المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فَصْلٌ وإذا أخذنا الشهداء بالتفسير الثاني بأن نقول: هم العلماء الراسخون - حسن التنبه لما ورد في التشبه - جـ ٣

[نجم الدين الغزي]

فهرس الكتاب

- ‌ فائِدَةٌ سادِسَةٌ:

- ‌ فائِدَة سابِعَةٌ:

- ‌ فائِدَةٌ ثامِنَةٌ:

- ‌ فائِدَةٌ تاسِعَةٌ:

- ‌ فائِدَةٌ عاشِرَةٌ:

- ‌ فائِدَةٌ حادِيَةَ عَشْرَةَ:

- ‌ فائِدَةٌ ثانِيَةَ عَشْرَةَ:

- ‌ فائِدَةٌ ثَالِثَةَ عَشْرَةَ:

- ‌ فائِدَةٌ رابِعَةَ عَشْرَةَ:

- ‌ فائِدَةٌ خامِسَةَ عَشْرَةَ:

- ‌ فائِدَةٌ سادِسَةَ عَشْرَةَ:

- ‌ فائِدَةٌ سابِعَةَ عَشْرَةَ:

- ‌ تَنبِيهٌ:

- ‌ فائِدَةٌ ثامِنَةَ عَشْرَةَ:

- ‌ فائِدَةٌ تاسِعَةَ عَشْرَةَ:

- ‌ فائِدَةٌ هِيَ تَمامُ عِشرينَ فائِدَةً:

- ‌ تَنْبِيهٌ:

- ‌ فائِدَةٌ حادِيَةٌ وِعِشرونَ:

- ‌ فائِدَةٌ ثانِيَةٌ وَعِشرونَ:

- ‌ فائِدَةٌ ثالِثَةٌ وَعِشرونَ:

- ‌ فائِدَةٌ رابِعَةٌ وَعِشرونَ:

- ‌ فائِدَةٌ خامِسَةٌ وَعِشرُونَ:

- ‌ فائِدَةٌ سادِسَةٌ وَعِشرُونَ:

- ‌ فائِدَةٌ سابِعَةٌ وَعِشرُونَ:

- ‌ فائِدَةٌ ثامِنَةٌ وَعِشرُونَ:

- ‌ فائِدَةٌ تاسِعَةٌ وَعِشْرونَ:

- ‌ فائِدَةٌ تَتِمُّ بِها ثَلاثونَ فائِدَةً:

- ‌ فائِدَةٌ حادِيَةٌ وَثَلاثونَ:

- ‌ فائِدَة ثانِيَةٌ وَثَلاثونَ:

- ‌ فائِدَةٌ ثالِثَةٌ وَثلاثونَ:

- ‌ فائِدَةٌ رابِعَةٌ وَثلاثونَ:

- ‌ فائِدَةٌ خامِسَةٌ وَثلاثونَ:

- ‌ فائِدَة سادِسَة وَثَلاثونَ:

- ‌ فائِدَةٌ سابِعَةٌ وَثلاثونَ:

- ‌ فائِدَةٌ ثامِنَةٌ وَثلاثونَ:

- ‌ فائِدَةٌ تاسِعَةٌ وَثلاثونَ:

- ‌ فائِدَةٌ هِيَ تَمامُ أَرْبَعينَ فائِدَةً:

- ‌ فائِدَةٌ حادِيَةٌ وَأَرْبعونَ:

- ‌ فائِدَةٌ ثانِيَةٌ وَأَرْبَعونَ:

- ‌ فائِدَةٌ ثالِثَةٌ وَأَربعونَ:

- ‌وفي معناه وجهان:

- ‌ فائِدَةٌ رابِعَةٌ وَأَرْبَعونَ:

- ‌ فائِدَةٌ خامِسَةٌ وَأَربعونَ:

- ‌ فائِدَةٌ سادِسَةٌ وَأَرْبعونَ:

- ‌ فائِدَةٌ سابِعَةٌ وَأَرْبعونَ:

- ‌ فائِدَةٌ ثامِنَةٌ وَأَرْبعونَ:

- ‌ فائِدَةٌ تاسِعَةٌ وَأَربعونَ:

- ‌ فائِدَةٌ هِيَ تَمامُ خَمسينَ فائِدَةً:

- ‌ فائِدَةٌ حادِيَةٌ وَخَمسونَ:

- ‌ فائِدَةٌ ثانِيَةٌ وَخَمسونَ:

- ‌ فائِدَةٌ ثالِثَةٌ وَخَمْسونَ:

- ‌ فائِدَةٌ رابِعَةٌ وَخَمسونَ:

- ‌ فائِدَةٌ خامِسَةٌ وَخَمسونَ:

- ‌ فائِدَةٌ سادِسَةٌ وَخَمسونَ:

- ‌ فائِدَةٌ سابِعَةٌ وَخَمسونَ:

- ‌ فائِدَةٌ ثامِنَةٌ وَخَمسونَ:

- ‌ فائِدَةٌ تاسِعَةٌ وَخَمسونَ:

- ‌ فائِدَةٌ هِيَ تَمامُ سِتِّينَ فائِدَةً:

- ‌ فائِدَةٌ حادِيَةٌ وَسِتُّونَ:

- ‌ فائِدَةٌ ثانِيَةٌ وَسِتُّونَ:

- ‌ فائِدَةٌ ثالِثَةٌ وَسِتُّونَ:

- ‌ فائِدَةٌ رابِعَةٌ وَسِتُّونَ:

- ‌ فائِدَةٌ خامِسَةٌ وَسِتُّونَ:

- ‌ فائِدَةٌ سادِسَةٌ وَسِتُّونَ:

- ‌ فائِدَةٌ سابِعَةٌ وَسِتُّونَ:

- ‌ فائِدَةٌ ثامِنَةٌ وَسِتُّونَ:

- ‌ فائِدَةٌ تاسِعَةٌ وَسِتُّونَ:

- ‌ فائِدَةٌ هِيَ تَمامُ سَبْعِينَ فائِدَةً:

- ‌ فائِدَةٌ حادِيَةٌ وَسَبْعونَ:

- ‌ فائِدَةٌ ثانِيَةٌ وَسَبْعونَ:

- ‌ فائِدَةٌ ثالِثة وَسبعونَ:

- ‌ فائِدَةٌ رابِعَةٌ وَسَبعونَ:

- ‌ فائِدَةٌ خامِسَةٌ وَسَبْعونَ:

- ‌ فائِدَةٌ سادِسَةٌ وَسَبْعونَ:

- ‌ فائِدَةٌ سابِعَةٌ وَسَبْعونَ:

- ‌ فائِدَةٌ ثامِنَةٌ وَسَبعونَ:

- ‌ فائِدَةٌ تاسِعَةٌ وَسَبْعونَ:

- ‌ فائِدَةٌ هِيَ تَمامُ ثَمانِينَ فائِدَةً:

- ‌ فائِدَةٌ حادِيَةٌ وَثَمانونَ:

- ‌ فائِدَةٌ ثانِيَةٌ وَثَمانونَ:

- ‌ فائِدَة ثالِثَةٌ وَثَمانونَ:

- ‌ فائِدَةٌ رابِعَةٌ وَثَمانونَ:

- ‌ فائِدَةٌ خامِسَةٌ وَثَمانونَ:

- ‌ فائدَةٌ سادِسَةٌ وَثَمانونَ:

- ‌ فائِدَةٌ سابِعَةٌ وَثَمانونَ:

