الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأزهري لمالك بن زُغْبة الباهلية، وإنما هو لجزء بن رياح الباهلية. قال السيوطي: ثم وقفت على القصيدة بتمامها في "القصائد الأصمعيات"، وعزاها لأبي شقيق الباهلي، واسمه جزء بن رباح الباهلي قالها في يوم إرمام وهي نيّف وعشرون بيتًا، ثمَّ أورد بيتين من أوّلها. وجزَء، بفتح الجيم وسكون الزّاء المعجمة بعدها همزة، ورياح بالمثناة التحتية، ولم أر في أيّام العرب يوم إرمام، وذكره ياقوت في "معجم البلدان" قال: إرمام اسم جبل في ديار باهلة بن أعصُر، وقيل: إرمام واد من ديار بني أسد، وقيل: واد بين الحاجر وفيد، ويوم إرمام من أيام العرب. انتهى. ولم يضبطه على خلاف عادته، والذي قاله أبو عبيد البكري في "معجم ما استعجم": إرمام بكسر أوَّلِه وبميمين كأنّه مصدر أرمّ إرمامًا: موضع في ديار طيَ أو ما يليها. انتهى.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الخمسمائة:
إنِ العقلُ في أموالِنَا لا نضِقْ بها
…
ذِرَاعًا وإنْ صبْرًا فنصبِرُ للصَّبْرِ
على أنَّ فعل الشرط محذوف تقديره: إن يكن العقل، وإن نُحبسْ حبسًا. كذا رواه ابن الشجري في المجلس الثامن والستين من "أماليه" وقدر المضمر، وتبعه المصنف، فيكون المحذوف في الأول فعل الشرط فقط، والعقل فاعله، والمحذوف في الثاني جملة الشرط من الفعل والفاعل، ويكون الصبر بمعنى الحبس، وهذا خلاف ما رواه سيبويه، أورده في باب ما يضمر فيه الفعل المستعمل إظهاره بعد حرف، قال فيه بعد أن مثل بقولك: المرء مقتول بما قتل به إن خنجرًا فخنجر، وإن سيفًا
فسيف، وزعم يونس أنَّ العرب تنشد هذا البيت لهدبة:
فَإنْ تَكُ في أموالِنَا لا نَضِقْ بها
…
ذِرَاعًا وإنْ صبْرٌ فنصبرُ للصَّبرِ
والنصب فيه جيّد بالغ على التفسير الأوَّل، والرفع على قوله: وإن وقع صبر، وإن كان فينا صبر فنصبر. انتهى. قال الأعلم: "الشاهد فيه حمل ما بعد إن على إضمار فعل مع جواز الرفع والنصب فيه، وتقدير الرفع: إن وقع صبر، وتقدير النصب: إن كان الذي يقع ويجب صبرًا. انتهى.
وقال ابن خلف: الشاهد أنه رفع صبرًا بإضمار كان، وجعلها سيبوية تامّة لا تحتاج إلى خبر محذوف، ذكره سيبويه في أوَّل هذا الباب، وليس في كلّ شيء من هذا الباب تقع كان تامّة نحو قولهم: المرء مقتول بما قتل به .. الخ، لا يحسن فيه أن يقال: إن وقع خنجر، وإن حدث خنجر، والمعنى: إن كان فيما قتل به خنجر لا يحسن فيه إلَاّ كان الناقصة. انتهى. وكذا رواه المبرد في أواخر "الكامل".
وهو من أبيات لهُدْبة بن خشرَم قالها عند معاوية، وذلك أنَّ هُدبة قتل ابن عمه زيادة بن زيد، فرفعه أخوه عبد الرحمن بن زيد إلى ابن العاصي، وكان أمير المدينة، فكره سعيد الحكم بينهما فأرسلهما إلى معاوية بالشام، فلمّا صارا بين يديه، قال عبد الرحمن: يا أمير المؤمنين، أشكو إليك مظلمتي وقتل أخي، فقال معاوية لهدبة: ما تقول؟ قال هدبة: أتحب أن يكون الجواب شعرًا أم نثرًا؟ قال: بل شعرًا، فإنّه أنفع، فقال هُدبة:
ألا يا لقومي للنوائبِ والدَّهْرِ وللمرء يُرْدِي نفسَهُ وهوَ لا يدري
إلى أن قال:
فلمَّا رأيتُ أنما هي ضربةٌ
…
من السيفِ أو إغضاءُ عينٍ على وِتْرِ
عمدْتُ لأمرِ لا يُعَيِّرُ والدِي
…
خَزَايَتُهُه ولا يسَبُّ به قبرِي
رُمينا فرامينَا فصادَفَ سَهْمُنا
…
منيةَ نفسٍ في كتابٍ وفي قَدْرِ
فَمَا تقضِ فينا اليومَ بالحقِّ لا يبُؤْ
…
بخزيٍ ولا يخرُجْ عنِ الحقِّ من شِبرِ
وأنتَ أميرُ المؤمنينَ فما لنَا
…
وراءَكَ مِنْ مَعْدىً ولا عنكَ منْ قصرِ
فإِنْ تَكُ في أموالِنَا لا نضِقْ بهَا
…
البيت
فقال له معاوية: أراك قد أقررت يا هُدبة، قال: هو ذاك، فقال له عبد الرحمن: أقدني، فكره ذلك معاوية، وضنَّ بهُدْبة عن القتل، وكان ابنُ زيادة صغيرًا، فقال له معاوية: وما عليك أن تشفي صدرك، وتحرِم غيركّ ثم وجه به إلى المدينة، فقال: يحبس إلى أني بلغ ابن زيادة، وقد ذكرنا بقية خبره إلى أن قُتل في الإنشاد الواحد والثلاثين بعد المائة.
قال ابن خلف: يقول: رمينا من جهة بني عمّنا، فراميناهم، فأصاب رميُنا من لم نرد قتله منهم إلا أنه كان قد قضى عليه القتل، يقول: وأنت أمير المؤمنين، والغاية في الحكام، فما لنا وراءك من معدىً، أي: من مُتَجاوزٍ، يعني: أنّه ليس فوقك من يحكم من أحد، وينظر في أمور الناس نتجاوزك إليه، والأمراء والحكّام والولاة كلّهم من قِبَلِكَ، ولا عنك من قصر، أي: لا يمكننا أن نقصر عنك في إتيانك، فنأتي غيرك، فما تقض فين اليوم لا يبوء بخزي، أي: لا يرجع بخزي في شيء تقضيه علينا، لأنه لا بدَّ من التزام أمر السلطان، وقوله: ولا يخرج عن الحق من بشر، يقول: لا يخرج قضاؤك عن الحق قدر شبر، ففي يخرج ضمير القضاء، وإن لم يجر ذكره، لأن قوله: فما تقض يدل عليه، وكذلك ضمير تك للدية، لأنها معلومة من المقام، والصبر: القتل موثقًا. انتهى. والعقل في رواية المصنف: الدية أيضًا، قال الأصمعي: سميت عقلًا تسمية بالمصدر، لأنَّ الإبل كانت تعقل بفناء ولي القتيل، والمال عند العرب: الإبل، وضاق بالأمر ذرعًا وذراعًا: عجز عن احتماله، وهما طاقة الإنسان التي يبلغها، والخزاية، بالفتح: الفضيحة، وقصر، بالضم: التقصير، ويبوء: مضارع باء بمعنى: رجع.