الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذه الآية فينا معشر الأنصار؛ أعز الله الإِسلام وكثر ناصروه، فقال بعضنا لبعض سراً دون النبي صلى الله عليه وسلم: إن أموالنا قد ضاعت، وإن الله تعالى قد أعز الإِسلام وكثر ناصروه، فلو أقمنا في أموالنا وأصلحنا ما ضاع منها، فأنزل الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم ما يَرُد علينا ما قلنا:{وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195]، وكانت التهلكة الإقامة على الأموال وإصلاحها وتركنا الغزو، فما زال أبو أيوب شاخصًا في سبيل الله حتى دُفِن بأرض الروم (1).
*
تنبِيْهٌ:
ولا بد في المتشبه بالشهداء بالجهاد وطلب الشهادة أن يكون ذلك منه خالصاً لوجه الله الكريم؛ لما تقدم أنه لا يشبه الزِّيُّ الزِّيَّ حتى يشبه القلب القلب، وإلا كان عمله محبطاً، وإن جرت عليه أحكام الشهداء ظاهراً لو قتل في الجهاد.
وقد روى الشيخان، وأصحاب السنن عن أبي موسى رضي الله عنه: أنَّ أعرابيا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! الرجل يقاتل للغنم، والرجل يقاتل للذكر، والرجل يقاتل ليرى مكانه؛ فمن في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"مَنْ قَاتَلَ لِتَكُوْنَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ العُليَا فَهُوَ فِيْ سَبِيْلِ اللهِ عز وجل"(2).
(1) رواه الترمذي (2972) واللفظ له، وصححه، وكذا أبو داود (2512).
(2)
رواه البخاري (2655)، ومسلم (1904)، وأبو داود (2517)، والترمذي =
وروى أبو داود عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أنه قال: يا رسول الله! أخبرني عن الجهاد والغزو، فقال:"يَا عَبْدَ اللهِ! إِنْ قَاتَلْتَ صَابِرًا مُحْتَسِبًا بَعَثَكَ اللهُ صَابِرًا مُحْتَسِبًا، وَإِنْ قَاتَلْتَ مُرائِيَا مُكَاثِرًا بَعَثَكَ اللهُ مُرائِيًا مُكَاثِرًا، يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو! عَلى أَيِّ حَالٍ قَاتَلْتَ، أَوْ قُتِلْتَ، بَعَثَكَ اللهُ عَلى تِلْكَ الحَالْ"(1).
وروى هو، والنسائي، عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت رجلًا غزا يلتمس الأجر والذكر ما له؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا شَيْءَ لَهُ"، فأعادها ثلاث مراتٍ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا شَيْءَ لَهُ" ثم قال: "إِنَّ اللهَ لا يَقْبَلُ مِنَ العَبْدِ إِلا مَا كَانَ خَالِصًا، وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ"(2).
وحكى الغزالي رحمه الله تعالى في "منهاج العابدين" عن أحمد بن أرقم البلخي رحمه الله -وكان من الصالحين- أنه قال: نازعتني نفسي بالخروج إلى الغزو، فقلت: سبحان الله! إن الله تعالى يقول: {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يوسف: 53]، وهذه تأمرني بالخير، لا يكون هذا أبدًا، ولكنها استوحشت فتريد لقاء الناس، فتتريح إليهم، ويتسامع الناس بها، فيستقبلونها بالتعظيم والبر والإكرام.
= (1646)، والنسائي (3136)، وابن ماجه (2783).
(1)
رواه أبو داود (2519).
(2)
رواه النسائي (3140).