الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"البعث"، وابن حبان، وأبو نعيم، والبيهقي، وغيرهم عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رَأيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِيْ رِجَالاً تُقْرَضُ شِفَاهُهُمْ بِمَقَارِيْضَ مِنْ ناَرٍ، كُلمَا قُرِضَتْ رَجَعَتْ، فَقُلْتُ لِجِبْرِيْلَ عليه السلام: مَنْ هَؤُلاءِ؟ قَالَ: هَؤُلاءِ خُطَبَاءُ مِنْ أُمَّتِكَ، كَانُوْا يَأمُرُونَ النَّاسَ بِالبِرِّ وَينْسَوْنَ أَنْفُسَهُمْ وَهُمْ يَتْلُوْنَ الكِتَابَ، أفلا يَعْقِلُوْنَ"(1).
*
فائِدَةٌ رابِعَةٌ:
روى أبو نعيم عن أبي عبد الله البراثي (2) رحمه الله: أنه كان يقول: ما بينك وبين ملاقاة السرور، ومجالسة الأبرار في كلِّ لذة وحُبور، إلا أن تفارق نفسك من بين جنبيك، والمولى عنك راضٍ، ثم يبكي ويقول: وأنَّى بالرضا ونحن نعلم ما عندنا من الخطايا والآثام، ثم يبكي (3).
*
فائِدَةٌ خامِسَةٌ:
روى ابن جهضم عن أبي سعيد الخرّاز رحمه الله قال: سَتَرَتْ العافية البَر والفاجر، فإذا جاءت البلوى تبين عندها الرجال (4).
(1) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(36576)، والإمام أحمد في "المسند"(3/ 231)، والبزار في "المسند"(7418)، وابن حبان في "صحيحه"(53)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء"(8/ 172)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(4965).
(2)
في "م": "البراقي".
(3)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(10/ 323).
(4)
ورواه ابن الجوزي في "المنتظم"(12/ 282).
قلت: وأكثر الناس في العافية فجار طغاة بغاة.
قال الله تعالى: {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق: 6، 7].
وقال تعالى: {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} [ص: 24].
ولكن فجورهم وطغيانهم ونعتهم مستور بالعافية عن أنفسهم يحسبون أنهم أبرار، وأنَّ العافية جزاؤهم، وبعض الناس يحسبون أنفسهم إنما خولوا وعوفوا لبرهم، فإذا جاء البلاء كفروا نعمة الله تعالى، وسخطوا فضلهُ، ووقعوا فيما يقعون فيه، فانكشف أمرهم، وتبين زيفهم.
ومن أفراد معنى العافية: الغنى؛ فإن اللئيم قد يسترهُ ماله، بل جرت العادة أن ذا المال مكرم عند كثير الناس وإن لم ينالوا من ماله، فإذا افتقر انكشفت عيوبه لهم، ولقد أحسنَ القائل:
رُبَّ قَوْمٍ فِيْ خَلائِقِهِمْ
…
عرر قد صُيِّرُوا غُرُرَا
سَتَرَ الْمالُ الْقَبِيْحَ لَهُمْ
…
سَتَرَىْ إِنْ زالَ ما سَتَرَا
فاعلم أنَّ أكثر الناس فجار في العافية والبلاء، وفي الرخاء والشدة إلا من [هداه](1) الله بنور التوفيق، وهم الأبرار، وهذا في كتاب الله تعالى في قوله:{وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: 1 - 3]. أي: تواصوا
(1) غير واضح في "م".