المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(4) باب التشبه بالشهداء - حسن التنبه لما ورد في التشبه - جـ ٣

[نجم الدين الغزي]

فهرس الكتاب

- ‌ فائِدَةٌ سادِسَةٌ:

- ‌ فائِدَة سابِعَةٌ:

- ‌ فائِدَةٌ ثامِنَةٌ:

- ‌ فائِدَةٌ تاسِعَةٌ:

- ‌ فائِدَةٌ عاشِرَةٌ:

- ‌ فائِدَةٌ حادِيَةَ عَشْرَةَ:

- ‌ فائِدَةٌ ثانِيَةَ عَشْرَةَ:

- ‌ فائِدَةٌ ثَالِثَةَ عَشْرَةَ:

- ‌ فائِدَةٌ رابِعَةَ عَشْرَةَ:

- ‌ فائِدَةٌ خامِسَةَ عَشْرَةَ:

- ‌ فائِدَةٌ سادِسَةَ عَشْرَةَ:

- ‌ فائِدَةٌ سابِعَةَ عَشْرَةَ:

- ‌ تَنبِيهٌ:

- ‌ فائِدَةٌ ثامِنَةَ عَشْرَةَ:

- ‌ فائِدَةٌ تاسِعَةَ عَشْرَةَ:

- ‌ فائِدَةٌ هِيَ تَمامُ عِشرينَ فائِدَةً:

- ‌ تَنْبِيهٌ:

- ‌ فائِدَةٌ حادِيَةٌ وِعِشرونَ:

- ‌ فائِدَةٌ ثانِيَةٌ وَعِشرونَ:

- ‌ فائِدَةٌ ثالِثَةٌ وَعِشرونَ:

- ‌ فائِدَةٌ رابِعَةٌ وَعِشرونَ:

- ‌ فائِدَةٌ خامِسَةٌ وَعِشرُونَ:

- ‌ فائِدَةٌ سادِسَةٌ وَعِشرُونَ:

- ‌ فائِدَةٌ سابِعَةٌ وَعِشرُونَ:

- ‌ فائِدَةٌ ثامِنَةٌ وَعِشرُونَ:

- ‌ فائِدَةٌ تاسِعَةٌ وَعِشْرونَ:

- ‌ فائِدَةٌ تَتِمُّ بِها ثَلاثونَ فائِدَةً:

- ‌ فائِدَةٌ حادِيَةٌ وَثَلاثونَ:

- ‌ فائِدَة ثانِيَةٌ وَثَلاثونَ:

- ‌ فائِدَةٌ ثالِثَةٌ وَثلاثونَ:

- ‌ فائِدَةٌ رابِعَةٌ وَثلاثونَ:

- ‌ فائِدَةٌ خامِسَةٌ وَثلاثونَ:

- ‌ فائِدَة سادِسَة وَثَلاثونَ:

- ‌ فائِدَةٌ سابِعَةٌ وَثلاثونَ:

- ‌ فائِدَةٌ ثامِنَةٌ وَثلاثونَ:

- ‌ فائِدَةٌ تاسِعَةٌ وَثلاثونَ:

- ‌ فائِدَةٌ هِيَ تَمامُ أَرْبَعينَ فائِدَةً:

- ‌ فائِدَةٌ حادِيَةٌ وَأَرْبعونَ:

- ‌ فائِدَةٌ ثانِيَةٌ وَأَرْبَعونَ:

- ‌ فائِدَةٌ ثالِثَةٌ وَأَربعونَ:

- ‌وفي معناه وجهان:

- ‌ فائِدَةٌ رابِعَةٌ وَأَرْبَعونَ:

- ‌ فائِدَةٌ خامِسَةٌ وَأَربعونَ:

- ‌ فائِدَةٌ سادِسَةٌ وَأَرْبعونَ:

- ‌ فائِدَةٌ سابِعَةٌ وَأَرْبعونَ:

- ‌ فائِدَةٌ ثامِنَةٌ وَأَرْبعونَ:

- ‌ فائِدَةٌ تاسِعَةٌ وَأَربعونَ:

- ‌ فائِدَةٌ هِيَ تَمامُ خَمسينَ فائِدَةً:

- ‌ فائِدَةٌ حادِيَةٌ وَخَمسونَ:

- ‌ فائِدَةٌ ثانِيَةٌ وَخَمسونَ:

