الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الراجح: يظهر أن الراجح هو القول بمنع الميراث بالقتل إذا كان القتل بغير حق، أما إذا كان القتل بحق فلا يمنع الإرث كالقصاص والحد والدفاع عن النفس.
وفي ذلك جمع بين الأدلة الشرعية المانعة لتوريث القاتل ومنها حديث عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ليس للقاتل شيء"(1).
ولأن عمر رضي الله عنه أعطى دية ابن قتادة المدلجي لأخيه دون أبيه وكان حذفه بسيف فقتله، واشتهرت هذه القصة بين الصحابة رضي الله عنهم فلم تنكر فكانت إجماعًا.
أما إقامة الحدود الواجبة واستيفاء الحقوق المشروعة فلا تمنع الميراث لأنها لا تفضي إلى إيجاد قتل محرم (2).
الثالث: اختلاف الدين:
والمراد به أن يكون المورث على دين والوارث على دين آخر، ويندرج تحته أمران:
الأوّل: إرث المسلم من الكافر والكافر من المسلم: وقد اختلف الفقهاء في ذلك:
(1) رواه مالك في موطئه (2/ 867)، والنسائيُّ في السنن الكبرى [4/ 79 (6368)] قال الحافظ في الدراية (2/ 260):"قال النسائي: الصواب رواية مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب أن عمر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس للقاتل شيء" انتهى وهو في الموطإ" أ. هـ. وقال ابن عبد الهادي في التنقيح (3/ 121): "ورواه النسائيُّ مرفوعًا: "ليس للقاتل شيء" قال النسائيُّ: "وهو الصواب" وقد جود ابن عبد البر هذا وقال إن الصواب ما قاله النسائيُّ.
(2)
حاشية ابن عابدين (6/ 810 - 820)، وقوانين الأحكام الشرعية لابن جزي (ص: 417 -
427)، وروضة الطالبين للنووي (ص: 997 - 1008)، والمغني لابن قدامة (9/ 5 و 105) وانظر فقه المواريث د. عبد الكريم اللاحم (1/ 141) المكتب التعاوني للدعوة عام 1413 هـ والتحقيقات المرضية في المباحث (ص: 14 وما بعدها)، مطابع الوطن، وتسهيل الفرائض، محمَّد صالح العثيمين (ص: 11) دار الطباعة اليوسفية بمصر.
1 -
يرى الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية وهو رواية عن الإمام أحمد أن المسلم لا يرث الكافر ولا الكافر المسلم مطلقًا، وذلك لحديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم"(1).
2 -
ويرى أحمد في رواية أن التوارث بين المسلم والكافر يحصل بالولاء، لحديث:"لا يرث المسلم النصراني إلا أن يكون عبده أو أمته"(2).
ويقاس إرث غير المسلم لعتيقه المسلم على ذلك.
3 -
يرى الشعبي والنخعي وإسحاق وهو رواية عن عمر ومعاذ رضي الله عنهم أنهم ورثوا المسلم من الكافر ولم يورثوا الكافر من المسلم وذلك لحديث: "الإِسلام يزيد ولا ينقص"(3).
(1) أخرجه البخاريُّ (4/ 243)، ومسلمٌ (3/ 1233).
(2)
أخرجه النسائيُّ في السنن الكبرى [4/ 83 (6389)]، والدارقطنيُّ في سننه (4/ 74، 75)، وقال عقبه:"موقوف وهو المحفوظ"، والحاكم في المستدرك [4/ 383 (8007)] وصححه، والبيهقيُّ في السنن الكبرى (6/ 218). قال ابن عبد الهادي في التنقيح (3/ 125):"قال الدارقطني روي موقوفًا وهو المحفوظ، ورواه النسائيُّ من رواية وهب وقد وثقه ابن حبّان" وقال الحافظ في فتح الباري (12/ 53): "وأما ما أخرج النسائيُّ والحاكم من طريق أبي الزبير عن جابر مرفوعًا: "لا يرث المسلم النصراني إلا أن يكون عبده أو أمته"، وأعله بن حزم بتدليس أبي الزبير وهو مردود فقد أخرجه عبد الرزاق عن ابن جريج عن أبي الزبير أنه سمع جابرًا فلا حجة فيه لكل من المسألتين لأنه ظاهر في الموقوف".
وقال ابن القطان في تحفة المحتاج (2/ 325): ورواه النسائيُّ وصححه الحاكم وأعله ابن حزم بعنعنة أبي الزبير عن جابر كعادته وأعله ابن القطان بمحمد بن عمرو اليافعي الذي في سنده وقال إنه مجهول الحال. قلت: هذا غريب فقد روى عن ابن جريج وغيره وعنه ابن وهب وأخرج له مسلم في صحيحه وذكره ابن حبّان في ثقاته وقال أبو حاتم وأبو زرعة شيخ وقال الحاكم صدوق الحديث صحيح نعم قال ابن عديّ له مناكير وقال ابن يونس روى عنه ابن وهب وحده بغرائب" أ. هـ.
