الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأنشد بعده:
رُبَّمَا الجَاهِلُ المُؤَبَّلُ فِيهِمْ
تمامُه:
وعَنَاجِيحُ بينَهُنَّ المِهَارُ
وتقدَّم شرحه في الإنشاد الرابع عشر بعد المائتين.
وأنشد بعده:
كمَا سيفُ عَمْرٍو لمْ تخُنْهُ مَضَارِبُهْ
صدره:
أخٌ ماجِدٌ لَمْ يخزِني في يومَ مشهدٍ
وتقدَّم الكلام عليه في الإنشاد الثالث والتسعين بعد المائتين.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الحادي عشر بعد الخمسمائة:
فَلَئِنْ صِرْتَ لا تُحِيرُ جَوَابًا
…
لَبِمَا قَدْ تُرَى وَأَنْتَ خَطِيبُ
على أنَّ ما كفّت الباء عن العمل، قال أبو حيان في "شرح التسهيل": قال المصنف في الشرح: وتحدث ما الكافة في الباء معنى ربما فمعنى:
لبِمَا قَدْ تُرَى وَأَنْتَ خَطِيبُ
ربما قد ترى، ومثله قول كثير:
مَغَانٍ يُهَيِّجْنَ الحَليمَ إلى الهوَى
…
وَهُنَّ قَدِيماتُ العُهُودِ دوَائِرُ
بما قَدْ أَرَى تِلْكَ الدِّيَار وأَهْلَهَا
…
وَهُنَّ جَمِيِعَاتُ الأنيسِ عَوَامِرُ
أرادَ: ربما أرى، وقد مع المضارع يفيد هذا المعنى، ولكن اجتمعتا توكيدًا،
كما اجتمعت عن والباء التي بمعناها في قول الشاعر:
فأصبحْنَ لا يَسْألْنَه عَنْ بما بِهِ
انتهى. وما ذهب إليه من أنَّ فيما ذكر كافة، وأنها أحدثت معنى التقليل غير صحيح، بل "ما" في ذلك مصدرية، والباء السببية المجازية، والمعنى على التكثير لا على التقليل، ونظيره قول الآخر:
فَلَئِنْ فَلَّتْ هُذَيْلٌ شَبَاهُ
…
لَبِمَا كَانَ هُذَيْلًا يَفُلُّ
والفعل الذي تعلّق به الباء مقدّر قبلها، والتقدير:"لانتفاء إحارتك جوابًا برؤيتك وأنت خطيب". "وهنَّ قديمات العهود دواثر برؤيتي تلك الديّار". لفلّته بما كان يفلّها" والسببيَة ظاهرة في هذا البيت، وأمّا في البيتين قبله، فسبب خرسه بالموت كونه كان خطيبًا في الحياة، إذ ينشأ عن الحياة الموت، إذ مصير كلَ حيّ إلى الممات، وكذلك البيت الثاني سبب دثور الديار كونها كانت عامرة بأهلها، إذ مصير العمران للخراب، ولذلك جاء:
لِدُوا للموتِ وابنُوا للخرابِ
هذا آخر كلام أبي حيان. وقال تلميذه ناظر الجيش: ولا يخفى أنَّ ما قرره بعيد أن يكون مراد الشاعر، ولكن قول المصنف: إنَّ المراد التقليل غير ظاهر. انتهى.
