الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القصيدة في الجاهلية "التيمية" وتفضلها، وتعدها من حكمها. قال ابن قتيبة في ترجمته من كتاب "الشعراء": كان الحجاج تمثل يوم رستقباذ على المنبر بأبيات منها، وهي:
ربَّ منْ أنضجتْ غيظًا قلبهُ
…
قد تمنى لي موتًا لم يُطمع
ويراني كالشجى في حلقهِ
…
عسرًا مخرجهُ ما ينتزعْ
مزبدٌ يخطرُ ما لمْ يرني
…
فإذا أسمعتهُ صوتي انقمعْ
قد كفاني اللهُ ما في نفسهِ
…
ومتى ما يكفِ شيئًا لمْ يضعْ
لمْ يضرني غيرَ أنْ يحسدني
…
فهو يزقو مثلَ ما يزقو الضوعْ
ويحييني إذا لاقيتهُ
…
وإذا يخلو لهُ لحمي رتعْ
كيفَ يرجونَ سقاطي بعدما
…
جللَ الرأس مشيبٌ وصلعْ
والشجا: عظم يعترض في الحلق، ومزيدٌ من أزبد، والخطر: تحريكُ اليدين في المشي والاختيال بهما، وانقمع: دخل بعضه في بعض، والضوع بضم الضاد المعجمة: ذكر البوم، ويزقو: يصيح، ورتع: أكل، والسقاط بالكسر: الفترة، يقول، على طريق التعجب: كيف يؤملون فترتي وسقطي وقد بلغت هذه السن.
وأنشد بعده:
فكفى بنا على منْ غيرنا
…
حبُّ النبيَّ محمدٍ إيانا
وتقدم شرحه في الإنشاد السابع والخمسين بعد المائة.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الثالث والثلاثون بعد الخمسمائة:
(533)
إني وَإياكَ إذْ حلتْ بأرحلنا
…
كمنْ بواديهِ بعدَ المحلِ ممطورِ
على أن "من" نكرة موصوفة بممطور، أي: كشخص ممطور، قال سيبوبه: قال الخليل رحمها الله تعالى: إن شئت جعلت "من" بمنزلة إنسان،
وجعلت ما بمنزلة شيء نكرتين، وزعم أن هذا البيت عنده مثل ذلك:
وكفىَ بنا فضلًا على منْ غيرنا
…
البيت
ومثل ذلك قول الفرزدق:
إني وإياكَ إذ حلتْ بأرحلنا
…
البيت.
قال أبو علي في "التعليقة" على الكتاب قوله: "كمن بواديه" كرجل بواديه، فقولك: بواديه صفة لمن، وليس بصلة، والدليل على أن من في هذا البيت نكرة وصفه إياه بممطور وهو نكرة. انتهى.
والبيت من قصيدة للفرزدق مدح بها يزيد بن عبد الملك وهجا يزيد بن المهلب وقبله:
إليكَ من ثفن الدهنا ومعقلةٍ
…
خاضتْ بنا الليل أمثال منثور
مستقبلين شمال الشام نصربنا
…
بحاصبٍ كنديف القطن منثور
على عمائمنا يلقى وأرجلنا
…
على زواحف نزجيها محاسير
إني وإياك إن بلغن أرحلنا
…
كمن بواديه بعد المحل ممطور
وفي يمينك سيف الله قد نصرت
…
على العدو ورزق غير محظور
وقد بسطت يدًا بيضاءَ طيبةً
…
للناس منك بفيضٍ غير منزور
قوله: إليك من ثفن الدهنا إلى آخره. الدهنا: رمال بين البصرة ومكة لبني تميم، والقوارير جمع قرقور وهي السفينة الطويلة، وقيل: العظيمة، شبه الإبل بالسفن، وظلام الليل بالبحر، والمشي فيه بالخوض. وثفن بفتح المثلثة وكسر الفاء، قال شارح ديوانه السكري: ثفن الدهنا: وسطها، ومعقلة: خبراء بالدهنا تنبت السدر وتمسك الماء، والخبري: الأرض التي تمسك الماء. انتهى.
وقوله: مستقبلين إلى آخره: حال من ضمير بنا، والشمال، بالفتح: ريح معروفة، والحاصب: ما تناثر من دقاق الثلج والبرد، وقوله: على عمائمنا، متعلق بـ "يلقى"، وأرجلنا بالجر معطوف على عمائمنا، وهو جمع رجل. والزواحف: الإبل المعيية، من زحف البعير: إذا أعيا، ونزجيها: نسوقها، ومحاسير: جمع محسور وهو البعير الذي يعينا من شدة السوق.
وقوله: إني وإياك، هذا خطاب أيضًا ليزيد بن عبد الملك، والنون في "بلغن" ضمير الإبل، ورواه سيبوبه: إذ حلت بأرحلنا، وحلت: نزلت، وأرحل: جمع رحل، وهو هنا أثاث المسافر ومتاعه الذي يستصحبه في السفر، أراد: إني إذا حططت رحالي إليك، كرجل كان واديه ممحلًا، فمطر، والباء متعلقة بممطور، وليس في البيت ما يعود إلى إياك، ونظيره:
…
فإني وجروةَ لا ترودُ ولا تعارُ
أخبر عن جروة ولم يخبر عن نفسه، ويقدر في مثل هذا ما يعود إلى الاسم الآخر، كأنه قال: كإنسان مطر بخيرك. وكأن الأعلم لم يقف على ما قبله من الأبيات، فإنه قال: وصف خيالًا طرقه، وحل رحله ورحال أصحابه فسر به سرور المحتاج إلى الغيت إذا نزل له، هذا كلامه. وبعد تلك الأبيات:
يا خيرَ حيٍ وقتْ لهُ قدمًا
…
وميتِ بعدَ رسلِ مقبورِ
إِنِّي حَلَفْتُ وَلَمْ أَحْلِفْ عَلَى فَنَدٍ
…
فِنَاءَ بَيْتٍ مِنَ السَّاعِينَ مَعْمُورِ
في أكبر الحجّ حافٍ غير منتعلٍ
…
من حالفٍ محرمٍ بالحجّ مصبور
بالباعث الوارث الأموات قد ضمنت
…
إيّاهم الأرض في دهر الدّهارير
إذا يثورون أفواجًا كأنّهم
…
جراد ريحٍ من الأجداث منشور
لو لم يبشّر به عيسى وبّينه
…
كنت النّبيّ الذي يدعو إلى النّور
فأنت إن لم تكن إيّاه صاحبه
…
مع الشّهيدين والصّدّيق في السّور