الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وُينَعِّمْهُ بِالشُّهُوْدِ وَأَنَّى
…
لِيْ بِها مِنْ فَضِيْلَةٍ مُسْتَطابَةْ
إِنَّ نَفْسِي النَّفُوْرَ قَدْ أَقْعَدَتْنِيْ
…
عَنْ كِرامِ الْهَوَىْ وَأَهْلِ الصَّبابَةْ
رَبِّ خَلِّصْ حَقِيْقَتِيْ لَكَ حَتَّىْ
…
لا سِوَىْ يَسْلُبُ الْفُؤادَ صَوابَهْ
زَكِّ نَفْسِي فَأَنْتَ خَيْرُ مُزَكٍّ
…
لا تَدَعْها بِما سِواكَ مُشابَةْ
وَأِبحْنِيْ رِضاكَ دُنْيًا وأُخْرى
…
بِالَّذِيْ شَرَّفْتَ بِهِ أَرْضَ طابَةْ
صَلَواتِيْ عَلَيْهِ فِيْ كُلِّ حِيْنٍ
…
وَعَلَىْ آلِهِ الرِّضَا وَالصَّحابَةْ
عوداً على بدء:
فإنما حسن للإنسان طلب الشهادة، واختيار القتل في سبيل الله تعالى؛ لأنه مجرد طمأنينة تحت أحكام الله تعالى، ومحض تسليم لقضائه، ورضى بقدره وحكمه، بخلاف قتل الإنسان لنفسه؛ فإنه ليس كذلك، وإنما هو تحكم على الله تعالى فيما هو ملكه حقيقة.
بل نقول: إن المؤمن لا يملك نفسه لأنها دخلت تحت المبايعة، كما قال سهل بن عبد الله رحمه الله تعالى: لا نفس للمؤمن لأنها دخلت تحت البيع من الله تعالى (1)، فإذا قتل نفسه فقد تصرف في غير ملكه بغير إذن المالك، بل تجرأ على ما لا يملك، وتعدى عليه، فأتلفه مع نهي مالكه له عن إتلافه بقوله تعالى:{وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29].
فقد تبين لك بذلك أن طلب الشهادة، واختيار القتل في سبيل الله تعالى تنفيذ للبيع وتسليم للمبيع لمبتاعه، وقتل المؤمن نفسه إتلاف من البائع للمبيع بعد صدور العقد وانتقال الملك فيه إلى المشتري، فتفطن لما ذكرناه، وتدبر ما حررناه!
ومن لطائف عبد الله بن رواحة رضي الله عنه قوله وهو آخذ بخطام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة، كما في السير، وغيرها:[من الرجز]
قَدْ أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ فِيْ تَنْزِيْلِهْ
…
بِأَنَّ خَيْرَ الْقَتلِ فِيْ سَبِيْلِهْ (2)
وإيضاح هذه الخيرية أن المقتول ظلمًا بصدد المغفرة والثواب، إلا أنه لا يبلغ ثواب المقتول في الجهاد في سبيل الله تعالى؛ فالقتل في سبيل الله تعالى خير أنواع القتل المتسبب عنه ثواب المقتول.
(1) ذكره السلمي في "حقائق التفسير"(1/ 286).
(2)
رواه أبو يعلى في "مسنده"(3571)، وابن حبان في "صحيحه"(4521).
ثم قتل النفس ظلمًا شر للقاتل، سواء كان المقتول نفس القاتل أو غيره، إلا أنه إذا قتل نفسه كان شر أنواع القتل؛ لأن أعز الأشياء على المرء نفسه، فإذا قتل نفسه لم يدع من القسوة والتفريط شيئًا، فهو شر القتل في سبيل الشيطان، كما أن القتل في الجهاد خير القتل في سبيل الرحمن، فافهم!
ثم هنا لطيفة: من كرم الله تعالى أن جادَ علينا بالنفوس والأموال، ثم اشتراها منا:{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة: 111].
وكذلك أفاض علينا النعم والأموال منًّا، ثم اقترضها بلطفه منا؛ {منْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً} [البقرة: 245].
وقد قلت مترجمًا عن الحضرة الإلهية، ومشيرًا إلى الذات العلية كما هي عن سواها غنية:[من المتقارب]
وَهَبْتُكَ نَفْسَكَ ثُمَّ اشْتَرَيـ
…
ـتُ نَفْسَكَ مِنْكَ بِأَثْمانِها
وَأَعْطَيْتُكَ الْمالَ ثُمَّ اقْتَرَضْـ
…
ـتُ مِنْكَ الزَّكاةَ لإِخْوانِها
وَوالَيْتُ نَعْماءَ فَضْلٍ عَلَيـ
…
ـكَ لَمَّا ابْتَدَأْتَ بِإِحْسانِها