الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِذا كَفَّ عَبْدُ اللهِ عَمَّا يَضُرُّهُ
…
وَأَكْثَرَ ذِكْرَ اللهِ فَالعَبْدُ صالِحُ
*
فائِدَةٌ رابِعَةٌ وَأَرْبَعونَ:
روى عبد الله ابن الإمام أحمد في "زوائد الزهد" عن أبي العلاء بن الشِّخِّير رحمه الله تعالى قال: ما أعطي رجل ما أعطي عبد في الإسلام أفضل من عقل صالح يرزقه (1).
وكلامه يدل على أن العقل منه صالح ومنه غير صالح، وهو كذلك.
والعقل الصالح ما يعقل صاحبه على خير وعن الشر، وهو العقل الذي يعترف الفاجر يوم القيامة بأنه لم يكن له منه نصيب كما أخبر الله سبحانه وتعالى بقوله:{وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك: 10 - 11].
وأما العقل الذي ليس بصالح فهو العقل الذي يصرفه صاحبه في تحصيل دنياه وموافقة هواه، فهو يوم القيامة حجة على صاحبه، ومنه عقول أهل الدهاء والمكر، بل عقول كثر الخلق غير مصروفة إلى ما ينفعهم في الآخرة لتوجهها إلى إصلاح الدنيا ومتابعة الهوى كما قال الله تعالى:{وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6) يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم: 6 - 7].
(1) ورواه ابن أبي شيبة في " المصنف "(25942).
قال ابن عباس: يعرفون عمران الدنيا وهم في أمر الدين جهال. رواه ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم (1).
ورووا عن قتادة في قوله: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الروم: 7]؛ قال يعلمون تجارتها، وحِرَفها، وبيعها (2).
وفي رواية عن ابن عباس: {ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الروم: 7]؛ يعني: معايشهم؛ متى يغرسون، ومتى يزرعون، ومتى يحصدون (3).
وقال الحسن رحمه الله تعالى في الآية: ليبلغ من حذق أحدهم بأمر دنياه أنه يقلب الدرهم على ظفره فيخبرك بوزنه، وما يحسن يصلي. رواه ابن المنذر، وابن أبي حاتم (4).
قلت: قد بلغ من حذقهم ما دققوه من الفكر في عمل الآنية والأمتعة، والنقوش والزخارف والتصاوير، واصطناع الشخوص المتحركة، والإصطرلابات، والساعات المرتبة على لوالب وحركات تنتقل حتى تنتهي حركتها إلى رأس كل ساعة فتضرب، وبيوت الإبر التي لا تتوجه في المرآة إلا إلى جهة الجنوب (5)، وأعمال الناريجيات والسيمياء، والتغطية على أبصار الناس، وأنواع السحر والكهانة.
(1) رواه الطبري في " التفسير"(21/ 23).
(2)
رواه الطبري في "التفسير"(21/ 23).
(3)
رواه الطبري في "التفسير"(21/ 22).
(4)
انظر: "الدر المنثور" للسيوطي (6/ 484).
(5)
يقصد البوصلة.