- ‌ فائِدَةٌ ثالِثَةٌ وَخَمْسونَ:

- ‌ فائِدَةٌ رابِعَةٌ وَخَمسونَ:

- ‌ فائِدَةٌ خامِسَةٌ وَخَمسونَ:

- ‌ فائِدَةٌ سادِسَةٌ وَخَمسونَ:

- ‌ فائِدَةٌ سابِعَةٌ وَخَمسونَ:

- ‌ فائِدَةٌ ثامِنَةٌ وَخَمسونَ:

- ‌ فائِدَةٌ تاسِعَةٌ وَخَمسونَ:

- ‌ فائِدَةٌ هِيَ تَمامُ سِتِّينَ فائِدَةً:

- ‌ فائِدَةٌ حادِيَةٌ وَسِتُّونَ:

- ‌ فائِدَةٌ ثانِيَةٌ وَسِتُّونَ:

- ‌ فائِدَةٌ ثالِثَةٌ وَسِتُّونَ:

- ‌ فائِدَةٌ رابِعَةٌ وَسِتُّونَ:

- ‌ فائِدَةٌ خامِسَةٌ وَسِتُّونَ:

- ‌ فائِدَةٌ سادِسَةٌ وَسِتُّونَ:

- ‌ فائِدَةٌ سابِعَةٌ وَسِتُّونَ:

- ‌ فائِدَةٌ ثامِنَةٌ وَسِتُّونَ:

- ‌ فائِدَةٌ تاسِعَةٌ وَسِتُّونَ:

- ‌ فائِدَةٌ هِيَ تَمامُ سَبْعِينَ فائِدَةً:

- ‌ فائِدَةٌ حادِيَةٌ وَسَبْعونَ:

- ‌ فائِدَةٌ ثانِيَةٌ وَسَبْعونَ:

- ‌ فائِدَةٌ ثالِثة وَسبعونَ:

- ‌ فائِدَةٌ رابِعَةٌ وَسَبعونَ:

- ‌ فائِدَةٌ خامِسَةٌ وَسَبْعونَ:

- ‌ فائِدَةٌ سادِسَةٌ وَسَبْعونَ:

- ‌ فائِدَةٌ سابِعَةٌ وَسَبْعونَ:

- ‌ فائِدَةٌ ثامِنَةٌ وَسَبعونَ:

- ‌ فائِدَةٌ تاسِعَةٌ وَسَبْعونَ:

- ‌ فائِدَةٌ هِيَ تَمامُ ثَمانِينَ فائِدَةً:

- ‌ فائِدَةٌ حادِيَةٌ وَثَمانونَ:

- ‌ فائِدَةٌ ثانِيَةٌ وَثَمانونَ:

- ‌ فائِدَة ثالِثَةٌ وَثَمانونَ:

- ‌ فائِدَةٌ رابِعَةٌ وَثَمانونَ:

- ‌ فائِدَةٌ خامِسَةٌ وَثَمانونَ:

- ‌ فائدَةٌ سادِسَةٌ وَثَمانونَ:

- ‌ فائِدَةٌ سابِعَةٌ وَثَمانونَ:

- ‌ فائِدَةٌ ثامِنَةٌ وَثَمانونَ:

- ‌ فائِدَةٌ تاسِعَةٌ وَثَمانونَ:

- ‌ فائِدَةٌ هِيَ تَمامُ تِسْعِينَ فائِدَةً:

- ‌ فائِدَةٌ حادِيَةٌ وتسعونَ:

- ‌ فائِدَةٌ ثانِيَةٌ وتسعونَ:

- ‌ فائِدٌ ثالِثةٌ وتسعونَ:

- ‌ فائِدَةٌ رابِعَةٌ وتسعونَ:

- ‌ فائِدَةٌ خامِسَةٌ وتسعونَ:

- ‌ فائِدَةٌ سادِسَةٌ وتسعونَ:

- ‌ فائِدَةٌ سابِعَةٌ وتسعونَ:

- ‌ فائِدَةٌ ثامِنةٌ وتسعونَ:

- ‌ فائِدَةٌ تاسِعَةٌ وتسعونَ:

- ‌ فائِدَةٌ بِها تَتِمُّ مِئةُ فائِدَةٍ:

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌ تَتِمَّةٌ:

