الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"
لَاتَ
"
أنشد فيه، وهو الإنشاد الحادي عشر بعد الأربعمائة:
(411)
طَلَبوا صُلْحَنَا وَلَاتَ أَوَانٍ
على أن الفرّاء زعم أنَّ لات حرف جرّ تجرّ أسماء الزمان خاصّة.
أقول: ليس في كلام الفرّاء تقييد مجرورها بكونه من أسماء الزمان، وهذه عبارته في تفسير آية "صاد" قال هناك: يقول: ليس حين فرار، والنّوص: التأخر، ومن المعرب من يضيف لات فيخفض، أنشدوني:
وَلَاتَ سَاعَةِ مَنْدَمِ
ولا أحفظ صدره، والكلام أن ينصب بها في معنى ليس، أنشدني المفضل:
تَذكَّرَ حُبَّ لَيْلَى لاتَ حيِنَا
…
وأضحَى الشَّيْبُ قَدْ قَطَعَ القَرينا
فهذا نصب، وأنشدني بعضهم:
طَلَبوا صُلْحَنَا ولاتَ أوانٍ
…
فوأجبنا أن ليس حين بقَاء
فهذا خفض، هذا كلام الفرّاء برمَته
والبيت الذي لم يعرف صدره أنشده ابن السكيت في كتاب "الأضداد" قال فيه:
قال ابن الأعرابي: أخلاق مشمولة، أي: مشؤومة وأخلاق سوء. وأنشد:
ولتعرفنَّ خلائقًا مشمولةً
…
ولتندَمَنَّ ولاتَ ساعةَ مندمِ
ويقال أيضًا: رجل مشمول الخلائق، أي: كريم الأخلاق، قال: وأنشد أبو عمرو لرجل من بني سعد:
كأنْ لم أعشْ يومًا بصهباء لذةٍ .. ولم أندُ مشمولًا خلائقُهُ مِثْلي
وأندو بالنون: بمعنى أجالس، ومنه النادي وهو المجلس. وقد أخل الرَّضي بالنقل عن الفراء، فإنه قال: وقال الفراء: تكون لات مع الأوقات كلها، وأنشد:"ولات ساعة مندم" انتهى.
فإنّه أورد هذا الكلام في باب "ما" و"لا" و"لات" العاملات عمل ليس، ولم يقيد "لات" بكونها حرف جر، فيظن أنَّ الفراء أنشده بنصب "ساعة"، ولهذا قال الدماميني: فإن قلت: هلا حملت نقل الرضي عن الفراء أنها تكون مع الأوقات كلها على ما إذا كانت عاملة للجر، كما نقله المصنف هنا، وحملت حكاية كلام المصنف أولًا أنها لا تعمل إلا في لفظ الحين على ما إذا كانت عاملة للنصب، فلا يكون بين النقلين تعارض، قلت: لأنَّ الرضي لما ذكر عنه أنها تعمل في الأوقات كلها أنشد: "ولات ساعة مندم" والرواية فيه بنصب الساعة، فلم يبق إذن للتوفيق بهذه الطريقة مجال. انتهى. أقول: إنما رواه بالجر، فالتوفيق ممكن. وقول المصنف: وأجيب عن البيت بجوابين أحدهما: على إضمار من الاستغراقية، جواب غير سديد، لأن تقدير من يقتضي أن لا يكون لـ "لات" معمول، وإذا لم يكن لها معمول اقتضى كونها غير عاملة.
ومن الغريب قول أبي حيّان: إن من المقدرة ومجرورها موضعها رفع على أنهما اسم لات، كما تقول: ليس من رجل قائمًا، والخبر محذوف. انتهى.
