الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَما تَكُ يَا ابْنَ عبدِ اللهِ فينَا
…
فلا ظُلْمًا نخافُ ولا افتِقَارَا
قال: يريدكم كنت فينا، فأدخل "ما" على "كم" هذا لفظ كتابي عن أبي بكر. انتهى.
وترجمة الفرزدق تقدمت في الإنشاد الثاني من أوَّل الكتاب.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الثاني بعد الخمسمائة:
ومَا بأْسَ لَوْ رَدَّتْ علينَا تحيَّةً
…
قَليلٌ على من يعرِفُ الحقَّ عابُهَا
على أنَّ تركيبها مع النكرة تشبيهًا لها بلا نادر. قال أبو حيان في "تذكرته": بنى بأس مع ما كما بناها مع لا، وهذا قليل لم نره إلَاّ في هذا البيت. انتهى. والبأس: الشدَّة، وقليل: خبر مقدَّم، وعابها: مبتدأ مؤخر، وألعاب والعيب سواء، ووقع في "الارتشاف" و"التذكرة" نصب قليل على أنَّه نعت تحيّة، وعابها: فاعل قليل، وتخريج الدماميني لهذا البيت بما ذكره خلاف المتبادر.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الثالث بعد الخمسمائة:
أجارَتَنَا إنَّ الخُطُوبَ تَنُوبُ
…
وإنِّي مُقِيمٌ مَا أقامَ عسيبُ
على أنَّ ما مصدرية زمانية، ومن الغريب قول ابن الحاج في نقد "المقرِّب" لابن عصفور: إني تأملت ما المصدرية، فلاح لي أنه لا وجود لها، وإنما هي موصولة
يراد بها المصدر، وحذف الضمير معها كثير لأمر خاص بالمصدر لا يتسع لي الآن ذكره، ومما يدل على أنه لا وجود لها أنه لا يقال: يعجبني ما لا يقوم زيد، كما يقال: أن لا يقوم زيد، ونص أبو علي على أنه يقال: ما لا أقوم، وفي قوله هذا عندي نظر. انتهى كلامه. وبعده:
أجارَتَنَا إنَّا غريبانِ ههُنا
…
وكلُّ غريبٍ للغريبِ نسيبُ
الهمزة: للنداء، والخطوب جمع خطب، الأمر الشديد ينزل، وتنوب: مضارع نابه بمعنى أصابه، قال الأزهري في "تهذيب اللغة": عسيب: جبل بعالية نجد معروف يقال: لا أفعل كذا ما أقام عسيب. انتهى. وقال ابن دُريد في "الجمهرة": عسيب: جبل معروف، وأنشد هذا البيت، وقال الزمخشري في كتاب "الأماكن": عسيب: جبل لقريش، والبيتان لامرئ القيس، وفي "العباب" للصاغاني: وعسيب: اسم جبل قيل إنَّ امرأ القيس لما سُمَّ وأحسَّ بالموت عند هذا الجبل أمر أن يدفن بجنب قبر امرأة كانت دفنت هناك، وأنشد البيتين، وقال ابن الحباب السعدي، في كتاب "مساوئ الخمر": قدم امرؤ القيس أنقرة، فأقام بها مدنفًا يعالج قروحه، قال: ونزل إلى جنب جبل يقال له: عسيب، وإلى جنبه قبر لابنة بعض الرّوم، فسأل عن القبر، فأخبر به، فقال:
أجارتنا إنَّ الخطوب .. إلى آخر البيتين.
أقول: شعره لا يدلُّ على أنه دفن عند جب لاسمه عسيب، وإنما ذكر عسيب هنا مثلًا لطول مكثه في المكان الذي دفن فيه، وليس في أنقرة جبل اسمه عسيب، وأنقرة من بلاد الروم يقال لها: عمورية وأنكورية، وعسيب من جبال بلاد العرب، قال أبو عبيد البكري في "معجم ما استعجم": عسيب، بفتح أوَّله وكسر السّين غير المنقوطة بعدها ياء معجمة باثنتين من تحها وباء معجمة بواحدة: جبل قد تقدَّم
ذكره، وتحديده في رسم النقيع، وهو في ديار بني سليم إلى جنب المدينة المنورة، وهناك قبر صخر بن عمرو أخي الخنساء، وهو القائل:
أجارتَنَا لسْتُ الغَدَاةَ بِظَاعِنٍ
…
ولكنْ مُقيمٌ ما أقامَ عسيبُ
انتهى. وقال الحازمي في كتاب "المؤتلف والمختلف في أسماء الأماكن":
عسيب بالسهين المهملة: جبل حجازي دفن عنده صخر أخو الخنساء، قالت الخنساء: أجارتَنَا لستُ الغَدَاةَ بظاعنٍ
…
البيت.
انتهى. والصواب: أنَّ البيت لصخر لا للخنساء، قال الأخفش جامع ديوان الخنساء: لما يئس صخر من نفسه قال:
أجارَتَنَا إنَّ الخُطوبَ قريبُ
…
على الناسِ كلَّ المخطئينَ تُصيبُ
أجارَتَنَا إنَّ تسأليني فإنَّني
…
مُقيمٌ لَعَمْرِي مَا أقامَ عسيبُ
كأني وقد أدنُو لِحَزِّ شِفارِهِمْ
…
من الصَّبْرِدَامي الصَّفْحَتَيْنِ نكيبُ
فمات فدفنوه إلى جنب عسيب، وعسيب جبل في بلاد بني سُليم إلى جنْبِ المدينة فها هو ذاك قبره معلمًا، والمعلم: المعروف الذي عليه علامة. انتهى. وشعر صخر وارد على أسلوب شعر امرئ القيس، وليس في شعره ما يدل على أنه مدفون بجنب عسيب، وإنما الخبر أثبته.