- ‌فَصْلٌ

- ‌ فائِدَةٌ لَطِيفَةٌ:

- ‌ لَطِيفَةٌ أخرَى:

- ‌ فائِدَةٌ ثالِثةٌ:

- ‌ فائِدةٌ رابِعَةٌ:

- ‌فَصْلٌ في أحكام تتعلق بالأولياء رضي الله عنهم

- ‌ تَنبِيهٌ:

- ‌ تَنبِيهٌ:

- ‌فَصْلٌ

- ‌ تَتِمَّةٌ:

- ‌ تَتِمَّةٌ

- ‌ تنبِيْهٌ:

- ‌ فائِدَةٌ لَطِيْفَةٌ:

- ‌فَصْلٌ

- ‌ تَتِمَّةٌ:

- ‌فَصْلٌ

- ‌ تَتِمَّةٌ:

- ‌ تنبِيْهٌ أَوَّلٌ:

- ‌ تنبِيْهٌ ثانٍ:

- ‌[فائدة]

- ‌ فائِدَةٌ أُخْرَىْ:

- ‌ فائِدَةٌ ثالِثةٌ:

- ‌ فائِدَةٌ رابِعَةٌ:

- ‌ فائِدَةٌ خامِسَةٌ:

- ‌ فائِدَةٌ سادِسَةٌ:

- ‌ فائِدَةٌ سابِعَةٌ:

- ‌ فائِدَةٌ ثامِنةٌ:

- ‌ فائِدَةٌ تاسِعَةٌ:

- ‌ فائِدَةٌ عاشِرَةٌ:

- ‌ فائِدَة حاديةَ عَشْرَةَ:

- ‌ فائِدَةٌ ثانِيةَ عَشْرَةَ:

- ‌ فائِدَةٌ ثالِثَةَ عَشْرَةَ:

- ‌ فائِدَةٌ رابِعَةَ عَشْرَةَ:

- ‌ فائِدَةٌ خامِسَةَ عَشْرَةَ:

- ‌ فائِدَةٌ سادِسَةَ عَشْرَةَ:

- ‌ فائِدَةٌ سابِعَةَ عَشْرَةَ:

- ‌ فائِدَةٌ ثامِنَةَ عَشْرَةَ:

- ‌ فائِمَةٌ تاسِعَةَ عَشْرَةَ:

- ‌ فائِدَةٌ مُتَمِّمَةُ الْعِشْرِيْنَ:

- ‌ تنبِيْهٌ نَفِيْسٌ:

- ‌ تَتِمَّةٌ مُهِمَّةٌ، وَخاتِمَةٌ حَسَنَةٌ:

- ‌(4) باب التَّشَبُّه بِالشَّهَدَاءِ

- ‌عوداً على بدء:

- ‌ تَنْبِيْهٌ:

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌ تنبِيْهٌ:

- ‌ تَنْبِيْهٌ:

- ‌فَصْلُ

- ‌ تنبِيْهٌ:

- ‌فَصْلُ

- ‌فَصْلٌ

الفصل: ‌(4) باب التشبه بالشهداء

(4) باب التَّشَبُّه بِالشَّهَدَاءِ

ص: 511

(4)

بَابُ التَّشَبُّه بِالشَّهَدَاءِ

اعلم أن الشهداء إما أن تفسرهم بالذين جادوا بأنفسهم حتى قتلوا في سبيل الله تعالى.

وإمَّا أن تفسرهم بالعلماء الراسخين في العلم لأنهم شهداء الله في الأرض، وهم الواقفون في مقام الاستدلال من أهل العلم.

فإن أخذنا بالتفسير الأول -وهو المتبادر- فبهذه الشهادة يستكمل العبد مقامات الصلاح؛ لأن حقيقة الصلاح شغل النفس بالطاعة ما دامت باقية، فإذا انتهت من الطاعة إلى الجود بذاتها فقد بلغت الغاية.

وقد روى النسائي، والحاكم وصححه، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: أنَّ رجلًا جاء إلى الصلاة والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي بنا، فقال حين انتهى إلى الصف: اللهم آتني أفضل ما تؤتي عبادك الصالحين، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة قال:"مَنِ الْمُتِكِّلمُ آنِفًا؟ " قال: أنا، قال:"إِذَنْ يُعْقَرُ جَوادُكَ، وَتُسْتَشْهَدُ في سَبِيْلِ اللهِ"(1).

