الحولين بخلافه. ولحديث ابن عباس رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم:"لا رضاع إلا ما كان في الحولين" رواه الدارقطني (2).
وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها رجل فتغير وجه النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إنه أخي من الرضاعة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انظرن من إخوانكن فإنما الرضاعة من المجاعة" متفق عليه (3).
وعن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء في الثدي وكان قبل الفطام" أخرجه الترمذيُّ (4).
القول الثاني: أن الرضاع المحرم هو ما يتم خلال ثلاثين شهرًا، وهو مذهب الحنفية (5)، ولا يحرم بعد ذلك سواء فطم الولد أو لم يفطم. واستدلوا بقوله تعالى:
(1) سورة البقرة: 233.
(2)
سنن الدارقطني (4/ 174) موقوفًا على ابن عباس، ومن طريق أخرى عن الهيثم بن جميل عن ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن بن عباس وقال عقبه:"لم يسنده عن ابن الهيثم بن جميل وهو ثقة حافظ". وقال الحافظ في فتح الباري (9/ 146):"أخرجه الدارقطني وقال لم يسنده عن ابن الهيثم بن جميل وهو ثقة حافظ، أخرجه ابن عدي. الهيثم يوقفه على ابن عباس وهو المحفوظ". قال الزيلعيُّ في نصب الراية (3/ 218): "ورواه بن عدي في الكامل ولفظه قال: "لا يحرم من الرضاع إلا ما كان في الحولين" قال ابن عدي: والهيثم بن جميل يغلط عن الثقات وأرجو أنه لا يتعمد الكذب وهذا الحديث يعرف به عن ابن عيينة مسندًا وغير الهيثم يوقفه على ابن عباس انتهى. وذكره عبد الحق في أحكامه من جهة ابن عدي ونقل كلامه هذا ثم قال: وذكر أبو حاتم الهيثم هذا وقال وثقه أحمد" انتهى.
(3)
صحيح البخاري برقم (2504، و 4814)، ومسلمٌ برقم (1455).
(4)
سنن الترمذيُّ برقم (1152) وقال: "وقال حديثٌ حسنٌ صحيحٌ".
(5)
المبسوط للسرخسي (5/ 136)، بدائع الصنائع (4/ 6)، الهداية (1/ 223)، شرح فتح القدير (3/ 442).
{وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} (1). قالوا: إن الله ذكر شيئين في الآية وضرب لهما مدة فكانت لكل واحد منهما بكمالها إلا أن الدليل قد قام على أن أدنى مدة الحمل ستة أشهر، فبقي مدة الفصال على ظاهره، ولأن اللبن كما يغذي الصبي قبل الحولين يغذيه بعده والفطام لا يحصل في ساعة واحدة لكن يفطم درجة فدرجة حتى ينسى اللبن ويتعود الطعام فلا بد من زيادة على الحولين بمدة وإذا وجبت الزيادة قدرنا تلك الزيادة بأدنى مدة الحبل وذلك ستة أشهر اعتبارا للانتهاء بالابتداء.
القول الثالث: أن رضاع الكبير يثبت به التحريم وهو مذهب عائشة وعلي وعروة بن الزبير رضي الله عنهم، وعطاء والليث بن سعد والظاهرية، وهو واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وقيده بالحاجة ووافقه تلميذه ابن القيم والشوكاني والصنعاني رحمهم الله جميعا (2).
واستدلوا بعموم قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} (3). حيث لم يفصل بين الرضاع حال الصغر والرضاع حال الكبر.
وحديث سهلة بنت سهيل رضي الله عنها قالت: يا رسول الله إنا كنا نرى سالمًا ولدا فكان يأوي معي ومع أبي حذيفة في بيت واحد ويراني فضلى وقد أنزل الله فيهم ما قد علمت فكيف ترى فيه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أرضعيه". فأرضعته خمس رضعات
(1) سورة الأحقاف: 15.
(2)
بدائع الصنائع (4/ 5)، بداية الجتهد (2/ 27)، المغني (9/ 201)، مجموع الفتاوي (34/ 60)، إعلام الموقعين (4/ 347)، نيل الأوطار (7/ 120)، سبل السلام (3/ 215، 216).
(3)
سورة النساء: 23.
فكان بمنزلة ولدها فبذلك كانت عائشة تأخذ تأمر بنات أخواتها وبنات إخوتها يرضعن من أحبت عائشة أن يراها ويدخل عليها وإن كان كبيرًا خمس رضعات وأبت ذلك أم سلمة وسائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخل عليهن بتلك الرضاعة أحد من الناس حتى يرضع في المهد، وقلن لعائشة: والله ما ندري لعلها رخصة من النبي صلى الله عليه وسلم لسالم دون الناس. رواه أبو داود والنسائيُّ وغيرهما (1).
وما روي عن زينب بنت أم سلمة قالت: قالت أم سلمة لعائشة: إنه يدخل عليك الغلام الأيفع الذي ما أحب أن يدخل علي قال: فقالت عائشة: أما لك في رسول الله صلى الله عليه وسلم إسوة؟ قالت: إن امرأة أبي حذيفة قالت: يا رسول الله إن سالما يدخل علي وهو رجل وفي نفس أبي حذيفة منه شيء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرضعيه حتى يدخل عليك" رواه مسلم (2).
وقد رد الجمهور الاستدلال بحديث الجواز بأنّه رخصة في حق سالم خاصة فعن أم سلمة قالت: "أبى سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخلن عليهن أحدًا بتلك الرضاعة وقلن لعائشة: والله ما نرى هذا إلا رخصة أرخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم لسالم خاصة فما هو بداخل علينا أحد بهذه الرضاعة ولا رائينا" رواه مسلم (3).
وقد أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في السعودية بعدم ثبوت التحريم برضاع الكبير في فتواها رقم (3055) حيث كان سن المرتضع ثلاث سنين، وفي فتواها رقم (1490) لكون عمر المرتضع ثمان أو تسع سنوات (4).
(1) أحمد (6/ 270)، وأبو داود برقم (2061)، والنسائيُّ برقم (3324).
(2)
صحيح مسلم برقم (1453).
(3)
صحيح مسلم برقم (1454).
(4)
21/ 40 ، 46.