- ‌ فائِدَةٌ ثامِنَةٌ وَثَمانونَ:

- ‌ فائِدَةٌ تاسِعَةٌ وَثَمانونَ:

- ‌ فائِدَةٌ هِيَ تَمامُ تِسْعِينَ فائِدَةً:

- ‌ فائِدَةٌ حادِيَةٌ وتسعونَ:

- ‌ فائِدَةٌ ثانِيَةٌ وتسعونَ:

- ‌ فائِدٌ ثالِثةٌ وتسعونَ:

- ‌ فائِدَةٌ رابِعَةٌ وتسعونَ:

- ‌ فائِدَةٌ خامِسَةٌ وتسعونَ:

- ‌ فائِدَةٌ سادِسَةٌ وتسعونَ:

- ‌ فائِدَةٌ سابِعَةٌ وتسعونَ:

- ‌ فائِدَةٌ ثامِنةٌ وتسعونَ:

- ‌ فائِدَةٌ تاسِعَةٌ وتسعونَ:

- ‌ فائِدَةٌ بِها تَتِمُّ مِئةُ فائِدَةٍ:

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌ تَتِمَّةٌ:

- ‌فَصْلٌ

- ‌ فائِدَةٌ لَطِيفَةٌ:

- ‌ لَطِيفَةٌ أخرَى:

- ‌ فائِدَةٌ ثالِثةٌ:

- ‌ فائِدةٌ رابِعَةٌ:

- ‌فَصْلٌ في أحكام تتعلق بالأولياء رضي الله عنهم

- ‌ تَنبِيهٌ:

- ‌ تَنبِيهٌ:

- ‌فَصْلٌ

- ‌ تَتِمَّةٌ:

- ‌ تَتِمَّةٌ

- ‌ تنبِيْهٌ:

- ‌ فائِدَةٌ لَطِيْفَةٌ:

- ‌فَصْلٌ

- ‌ تَتِمَّةٌ:

- ‌فَصْلٌ

- ‌ تَتِمَّةٌ:

- ‌ تنبِيْهٌ أَوَّلٌ:

- ‌ تنبِيْهٌ ثانٍ:

- ‌[فائدة]

- ‌ فائِدَةٌ أُخْرَىْ:

- ‌ فائِدَةٌ ثالِثةٌ:

- ‌ فائِدَةٌ رابِعَةٌ:

- ‌ فائِدَةٌ خامِسَةٌ:

- ‌ فائِدَةٌ سادِسَةٌ:

- ‌ فائِدَةٌ سابِعَةٌ:

- ‌ فائِدَةٌ ثامِنةٌ:

- ‌ فائِدَةٌ تاسِعَةٌ:

- ‌ فائِدَةٌ عاشِرَةٌ:

- ‌ فائِدَة حاديةَ عَشْرَةَ:

- ‌ فائِدَةٌ ثانِيةَ عَشْرَةَ:

- ‌ فائِدَةٌ ثالِثَةَ عَشْرَةَ:

- ‌ فائِدَةٌ رابِعَةَ عَشْرَةَ:

- ‌ فائِدَةٌ خامِسَةَ عَشْرَةَ:

- ‌ فائِدَةٌ سادِسَةَ عَشْرَةَ:

- ‌ فائِدَةٌ سابِعَةَ عَشْرَةَ:

- ‌ فائِدَةٌ ثامِنَةَ عَشْرَةَ:

- ‌ فائِمَةٌ تاسِعَةَ عَشْرَةَ:

- ‌ فائِدَةٌ مُتَمِّمَةُ الْعِشْرِيْنَ:

- ‌ تنبِيْهٌ نَفِيْسٌ:

- ‌ تَتِمَّةٌ مُهِمَّةٌ، وَخاتِمَةٌ حَسَنَةٌ:

- ‌(4) باب التَّشَبُّه بِالشَّهَدَاءِ

- ‌عوداً على بدء:

- ‌ تَنْبِيْهٌ:

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌ تنبِيْهٌ:

- ‌ تَنْبِيْهٌ:

- ‌فَصْلُ

- ‌ تنبِيْهٌ:

- ‌فَصْلُ

- ‌فَصْلٌ

الفصل: ‌ ‌فَصْلٌ وإذا أخذنا الشهداء بالتفسير الثاني بأن نقول: هم العلماء الراسخون

‌فَصْلٌ

وإذا أخذنا الشهداء بالتفسير الثاني بأن نقول: هم العلماء الراسخون في العلم من حيث إنهم شهداءُ اللهِ في أرضه لقوله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ (18)} [آل عمران: 18] فالتشبه بهم على قسمين:

- تشبه بهم في البدايات.

- وتشبه بهم في النهايات.

فأما التشبه بالعلماء في البدايات فهو أن يأخذ العبد في الاستعداد لطلب العلم بتقديم النية الصالحة في طلبِ العلمِ بأن يطلبهُ للتفقه في الدين، والتمسك بالشرع، والتوصل إلى إيقاع العبادات على وجهها، وإجراء العقود التي يحتاجُ إليها في معاشهِ، وتحصين فرجه على طريق الشرع الشريف؛ كالبيع والشراء، والسَّلم، والإجارة، والمُساقَاة، والقراض، والنكاح، وآداب المعاشرة، والطلاق، والرجعة، والنفقات، وغير ذلك؛ لأن هذه الأمور إذا وقعت على وجهها وجرت على نهجها كانت سببًا لسعادة الدُّنيا والآخرة.

قال سفيان الثوري رحمه الله: لا أعلم شيئًا من الأعمال أفضلُ من

ص: 565

طلبِ العلم، أو الحديث لمن حَسُنَت فيهِ نيتُهُ (1).

وقال الشافعي رحمه الله تعالى: أخشى على من طلب العلم بغير نيَّة أن لا ينتفعَ بهِ (2). رواهما البيهقي في "المدخل".

ومهما لم تتيسر لهُ نية صالحة فلا يترك الاشتغال بالعلم، بل يأخذ في الاشتغال، ويتحرى تحصيل النية، فقد كان من السلف من يقول: طلبنا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله (3).

وقال مجاهد رحمه الله: طلبنا هذا العلم وما لنا فيه كبير نيَّة، ثمَّ رزقَ اللهُ تعالى النيةَ بعدُ.

وفي رواية: وما لنا فيه نيَّةٌ (4).

وقال حبيب بن أبي ثابت رحمه الله تعالى: لقد التمستُ - أو: التمسنا - هذا العلم وما نريدُ بهِ، ثمَّ رزق الله نيةً بعدُ.

وفي رواية: لقد طلبتُ العلمَ وما لي فيه نية، ثمَّ رزق الله نورَ النيَّة بعدُ (5).

(1) رواه البيهقي في "المدخل إلى السنن الكبرى"(ص: 309).

(2)

رواه البيهقي في "المدخل إلى السنن الكبرى"(ص: 325).

(3)

انظر: "أدب الدنيا والدين" للماوردي (ص: 93)، ونسبه لسفيان الثوري رحمه الله تعالى.

(4)

رواه البيهقي في "المدخل إلى السنن الكبرى"(ص: 327).

(5)

رواه البيهقي في "المدخل إلى السنن الكبرى"(ص: 327).

ص: 566

وقال محمد بن إسحاق رحمه الله: جاء قوم إلى سماك بن حِرب رحمه الله يطلبون الحديث، فقال جلساؤُهُ: ما ينبغي لك أن تحدثَ هؤلاء، ما لهؤلاء رغبة ولا نية، فقال سماك: قولوا خيرًا، قد طلبنا هذا الأمر ولا نريدُ الله به، فلما بلغتُ حاجتي دَلَّني على ما ينفعني، وحجزني عما يَضُرُّني (1).