وقوله: والثاني: أن الأصل: ولات أوان صلح. إلخ، أقول: تقدير المضاف إليه جملة هو المناسب، لتشبيه أوان بيومئذ في البناء، وفي كون التنوين بدلًا من المضاف إليه، وأما تقديره مفردًا، ثم تعليل بنائه بقطعه عن الإضافة، ففيه أن ما ذكره مختص بالظروف النسبية، ويكون بناؤها حينئذٍ على الضم، وأما "أوان" فإنه ظرف متصرف كما يأتي قريبًا عن ابن جني، وليس مضمومًا كقبل وبعد، فالمناسب: ولات أوان نصطلح، فإنَّ المنفي في الحقيقة أوان الصلح، أو بقدر جملة اسمية، أي: ولات أوان صلحنا ممكن، فأوان: خبر لات، وهو منصوب لفظًا أو مبنى
على الفتحة لإضافته إلى مبني، واسمها محذوف، أي: ولات الأوان
…
قال أبو علي في "المسائل المنثورة": قال أبو العبّاس المبرد: أوان هنا مبنيَّة، لأنّ أوان تضاف إلى المبتدأ والخبر، فكأنك حذفت منه المبتدأ والخبر، فنونت ليعلم أنّك قد اقتطعت الإضافة منه. انتهى. ولم يرتض ابن جني في "الخصائص" كون التنوين عوضًا كيومئذ، وفرق بينهما بأن إذ ظرف ناقص، وأوان ظرف متصرف، قال: وتأول أبو العباس المبرد قول الشاعر:
طَلَبُوا صُلحَنَا ولاتَ أوانٍ
على أنّه حذف المضاف إليه أوان، فعوض التَّنوين منه على حدّ قول الجماعة في تنوين [إذ] وهذا ليس بالسّهل، وذلك أنَّ التنوين في نحو هذا إنما دخل فيما لا يضاف إلى الواحد، أي: المفرد، وأمّا أوان، فمعرب، ويضاف إلى الواحد كقوله:
فَهَذَا أوَانُ العِرْضِ حَيٌّ ذُبابُه
…
زنانيرُهُ والأزرقُ المُتلَمِّسُ
وقد كسروه على آونة وتكسيرهم إيّاه يبعّده عن البناء لأنه أخذٌ به في شق التصريف والتصرف انتهى كلامه. وقد بسط هذا الكلام في "سرّ الصّناعة" وقال في آخره: وأمّا الجماعة غير المبرّد، وغير أبي الحسن، فعندهم أنَّ أوان مجرورة بات، وأنّ ذلك لغة شاذة، روينا عن قُطرب قال: قرأه عيسى: (ولات حين مناصٍ)[ص: 3] بالجر. انتهى. وهذا حق لا شبهة فيه، فالوجه كون لات في البيت حرف جرِ كما نقله الفرَّاء في قوله: ولات ساعة مندم وفي هذا البيت أيضًا وكذلك نقله أبو علي في "المسائل المنثورة" عن أبي عمر الجرمي، واستشكله بأنَّ حروف الجرّ لا بدَّ أن تتعلّق بشيء، ولات هنا لا تتعلَّق بشيء وجوابه أن لنا حروف جرّ لا تتعلّق بشيءٍ منها "لولا" كما بيَّنه الرّضي. وقول المصنّف: وعن القراءة بالجواب الأوَّل قد
قدَّمنا أنَّه لا يصحّن وقوله: وتوجيههم أن الأصل حين مناصهم .. إلخ، هذا الأصل غير صحيح أيضًا، لأنَّ معمول "لات" لا يجوز إضافته إلا إلى نكرة، ودعوى أنَّ المضاف وهو "حين" اكتسب البناء من المضاف إليه، ففيها أن شرط اكتساب البناء بالإضافة أن يكون المضاف زمانًا مبهمًا والمضاف إليه إمّا "إذا" أو فعل، أو جملة اسميّة، ومناص ليس واحدًا من الثلاثة، ثمَّ إنَّ البناء إنما سمع فيما ذكرنا على الفتح لا على الكسر.