والبيت من أبيات أوردها أبو علي القالي في "أماليه" قال: أنشدنا أبو عبد الله نفطويه قال: أنشدنا أبو العبّاس أحمد بن يحيى النحوي لمطيع بن إياس الكوفي يرثي يحيى بن زياد الحارثي:
ويُنَادُونَهُ وقدْ صُمَّ عنهُمْ
…
ثمَّ قالوا وللنساءِ نَحِيبُ
ما الذي غَالَ أن تُحِيرُ جَوَابًا
…
أيُّهَا المصقَعُ الخطِيبُ الأديبُ
فلئن كنتَ لا تُحِيرُ جَوَابًا
…
فبما قد تُرَى وأنْتَ خَطيبُ
في مقالٍ وَمَا وعظْتَ بشيءٍ
…
مثلَ وعظٍ بالصمتِ إذْ لا تُجِيبْ
انتهى. ورأيت في "تهذيب الطبع" وهو كتاب في نقد الشعر والبديع لم أعرف مؤلفه، نسبة هذه الأبيات لصالح بن عبد القدوس قال: ولما مات الاسكندر ندبه أرسطاليس، فقال: طالما كان هذا الشخص واعظًا بليغًا، وما وعظ بكلامه موعظة قط أبلغ من موعظته اليوم بسكوته، فأخذه صالح بن عبد القدوس، فقال:
ويُنَادُونَهُ وَقَدْ صُمَّ عَنْهُمْ
…
ثُمَّ قالُوا ولِلنِّسَاءِ نَحِيبُ
مَا الذي عَاقَ أنْ تَرُدَّ جَوَابًا
…
أيها المِقْوَلُ الخطيبُ الأَديبُ
إنْ تكَنْ لا تُطيِقُ رَجْعَ جَوَابٍ
…
فَبِمَا قَدْ تُرَى وَأَنْتَ خَطِيبُ
ذُو عِظَاتٍ وَمَا وَعَظْتَ بشيءٍ
واختصره أبو العتاهية في بيت فقال:
وكانَتْ في حياتِكَ لي عِظَاتٌ
…
فَأَنْتَ اليَوْمَ خَيْرٌ مِنْكَ أَمْسِ
ومثله لإسماعيل بن القاسم:
وكانتْ في حياتِكَ لي عِظَاتٌ
…
فأنتَ اليومَ أوعَظُ مِنْكَ حيّا
انتهى. وقوله: فَبِما قد ترى وأنت خَطِيب، كذا رأيته في الكتابين فبما بالفاء موضع اللام، وهو مبني على مذهب الكوفيين في جعل الجملة لعد لئن جوابًا للشرط دون القسم، ورواية البصريين لَبِما باللام على جعل الجملة جوابًا للقسم المقدر لسبقه لا للشرط، لأنه متأخر عن اللام الموطئة للقسم، وهذا في الحقيقة سبب، والجواب محذوف، أي: لم يقدح في فصاحتك. وأقول: إسماعيل بن القاسم هو الملقب بأبي العتاهية، وقد أنشد المبرد في "الكامل" البيت الأخير من أبيات له وهي:
طَوَتْكَ خُطُوبُ دَهْرِكَ بعدَ نَشْرٍ
…
كَذَاكَ خُطُوبُهُ نُشْرًا وَطَيَّا
فَلَوْ نَشَرَتْ قُوَاكَ لِيَ المَنَايَا
…
شَكَوْتُ إِلَيْكَ مَا صَنَعَتْ إلَيَّا
بَكَيْتُكَ يَا أُخَيَّ بِدَمْعِ عَيْنِي
…
فلَمْ يُغْنِ البُكَاءُ عَلَيْكَ شَيَّا
كَفَى حُزنًا بِدَفْنِكَ ثُمَّ إنِّي
…
نَفَضْتُ تُرَابَ قَبْرِكَ عَنْ يَدَيَّا
وكانَتْ في حَيَاتِكَ لي عِظَاتٌ
…
فَأَنْتَ اليَوْمَ أَوْعَظُ مِنْكَ حَيَّا
وكان إسماعيل بن القاسم لا يكاد يًخلي شعره مما تقدَّم من الأخبار والآثار، فينظم ذلك الكلام المنشور، ويتناوله أقرب متناول، ويسرته أخفى سرقة. فقوله:
فَأَنْتَ الْيَوْمَ أَوْعَظُ مِنْكَ حَيَّا