روى هذه الآثار البيهقي في "المدخل".

وقال عبد الله بن المبارك رحمه الله: طلبنا العلمَ للدنيا، فدلنا على تركِ الدنيا. رواه الخلال، ومن طريقهِ أبو الفرج بن الجوزي في "صفة الصَّفوة"(2).

وروى الطبراني في "الكبير" - ورجاله مُوَثَّقُون - عن فَضَالة بن عُبيد رضي الله عنه: أنه كان إذا أتاه أصحابه قال: تدارسوا، وأبشروا، وزيدوا زادكم الله خيرًا، وأحبكّم وأحبَّ من يحبُّكم، ردُّوا عليَّ المسائل؛ فإن أجر آخرها كأجر أولها، واخلطوا حديثكم بالاستغفار (3).

وما أحسن قول الحافظ أبي الحجاج الزي رحمه الله تعالى: [من المتدارك]

(1) رواه البيهقي في "المدخل إلى السنن الكبرى"(ص: 326).

(2)

انظر: "صفة الصفوة" لابن الجوزي (4/ 145).

(3)

رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(18/ 229). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(1/ 161): ورجاله موثقون.

ص: 567

مَنْ حازَ العِلمَ وذاكَرَهُ

صَلَحَتْ دُنْيَاهُ وآخِرَتُهْ

فَأَدِمْ للعِلم مُذَاكَرةً

فَحَياةُ الْعِلْمِ مُذَاْكَرَتُهْ (1)

وعلى قوله: "صلحت دنياه وآخرَته" فمن صلاح دنياه: رفعته في الخلق بحيث يُوَقَّرُ ويحترمُ ولا يستذلُّ.

وقد روى مسلم، وابن ماجه عن أبي الطُّفيل: أنَّ نافع بن عبد الحارث لقي عمر بن الخطاب رضي الله عنه بِعُسْفَانَ - وكان عمر استعملهُ على مكة -، فقال عمر: من استخلفت على أهل الوادي؟ فقال: استخلفت عليهم ابن أبزى، قال: ومن ابن أبزى؟ قال: رجلٌ من موالينا، قال عمر: فاستخلفت عليهم مولى؟ قال: إنهُ قارِئٌ لكتاب الله تعالى، عالم بالفرائض، قاضٍ، قال عمر: أما إنَّ نبيَّكم صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ اللهَ يَرْفَعُ بِهَذا الكِتَابِ أَقْوَامًا، وَيَضَعُ بِهِ آخَرِيْنَ"(2).

وروى الدينوري عن أبي العالية رحمه الله تعالى قال: كنتُ آتي ابنَ عباسٍ رضي الله عنهما وقريش حولهُ، فيأخذ بيدي، فيجلسني معه على السرير، فتغامزَتْ لي قُريش، ففطِنَ لها ابن عباس، فقال: هكذا هذا العلم؛ يزيدُ الشريف شرفًا، ويجلس المملوك على الأسِرَّة.

(1) البيتان في "فتح المغيث" للسخاوي (2/ 382) دون نسبة.

(2)

رواه مسلم (817)، وابن ماجه (218).

ص: 568

قال: ثمَّ أنشَدَ محمد بن الحارث - يعني: المروزي - أحد رواته في أثره: [من الطويل]

رَأَيْتُ رَفِيْعَ النَّاسِ مَنْ كانَ عالِمًا

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيْ قَوْمِهِ بِحَسِيْبِ

إِذا حَلَّ أَرْضًا عاشَ فِيْها بِعِلْمِهِ

وَما عالِمٌ فِيْ بَلْدَةٍ بِغَرِيْبِ (1)

وروى الإمام أحمد في "الزُّهد" عن السري بن يحيى رحمه الله: أنَّ لقَمان عليه السلام قال لابنهِ: يا بنيَّ! إنَّ الحكمة أجلست المساكين مجالس الملوك (2).

وأمَّا صلاح آخرتهِ فبإصلاح الطاعة، وإيقاعها على وفقِ العلم.

وقد روى ابن النجار في "تاريخه" عن محمد بن علي رحمهما الله مُرسلاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رَكْعَتَانِ مِنْ عَالِمٍ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِيْنَ رَكْعَةً مِنْ غَيْرِ عَالِمٍ".

وروى الديلمي في "مسند الفردوس" عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رَكْعَتَانِ مِنْ رَجُلٍ وَرِعٍ أَفضَلُ مِنْ أَلْفِ رَكْعَةٍ مِنْ مُخَلَّطٍ"(3).

(1) انظر: "المجالسة وجواهر العلم" للدينوري (ص: 55).

(2)

رواه الإمام أحمد في "الزهد"(ص: 105).

(3)

رواه الديلمي في "مسند الفردوس"(3234).

ص: 569

ولا شك أن العالم أعرفُ بطريقِ الورَع، بل لا يكونُ الورعُ بغير العلم، وإنما البَليَّةُ والمُصيبة أنْ يكونَ عالم ولا ورع عندهُ.

واعلمْ أنَّ العبادةَ من العالم هي العبادة المعتدُّ بها، ولذلك ذمَّ الله تعالى في كتابهِ من يعبد الله على حرف؛ أي: على جهل.

وقيل في تفسير قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)} [الذاريات: 56]: ليعرفون؛ أي: فيعبدون على معرفة وعلم (1).

وقال الجنيد رحمه الله تعالى: العبادة على العارفين أحسن من التيجان على رأس الملوك. رواه ابن جهضم (2).

ثم من تمامِ حُسنِ النيةِ أن لا يقصد العلم ليماري به السفهاء، ويباهي به العلماء، ويتوصل به إلى الأخذ بالرُّخص والحيل، ويتأكل به الدنيا وأموال الناس، ويتجَوَّه به على الناس، ويتقوى به على الضعفاء، ويزدري به الناس؛ فإنَّ ذلك كلهُ وَبَالٌ على صاحِبِهِ.

وإذا لم يفسح في أجلِ العبد حتى يتعلم ما ذكرناه من الأحكام ويوقعها على أسلوبها كفاهُ أن يموتَ على نيتها وإرادتها؛ لأنَّ الناس يحشرون على نياتهم.

وقد تقدم في الحديث: أنَّ طالب العلم إذا أتاهُ الموتُ وهو على حالة الطلب مات وهو شهيد.

(1) انظر: "تفسير ابن كثير"(4/ 239).

(2)

ورواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(10/ 257).

ص: 570

وروى مسلم، وابن ماجه عن جابر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ عَلى مَا مَاتَ عَليِهِ"(1).

ولفظُ الإمام أحمد، والحاكم وصححه:"مَنْ مَاتَ عَلَى شَيْءِ بَعَثَهُ اللهُ عَليِهِ"(2).

وروى الدارمي، والطبراني بسند جيد عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ طَلَبَ عِلْمًا وَأَدْرَكَهُ، كَتَبَ اللهُ لَهُ كِفْلَيْنِ مِنَ الأَجْرِ، وَمَنْ طَلَبَ عِلْمًا فَلَمْ يُدْرِكْهُ، كَتَبَ اللهُ لَهُ كِفْلاً مِنَ الأَجْرِ"(3).

