الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
فائِدَةٌ عاشِرَةٌ:
ينبغي لك إذا لم تكن صالحاً ألا تقع في الصالحين؛ فإن ذلك هو السم القاتل.
وقد سبق أن غِيبتهم أشد من غيبة غيرهم، وليست أذيتهم كأذية غيرهم، ولا عداوتهم كعداوة غيرهم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:"يَقُولُ اللهُ تَعالَى: مَنْ عادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ"(1).
وفي رواية: "مَنْ آذَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ"(2).
والصالحون هم الأولياء كما سيأتي.
وروى البيهقي عن مالك بن دينار رحمه الله تعالى قال: كفى بالمرء شراً أن لا يكون صالحاً، ويقعَ في الصالحين (3).
قلت: فإنه جمع شرين: فسادَه، والوقيعةَ في أهل الصلاح.
ومن لطائف أبي سليمان الداراني رحمه الله تعالى: ما رواه أبو نعيم عن أبي أحمد بن الحواري قال: قلت لأبي سليمان: إن فلاناً وفلاناً لا يقعان على قلبي.
قال: ولا على قلبي، ولكن لعلنا أُتِينا من قلبي وقلبك، فليس فينا
(1) رواه البخاري (6137) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(1/ 4).
(3)
رواه البيهقي في"شعب الإيمان"(6780).
خير، وليس نحب الصالحين (1).
فانظر كيف رد أبو سليمان السبب في ذلك إلى نفسه وإلى صاحبه تهذيباً وتأديباً، واتهاماً للنفس، ولم يحكم على ذَينِكَ بأن السبب من قِبَلِهما؛ أين هذا ممن يقع في الصالحين، وكيف ممن يؤذيهم؟ وقد سبق التحذير من أذيتهم.
وذكر ابن خلكان في "تاريخه": أن مرض الحَجَّاج الذي مات فيه كان بالآكلة؛ وقعت في بطنه، ودعا بالطبيب لينظر إليها، فأخذ لحماً وعلقه في خيط، وسرَّحه في حلقه، وتركه ساعة، ثم أخرجه وقد لصق به دُودٌ كثير.
قال: وسلط الله عليه الزمهرير، فكانت الكوانين تجعل حوله مملوءةً ناراً، وتدنى منه حتى تحرِق جلدَه وهو لا يحس بها.
قال: وشكا ما يجده إلى الحسن البصري رحمه الله تعالى، فقال له: قد نهيتك أن تتعرض للصالحين فلججت.
فقال له: يا حسن! لا أسألك أن تسأل الله أن يفرج عني، ولكني أسألك أن تسأله أن يعجل قبض روحي، ولا يطيل عذابي.
فبكى الحسن بكاءً شديداً، وأقام الحَجَّاج على هذه الحالة [بهذه العلة] خمسة عشر يوماً، ومات (2).
(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(9/ 262).
(2)
انظر: "وفيات الأعيان" لابن خلكان (2/ 53).