الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وصداح: مبالغة صادح، من صدح الديك والغراب صدحًا، أي: صاح، قاله الجوهري، وأنشد البيت، وأذباح: جمع ذبح بالكسر: وهو ما يذبح.
ولبيد: صحابي تقدمت ترجمته في الإنشاد الواحد والستين. وعمه أبو براء شاعر فارس جاهلي.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الرابع والثلاثون بعد الأربعمائة:
(434)
لو يشأ طار به ذو ميعةٍ
…
لاحقُ الآطالِ نهدٌ ذو خصلْ
على أن جماعة منهم ابن الشجري قالوا: إن "لو" تجزم في الشعر كما في هذا البيت، والذي بعده. قال ابن مالك في "التسهيل" في فصل لو: واستعمالها في المضي غالبًا، فلذا لم يجزم بها إلا اضطرارًا، وزعم اطراد ذلك على لغة. انتهى.
وقال في "شرح الكافية": وأجاز الجزم بها في الشعر قوم منهم ابن الشجري، واحتج بقول الشاعر: لوْ يشأ طارَ بهِ
…
البيت. وهذا لا حجة فيه، لأن من العرب من يقول: جايجي، وشايشا بترك الهمزة، فيمكن أن يكون قائل هذا البيت من لغته ترك همزة يشاء ثم ابدل الألف همزة، كما قيل في عالم عألم، وخاتم خأتم، وكما فعل ابن ذكوان في (تأكلُ منسأتهُ) (سبأ/34) حين قرأ:(منسأته) بهمزة ساكنة، فهو في الأصل منسأة مفعلة، من نسأة، أي: زجره بالعصا، ولذلك سميت منسأة، فأبدل الهمزة ألفًا، ثم أبدل الألف همزة ساكنة، فعلى ذلك يحمل قوله: لو يشا. وأما قول الآخر: تامت فؤادك لو يحزنك .. البيت، فهذا من تسكين ضمة الإعراب تخفيفًا، كما قرأ أبو عمرو (وَيَنْصُرْكُمْ)(التوبة 7/ 14)(وَيُشْعِرْكُمْ)(النعام/ 109) وكما قرأ بعض السلف (وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ)(الزخرف/ 80) بسكون اللام. انتهى كلامه. وقال أبو حيان في شرح
"التسهيل": "وزعم اطراد ذلك على لغة" ما نصه: وأجاز الجزم بها في الشعر جماعة منهم ابن الشجري، واحتج بقول الشاعر السابق، فعلى هذا يكون في "لو" مذاهب:
أحدها: أنها لايجزم بها في الكلام، ولا في الشعر.
الثاني: أنه يجزم بها في ضرروة الشعر.
الثالث: أنه يجزم بها على اطراد في لغة. انتهى.
وأورد ابن الشجري البيت الشاهد في موضعين من "أماليه"، الموضع الأول في المجلس الثامن والعشرين، قال فيه: بيت للرضي من قصيدة رثى بها أبا إسحاق إبراهيم ابن هلال الكاتب الصابئ:
إنَّ الوفاءَ كما اقترحت فلوتكن
…
حيًا إذنْ ما كنتَ بالمزدادِ
جزم بلو، وليس حقها أن يجزم بها، لأنها مفارقة لحروف الشرط، وإن اقتضت جوابًا كما تقتضيه "إن" الشرطية، وذلك أن حرف الشرط ينقل الماضي إلى الاستقبال، كقولك: إن خرجت غدًا خرجنا، ولا تفعل ذلك لو، وإنما تقول:
لو خرجت أمس خرجنا، وقد جاء الجزم بلو في مقطوعة لامرأة من بني الحارث بن كعب:
فارسًا ما غادروه ملحمًا
…
غير زميلٍ ولا نكسٍ وكلْ
لوْ يشأ طاربهِ ذو ميعةٍ
…
لاحق الآطالِ نهدٌ ذو خصلْ
غير أنَّ البأسَ منهُ شيمةٌ
…
وصروفُ الدهرٍ تجري بالأجل
انتهى. وكتب ابن الخشاب في هامش النسخة بخطة: ليس للرضي، ولا لأمثاله أن يرتكب ما يخالف الأصول، ولكن لو جاء مثل هذا عن العرب في ضرورات شعرهم، لاحتمل منهم، وذلك أن "لو" وإن كانت تطلب جوابًا كما يطلبه حرف الشرط، ليست موجبة للاستقبال كإذا، بل يقع بعدها الماضي للماضي، كما يقع
المستقبل للمستقبل، فلا يجزم بها البتة، وليس في قوله: يشأ شاهد على الجزم بلو، ولكنه مقصور غير مهموز، كما يقصر الممدود في الشعر. انتهى.
والموضع الثاني في المجلس الأربعين، قال فيه: ولو من الحروف التي تقتضي الأجوبة، ويختص بالفعل، ولكنهم لم يجزموا به، لأنه لا ينقل الماضي إلى الاستقبال، كما يفعل ذلك حروف الشرط، وربما جزموا به في الضرورة، قالت امرأة من بني الحارث بن كعب:
فارسًا ما غادروهُ ملحمًا
…
الأبيات الثلاثة.