قال [ابن الحاج](4): وقد روي أن يحيى بن يحيى راوي "الموطأ" لما جاء إلى مالك رحمه الله تعالى ليقرأ عليه، قال له مالك: اجتهد يابني؛ فإنَّهُ قد جاء شاب في سنك يقرأ على ربيعة رحمه الله، فما كان إلا أيام وتوفي الشاب، فحضر جنازته علماء المدينة، وألحده ربيعة بيدهِ، ثم رآهُ بعد ذلك بعض علماء المدينة في النوم وهو في حالة حسنة، فسألهُ

(1) رواه مسلم (2878)، وابن ماجه (4235) ولفظه:"يحشر الناس على نياتهم".

(2)

رواه الإمام أحمد في "المسند"(3/ 314)، والحاكم في "المستدرك"(7872).

(3)

رواه الدارمي في "السنن"(335)، والطبراني في "المعجم الكبير" (22/ 68). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (1/ 123): رواه الطبراني في الكبير ورجاله موثقون.

(4)

غير واضح في "م"، ولعل الصواب ما أثبت.

ص: 571

عن حالِهِ، فقال: غفَرَ لي، وقال لملائكتِهِ: هذا عبدي فلان، كان نيته أن يبلغَ درجة العلماء فبلَّغُوهُ دَرَجَتَهمُ، فأنا معهم أنتظر ما ينتظرون، قال: فقلتُ: وما ينتظرون؟ قال: الشفاعة يوم القيامة في العصاةِ من أمة محمد صلى الله عليه وسلم (1) انتهى.

وإذا صَحت النية للطالب أَخذَ في الاشتغال بالعلم، وجدَّ؛ فإنَّ لكلِّ مجتهدٍ نصيبًا.

وكان الحسن رحمه الله تعالى يقول: إذا لم تكن حليماً فتحلَّم، وإذا لم تكن عالمًا فتعلَّم، فقلَّ ما تشبه رجل بقوم إلا كان منهم. رواه العسكري في "أمثاله".

وقال ابن مسعود رضي الله عنه: إن الرجل (2) لا يولد عالماً، وإنما العلم بالتعلم. رواه البيهقي في "المدخل"(3).

بل روى الطبراني، وأبو نعيم عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّمَا العِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ، وَالْحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ، وَمَنْ يَتَحَرَّ الْخَيْرَ يُعْطَهُ، وَمَنْ يَتَوَقَّ الشَّرَ يُوْقَهُ"(4).

(1) انظر: "المدخل" لابن الحاج (2/ 123).

(2)

في "المدخل": "أحدكم" بدل "الرجل".

(3)

رواه البيهقي في "المدخل إلى السنن الكبرى"(ص: 267).

(4)

رواه الطبراني في "المعجم الأوسط"(2663)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (5/ 174). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (1/ 128): رواه الطبراني في "الأوسط" وفيه محمد بن الحسن بن أبي يزيد، وهو كذاب.

ص: 572

ورواه البيهقي في "المدخل" موقوفًا بإسناد حسن (1).

وروى الطبراني عن معاوية رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّمَا العِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ، وَالفِقْهُ بِالتَّفَقُّهِ، وَمَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِيْ الدِّيْنِ، وَإِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ"(2).

وعلقه البخاري في "صحيحه"(3).

وروى الدينوري عن ابن داب قال: جاء رجل إلى أبي ذر رضي الله عنه فقال: إني أريد أن أتعلم العلم وأنا أخاف أن أضيعه ولا أعمل به، فقال: إنك أن تَوسَّدَ العلم خير من أن تَوسَّدَ الجهل.

ثم ذهب إلى أبي الدرداء رضي الله عنه، فقال له مثل ذلك، فقال له أبو الدرداء رضي الله عنه: إنَّ الناس يبعثون على ما ماتوا عليه من قبورهم، فيُبعثُ العالمُ عالماً، والجاهلُ جاهلاً.

ثم جاء إلى أبي هريرة رضي الله عنه فقال له مثل ذلك، فقال له أبو هريرة رضي الله عنه: ما أنت بواجد شيئًا أضيع له من تركه (4).

وليبدأ في طلب العلم بالأهم ثمَّ الأهم، حتى إذا اخترمته المنية

(1) رواه البيهقي في "المدخل إلى السنن الكبرى"(ص: 270).

(2)

رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(19/ 395). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(1/ 128): فيه رجل لم يسم، وعتبة بن أبي حكيم، وثقه أبو حاتم وأبو زرعة وأبن حبان، وضعفه جماعة.

(3)

انظر: "صحيح البخاري"(1/ 37).

(4)

انظر: "المجالسة وجواهر العلم" للدينوري (ص: 293).

ص: 573

لا يطالب من العلم بشيء هو أهم مما مات عليه.

وقد قيل: العمر عن حصول كل العلم يقصرُ، فابدأ منه بالأهم (1).

وروى أبو نعيم عن الشعبي رحمه الله تعالى قال: العلم أكثر من عدد القطر؛ فخذ من كل شيء أحسَنَهُ، ثم تلا:{فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزمر: 17 - 18](2).

وروى ابن جهضم عن أبي عمرو بن العلاء رحمه الله تعالى قال: العلم أكثر من أن يحصى؛ فخذوا من كل شيء أحسنَهُ.

وليطلب شيخًا مؤتمنًا ناصحاً عارفًا تقيًا نقياً بعد اجتهاده على ذلك، وسؤاله عنه من أهل المعرفة والإلمام، وإذا وجد فائدة عند أحد بادرَ إلى اقتناصِها - وإن كان دونَهُ -، ولا يمنعه التكبر من الأخذ عمن هو دونَهُ فيكون غاشًا لنفسِهِ؛ إذ الحكمة ضالة المؤمن يلتقطها حيث وجدها.

وروى الحافظ عبد الغني في مقدمة "الكمال في أسماء الرجالِ" عن وكيع رحمه الله تعالى: أنَّهُ قال: لا يكملُ الرجل - أو لا يَنبُلُ - حتى يكتب عن من هو فوقَهُ، وعن من هو مثلهُ، وعن من هو دونه (3).

وليتأدب بآداب المتعلم حسبما ذكرها العلماء في مَحالِّهَا، وأحسن

(1) انظر: "إعانة الطالبين"(1/ 15).

(2)

رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(4/ 314).

(3)

وانظر: "علوم الحديث" لابن الصلاح (ص: 249)، و "سير أعلام النبلاء" للذهبي (9/ 159).

ص: 574

كتاب أُلِّفَ في هذا الفن بلا مغالاة ولا تجوُّزٍ كتاب: "الدر النضيد في آداب المفيد والمستفيد" للشيخ الوالد رضي الله عنه.

وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى التشبه بالعلماء في طلب العلم في أحاديث كثيرة.

منها ما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سَلَكَ طَرِيْقًا طَلَبَ فِيْهِ عِلْمًا، سَلَكَ اللهُ بِهِ (1) طَرِيْقًا إلى الجنَّةِ"(2).

وروى ابن باكويه الشيرازي في "الألقاب" عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"مَنِ انتعَلَ لِيَتَعَلَّمَ عِلْمًا، غُفِرَ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَخْطُوَ"(3).

وروى البزار ورجالهُ موثقون، والطبراني في "معاجمِهِ" عن أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"اُغْدُ عَالِمًا أَوْ مُتَعَلِّمًا أَوْ مُسْتَمِعًا أَوْ مُحِبًّا، وَلا تَكُنِ الْخَامِسَةَ فَتَهْلَكَ"(4).

قال عطاء: قال لي مِسْعر: زدتنا خامسة لم تكن عندنا.