(1) رواه النسائي في "السنن الكبرى"(9921)، والحاكم في "المستدرك"(748).

ص: 513

فاعلم أن العبد لا يكون له اختيار في تحصيل الشهادة بنفسه أصلًا إلا بتقديم نفسه للجهاد فقط، ثم إن شاء الله تعالى قُتِلَ في سبيله، وإن شاء سَلِمَ، وحصلَ على أجر الجهاد، وهما الحسنيان.

نعم، إذا تقدم إلى الجهاد بنية طلب القتل في سبيل الله تعالى وهو مطمئن النفس على ذلك لو حصل كُتِبَ له ما نوى، فإن قُتِلَ فذاك، وإلا كانت سلامته صدقةً عليه من الله تعالى.

فلا طريق إلى التشبه بالشهداء إلا تقديم النفس إلى الجهاد، أو طلب الشهادة من الله تعالى، وتوطين النفس على القتل.

وفي "معجم الطبراني الأوسط" بإسناد صحيح: أنَّ عمر رضي الله عنه قال يوم أُحد لأخيه: خذ درعي يا أخي، قال: إني أريد من الشهادة مثل الذي تريد، فتركاها جميعًا (1).

وقد وقعت الإشارة إلى ذلك بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 111].

فانظر كيف فسر الله تعالى بيع المؤمنين أنفسهم إياه بمقاتلتهم الكفار المترتب عليها؛ إمَّا قتلُ المؤمن أحدًا من الكفار، وإما قتله هو بسبب

(1) رواه الطبراني في "المعجم الأوسط"(5300).

ص: 514

إصابة أحد من الكفار له، أو بسبب إصابة نفسه سلاحه خطأً في قتالهم، أو نحو ذلك.

أمَّا قتلُ الإنسان نفسه على سبيل التعمد فإنه ليس من هذا الباب، سواء كان في معركة الحرب، أو دونها؛ لقوله تعالى:{وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29].

وروى الشهاب عن سهل بن سعد رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التقى هو والمشركون فاقتتلوا، فلما مال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عسكره، ومال الآخرون إلى عسكرهم، وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل لا يدع لهم شاذة ولا فاذة (1) إلا اتبعها يضربها بسيفه، فقالوا: ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أَمَا إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ".

وفي رواية: أيَّنَا من أهل الجنة إن كان هذا من أهل النار؟

فقال رجل من القوم: أنا صاحبه أبدًا، قال: فخرج معه كما وقف وقف معه، وإذا أسرع أسرع معه، قال: فجرح الرجل جرحاً شديدًا، فاستعجل الموت، فوضع سيفه بالأرض وذبابه بين يديه، ثم تحامل على سيفه، فقتل نفسه، فخرج الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أشهد إنك رسول الله، قال:"وَما ذاكَ؟ " قال: الرجل الذي ذكرت آنفًا أنه من أهل

(1) الشاذة: التي انفردت من الجماعة، وكذلك الفاذة، وأصله في الغنم، ثم نقل إلى كل من فارق جماعة وانفرد عنها. انظر:"جامع الأصول" لابن الأثير (10/ 221).

ص: 515

النار؛ قتل نفسه، فأعظم الناس ذلك (1).

فدل هذا الحديث أن من قتل نفسه، تعمداً، أو تعجلاً بالموت، فهو من أهل النار؛ أي: إلا أن يعفو الله تعالى عنه، فهو من أهل الجرائم الذين إن نجوا كان ذلك فضلاً من الله تعالى عليهم، لا من أهل الدرجات والمقامات كالشهداء.

نعم، من مات بفعل نفسه في الجهاد على سبيل الخطأ فإنه شهيد، بل له أجران لما في "الصحيحين" عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر، فكان سيف عامر به قصر، فتناول به ساق يهودي ليضربه، فرجع ذباب سيفه فأصاب ركبة عامر، فمات منه، فقلت: يا رسول الله! زعموا أن عامراً حبط عمله؟ قال: "مَنْ قَالَ؟ كَذَبَ مَنْ قَالَ، إِنَّ لَهُ لأَجْرَيْنِ؛ إِنه لَمُجَاهِدٌ مُجَاهِدٌ"(2).

