الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأنشد بعده وهو الإنشاد التاسع والعشرون بعد الأربعمائة:
إذا ابنُ أبي موسى بلالًا بلغتِهِ
تمامه:
فقامُ بفأسٍ بينَ وصليكِ جازِرُ
على أنه روي برفع ابن، فيقدر له فعل رافع له على النيابة عن الفاعل، كما قدره، وبلال ينبغي أن يكون بالرفع، لأنه بدل من ابن، أو بيان له، وقد رأيته مرفوعًا في نسختين صحيحتين مقروءتين من "إيضاح" الشعر" لأبي علي الفارسي، إحداهما بخط ابن جني، وفي نسخ "المغني" نصبه مع رفع ابن، وقدر له الدماميني فعلًا آخر، أي: إذا بلغ ابن أبي موسى بلغت بلالًا بلغته، وتكلفه ظاهر مستغنى عنه، فإنَّ بلالًا تابع لابن رفعًا ونصبًا، فالمخالفة إنما جاءت من الناسخ، وروي بنصب ابن أيضًا قال سيبويه: والنصب عربي كثير، والرفع أجود. قال أبو جعفر النحاس: قد غلَّطه المبرد في الرفع، لأنَّ "إذا" بمنزلة حروف المجازاة، فلا يجوز أن يرتفع ما بعدها بالابتداء، وقال أبو إسحاق الزجاج: الرفع فيه بمعنى إذا بلغ ابن أبي موسى بلال. انتهى. وقوله: فقام بفأس .. إلخ، هذا جواب إذا، ودخلت الفاء على الفعل الماضي، لأنه دعاء كما تقول: إن أعطيتني، فجزاك الله خيرًا، ولو كان خيرًا لم تدخل عليه الفاء، وجازر: فاعل قام من جزرتُ الناقة: إذا نحرتها، والذي اتخذ النحر صنعة جزّار، وصنعة الجِزارة بالكسر. والبيت من قصيدة لذي الرّمة مدح بها بلال بن أبي موسى الأشعري، وقبله يخاطب ناقته:
أقولُ لها إذْ شمَّرَ السيرُ واستوَتْ
…
بها البيد واستنت عليها الحرائر
شمر السير: جد، واستوت بها البيد، أي: لا علم بها يهتدي به، واستنت: اطردت وتتابعت، والحرائر جمع حرور: وهي ريح السموم.
وبلال من الطبقة الخامسة من التابعين مات سنة نيف وعشرين ومائة، قال ابن حجر في "تهذيب التهذيب": هو أمير البصرة وقاضيها، روى عن أنس فيما قيل: وعن أبيه، وعمه أبي بكر، وروى له الترمذي حديثًا واحدًا، وذكره البخاري في "الأحكام"، وذكره [أبو العرب] الصقلي في كتاب "الضغفاء"، قال خليفة بن خياط: ولَاّه خالد القسري القضاء سنة تسعة ومائة، وحكي عن مالك بن دينار أنه قال لما ولي القضاء: يالكِ أمة هلكت ضياعًا، فلم يزل قاضيًا حتى قدم يوسف بن عمر سنة عشرين ومائة فعزله. وروى المبرد أن أول من أظهر الجور من القضاة في الحكم بلال، وكان يقول: إن الرجلين ليختصمان إليَّ، فأجد أحدهما أخفَّ على قلبي، فأقضي له. وروى ابن الأنباري أنه مات في حبس يوسف بن عمر. وأنه قتله دهاؤه. قال للسجان: أعلم يوسف أني قد مت، ولك مني ما يغنيك، فأعلمه. فقال يوسف: أحب أن أراه ميتًا، فرجع إليه السجان، فألقى عليه شيئًا فغمه حتى مات. انتهى.
وروي المرزباني في "الموشح" عن الجرجاني، عن المبرد، عن التوزي أنه قال: أنشد ذو الرمة قصيدته في بلال. فلما بلغ قوله:
إذا بن أبي موسى بلالًا بلغته .. البيت.
قال له عبد الله بن محمد بن وكيع: هلَاّ قلت كما قال سيّدك الفرزدق:
قدِ استبطأتُ ناجيةً ذَمُولًا
…
وإنَّ الهَمَّ بي وَبِها لَسَامِي
أقولُ لناثتي لمَّأ ترامتْ
…
بنا يدٌ مُسَرْبَلَةُ القَتَامِ
إلامَ تلفتين وأنتِ تحتي
…
وخيرُ الناسِ كلِّهِمُ أمَامِي
متى تردِي الرُّصافةَ تستريحي
…
من التصديرِ والدَّبْرِ الدَّوامِي
انتهى.
وأقول: الفرزدق قد سلك طريقة الأعشى ميمون في مدح النبي صلى الله عليه وسلم وهو قوله:
فآليتُ لا أرثي لها من كلالةٍ ولا من حفيً حتى تُلاقي مُحمَّدا
متى ما تُنَاخي عندَ بابِ ابن هاشمٍ
…
تُراحي وتلقَى من فواضِلِهِ نَدَى
وذُو الرمّة مأخذه من قول الشماخ:
رأيتُ عرابةَ الأوسي يسمُو
…
إلى الخيراتِ منقطعَ القرينِ
إذا ما رايةٌ رُفِعَتْ لمجدٍ
…
تلقَّاها عرابةُ باليمينِ
إذا بلغتني وحملتِ رَحْلي
…
عرابةَ فاشرَقي بِدَمِ الوتينِ
وقد عاب بعضُ الرواة قوله: فاشرقي بدم الوتين، فقال: كان ينبغي أن ينظرَ لها مع استغنائه عنها، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله! إني نذرت إن نجوت عليها أن أنحرها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لبئسما جزيتها"، وقال صلى الله عليه وسلم:"لا نذر في معصية الله جل وعز، ولا نذر للإنسان في غير ملكه"، وقد استقصينا ما قيل على الطريقتين، وبسطنا الكلام على مسألة البيت