(1) في "صحيح مسلم": "يلتمس فيه علماً سهل الله له به" بدل "طلب فيه علمًا سلك الله له".

(2)

رواه مسلم (2699).

(3)

انظر: "مفتاح دار السعادة" لابن القيم (1/ 76).

(4)

رواه البزار في "المسند"(3636)، والطبراني في "المعجم الأوسط"(5171)، و"المعجم الصغير" (786). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (1/ 122): رواه الطبراني في "الثلاثة" والبزار، ورجاله موثوقون.

ص: 575

والخامسة أن يبغض العلم وأهلهُ (1).

وأنشد الإمام أبو المظفر عبد الرحيم بن عبد الكريم السمعاني عن الرياشي (2) قال: [من السريع]

طَلَبْتُ يَوْمًا مَثَلاً سَائِرًا

فَكُنْتُ فِيْ الشِّعْرِ لَهُ نَاظِماً

لا خَيْرَ فِيْ الْمَرْءِ إِذا ما غَدا

لا طالِبَ الْعِلْمِ وَلا عالِماً (3)

وفيه تلميح بحديث أبي الدرداء رضي الله عنه: العالم والمتعلم في الأجر سواء، وسائرُ الناسِ همج لا خير فيهم. رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في "زوائد الزهد" موقوفا، ويروى مرفوعًا (4).

وروى الطبراني في "الكبير" عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "النَّاسُ رَجُلانِ: عَالِمٌ وَمُتَعَلِّمٌ، وَلا خَيْرَ فِيْمَا سِوَاهُمَا"(5).

(1) رواه الطبراني في "المعجم الأوسط"(5171)، و "المعجم الصغير"(786).

(2)

في "م": "المرياشي".

(3)

انظر: "معجم الأدباء" لياقوت الحموي (1/ 43).

(4)

رواه الإمام أحمد في "الزهد"(ص: 137).

(5)

رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(10461)، و "المعجم الأوسط" (7575). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (1/ 122): رواه الطبراني في "الأوسط" و"الكبير" وفي سند "الأوسط" نهشل بن سعيد، وفي الآخر=

ص: 576

وروى البيهقي في "الشعب"، وابن عبد البر في "فضل العلم"، وغيرهما عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أطْلُبُوْا العِلْمَ وَلُوْ بِالصِّيْنِ؛ فَإِنَّ طَلَبَ العِلْمِ فَرِيْضَةٌ عَلى كُلِّ مُسْلمٍ"(1).

وروى ابن عبد البر شطرَهُ الأخير بزيادة، ولفظه:"طَلَبُ العِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلى كُل مُسْلِمٍ، وإنَّ طَالِبَ العِلْمِ يَسْتَغْفِرُ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ حَتَّى الْحِيْتَانُ فِيْ البَحْرِ"(2).

وأخرجه بدون هذه الزيادة ابن عدي، والبيهقي من حديث أنس، والطبراني في "الأوسط" من حديث ابن عباس، وهو في "الصغير"، والخطيب من حديث الحسين بن علي، والخطيب من حديث علي، والطبراني في "الكبير" من حديث ابن مسعود، وهو والبيهقي في "الشعب" من حديث أبي سعيد الخدري، وتمَّام في "فوائده" من حديث ابن عمر رضي الله عنهما (3).

= الربيع بن بدر، وهما كذابان.

(1)

رواه البيهقي في "شعب الإيمان"(1663) وقال: هذا الحديث شبه مشهور، وإسناده ضعيف، وقد روي من أوجه كلها ضعيفة، وكذا رواه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله"(1/ 9).

(2)

رواه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله"(1/ 7).

(3)

رواه ابن عدي في "الكامل"(3/ 185)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(1665) عن أنس رضي الله عنه.

ورواه الطبراني في "المعجم الأوسط"(4096) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.=

ص: 577

وحديث أنس رضي الله عنه عند ابن ماجه، وزاد فيه:"وَوَاضعُ العِلْمِ عِنْدَ غَيْرِ أَهْلِهِ كَمُقَلَّدِ الْخَنَازيْرِ الْجَوْهَرَ وَاللُّؤْلُؤَ وَالذَّهَبَ"(1).

وعند البيهقي، وابن عبد البر، وزاد فيه:"واللهُ يُحِبُّ إِغَاثَةَ اللَّهْفَانِ"(2).

ثم العلم المفروض على الأعيان ما يحتاجُ إليه المسلمُ في موافقة حاله في كل وقت لأحكام الله تعالى.

فأول ذلك معرفة الله، ومنه تعلم أحكام الصلاة لمن وجبت عليه، ثم الصوم كذلك، ثم الحج، ثمَّ الزكاة لمن ملكَ النصاب، وأحكام بر الوالدين وعقوقهما في حق الولد، وصلة الرحم في حق من له رحم، وهكذا.

= ورواه في "المعجم الصغير"(61)، والخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد"(5/ 204) من حديث الحسين بن علي رضي الله عنه.

ورواه الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد"(1/ 407) عن علي رضي الله عنه.

ورواه الطبراني في "المعجم الكبير"(10439) عن ابن مسعود رضي الله عنه.

ورواه الطبراني في "المعجم الأوسط"(8567)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(1667) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

ورواه تمام في "فوائده"(1/ 32) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

(1)

رواه ابن ماجه (224).

(2)

رواه البيهقي في "شعب الإيمان"(1664)، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله"(1/ 8).

ص: 578

وأما تعلم ما يحتاج الناس إليه من العلوم الشرعية وآلاتها فإنه فرض على الكفاية، ولنا في هذه المسألة كلام واضح في كتاب "منبر التوحيد".

وروى مسلم عن كثير بن قيس رحمهُ الله تعالى قال: كنت مع أبي الدرداء رضي الله عنه بمسجد دمشق، فجاءهُ رجل، فقال: يا أبا الدرداء! إني جئتك من مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث بلغني أنك تحدث به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ما كانت لك حاجة غيرها؟ قال: لا، قال: ولا جئت لتجارة؟ قال: لا، قال: ولا جئت إلا فيه؟ قال: نعم، قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَنْ سَلَكَ طَرِيْقَ عِلْمٍ سَهَّلَ اللهُ لَهُ طَرِيْقًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلائِكَةَ عليهم السلام لتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًى لِطَالِبِ العِلْمِ، وَإِنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ والْمَاءَ لتَدْعُو لَهُ، وَإِنَّ فَضْلَ العَالِمِ عَلى العَابِدِ كَفَضْلِ القَمَرِ عَلى سَائِرِ الكَوَاكِبِ ليْلَةَ البَدْرِ؛ العُلَمَاءُ هُمْ وَرثَةُ الأَنْبِيَاءِ عليهم السلام، إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرّثُوْا دِيْنَارًا وَلا دِرْهَمًا، وَإِنَّمَا وَرَّثُوْا العِلْمَ لِيُعْمَلَ بِهِ، فَمَنْ أَخَذَ بِهِ فَقَدْ أَخَذَ بِحَظًّ وَافِرٍ"(1).

وأخرجه أبو يعلى، والحاكم في "تاريخهِ" بنحوه، وزاد فيه:"وَمَوْتُ العَالِمِ مُصِيْبَةٌ لا تُجْبَرُ، وَثُلْمَةٌ لا تُسَدُّ، وَهُوَ نَجْمٌ طُمِسَ، مَوْتُ قَبِيْلَةٍ أَيْسَرُ مِنْ مَوْتِ عَالِمٍ"(2)؛ أي: موت قبيلة لا عالم فيهم.