وإنما لم يكن قتله لنفسه محبطًا لعمله كما زعموا؛ لأنه لم يتعمد قتل نفسه كما تعمد ذلك الرجل المذكور في حديث سهل المذكور.

فإن قلت: فإن العبد إذا طلب الشهادة، وقاتل ليقتل في سبيل الله فإنه يكون مأجورًا مع أنه اختار القتل؛ فما الفرق بينه وبين ما لو قتل نفسه اختيارًا؟

قلت: إن العبد إذا طابت نفسه بأن يقتل في سبيل الله، وجاهد

(1) ورواه البخاري (2742)، ومسلم (112).

(2)

رواه البخاري (3960)، ومسلم (1802).

ص: 516

لحصول ذلك، فإن ذلك لا يكون منه تعمداً لقتل نفسه، وإنما أمره الله تعالى أن يجاهد في سبيله مع أنه بين له أن الجهاد فيه الابتلاء الكل؛ لأن الغاية فيه إما إلى قتل العدو، وإما إلى قتل المقاتل، فوعد سبحانه من يجاهد مطمئن القلب على حصول أحد الأمرين بالثواب الجزيل، وهو أجر الجهاد والاستشهاد، وهو الحسنيان، وإنما بين الله تعالى ما يؤول إليه أمر الجهاد ليوطن المجاهد نفسه على ذلك، فيكون البيع الواقع على النفس منجَّزاً عن طيب نفس من غير غبن ولا خديعة، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إِنَّمَا البَيعُ عَنْ تَرَاضٍ". رواه ابن ماجه عن أبي سعيد رضي الله عنه (1).

وقال صلى الله عليه وسلم لرجل ذكر أنه يخدع في البيع: "مَنْ بَايَعْتَ فَقُلْ لَهُ: لا خِلابَةَ"، والحديث في "الصحيحين" وغيرهما (2).

وخِلابة - بكسر المعجمة، وبالموحدة -: الغبن والخديعة.

قال الرافعي، والنووي رحمهما الله تعالى: واشتهر في الشرع أنها عبارة عن اشتراط الخيار ثلاثة أيام، انتهى (3).

فإذا كان هذا مأخوذًا به في المبايعة بين العباد، فالأخذ به في المبايعة بين الله تعالى وبين العباد أحق وأحرى؛ فإن الغَبن والخديعة ظلم، وما ربك بظلام للعبيد.

(1) رواه ابن ماجه (2185)، وكذا ابن حبان في "صحيحه"(4967).

(2)

رواه البخاري (2011)، ومسلم (1533) عن ابن عمر رضي الله عنهما.

(3)

انظر: "الشرح الكبير" للرافعي (8/ 310)، و"المجموع" للنووي (9/ 183).

ص: 517

ولئن كان في الشرع لمن بايع العباد أن يشترط الخيار ثلاثة أيام فقط، على الأصح من مذاهب العلماء، فإن الله تعالى جعل العبد مختارًا في المبايعة إلى أن يموت، بدليل أنه وإن امتنع عن الجهاد حيث تعين عليه مدة عمره حتى لم يبقَ من عمره إلا ساعة قبل الموت أو ظهور الآيات فتاب، وعزم على المجاهدة، وألزم عقد المبايعة بينه وبين الله تعالى، كان الله تعالى موجبا لعقد مبايعته، ملزما لربط معاقدته.

وقد قلت في المبايعة المشار إليها: [من الخفيف]

إِن رَبِّيْ مُبايعٌ أَحْبابَه

خَيْرَ بَيْعٍ وَلَيْسَ فِيْهِ خِلابَةْ

فَاشْتَرَىْ مِنْهُمُ النُّفُوْسَ وَلَوْلا الـ

ـفضْلُ مِنْهُ لَما اسْتَباحُوْا خِطابَهْ

بِجِنانٍ فِيْهِنَّ ما تَشْتَهِيْ النَّـ

ـفْسُ وَما إِنْ فِيْهِنَّ شَيْءٌ يَشابَهْ

يا لَها بَيْعَةٌ بِأَطْيَبِ رِبْحٍ

لَيْسَ فِيْها وَاللهِ إِلَاّ الإِصابَةْ

مَنْ يَنَلْهَا يَنَلْ أَعَزَّ مَقامٍ

يَرْفَعِ اللهُ قَدْرَهُ وَجَنابَه

ص: 518