(3)
أخرجه أحمد (5/ 230، 236)، وأبو داود (2/ 113)، والطبرانيُّ في الكبير المعجم الكبير [20/ 162 (338)]، والحاكم في المستدرك [4/ 383 (8006)] وقال: صحيح الإسناد ولم
وإرث المسلم من الكافر زيادة وإرث الكافر من المسلم نقصان فيكون داخلًا في مدلول الحديث.
الراجح: يتبين من أدلة الأقوال التي ذكرناها ترجح ما ذهب إليه الجمهور لقوة دليله وصراحته في الاستدلال، والله أعلم.
الثاني: إرث الكفار فيما بينهم: ولذلك حالتان:
1 -
أن يكونوا على دين واحد كاليهود مثلا ففي هذه الحال يرث بعضهم بعضا لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يتوارث أهل ملتين شيء"(1)، وهو يدلّ على أن أهل الملة الواحدة يرث بعضهم بعضا.
2 -
أن يكونوا على أديان مختلفة كاليهود مع النصارى أو غيرهم وقد اختلف في ذلك الفقهاء على النحو الآتي:
= يخرجاه، والبيهقيُّ في السنن الكبرى (6/ 205). قال الحافظ في فتح الباري (12/ 50):"وهو حديث أخرجه أبو داود وصححه الحاكم من طريق يحيى بن يعمر عن أبي الأسود الدؤلي عنه قال الحاكم: صحيح الإسناد، وتعقب بالانقطاع بين أبي الأسود ومعاذ، ولكن سماعه منه ممكن. وقد زعم الجوزقاني أنه باطل وهي مجازفة وقال القرطبي في المفهم هو كلام محكي ولا يروى كذا قال وقد رواه من قدمت ذكره فكأنه ما وقف على ذلك وأخرج أحمد بن منيع بسند قوي عن معاذ أنه كان يورث المسلم من الكافر بغير عكس".
(1)
أخرجه أحمد (2/ 195)، وأبو داود (2/ 113). وابن ماجة [2/ 912 (2731)]، وابن الجارود في المنتقى [1/ 243 (967)]، والنسائيُّ في السنن الكبرى [4/ 82 (6383، 6384)]، والدارقطنيُّ في سننه (4/ 75)، والطبرانيُّ في المعجم الأوسط [6/ 251 (6323)]، وقال عقبه:"لم يرو هذا الحديث عن يعقوب بن عطاء إلا سفيان تفرد به سعيد بن منصور".
قال ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (2/ 135): "رواه أبو داود والنسائيُّ وابن ماجه والدارقطنيُّ من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وإسناد أبي داود والدارقطنيُّ إسناد صحيح وإسناد الآخرين ضعيف".
أ- فيرى الجمهور من الحنفية والشافعية ورواية عن أحمد أن الكفر كله ملة واحدة، وبناء عليه يتوارث الكفار فيما بينهم دون نظر إلى اختلافهم في الديانة لقوله تعالى:{وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} (1).
وهي تدل على أنهم مله واحدة وهم أولياء بعض.
ب- ويرى المالكية في قول وهو رواية في مذهب الحنابلة أن الكفر ثلاث ملل، اليهودية والنصرانية، وغيرهما ملة لأنهم يجمعهم أنهم لا كتاب لهم فلا يرث أهل ملة غيرها.
ج- ويرى المالكية في قول والحنابلة في رواية أن الكفر ملل متعددة حسب النحلة والمذهب دون الاعتماد على وجود كتاب لهم.
واستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يتوارث أهل ملتين شتى"(2).
الراجح:
يتبين من ذلك رجحان القول بأن الكفر ملل شتى فلا توارث بين أهل الملتين المختلفتين للحديث الذي استدلوا به، ولأن كل فريق من الكفار لا موالاة بينه وبين الآخر ولا اتفاق في الدين فلم يرث بعضهم بعضًا كالمسلمين مع الكفار (3)، ولأنه لو
(1) سورة الأنفال: 73.
(2)
رواه أحمد (2/ 195)، وأبو داود برقم (2911)، والنسائيُّ في السنن الكبرى برقم (6383)، وابن ماجة برقم (2731)، والدارقطنيُّ (4/ 75). قال الحافظ في تلخيص الحبير (3/ 84): أخرجه أحمد والنسائيُّ وأبو داود وابن ماجة والدارقطنيُّ وابن السكن من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وسكت عنه. وقال ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (2/ 135): رواه أبو داود والنسائيُّ وابن ماجه والدارقطنيُّ من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وإسناد أبي داود والدراقطني إسنادٌ صحيحٌ وإسناد الآخرين ضعيف.
(3)
حاشية ابن عابدين (6/ 820)، ومواهب الجليل للحطاب (6/ 422)، وروضة الطالبين للنووي (ص: 1008)، والمغني لابن قدامة (9/ 150).