(1) رواه أبو داود (3641)، والترمذي (2682) وقال: ليس بمتصل، وابن ماجه (223).

(2)

ورواه البيهقي في "شعب الإيمان"(1699).

ص: 579

وروى الترمذي وحسنه، عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ خَرَجَ فِيْ طَلَبِ العِلْمِ فَهُوَ فِيْ سَبِيْلِ اللهِ حَتَّى يَرْجِعَ"(1).

وعن سَخْبَرَة (2) رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ طَلَبَ العِلْمَ كَانَ كَفَّارَةً لِمَا مَضَى"(3).

وروى ابن عبد البر، وغيره عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأَنْ يَغْدُوَ أَحَدُكُمْ فَيَتَعَلَّمَ بَابًا مِنَ العِلْمِ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يُصَلَّيَ مِئَةَ رَكْعَةٍ"(4).

وهو عند ابن ماجه، ولفظهُ:"يَا أَبَا ذَرٍّ! لأَنْ تَغْدُوَ فَتَعَلَّمَ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللهِ، خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تُصَليَ مِئَةَ رَكْعَةٍ، وَلأَنْ تَغْدُوَ فَتَعَلَّمَ بَابًا مِنَ العِلْمِ [عُمِلَ به أو لم يُعمل] (5)، خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تُصَلَّيَ أَلْفَ رَكْعَةٍ"(6).

وروى أبو الشيخ في "الثوب"، وأبو نعيم، والديلمي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "طَلَبُ العِلْمِ سَاعَةً خَيْرٌ مِنْ قِيَامِ لَيْلَةٍ، وَطَلَبُ العِلْمِ يَوْمًا خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ ثَلاثَةِ أَشْهُرٍ"(7).

(1) رواه الترمذي (2647) وقال: حسن غريب، ورواه بعضهم فلم يرفعه.

(2)

في "م": "خبرة".

(3)

رواه الترمذي (2648) وضعف إسناده.

(4)

رواه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله"(1/ 25).

(5)

زبادة من ابن ماجه.

(6)

رواه ابن ماجه (219).

(7)

رواه الديلمي في "مسند الفردوس"(3917).

ص: 580

والديلمي عنه - أيضًا - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "طَلَبُ العِلْمِ أَفْضَلُ عِنْدَ اللهِ مِن الصَّلاةِ وَالصَّيَامِ وَالحَجِّ والْجِهَادِ فِيْ سَبِيْلِ اللهِ"(1).

وروى الدينوري في "المجالسة" عن معاوية قال: أوحى الله تعالى إلى داود النبيِّ عليه السلام: يا داود! اتخذ نعلين من حديد، وعصا من حديد، واطلب العلم حتى تنخرق نعْلاكَ، وتنكسرَ (2) عصاك (3).

وروى الطبراني في "الكبير" بسند صحيح عن أبي أمامة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"مَنْ غَدَا إلى الْمَسْجِدِ لا يُرِيْدُ إِلا أَنْ يَتَعَلَّمَ خَيْرًا أَوْ يُعَلِّمَهُ، كَانَ لَهُ كَأَجْرِ مُعْتَمِرٍ تَامِّ العُمْرَةِ، وَمَنْ رَاحَ إلى المَسْجِدِ لا يُرِيْدُ إِلا لِيَتَعَلَّمَ خَيْرًا وُيعَلِّمَهُ، كَانَ لَهُ كأَجْرِ حَاجٍّ تَامِّ الحَجِّ"(4).

وروى فيه بإسناد صحيح - أيضًا - عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ طَلَبَ عِلْمًا فَأدْرَكَهُ، كتَبَ اللهُ تَعَالى لَهُ كِفْلَيْنِ مِن الأَجْرِ، وَمَن طَلبَ عِلْمًا فَلَمْ يُدْرِكْهُ كَتَبَ اللهُ لَهُ كِفْلاً مِنَ الأَجْرِ"(5).

(1) رواه الديلمي في "مسند الفردوس"(3910).

(2)

في "المجالسة وجواهر العلم": "تتخرق" و"تتكسر" بدل "تنخرق" و"تنكسر".

(3)

رواه الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم"(ص: 56).

(4)

رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(7473) لكنه لم يذكر المعتمر، ورواه الحاكم في "المستدرك" (311). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (1/ 123): رواه الطبراني في "الكبير" ورجاله موثقون كلهم.

(5)

تقدم تخريجه.

ص: 581

وأخرجه أبو يعلى، والحكم في "الكنى"، وتمام في "الفوائد"، وابن عساكر، وغيره من حديث أبان، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: "مَنْ طَلَبَ بَابًا مِنَ العِلْمِ لِيُصْلِحَ لَهُ نَفْسَهُ، أَوْ لِمَنْ بَعْدَهُ، كَتَبَ اللهُ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلَ رَمْلِ عالِجٍ (1) "(2).

وروى الطبراني في "الكبير" بسند جيد، عن صفوان بن عسَّال رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ غَدَا يَطْلُبُ عِلْمًا كَانَ فِيْ سَبِيْلِ اللهِ حَتَّى يَرْجِعَ، وَإِنَّ المَلائِكَةَ لتضَعُ أَجْنِحَتَها لِطَالِبِ العِلْمِ"(3).

وروى العقيلي عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ غَدَا يَطْلُبُ العِلْمَ صَلَّتْ عَلَيْهِ المَلائِكَةُ، وَبُوْرِكَ لَهُ فِيْ مَعِيْشَتِهِ، وَلَمْ يُنْتَقَصْ (4) مِنْ رِزْقِهِ، وَكَانَ مُبَارَكًا عَلَيْهِ"(5).

وروى الحاكم في "تاريخه"، والخطيب، والديلمي عن زياد بن الحارث الصُّدائي رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ طَلَبَ العِلْمَ تَكَفَّلَ اللهُ بِرِزْقِهِ"(6).

(1) وهو ما تراكم من الرمل، ودخل بعضه في بعض، وهو أيضًا اسم موضع كثير الرمال.

(2)

رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(43/ 139).

(3)

رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(7388).

(4)

في "الضعفاء": "ينقص" بدل "ينتقص".

(5)

رواه العقيلي في "الضعفاء"(1/ 77)، وقال: هذا حديث باطل ليس له أصل.

(6)

رواه الخطيب البغدادي في "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع"=

ص: 582

قلت: هذا تكفل خاص يتميز على غيره، وإلا فإن الله تعالى بأرزاق عباده وخلقه كفيل، لكنه يتكفل للعالم وهو في الطلب والاشتغال كفالة أخص من كفالته بغيره؛ إما بتيسير، أو سعة، أو طيب عيش، أو طيب كسب.

ونظيره قوله تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ (132)} [طه: 132]، مع أنه سبحانه وتعالى يرزق الخلق أجمعين، كما قال تعالى:{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا (6)} [هود: 6]، إلا أن رزق المصلي الصابر، وكذلك المتعلم أيسر وأسهل، وأهنئ وأميز، فافهم ذلك!

وروى الديلمي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تَعَلَّمُوْا العِلْمَ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ؛ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لا يَعْلَمُ مَتَى يُفْتَقَرُ إلى مَا عِنْدَهُ".

وأخرجه هو، والطبراني في "الكبير"، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، إلا أنَّ الطبراني وَقَفَهُ على ابن مسعود (1).