والبيت الشاهد من قصيدة لأبي زبيد الطّائي النصراني، حكى أبو عمرو الشيباني وابن الأعرابي قالا: نزل رجل من بني شيبان اسمُه المكّاء برجل من طي، فأضافه وسقاه، فلما سكر، وثبت إليه الشيباني بالسيف، فقتله، وخرج هاربًا، وافتخر بنو شيبان بذلك، فقال أبو زبيد هذه القصيدة، وهذه أبيات منها:
خَبَّرتَنَا الرُّكبانُ أنْ قَدْ فرحتم
…
وفخرتم بضربة المكاء
ولعمري لعارها كان أدنى
…
لكم من تقى وحسنِ وفاء
ظل ضيفًا أخوكم لأخينا
…
في صبوح ونعمة وشواء
لم يهب حرمة النديم وحقت
…
يا لقومي للسوأة السواء
فاصدقوني وقد خبرتم وقد ثا
…
بت إليكُم جوائبُ الأنباءِ
هل علمتم من معشرٍ سافهونا
…
ثمَّ عاشوا صفحًا ذوي غلواء
كم أزالت رماحنا من قبيل
…
قاتلونا بنكبة وشقاء
بعثوا حربنا إليهم وكانوا
…
في مقام لو أبصروا ورخاء
ثم لما تشذرت وأنافت
…
وتصلوا منها كريه الصلاء
طلبوا صلحنا ولات أوانٍ
…
أليبت إلى أن قال:
أَبَديءُ أَنْ تقتلوا إذ قتلتم
…
أم لكم بسطةٌ على الأكفاء
أم طمعتم بأن تريقوا دمانا
…
ثم أنتم بنجوةٍ في السماء
فلحى اللهُ طالبَ الصلحِ منا
…
ما أطاف المبس بالدهناء
قوله: لم يهب حرمة النديم إلخ .. أورده صاحب "الكشاف" عند قوله تعالى: (كيفق يواري سوأة أخيه)[المائدة/ 31] على أنَّ السوأة ما يقبح كشفهن والسواء: وصف مؤكد للسوأة، كقولهم: الليلة الليلاء. ويهب: من الهيبة، والمعنى: أنه لم يعظم حرمة الصاحب، وحقت تلك الحرمة أن تهاب، ثم نادى قومه ليعجبهم من هذه الفعلة القبيحة التي هي هتك حرمة النديم. وقد أنشد صاحب "الكشاف" عجز هذا البيت فقط. قال الطيبي: لم أظفر بصدره، ولا بقائله. وجوائب الأنباء: جمع جائبة من الجوب وهو القطع، قال صاحب "الصحاح": يقال: هل جاءكم [من] جائبة خبر، أي: خبر يجوب الأرض من بلد إلى بلد. والأنباء جمع نبأ كالخبر وزنًا ومعنى. وقوله: سافهونا، من السفه وهو ضد الحلم، وصفحًا: إعراضًا عنهم، وذوي حال من الواو في عاشوا، والغلواء: النشاط والبطر، وقوله: لو أبصروا "لو" للتمني، وتشذرت بالشين والذال المعجمتين، قال صاحب "الصحاح"، يقال: تشذَّر فلان: إذا تهيأ للقتال، وتشذَّر القوم في الحرب، أي: تطاولوا. وأنافت: زادت، وتصلوا: مبالغة صلي بالنار: إذا وجد حرّها، والصلاة ككتاب: حر النار.
وقوله: طلبوا صلحنا .. الخ، جواب لما. ومن العجائب قول العيني: طلبوا فعل وفاعله مستتر فيه. وقوله: ولات أوان، في محل الحال من الصلح، وأن مصدرية بتقدير الباء يقال: أجابه بكذا، وقال السيوطي: هي تفسيرية، والبقاء: اسم من قولهم أبقيت على فلان إبقاءً: إذا رحمته، وتلطفت به، والمشهور أنَّ الاسم منه البقيا بالضم، والبقوى بالفتح، وقال العيني وتبعه السيوطي: المعنى بقاء الصلح. وقوله أبدئ: الهمزة للاستفهام الإنكاري، والنجوة بالنون والجيم: المكان المرتفع، وقوله: فلحى اللهُ .. إلخ .. ، أي: قبح الله، وما مصدرية، ظرفية، وأطاف كطاف بمعنى دار حول الشي، والمبس: حادي الإبل، وهو اسم فاعل من
أبسستُ الإبلَ، إذا زجرتها، والدهناء بالمدَ: موضع في بلاد تميم.
وأبو زُبيد اسمه: المنذر بن حرملة الطائي، قال أبو حاتم في كتاب "المعمرين" وابن قتيبة في كتاب "الشعراء" وغيرهما: عاش أبو زبيد مائة وخمسين سنة، وكان نصرانيًا، ومات على نصرانيته، واستعمله عمر بن الخطاب رضي الله عنه على صدقات قومه، ولم يستعمل نصرانيًا غيره، وقد بسطنا الكلام في المسألة، والقصيدة وترجمته في شرح الشاهد الثاني والثمانين بعد المائتين من شواهد الرضى، وفي الشاهد الثمانين بعد المائتين منها.
وأنشد بعده:
ألا رجلٍ جزاهُ اللهُ خيرًا
…
يدلُّ على محصلةٍ تبيتُ
على أنَّ قوله: "رجل" مجرور بمن، قال الصاغاني في "العباب": روي بالجر على تقدير مضاف، تقديره: ألا دلالة رجل، أي: ألا تحصلون لي دلالة رجل، ويدل على هذا المحذوف في البيت "يدلّ" لا على إضمار من، لما يلزمه من إعمال الجار محذوفًا مع كونه زائدًا. انتهى.
وقد أنشده المصنف في بحث "ألا" بالنصب، وشرحناه هناك في الإنشاد الثاني بعد المائة.