واقتدى بها في الجزم به أبو الحسن الرضي، رضي الله عنه، في قصيدة رثي بها أبا إسحاق إبراهيم بن هلال الصابئ:
إنَّ الوفاءَ كما اقترحتَ فلو تكنْ
…
البيت. انتهى.
وكتب هنا أيضًا ابن الخشاب: قد تقدمت هذه الأبيات، وذكره في "لو يشاء" الجزم، وجعله إياها حجة للرضي في الجزم بلو، وقد رددت ذلك هناكبما يغني عن الإعادة. انتهى.
والأبيات الثلاثة أوردها أبو تمام، في آخر باب المراثي من "الحماسة" منسوبة إلى تلك المرأة الحارثية، ولم يتكلم شراحه بما يتعلق بجزم "يشأ" ووقع "فارس" في روايى "الحماسة" وشروحها بالرفع، ورواه ابن الشجري بالنصب ويجوز فيه الرفع وتبعه ابن الناظم، رواه في باب الاشتغال بالنصب، وقال ابن الخشاب فيما كتبه على "أمالي ابن الشجري": الرواية برفع "فارس"كذا رواه أبو زكريا عن المعري وغيره، وكذا قرأناه على الشيوخ عنه. قال ابن الشجري: الرواية نصب "فارس" بمضمر يفسره الظاهر، وما صلة، والمفسر من لفظ المفسر، لأن المفسر متعد بنفسه إ"لى ضمير المنصوب، ولكن لو تعدى بحرف جر، أضمرت له من معناه دون لفظه، كقولك: أزيدًا مررت به؟ التقدير أجزت زيدًا؟ لأنك إن أضمرت "مررت" أضمرت الدار، وذلك مما لا يجوز، فالتقدير إذن: غادروا فارسًا، ويجوز رفع فارس بالابتداء،
وجملة غادروه وصف له، وغير زميل: خبره، ولا موضع من الإعراب في وجه النصب لجملة "غادروه" لأنها مفسرة، فحكمها حكم الجملة المفسرة، وحسن رفع فارس بالابتداء وإن كان نكرة، لأنه تخصص بالصفة، وإذا نصبته نصبت غير زميل وصفًا له، ويجوز أن يكون وصفًا للحال التي هي ملحمًا، والملحم: الذي ألحمته الحرب وذلك أن ينشب في المعركة، فلا يتجه له منها مخرج، ويقال للحرب: الملحمة، والزميل: الجبان الضعيف، والنكس من الرجال: الذي لا خير فيه مشبه بالنكس من السهام وهو الذي ينكسر فوقه، فيجعل أعلاه أسفله، والوكل: الذي يكل أمره إلى غيره، والميعة: النشاط، وأول جري الفرس، وأول الشباب، والآطال: الخواصر، واحدهما إطل وقد يخفف، وهو أحد ما جاء من الأسماء على فعل ومنه إبل، ولاحق الآطال، أي: قد لصقت إطلة بأختها من الضمر، وجمعت الإطل في موضع التثنية وذلك أسهل من الجمع في موضع الوحدة، كقولهم: شابت مفارقة، ولو قالت: لاحق الإطلين، بسكون الطاء أعطت الوزن والمعنى حقهما، والنهد من الخيل: الجسيم المشرف، وقولها: غير أن البأس، نصب غير على الاستثناء المنقطع، والبأس: الشدة في الحرب، والشيمة: الطبيعة، وصروف الدهر: أحداثه. انتهى كلامه.
وأقول: المناسب أن يكون "فارس" خير ضمير المرثي، فإن المراد ذكر ما يتعلق به من الصفات الحميدة لا الإخبار عن فارس بكذا وكذا، و"ما" صلة للتفخيم، كقولهم: لأمرٍ ما يسود، وفسر أبو زكريا "ملحمًا" بضم الميم بقوله: طعمة للسباع، وهو حال من الهاء في غادروه، وضبطه بعضهم بفتح الميم، وفسره بهذا التفسير، وضبطه آخر بضم الميم، وفتح الجيم، أي: مقيدًا كالفرس الملجمة، فلا تقدر على التصرف في نفسها. والزميل، بضم الزاي وفتح الميم المشددة، وسكون الياء، والنكس، بكسر النون، والوكل، بفتح الواو والكاف، ولاحق: بمعنى ضامر.
يقول: لو شاء، لأنجاه فرس له ذو نشاط.
وقوله. غير أن البأس .. إلخ، هو من تأكيد المدح بما يشبه الذم، يقول: لو اختار الفرار، لأمكنه، لكنه كان سجيته البأس والأنفة من العار بالفرار فثبت، وبالأجل حال، وقيل: الباء للتعدية، أي: تجري الأجل، وعلى هذا اقتصر أبو زكريا.