وفيه إشارة أن المتعلم لا ينبغي أن يحتقر نفسه احتقاراً يمنعه عن الطلب، فقد يأتي زمان يحتاج الناس فيه إليه، وكذلك لا ينبغي أن يمتنع

= (1/ 104). وفيه يونس بن عطاء، قال ابن حبان: يروي العجائب، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد. انظر:"المجروحين" لابن حبان (3/ 141).

(1)

رواه الديلمي في "مسند الفردوس"(2236)، والطبراني في "المعجم الكبير" (8845). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (1/ 126): أبو قلابة لم يسمع من ابن مسعود.

ص: 583

عن الطلب تكبراً.

وفي كتاب الله تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ (146)} [الأعراف: 146] الآية.

وقال بعض السلف: لا ينال العلم مُسْتَحْيٍ ولا متكبر (1).

وروى أبو نعيم عن شعبة رحمه الله قال: إنَّ الذين يطلبون العلم (2) على الدواب لا يفلحون (3).

والتواضع مطلوب من كل مؤمن، ومن المتعلم أولى، وهو من تمام التشبه بالعلماء.

وإن كان العلم شرفاً فإنما يتم شرفه بتواضع المتصف به، ثم إن شرف العلم مرغوب فيه؛ لأنه يمنع صاحبه عن تسلط السفهاء ومَعَرَّة اللؤماء ومضرة الأشقياء، ويربي له المهابة عند الملوك، فتنفذ فيهم كلمته، وتنفع فيهم موعظته ونصيحته، فالعلم وطلبه بهذه النية عمل صالح، كما سبق.

وروى الدينوري عن الأصمعي قال: دخل عطاء بن أبي رباح

(1) ذكره البخاري (1/ 60) معلقًا عن مجاهد، ورواه البيهقي في "المدخل إلى السنن الكبرى" (ص: 281). لكنهما قالا: "لا يتعلم" و "مستكبر" بدل "لا ينال" و"متكبر".

(2)

في "حلية الأولياء": "الحديث" بدل "العلم".

(3)

رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(7/ 156).

ص: 584

رحمه الله على عبد الملك بن مروان وهو على سريره، فلما بصر به قام إليه وأجلسه معه على السرير، وقعد بين يديه، وقال له: يا أبا محمد! حاجتك؟ قال: يا أمير المؤمنين! اتقِ الله في حرم الله وحرم رسوله؛ فتعاهده بالعمارة، واتقِ الله في أولاد المهاجرين والأنصار؛ فإنك بهم جلست هذا المجلس، واتقِ الله في أهل الثغور؛ فإنهم حصن للمسلمين، وتفقد أمر المسلمين؛ فإنك وحدك المسؤول عنهم، واتقِ الله فيمن على بابك فلا تغفل عنهم، ولا تغلق بابك.

فقال له: أفعل، ثم نهض وقام، فقبض عليه عبد الملك، فقال: يا أبا محمد! إنما سألتنا حوائج غيرك، ثم قد قضيناها، فما حاجتك؟ فقال: ما لي إلى مخلوق حاجة، [ثم خرج](1)، فقال عبد الملك: هذا الشرف، هذا - وأبيك - السُّؤدد (2).

وقد تقدم ما رواه الدينوري - أيضاً - من صنيع ابن عباس رضي الله عنهما مع أبي العالية - واسمه رُفَيع بن مهران الرِّياحي مولاهم -، وعطاء بن أبي رباح مولى قريش، فانظر في رفعتهما بالعلم - وإن كانا (3) من الموالي - إلى أرفع المراتب العوالي.

وفي ذلك إشارة إلى أن العلم يُكسِبُ صاحبه الشرف والرفعة في الدنيا مع حسن الثواب في الآخرة.

(1) زيادة من "المجالسة وجواهر العلم".

(2)

رواه الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم"(ص: 55).

(3)

في "م": "كان".

ص: 585

وقد روى أبو نعيم عن مِسعر بن كِدَام رحمه الله قال: العلم أشرف الأحساب (1)؛ يرفع الخسيس في نفسه، ومن قعد (2) به حسبه نهض به أدبه (3).

وروى الخطيب في "شرف أصحاب الحديث" عن سفيان رحمه الله قال: سمعت الأعمش رحمه الله تعالى يقول: لو كنت باقلانياً استقذرتموني، ولولا هذه الأحاديث لكنا مع البقالين بالسوية (4).

وأسند فيه عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تَعَلَّمَ حَدِيْثَيْنِ اثْنَيْنِ يَنْفَعُ بِهِمَا نَفْسَهُ، أَوْ يُعَلِّمُهُمَا غَيْرَهُ فَيَنْتَفِعَ بِهِمَا، كَانَ خَيْرًا مِنْ عِبَادَةِ سِتِّيْنَ عَامًا"(5).

وعن بِشْر بن الحارث الحافي رحمه الله تعالى قال: لا أعلم على وجه الأرض عملًا أفضل من طلب العلم والحديث لمن اتقى اللهَ وحسنت نيته [فيه](6).

قال: وأما أنا فأستغفر الله من كل خطوة خطوت فيه (7)؛ كأنه اتهم

(1) في "م": "الأحباب".

(2)

في "م": "فقد".

(3)

رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(7/ 214).

(4)

رواه الخطيب البغدادي في "شرف أصحاب الحديث"(ص: 135).

(5)

رواه الخطيب البغدادي في "شرف أصحاب الحديث"(ص: 80).

(6)

زيادة من "شرف أصحاب الحديث".

(7)

رواه الخطيب البغدادي في "شرف أصحاب الحديث"(ص: 82).

ص: 586

نفسه في حسن النية فيه.

وروى أبو بكر بن لال، وأبو الشيخ في "الثواب"، وأبو نعيم، وابن عبد البر، والديلمي، وغيرهم عن معاذ رضي الله عنه قال: تعلموا العلم؛ فإنَّ تعلمه لله خشية، وطلبه عبادة، ومدارسته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة، وهو الأنيس في الوحشة، والصاحب في الوحدة، والمحدث في الخلوة، والدليل على السراء والضراء، والسلاح على الأعداء، والزين عند الأخلاء، والمقرب عند الغرباء، ومنار سبيل الجنة، يرفع الله تعالى به أقواماً فيجعلهم في الخير قادة وهُداة يهتدى بهم، أدلةً في الخير تقتص آثارهم، وترمَقُ أفعالهم، وترغب الملائكة في خلتهم (1)، وبأجنحتها تمسحهم، وكل رطب ويابس لهم يستغفر حتى حيتان البحر وهوامه، وسباع البر وأنعامه، والسماء ونجومها لأن العلم حياة القلب من العمى، ونور الأبصار من الظُّلمة، وقوة الأبدان من الضعف، يبلغ العبد به منازل الأخيار والدرجات العلى، التفكر فيه يعدل بالصيام، ومدارسته بالقيام، فبه يُطاع الله، وبه يعبد، وبه يوحد، وبه يتورع، ويه تُوصَل الأرحام، فهو إمامٌ والعمل تابعه، يُلْهَمُه السعداء، ويحرمه الأشقياء (2).

(1) في "م": "خلقتهم"، والمثبت من مصادر التخريج.

(2)

رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(1/ 239) موقوفاً، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله"(1/ 55) مرفوعاً، وقال: وهو حديث حسن جداً، ولكن ليس له إسناد قوي، ورويناه من طرق شتى موقوفاً. =

ص: 587

وروى ابن عبد البر عن الحسن رحمه الله تعالى قال: لأن أتعلم باباً من العلم وأعلمه، أحب إلي من أن يكون لي الدنيا كلها [أجعلها](1) في سبيل الله تعالى (2).

