الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حقيقة الخلع وهل هو طلاق أم فسخ:
لا خلاف بين الفقهاء في أن الخلع إذا وقع بلفظ الطلاق أو نوى الزوج به الطلاق فهو طلاق، وإنما اختلفوا فيما إذا وقع بغير لفظ الطلاق ولم ينو الزوج به صريح الطلاق أو كنايته ماذا يكون؟
القول الأول: أنه يكون فسخا، وإليه ذهب الشافعي في القديم والحنابلة في الصحيح والمشهور من مذهبهم (1).
واستدلوا بما روي عن ابن عباس أنه فسخ، قال الإِمام أحمد: ليس في الباب شيء أصح من حديث ابن عباس أنه فسخ، وعن ابن عباس أنه رضي الله عنه احتج في ذلك بقوله تعالى:{الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} ثم قال: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} ، ثم قال:{فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} (2)" (3)، فذكر تطليقتين، والخلع، وتطليقة بعدها، فلو كان الخلع طلاقا لكان أربعًا. ولحديث ابن عباس رضي الله عنهما: "أن امرأة ثابت بن قيس اختلعت من زوجها فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تعتد بحيضة" (4)، رواه أبو داود والترمذيُّ، وما روي عن الربيع بنت معوذ رضي الله عنهما: "أنها اختلعت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أو أمرت أن تعتد بحيضة" (5)،
(1) المهذب (2/ 72)، الوسيط (5/ 311)، روضة الطالبين (7/ 375)، مغني المحتاج (3/ 268)، فتح الباري (9/ 402)، المغني لابن قدامة (8/ 180)، الإنصاف (22/ 29).
(2)
سورة البقرة: 229 - 230.
(3)
أخرجه البيهقيُّ (7/ 316) عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "سأل إبراهيم بن سعد ابن عباس عن امرأة طلقها زوجها تطليقتين ثم اختلعت منه أيتزوجها؟ قال ابن عباس: ذكر الله عز وجل الطلاق في أول الآية وآخرها والخلع بين ذلك، فليس الخلع بطلاق ينكحها".
(4)
رواه أبو داود [2/ 269 (2229)] وقال: "رواه عبد الرزاق عن معمر عن عمرو بن مسلم عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا"، والترمذيُّ [3/ 491 (1185)] وقال:"حسن غريب".
(5)
الترمذيُّ [3/ 491 (1185)] وقال: "الصحيح أنها أمرت أن تعتد بحيضة".
رواه الترمذيُّ ووجه ذلك أن الخلع لو كان طلاقًا لما اقتصر رسول الله على أمرها بحيضة واحدة. ولأنها فرقة خلت عن صريح الطلاق ونيته فكانت فسخًا كسائر الفسوخ.
القول الثاني: أنه يكون طلاقًا وهو مذهب الحنفية والمالكية والشافعية في الجديد، وقول للحنابلة (1).
واستدلوا بما روي عن ابن عباس وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم أن الخلع تطليقة بائنة (2)، ولأن الفرقة التي يملك الزوج إيقاعها هي الطلاق دون الفسخ فوجب أن يكون الخلع طلاقًا، ولأنه لو كان فسخًا لما جاز على غير الصداق كالإقالة؛ إذ الفسخ يوجب استرجاع البدل كما أن الإقالة لا تجوز بغير الثمن، ولأنه أتى بكناية الطلاق قاصدًا فراقها، فكان طلاقًا كغير الخلع من كنايات الطلاق.
وأصحاب هذا القول متفقون على أن الذي يقع به طلقة بائنة؛ لأن الزوج ملك البدل عليها فتصير هي بمقابلته أملك لنفسها، ولأن غرضها من التزام البدل أن تتخلص من الزوج ولا يحصل ذلك إلا بوقوع البينونة.
(1) المبسوط للسرخسي (6/ 171)، مختصر اختلاف العلماء للرازي (2/ 465)، تبيين الحقائق (2/ 268)، المدونة الكبرى (2/ 241)، بداية المجتهد (2/ 52)، تفسير القرطبي (3/ 143)، اختلاف العلماء للمروزي (ص: 159)، المغني (8/ 180)، الإنصاف (22/ 29)، كشاف القناع (5/ 216).
(2)
الرواية عن علي وابن مسعود أخرجها سعيد بن منصور (1/ 339)، والرواية عن عثمان أخرجها ابن أبي شيبة (5/ 112)، وأخرج البيهقي الرواية عن عثمان في السنن الكبري (7/ 316) ثم قال:"وقد روي فيه حديث مسند لم يثبت إسناده وروي فيه عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما، قال ابن المنذر: وضعف أحمد يعني بن حنبل حديث عثمان، وحديث علي وابن مسعود رضي الله عنهما في إسنادهما مقال، وليس في الباب أصح من حديث ابن عباس يريد حديث طاوس عن بن عباس رضي الله عنهما".