إنما أخذه من قول الموبذِ الحاضر لقُبّاذ حيث مات، فإنه قال في ذلك الوقت: كان الملك أمس أنطق منه اليوم، وهو اليومَ أوعظُ منه أمس، وأخذ قوله:
قَدْ لَعَمْرِي حكيْتَ لي غُصَصَ المَوْ
…
تِ وحَرَّكْتَني لَهَا وَسَكَنْتَا
من قول نادب الإسكندر، فإنَّه لما مات، بكى من كان بحضرته، فقال نادبه: حركنا بسكونه. انتهى كلام المبرد. وكذا روى هذه الأبيات لأبي العتاهية ابن عبد ربه في "العقد الفريد" وعليّ بن أبي الفرج في "الحماسة البصرية" وقال أبو علي القالي في "ذيل الأمالي": حدَّثنا أبو بكر قال: حدَّثنا ابن الأنباري، قال: حدَّثنا أبو الحسن الأسدي، قال: حدَّثنا الرياشي، عن العتبيَّ عن أبيه، قال: رأيت امرأة بِضَرِيّة جالسة عند قبر تبكي وتقول:
ألا مَنْ لي بِأُنْسِكَ يَا أُخَيَّا
…
وَمَنْ لي أَنْ أَبُثَّك مَا لَدَيَّا
طَوَتْكَ خُطُوبُ دَهْرٍ بَعْدَ نشرٍ
…
كذَاكَ خُطُوبُهُ نَشْرًا وَطَيَّا
إلى آخر الأبيات، والله أعلم بحقيقة الحال.
وقوله: وينادونه وقد صُمَّ عنهم بالبناء للمفعول، والنحيب: رفع الصوت بالبكاء، وغال بالغبن المعجمة بمعنى: أهلك، وأن تحير مفعوله، أي: ما الذي أهلك ردّ جوابك، وروي بدله "عاق" من العوق"، وهو المنع والتأخير، وتحير مضارع أحار الجواب بالحاء المهملة، أي: رده، والمصقع بكسر الميم: الجهير الصوت، وترى بالبناء للمفعول، أي: كثيرًا ما ترى خطيبًا واعظًا بلسان الحال، فإن من نظر إلى ما كنت عليه، وما أُلت إليه، اتعظ بذلك.
ومطيع بن إياس أبو سلمى الكناني الكوفي، قدم بغداد، وصحب المنصور والمهدي من بعده، وكان شاعرًا ماجنًا، ورمى بالزندقة، كذا في "تاريخ بغداد".
وأما يحيى بن زياد الحارثي، فهو يحيى بن زياد بن عبيد الله [بن عبد الله] بن عبد المدان بن الديان الحارثي الكوفي، وزياد بن عبيد الله هو حال أبي [العبّاس] السفاح، ويكني يحيى أبا الفضل، وكان يعرف بالزنديق، وكانوا إذا وصفوا إنسانًا بالظرف قالوا: هو أظرف من الزنديق، يعنون يحيى، لأنه كان ظريفًا، وهذا المعنى قَصَدَ أبو نواس بقوله:
تِيهُ مُغَنٍّ وَظَرْفُ زِنْدِيقِ
قال الصولي: وإنما قال ذلك، لأنَّ الزنديق لا يَرَعُ عن شيءٍ، ولا يمتنع مما يُدعى إليه، فنسبه إلى الظرف لمساعدته على كلّ شيء، وقلة خلافه كذا في "أمالي السيد المرتضى" قدَّس الله روحه.
وأمّا صالح بن عبد القدّوس أبو الفضل البصري مولى الأزد، فهو أحد الشعراء، اتهمه المهدي بالزندقة، فأمر بحمله إليه، فلمَّا خاطبه، أعجب بغزارة أدبه وعلمه، وبراعته وحسن ثباته، وكثرة حكمته، فامر بتخلية سبيله، فلمّا ولي، ردّه، وقال له ألست القائل: