الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيجاء بأيوب عليه السلام، فيقول: أنت كنت أشد ضراً أم هذا؟
فيقول: بل هذا.
فيقول: لم يمنعه ذلك أن عبدني (1).
*
فائِدَة سادِسَة وَثَلاثونَ:
إنما ابتلى الله تعالى الأنبياء عليهم السلام بأنواع البلاء ليكونوا سلفاً للصالحين، وتسلية لهم إذا نزل بهم البلاء كابتلاء آدم عليه السلام بأكل الشجرة، ثم بفقد الولد هابيل عليه السلام.
وابتلاء نوح عليه السلام بأذية قومه، وطول مدته فيهم، ثم بعمل السفينة، ثم بانعزال ولده عنه، ثم تبرئته منه بقوله تعالى:{إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} [هود: 46].
وابتلاء هود عليه السلام بقوة قومه، وجرأتهم عليه، واشتطاطهم.
وصالح عليه السلام بالناقة وعقر قومه لها.
وإبراهيم عليه السلام بأبيه وقومه، وإلقائه في النار، وذبح ولده.
وإسحاق وإسماعيل عليهما السلام بالذبح (2).
ويعقوب عليه السلام بفقد ولديه.
(1) تقدم تخريجه.
(2)
المشهور من الروايات أن الذبيح واحد فقط من أبناء إبراهيم عليه السلام، وهو إسماعيل عليه السلام.
ويوسف عليه السلام بعداوة إخوته وقسوتهم، وإلقائه في الجب، وبالرِّق، والتهمة، والسجن.
وأخيه بنيامين عليه السلام (1) بالتهمة وفراق الأب.
وموسى عليه السلام بفرعون وأذى بني إسرائيل.
ولوط عليه السلام بفجور قومه، وقصدهم ضيوفه بالسوء.
وأيوب عليه السلام بالبلاء بالمرض، وفقد الأهل والأولاد.
وداود عليه السلام بالخطيئة، وبالخصمين.
وسليمان عليه السلام بالجسد.
وزكريا، ويحيى، وحزقيل (2)، وغيرهم بالقتل عليهم الصلاة والسلام.
وعيسى عليه السلام ببني إسرائيل، وطعنهم عليه، وقصدهم قتله.
ومحمد صلى الله عليه وسلم بما هو مشهور في سيرته من أنواع البلاء.
فإذا نزل بالعبد الصالح نوع من البلاء نظر في أسوته ممن ابتلي ببلائه منهم، وعلم أن بلاء ذلك النبي أشد من بلائه، فكان هذا كافياً في تسليته وصبره، وتأدبه بآداب ذلك النبي في ذلك البلاء.
وفي "مصنف ابن أبي شيبة" -بإسناد صحيح- عن الأحنف بن قيس
(1) على القول بأنه نبي، إلا أن الراجح أنه ليس نبياً، والله أعلم.
(2)
على القول أنه نبي، والله أعلم.
رحمه الله تعالى: أن داود عليه السلام قال: يا رب! إن بني إسرائيل يسألونك بإبراهيم وإسحاق ويعقوب؛ فاجعلني يا رب لهم رابعاً.
قال: فأوحى الله تعالى إليه: يا داود! إن إبراهيم ألقي في النار في شيء فصبر، وتلك بلية لم تَنَلْكَ، وإن إسحاق بذل مُهجة دمه في شيء فصبر، وتلك بلية لم تَنَلْكَ، وإن يعقوب أخذت حبيبيه حتى ابيضت عيناه فصبر، وتلك بلية لم تَنَلْكَ (1).
وعن عبد الله بن عبيد، عن أبيه قال: قال موسى عليه السلام: أي رب! ذكرت إبراهيم وإسحاق ويعقوب؛ بم أعطيتهم ذاك؟
قال: إن إبراهيم لم يعدل بي شيئاً إلا اختارني، وإن إسحاق جاد لي بنفسه، وهو بما سواها أجود، وإن يعقوب لم أَبْتَلِهِ ببلاء إلا ازداد بي حسنَ ظن (2).
وروى حميد بن زنجويه عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: أنه دخل المسجد حين قتل ابن الزبير رضي الله تعالى عنهما وهو مصلوب، أو مطروح، فقيل له: إن أسماء في ناحية المسجد، فمال إليها فقال: إن هذه الجثة ليست بشيء، وإنما الأرواح عند الله تعالى، فاتقي الله وعليك بالصبر.
(1) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(34262). قال ابن كثير في "التفسير"(2/ 489): هذا مرسل، وفيه نكارة، فإن الصحيح أن إسماعيل هو الذبيح.
(2)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(7/ 72).