الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الخامس والخمسون بعد الأربعمائة:
(455)
فَجِئتُ قُبُورَهُمْ بَدْءاُ وَلَمَّا
…
فَنَاديتُ القُبُورَ فَلَمْ تُجِبْنَهْ
على أن مجزوم لمّا محذوف تقديره: ولما أكن بَدْءًا، أي: سيّدًا، والأوْلى كما قدره الجعبري: ولمَّا أَسُدْ، والبدءُ، بفتح الموحدة وسكون الدال بعدها همزة: السيد، سمّي به لأنه يُبدأ به في العدّ وغيره، يقول: ما كنت سيدًا حين قتلوا، بل صرت سيّدًا بعدهم، وهذا كقول حارثة بن بدر الغداني:
خَلَتِ الدِّيَارُ فَسُدْتُ غيرَ مُسَوَّدِ
…
ومِنَ العَنَاء تَفَرُّدِي بالسُّؤدُدِ
وبعده:
وكيف تُجيبُ أصداء وهامٌ
…
وأبدانٌ بُدِرِنْ وما نخِرْنَه
والأصداء: جمع صدى بالقصر، وهو ذكر البوم يسكن القبور، وكذلك الهام جمع هامة، والهامة: طير من طيور الليل، وبُدرن بالبناء للمفعول، أي: طعن في بوادرهم، والبادرة: النحر، وقوله: وما نخرنه، من نخر العظم نخرًا من باب تعب: إذا بلي وتفتّت، وقبلهما ثلاثة أبيات أخر، وهي لرجل من بني أسد، وقد شرحناها شرحًا وافيًا في الإنشاد الثامن والسبعين بعد المائة.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد السادس والخمسون بعد الأربعمائة:
(456)
احْفَظْ وَدِيعَتَكَ التي استودعتهَا
…
يَوْمَ الأَعازِبِ إنْ وصَلْتَ وَإنْ لَمِ
على أن مجزوم لم قد حذف لضرورة الشعر، تقديره: وإن لم تصل. قال أبو حيان في "تذكرته": قد حذفوا الفعل بعد لم حملًا على لمّا، قال ابن هرمة:
احفظ وديعتك
…
البيت، يريد: وإن لم تصل. انتهى.
وأنشد ابن عصفور في كتاب "الضرائر" قول ابن هرمة أيضًا:
وعَلَيْكَ عَهْدُ اللهِ إنَّ بِبَابِهِ
…
أَهْلُ السَّيَالةِ إنْ فَعَلْتَ وإنْ لَم
يريد: وإن لم تفعل، ثم قال: وإنما لم يُجز الاكتفاء بلم، وحذف ما تعمل فيه إلا في الشعر لأنها عامل ضعيف، فلم يتصرفوا فيها بحذف معمولها في حال السعة، بل إذا كان الحرف الجار وهو أقوى في العمل منه، لأنه من عوامل الأسماء، وعوامل الأسماء أقوى من عوامل الأفعال لا يجوز حذف معمولها، فالأحرى أن لا يجوز ذلك في الجازم، فإن قيل: فلم جاز الاكتفاء بلما، وحذف معمولها في سعة الكلام وهي جازمة، فالجواب: أن الذي سوَّغ ذلك فيها كونها نفيًا لـ"قد" فعل" ألا ترى أنك تقول في نفي: "قد قام زيد": لما يقم، فحملت لذلك على قد، فكما يقال: لم يأت زيد، وكان قد، أي: وكأن قد أتَى، فيكتفى بقد، فكذلك أيضًا قالوا: قاربت المدينة ولما، أي: ولما أدخلها، فاكتفوا بلما. انتهى كلامه باختصار.
وقوله: احفظ: أمر، واستودعها على بناء المفعول، ويوم الأعازب: لم أقف عليه في كتب أيام العرب.
وابن هرمة بفتح الهاء وسكون الراء بعدها ميم، وهو إبراهيم بن علي بن سلمة بن عامر بن هرمة، قال الأصمعي: ساقة الشعراء: ابن ميّادة، وابن هرمة، ورُؤبة، وحكم الخُفريّ حي من محارب، وقد رأيتهم أجمعين، وهم آخر من يحتج بشعرهم، وابن هرمة من مخضرمي الدولتين، مدح الوليد بن يزيد، ثم أبا جعفر المنصور، وكان منقطعًا إلى الطالبين، وكان مولده سنة سبعين، ووفاته في خلافة الرشيد بعد الخمسين ومائة تقريبًا، وله في آل البيت أشعار لطيفة منها قوله:
ومَهْمَا أُلامُ على حُبِّهِمْ
…
فإنِّي أُحبُّ بني فاطِمَهْ
بَني بِنْتِ مَنْ جاءَ بالمُحْكما
…
تِ والدَّينِ والسُّنَّةِ القائمهْ
وترجمته في "الأغاني" طويلة.