وروى الإمام أحمد في "الزهد" عنه قال: إن العبد لا يزال بخير ما ابتغى من الله تعالى علماً.

قلت: وفي كتاب الله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114] ، وفي ذلك إشارة إلى أن التشبه بالعلماء مطلوب من كل جاهل وعالم؛ إذ لا عالم إلا ووراء ما يعلم ما لا يعلم، كما قال تعالى:{وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف: 76]، فالتشبه بالعلماء وظيفة العمر.

ومن ظن أنه بلغ النهاية فيه فقد جهل، كما روى الدينوري في "المجالسة" عن نعيم بن حماد قال: قال ابن المبارك رحمه الله تعالى: لا يزال المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل (3).

وفي ذلك - أيضا - إشارة إلى أن التشبه بالعلماء لا يكون إلا بإلهام من الله تعالى وتوفيق، وأن الزيادة من العلم لا تكون إلا منه.

= قلت: لعل المراد من قوله: حسن جداً: حسن المعنى؛ بدليل قوله: ليس له إسناد قوي. قال المنذري في "الترغيب والترهيب"(1/ 52): ورفعه غريب جداً. ورواه الديلمي في "مسند الفردوس"(2237) مختصراً.

(1)

زيادة من "الفقيه والمتفقه".

(2)

ورواه الخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه"(1/ 102).

(3)

رواه الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم"(ص: 56).

ص: 588

ومن ثمَّ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اللَّهُمَّ انْفَعْنِيْ بِمَا عَلَّمْتَنِيْ، وَعَلِّمْنِيْ مَا يَنْفَعُنِيْ، وَزِدْنِيْ عِلْمًا، وَالحَمْدُ للهِ عَلى كُلِّ حَالٍ". رواه الترمذي، وابن ماجه (1).

وروى سعيد بن منصور وعبد بن حميد عن ابن مسعود رضي الله عنه: أنه كان يدعو: اللهم زدني إيمانا وفقهاً [ويقيناً](2) وعلماً (3).

وروى الخطيب عن الشافعي رضي الله عنه: أنه قال: طلب العلم أفضل من صلاة النافلة (4).

وقال: ما تقرب إلى الله تعالى بشيء بعد الفرائض أفضل من طلب العلم (5).

ونحوه عن سفيان، وقد سبق.

وروى الدينوري عن نعيم بن حماد قال: سمعت ابن المبارك رحمه الله تعالى يقول: عجبت لمن لم يطلب العلم كيف تدعوه نفسه إلى مكرمة (6).

(1) رواه الترمذي (3599) وحسنه، وابن ماجه (251).

(2)

زيادة من "الدر المنثور".

(3)

انظر: "الدر المنثور" للسيوطي (5/ 602).

(4)

رواه الخطيب البغدادي في "شرف أصحاب الحديث"(ص: 113).

(5)

رواه البيهقي في "المدخل إلى السنن الكبرى"(ص: 310).

(6)

رواه الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم"(ص: 56).

ص: 589

ولجار الله الزمخشري: [من الوافر]

وَكُلُّ فَضِيْلَةٍ فِيْها سَناءُ

وَجَدْتُ الْعِلْمَ مِنْ هاتِيْكَ أَسْنَىْ

فَلا تَعْتَذَّ غَيْرَ الْعِلْمِ ذُخْراً

فَإِنَّ الْعِلْمَ كَنْزٌ لَيْسَ يَفْنَىْ

ويروى لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه: [من البسيط]

ما الْفَخْرُ إِلَاّ لأَهْلِ الْعِلْمِ إِنَّهُمُ

عَلَىْ الْهُدَىْ لِمَنِ اسْتَهْدَىْ أَدِلَاّءُ

وَقَدْرُ كُلِّ امْرِئٍ ما كانَ يُحْسِنُهُ

وَالْجاهِلُوْنَ لأَهْلِ الْعِلْمِ أَعْداءُ

فَفُزْ بِعِلْمٍ وَلا تَجْهَلْ بِهِ أَبَداً (1)

فَالنَّاسُ مَوْتَىْ وَأَهْلُ الْعِلْمِ أَحْياءُ (2)

وروى أبو نعيم، والخطيب، وغيرهما عن كُميل بن زياد قال: أخذ علي بن أبي طالب رضي الله عنه بيدي، فأخرجني إلى ناحية الجَبَّان، فلما أصحرنا جلس، ثم تنفس، ثم قال: يا كميل بن زياد! القلوب أوعية؛ فخيرها

(1) في "الفقيه والمتفق": "ولا تبغى به بدلاً" بدل "ولا تجهل به أبدًا".

(2)

انظر: "الفقيه والمتفقه" للخطيب البغدادي (2/ 150).

ص: 590

أوعاها، احفظ ما أقول لك: الناس ثلاثة: فعالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق.

العلم خير من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال، العلم يزكو على العمل، والمال تنقصه النفقة، ومحبة العالم دِين يدان بها، العلم يكسب للعالم الطاعة في حياته وجميل الأحدوثة بعد موته، وصنيعة المال تزول بزواله.

مات خُزَّان الأموال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة وأمثالهم في القلوب موجودة، هاه! إن هاهنا - وأشار بيده إلى صدره - علماً لو أصبتُ لها (1) حملة، بلى أصبتُهُ لَقِناً غير مأمون عليه يستعمل آلة الدين للدنيا، يستظهر بحجج الله على كتابه، وبنعمه على عباده، أو منقاداً لأهل الحق لا بصيرة له في إحيائه، يقتدح الشك (2) في قلبه بأول عارض من شبهة لا ذا، ولا ذاك، أو منهوماً بالذات سَلِس القِياد للشهوات، أو مَغْرِيٌّ بجمع الأموال والادخار، وليس من رعاة (3) الدين أقرب شبهاً بهما الأنعام؛ كذلك يموت العلم بموت حامليه.

اللهم بلى (4)، لن تخلو الأرض من قائم لله بحجة لكيلا تبطل

(1) في "حلية الأولياء": "له" بدل "لها".

(2)

في "م": "الشكر".

(3)

في "حلية الأولياء": "دعاة" بدل "رعاة".

(4)

في "م": "بل".

ص: 591

حجج الله وبيناته، أولئك هم الأقلون عددًا، الأعظمون عند الله قدراً، بهم يدفع الله عز وجل عن حججه حتى يؤدوها إلى نظرائهم، ويزرعوها في قلوب أشباههم، هجم بهم العلم على حقيقة الأمر فاستلانوا ما استوعره (1) منه المترفون، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون، صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالنظر (2) الأعلى، أولئك خلفاء الله في بلاده، ودعاته إلى دينه، هاه! هاه! شوقاً إلى رؤيتهم، وأستغفر الله لي ولك، إذا شئت فقم (3).

قال الخطيب: هذا حديث حسن من أحسن الأحاديث معنىً، وأشرفها لفظًا (4).

والأخبار والآثار في ذلك كثيرة لا تنحصر، وفي هذا القدر كفاية لمن يعتبر.

***

(1) في "حلية الأولياء": "استوعر" بدل "استوعره".

(2)

في "حلية الأولياء": "بالمنظر" بدل "بالنظر".

(3)

رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(1/ 79)، والخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه"(1/ 182).

(4)

انظر: "الفقيه والمتفقه" للخطيب البغدادي (1/ 184).

ص: 592