الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بها عليه، رأى وجهًا جميلًا وخلقًا نبيلًا، فألقى إليها قضيبًا كان في يده، فنكّست لتأخذه، فرأى منها جسمًا بهره، فلمّا همَّ بها، أعلمه الأذن أنَّ رسول الحجّاج بالباب، فأذِنَ له، ونحّى الجارية، وأعطاه كتابًا من عبد الرحمن. فكتب إليه عبد الملك جوابه، ثم ثاب يقلّب كفَّ الجارية، ويقول: ما أفدتُ فائدةً أحبَّ إليَّ منكِ، فتقول: فما بالك، وما يمنعك يا أمير المؤمنين؟ فقال: ما قاله الأخطل لأني إن خرجت منه. كنت الأمَ العرب:
قومٌ إذا حاربُوا شدُّوا مآزِرَهُمْ
…
دونَ النساءِ ولو باتت بأطهارِ
فما إليك سبيلٌ، أو يحكُم اللهُ بيننا وبين عدوِّ اللهِ عبدِ الرحمن بن الأشعث، فلم يقربها حتى قتل عبد الرحمن. انتهى باختصار.
وأصل قولِ الأخطل من الحُطَيئة، فإنّه قال:
إذا هَمَّ بالأعداءِ لم يثنِ همَّه
…
كَعَابٌ عليها لؤلؤ وشفوف
حصان لها في البيت زيٌّ وبهجةٌ
…
ومشيٌ كما تمشِي القطاةٌ قطوفٌ
ومثلُهُ قولُ كثير عزَّة:
إذا ما أرادَ الغزوَ لم يثنِ همَّهُ
…
حصانٌ عليهَا عِقْدُ دُرٍّ يزينُها
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الثَّامن عشر بعد الأربعمائة:
أَرَى وأسمَعُ ما لو يسمَعُ الفِيلُ
على أنَّ المراد من المضارع هنا المضيّ، لأنَّ المقصود فرض سماعه الآن. وهذا المصراعُ من قصيدة كعب بن زهير المشهورة بـ "بانت سعاد" مدح بها
النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وقد تقدَّم بيت منها مع خبر القصيدة في الإنشاد العشرين بعد الثلاثمائة، وصدره:
لقدْ أقومُ مقامًا لو يقُوُم بهِ
…
أرى وأسمَعُ ما لو يسمَعُ الفِيلُ
لظَلَّ يُرْعَدُ إلا أنِ يكونَ لهُ
…
منَ الرسولِ بإذنِ اللهِ تنويلُ
وهذا التفات من خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الإخبار عن نفسه، وإظهار مقدار ما في قلبه من خوفه من النبي صلى الله عليه وسلم إذ كان أهدر دمه. ومقام: ظرف مكان، وجملة "لو يقوم" صفة له، والباء بمعنى في متعلق بيقوم، وأبى مع فاعله المستتر، ومفعوله المحذوف، أي: أرى ما لو يراه الفيل: حالٌ من ضمير "أقوم". وقوله: لظلّ يرعد. جوابٌ لـ "لو" الأولى وهو دال على جواب "لو" الثانية المقدَّرة في صلة معمول أرى، ولو الثالثة الواقعة في صلة مفعول أسمع، والفيل فاعل ليقوم، أو يسمع على التنازع، وليس بين أرى وأسمع تنازع في المفعول، وهو: ما لو يسمع، إذ ليس المراد: أرى ما لو يسمعه الفيل: بل المراد: أرى ما لو رآه الفيل، لظلَّ يُرعدُ، وأسمع ما لو سمعه، لظلَّ يرعد. ويُرعد بالبناء للمفعول، يقال: أرعد فلان إذا أخذته الرِّعدة، والمضارع يقتضي تجدُّد الفعل ودوامه، والتنويل: العطاء، والمراد به الأمان، والعفو عنه، وخصَّ الفيل تهويلًا وتعظيمًا لقوَّته وضخم جسمه وعظم اسمه. وأقوم في موضع الماضي، والتقدير: لقد قمتُ مقامًا صفتُه كذا.
حتى وضعتُ يميني لا أنازِعُهُ
ليتناسب أطرافُ الكلام، فيكون الفعلُ وغايتُه من نوع واحد.