الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الثامن والعشرون بعد الأربعمائة:
ولو قلَمٌ أُلقيتُ في شقِّ رأسِهِ
…
مِنَ السُّقْمِ ما غيَّرْتُ مِنْ خطِّ كاتِبِ
على أنِّ المتنبي قد قيل: إنه قد لحن في هذا البيت، لأنه لا يمكن أن يقدر: ولو ألقي قلم. هو قول أبي حيان قال في "شرح التسهيل": فأما قول أبي الطيب المتنبي: فلو قلم ألقيت
…
البيت فلحن، لأنه لا يمكن أن يقدر: لو ألقي قلم، وصار نظير: إن زيد ضربت بسيفه كان كذا، ولهذا لحن، لأنه لا يمكن حمله على تقدير فعل. انتهى. وقول المصنف: وأقول روي بنصب "قلم" يروي بالرفع والنصب، ولكل وجه، ولكن النصب هو الوجه، لأن "لو" ههنا حرف شرط يقتضي الفعل لازمًا مثل "إن" كما يجب النصب في مثل: إنَّ زيدًا تضرب غلامه أضربه، فكذلك ههنا وهو من باب ما اشتغل فيه الفعل عن المفعول بضميره، وإنما جاء وهمُ الرفع عند قائله من جهتين: منها أنه لم يعد الفعل المفسر إلا بحرف الجر، ولم يدخل على المضمر العائد على الأول إلا بواسطتين، ومنها، وهو أظهرها إيهامًا: أنه جاء على صيغة ما لم يسم فاعله، فتوهم أنه مثل قولك: لو زيد ذهب به، لكان كذا. أما كونه لم يعد بنفسه، فليس بشيء، إذ لا فرق بين قولك في وجوب نصب: إن زيدًا ضربته، وإن زيدًا مررت به، وأما كونه لم يدخل على المضمر إلا بواسطتين فغير معتبر أيضًا، وإنما المعتبر وجود الضمير معدّى إليه الفعل، أو إلى ما يتعلق به بنفسه، أو بواسطة
حرف الجر، ألا ترى أنه لا فرق بين قولك: إن زيدًا ضربته، وإن زيدًا ضربت غلامه، وإنما يجيء اللبس عند الضعفاء من جهة فهمهم أنه يقدر مثل ذلك الفعل، كقولك: زيدًا ضربته، أو ما في معناه من كل وجه، كقولك: زيدًا مررت به، لإمكان: جاوزت زيدًا، وليس الأمر كما توهموه، بل يقدر مثل الفعل إن أمكن، أو ما في معناه من كل وجه إن تعذر نفس الفعل، أو الملابسة إن تعذر الأمران مثل هذه المسألة التي نحن فيها.
وأما كونه جاء على ما لم يسم فاعله، فليس بمستند، إذ لا فرق بين نصب: الدرهم أعطيت له، وبين نصب: الدرهم أعطيته، وإنما المعتبر كون الفعل معدى إليه تعدي الناصب، وليس "زيد ذهب به" مثله؛ لأن الفعل لم يتعدَّ إليه تعدي الناصب، لأن الجار والمجرور في موضع رفع، فوجب الرفع لذلك، إذ شرط النصب كون الفعل معدى إلى المضمر، أو إلى ما يتعلق به تعدي الناصب، نعم لو قلت: الثوب كسيته، لجاء جواز النصب، وكل موضع يجوز النصب فيه إذا طرأ فيه ما يوجب الفعل وجب النصب، فتبين أن النصب واجب في قوله: ولو قلمًا، على تقدير: ولو لابست قلمًا ألقيت في شق رأسه، ولو قيل: ولو قلم ألقي به، وشبهه لوجب الرفع، وكان مثل ذلك: زيد ذهب به، لما تقدم من أن تعلقه بما يتعلق بالضمير على غير وجه تعدي الناصب، ولو قيل: إنه ليس من هذا الباب، وإنما هو من باب ما حذف منه فعله لكثرته في الكلام كقولهم: ائتني بدابة ولو حمار أو شبهه، فيكون التقدير: ولو كان قلم. ويكون ألقيت في موضع رفع صفة لقلم، لا أنه جيء به لتفسير فعل محذوف، كأنه قيل: ولو كان قلم أنا ملقىً في شق رأسه لما غير، إلا أنه ليس بالكثير، ولا بالظاهر في هذا، ولأن المفهوم من القائل: لو ألقيت في شق القلم، لا لو كان قلم. وقوله: من السقم متعلق بألقيت لا بغيرت، وإن كان المعنى يقوي غيرت لو ساعد الأمر اللفظي عليه، وعلى أن المعنى في تعلقه بألقيت مستقيم، أما كونه لا يصح تعلقه بغيرت، فلأن ما في حيز جواب الشرط لا يتقدم على الجواب، كما أن ما في حيز الشرط لا يتقدم عليه باتفاق، ألا ترى أنه لا يجوز أن تقول: إن
تضربني في الدار أحسنت إليك، على أن يكون في الدار متعلق بأحسنت، بل يحكم قطعًا بأنه متعلق بتضربني، فكذلك هذا، على أن ثم مانعًا آخر، وهو أن ما في حيز النفي لا يتقدم عليه، إلا أنه لا ينبغي أن يستمسك به هنا لما وقع من الخلاف في مثله، لتقدم الظروف عليه، لاتساعهم فيه.
وأما بيان أن المعنى يستقيم بتعلقه بألقيت، فمن جهة صحة تعليله به، لأن إلقاءه فيه إنما صح من أجل السقم الذي هو عليه، ولولا ذلك لم يمكن باعتبار الطريق الذي يقصده الشعراء في استعمال الأوهام. وجواب لو قوله: ما غيرت، واللام محذوفة، وحذفها سائغ، فصيح في القرآن والشعر. كقوله تعالى:(لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا)[الواقعة/ 70]، وقوله: من خط كاتب، مبالغة من وجهين: أحدهما أنه أتى بمن المشعرة بالتبعيض. كأنه قال: ما غيرت شيئًا أصلًا. أو بمن الزائدة للتأكيد، وهي تقتضي تقوية ذلك المعنى. والثاني: أنه أتى بكاتب نكرة، ليفيد التعميم في كل خط لكل كاتب. وهو أبلغ من أن يكون مختصا فيها، أو في أحدهما. انتهى كلام ابن الحاجب برمته، وجميعه جيد إلا قوله: واللام محذوفة. فإن جواب لو المنفي لا يدخله اللام إلا قليلًا، والفصيح تركه. وقول المصنف: وقد يعلق بغيرت .. إلخ، يوهم صحة تعلقها به مع أنه لا يصح، لأن ما في حيز الجواب لا يجوز تقدمه، كما نبه عليه ابن الحاجب، فكان الأولى بتلخيص المصنف أن يقتصر على هذا، وكان المقدرة الرافعة لقلم تامة. ولم يكتب الواحدي على هذا البيت شيئًا أصلًا، وهو من قصيدة مدح بها أبا القاسم طاهر بن الحسين العلوي، مطلعها:
أعِيدُوا صباحي فهوَ عندَ الكواعبِ
…
ورُدُّوا رُقادي فهو لحظُ الحبائبِ